قادتني الأقدار إلى إنشاء حساب أو على الأصح تنشيط حساب لي قديم كان
مهملاً على "الفيس بوك"، لم يكن دافعي أكثر من الفضول كي اتعرف على هذا
"الفيس" الذي أصبح حديث الساعة بين عشية وضحاها، فصار يستقطب أكثر من
300 مليون مستخدم عبر العالم، وحتى لا أتهم بالتخلف والرجعية لأني لا
أملك حسابًا على "الفيس بوك"، خاصة وأنني أبتليت ببعض زملائي في العمل
من المولعين بهذا الفيس، وكنت دائمًا ما أسمعهم يتحدثون عنه في "الباص"
كل صباح، ونحن في طريقنا إلى مقر "إسلام أون لاين"، عليه رحمة الله،
فكنت بينهم أشبه بالأطرش في الزفة.
استجمعت قوتي على خوض غمار هذا الموقع الذي صار شهيرًا، ونحن
المصريون كالذباب ـ على حد وصف بعض إخوتنا في الخليج ـ ما إن يجذبنا
شيئا حتى نعتاده، فكان العسل بالنسبة لي هذه المرة هو الفيس بوك،
وبمجرد تنشيط صفحتي التي انضم إليها عشرات من أصدقائي وزملائي في
المهنة إلى جانب بعض المثقفين والكتاب من هنا وهناك، حتى أعتدت على هذا
الفيس، وأعجبت حقيقة بما يتيحه من تواصل اجتماعي سهل، فكنت "أُصبح" على
معارفي في الصباح وأمسي عليهم في المساء، وبين الحين والآخر أكتب حكمة
ما، أو طرفة أو نصيحة، أو ربما حديث نبوي شريف، كي أخفف عنهم وعن نفسي،
ويعلم الله أنني لم أكن أفعل أكثر من ذلك.
إلا أنني فوجئت منذ يومين، ودون سابق إنذار، برسالة تخبرني بأن
صفحتي قد أغلقت!! يا المصيبة!، لم أصدق بالطبع، ظنًا أن هذه الرسالة
وصلتني بطريق الخطأ، خاصة وقد كنت أحسب نفسي ضيفا خفيفا، ومستخدم ملتزم
للفيس بوك.. إلا أنه وبعد عدة محاولات تأكد لي أنني هو بالفعل الذي قرر
الفيس أن يغلق الأبواب أمامه.
لم أتمهل، فأرسلت رسالة بلغتي الأم، أخبر فيها الأعزاء في إدارة
الفيس بوك أنني فوجئت بهذا الإجراء الذي لا أحسبكم أيها الكرام إلا
أتخذتموه بطريق الخطأ، فردوا أن: أرسل رسالتك بأي من اللغات التي نتلقى
الرسائل بها، وليس العربية من بينها بالطبع، مع أنهم يتيحون استخدام
هذه اللغة في موقعهم، فترجمت الرسالة إلى الإنجليزية وأرسلتها، وكان
ردهم ـ والحقيقة تقال ـ سريعا، إلا أنه صارم وموجع في نفس الوقت.
"تم تعطيل حسابك نظرًا لانتهاكه "بيان الحقوق والمسؤوليات" الخاص
بموقع فيس بوك. لا يتم السماح بمحتوى يتضمن صورًا إباحية أو محتوىً
جنسيًا صريحًا أو أية محتويات جنسية أخرى، ولا بوجود أي محتوى آخر
يشتمل على أذى نفسي أو يصور العنف أو هجوم على فرد أو مجموعة. بالإضافة
إلى ذلك، يُحظر مضايقة الآخرين من خلال إرسال طلبات صداقة أو رسائل غير
مرغوب فيها. لسوء الحظ، لن نتمكن من إعادة تنشيط حسابك أو الرد على
رسالتك الإلكترونية مباشرة. وهذا القرار نهائي ولا يمكن إعادة النظر
فيه... شكراً على اتصالكم بفيس بوك".
لم أكد أنتهي منها حتى أُسقط في يدي... علم الله أنني لم أفعل أي من
هذه المحظورات، باستثناء إرسالي طلبات لمن هم في قائمتي البريدية وتلقي
مثلها من أصدقائي وبعض معارفي، وهي الفكرة التي أظن أن هذا الموقع
الاجتماعي قام عليها، فكيف تكون عليها نهاية حسابي؟!.
الحكم الذي أصدره إخوتنا في الفيس بوك، وهو حكم افتراضي في عالم
افتراضي، كما يقال، كان متعجلاً، وكان أيضا حكما قاسيا على نفسي، وهي
قسوة حقيقية وليست افتراضية، خاصة بعدما أطمأننت إلى أن أصدقائي
وزملائي هم معي في كل وقت فقط بضغطة "زر" بفضل جهود الفيس التي لم أكن
أحسبه يضن بها سريعا هكذا.
قرأت في السابق عن صفحات لمشاهير أغلقها الفيس بوك أغلبهم من
الإسلاميين، كزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ورئيس وزراء حركة حماس
في غزة إسماعيل هنية، والقيادي الإسلامي السعودي عوض القرني، فقلت
مشاهير يصارع بعضهم بعضا، لكن ما دخلي أنا؟... ولم أكن في السابق أعبأ
بما يقال على "الفيس" من أنه موقع استخباراتي، يستفيد منه جهاز الموساد
الإسرائيلي، في ظل الكم الهائل من المعلومات المتاحة عن المشتركين فيه
من العالمين العربي والإسلامي، خاصة بعد المشاركة الفاعلة لإدارته في
احتفالات الكيان الصهيوني بمناسبة اغتصاب فلسطين، فضلا عن انتهاكه
خصوصية مستخدميه، لكن بعد الذي فعله معي سوف أصدق عليه كل ما يقال، بل
وسوف أحذر منه كل من أعرفهم، لأنه موقع ليس له أمان، رغم هذه الشهرة
التي حققها، وهذه المكاسب التي جناها سريعا.
وأكثر ما يثير حنقي على الفيس أن إدارته كانت قد رفضت مطالبات أكثر
من 400 ألف عضو مسلم مشارك في الموقع لإلغاء مجموعتين مناهضيتن للإسلام
والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ما دعا بعض الشُبّاب العرب إلى
مقاطعته، احتجاجاً على هذه الإهانة، واستنكر منظمو الحملة وقتها وجود
عدد كبير من الصفحات التي تروج للإباحية، رغم أن قوانين الموقع لا تسمح
بذلك، ولم يتم إلغاء حساباتها.
والآن أكتب هذه الرسالة أملا في أن أجد مشفقا من أصحاب الأيادي يشفع
لي عند فيس بوك، لعله يتراجع عن قراره، وإن كنت لا أظنه يفعل، أو اهتدي
إلى أحد من اخوتي أصحاب السبق على هذا الفيس يدلني إلى نصيحة، أو لعلها
تجد صداها عند عربي من أصحاب الشهامة، فيهب إلى تدشين بديل عن هذا
الفيس يغنينا عن التطفل على موائدهم... ثم لا يسعُني إلا أن أعزي نفسي
على فقدي هؤلاء الكرام الذين كانت عيني تكتحل برؤيتهم صباح مساء، فرق
الله شمل من فرق. |