تتفاعل أزمة تشكيل الحكومة العراقية يوما ً بعد الآخر وتزداد تعقيدا
ً كلما طالت مدة التفاوض بشأن تشكيلها. وقد حاولت أطراف عدة الإدلاء
بدلوها في إطار إيجاد حل مناسب لجميع الأطراف . ففي حين دعى البعض إلى
تقاسم الفترة الزمنية لرئاسة الوزراء بين كل من السيد نوري المالكي
والدكتور أياد علاوي دعى البعض الآخر إلى تشكيل مجلس للحكم جديد يضم
ممثلين عن القوائم الفائزة في هذه الانتخابات.
وفي الوقت الذي يتعنت فيه كل طرف بموقفه ويحتج على الآخر بتفسير
معين للدستور يتناسب ورغبته للحصول على حقيبة رئاسة الوزراء فإن البلاد
على عتبة منعطف جديد أقله تدخل أممي لحسم الخلاف.
وقبيل أن يكون اللجوء إلى الخارج حلا ً لمشكلات الداخل تجري مفاوضات
اللحظة الأخيرة للإبقاء على العملية السياسية في العراق على قيد
الحياة. وقد يكون من المفيد بمكان الاستماع إلى كل الافكار الإيجابية
المطروحة على الساحة بعيدا ً عن التشنج السياسي آخذين بالاعتبار حسن
النوايا السياسية لهذه الأطراف.
ومن خلال الحديث إلى عدد من المفكرين والسياسيين العراقيين يتبين
بأن الرغبة في إيجاد حل لهذه الأزمة موجودة ولكنها تصطدم ببعض
التصريحات التي تخرج بين الفينة والأخرى للضغط على حزب معين من جهة
أولتلميع صورة كيان سياسي من جهة أخرى. وتبدو الصورة أوضح عندما تتحدث
مباشرة إلى من يشارك في هذه العملية السياسية وتتفهم منهم وجهة نظرهم
ومخاوف كل طرف من تجربته مع الأطراف الأخرى. وتكتشف عندها بأن الأزمة
الحقيقية في عراق اليوم هي أزمة ثقة متبادلة.
وأحاول اليوم أن أطرح جملة من الحلول التي استقيتها من نقاشات
سياسية جرت وما تزال مع أطراف سياسية في العراق وخارجه. هذه الحلول
أوالأفكار تعتمد على مبدأين مهمين هما:
أولا ً- الدستور: فعلى الرغم من اختلاف التفسير المتعلق بالكتلة
الفائزة والعديد من الثغرات الأخرى التي يتفق من اجتمع على كتابته على
وجودها إلا أنه يرسم الخطوط العريضة لحركة السياسة العراقية وتشريعاتها.
ثانيا ً- وجهات النظر السياسية ومخاوف كل طرف من الطرف الآخر.
فالحوار السياسي الذي يجري اليوم يفتقد إلى الطرف الذي يجمع جميع
الافكار ويقولبها في بوتقة العراق الواحد الذي يجمع كل المشاركين في
العملية السياسية.
وقد يكون أيا ً من هذه الأفكار التي نحاول طرحها مرفوضا ً من جميع
الأطراف موضوع الخلاف إلا أنه بكل تأكيد سيكون مفيدا ً جدا ً لبناء
أفكار أخرى أكثر قربا ً من هذا الكيان أو ذاك الإئتلاف. وهي بالتأكيد
ليست أشد وقعا ً من المحاصصة التي تحكم عراق اليوم ويخالفها كل من شارك
في وضعها وصياغتها. لكنها بالتأكيد تراعي هذا الواقع المرير للسياسة في
العراق وتحاول إخراج البلاد من نفق مظلم يسير بالبلاد إلى نهاية غير
معلومة النتائج.
الاقتراح الأول لحل أزمة رئاسة الوزراء يعتمد على احتساب نتائج
الكتل الفائزة في الانتخابات كمصدر لاختيار القائمة المكلفة برئاسة
الوزراء ولكنه لا يمنح الحرية المطلقة لهذه الكتلة الفائزة. فالقائمة
العراقية التي يرأسها الدكتور أياد علاوي تحصل على منصب رئيس الوزراء
وست وزارات من بينها وزارة سيادية واحدة . في حين يحصل إئتلاف دولة
القانون برئاسة السيد نوري المالكي على منصبي نائب رئيس الجمهورية
ومنصب نائب رئيس الوزراء وعشرة وزارات من بينها حقيبة سيادية واحدة.
أما الإئتلاف الوطني العراقي فيحصل على منصب نائب رئيس الوزراء وست
وزارات من بينها وزارة سيادية واحدة.
ويحتفظ التحالف الكردي برئاسة الجمهورية وست وزارات من بينها وزارة
سيادية واحدة. في حين يبقى ثمانية وزارات من بينها وزارة سيادية واحدة
توزع على الكتل الأخرى الفائزة.
ويضاف إلى هذا التوزيع الوزاري جملة من الشروط أهمها تمتع كل من
نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بصلاحيات أكبر تخولهم وضع فيتوعلى
بعض القرارات بعد أخذ موافقة المجلس الأمني الموجود حاليا ً في العراق.
أما الاقتراح الثاني وهو ايضا ً مبني على مبدأي الدستور والثقة
المتبادلة فإنه جديد من نوعه ويراعي اختلاف التفسير الدستوري من قبل كل
من القائمة العراقية ودولة القانون. وهو يعطي حقيبة رئاسة الوزراء إلى
كل من الإئتلافين مع مراعاة حق الكتل الأخرى. فبدلا ً من توزيع الفترة
الزمنية لرئاسة الوزراء بين العراقية ودولة القانون يشارك كل منهما في
هذه الحقيبة لكن بدور محدود لكل منهما على حدة. بحيث يكون السيد نوري
المالكي رئيس وزراء لشؤون الداخلية والنفط ويكون السيد أياد علاوي رئيس
وزراء لشؤون الخارجية والدفاع. أما التحالف الكردي فيحتفظ بمنصب رئيس
الجمهورية ونائب رئيس الوزراء ، ويحصل الإئتلاف الوطني العراق على
وزارة المالية ونائب رئيس الجمهورية ( مع إعطاء صلاحيات أوسع لنائبي
رئيس الجمهورية ورئيسي الوزراء). وقد يكون هذا الحل معقدا ً من حيث
المضمون لكنه يمكن أن يكون عمليا ً لو تم إسناده بعدد من الفقرات
القانونية التي تؤطر عمله وتمنع تعطيل كل جهة لعمل الجهة الأخرى.
كموافقة مجمل الوزراء على القرارات المتخذة وإعطاء رئيس الجمهورية الحق
في إضافة صوته لفض النزاع المحتمل بين رئيسي الوزراء.
ويبقى القرار الحاسم بيد هؤلاء الذين يعبرون عن رغبتهم في حل هذه
الأزمة وإخراج العراق من مأزق يتبعه أزمات. والغريب أنك تجد لدى حديثك
مع معظم هؤلاء السياسيين أنهم جادون في إنقاذ العملية السياسية مما هي
عليه اليوم وحتى أنني التقيت بعدد من المسؤولين العراقيين والعرب الذين
عبّروا لي عن أملهم في حل قريب يرضي جميع الأطراف لكنهم كلما اقتربوا
إلى صيغة مشتركة برزت أزمة الثقة مجددا ً على السطح وخاصة ً وأن لدى كل
طرف تجارب سابقة مع الطرف الآخر.
ولا نخفي سرا ً إذا قلنا بأن رغبة الدول الإقليمية في المعادلة
السياسية العراقية تشكل عامل ضغط آخر على جميع الأطراف المشاركة.
فالعراق لا يعيش بمفرده في هذه المنطقة . وقد ذكر لي احد السياسيين
العرب بأن (العراق هاجس يقض مضاجعنا ، فاستقراره علامة استفهام كبيرة
ونحن لا نريد أن نتحالف مع المجهول). إذا ً فالقضية لم تعد مجرد تدخل
لغرض التدخل بل هي مخاوف حقيقية من مستقبل العراق الذي صرنا حتى نحن
العراقيين نجهل بوصلته على مدى سنوات من الزمن.
Sadekalrikaby@gmail.com |