التلفاز.. وحش أليف يلتهم أطفالنا

يزيد من العدوانية ويفضي بالمراهقين إلى السمنة والاكتئاب

 

شبكة النبأ: يتعرض أطفالنا إلى وحش اجتماعي أليف وكاسر في الوقت ذاته اسمه التلفاز حيث يضطر الآباء لترك فلذات أكبادهم بعهدة جليس ساحر مغري لساعات طويلة قد تتجاوز أوقات عمل آبائهم.

وبالفعل فقد أشارت دراسات جديدة إن أطفالنا ومراهقينا يعاقرون مشاهدة التلفاز وممارسة ألعاب الكومبيوتر العنيفة لوقت أطول من وقت الدراسة والنوم والألعاب الرياضية، مما يؤدي بهم إلى التقليد الأعمى لأبطال القصص والبرامج السطحية التي تفضي بهم في النهاية إلى العدوانية والسمنة والاكتئاب.

تدني التحصيل العلمي

ووجدت دراسة كندية أن إكثار الأطفال من مشاهدة التلفاز لا تحرمهم من أنشطة محفزة فحسب، بل تساهم في تدني تحصيلهم العلمي واكتسابهم المزيد من العادات غير الصحية عند التقدم بالعمر.

وتقول الدراسة المنشورة في "أرشيف طب الأطفال والمراهقين" إن كل ساعة إضافية يقضيها الصغار أسبوعياً أمام التلفزيون تترجم بالسلب فوراً على سلوكياتهم داخل الفصول الدراسية، وتدني معدل درجاتهم في مادة الرياضيات والأنشطة البدنية، والإقبال أكثر على عادات غذائية سيئة في سن العاشرة. بحسب سي ان ان.

وتتبع فريق من الباحثين من "جامعة مونتريال" في كيبيك، أكثر من 1300 طفل، على مدى سبع سنوات، وباستخدام استبيانات سجلها الوالدان، قاموا بقياس عدد الساعات التي يقضيها الصغار أمام التلفاز في سن عامين ونصف العام، ومرة أخرى في سن الرابعة والنصف.

وعند بلوغ الصف الرابع، طالب الباحثون طاقم التدريس بتقييم الأداء الأكاديمي للمجموعة، وكيفية  تعاملهم مع أقرانهم، ومدى انتباههم داخل الصف وإتباع إرشادات المدرسين، كما طلبوا من الآباء تحديد الحمية الغذائية لأطفالهم ومعدل الأنشطة البدنية التي يقومون بها.

وكشف الباحثون أن كل ساعة أمضاها طفل عمره عامين ونصف العام، أمام التلفاز قابلها في المقابل تراجع  بواقع 7 في المائة في التفاعل داخل الفصول، و6 في المائة تدني في المستوى بمادة الرياضيات، وتزايدت احتمالات تعرضه للمعاملة القاسية من قبل إقرانه، بنسبة 10 في المائة.

وعلى صعيد ذي صلة قالت ليندا باجاني، بروفيسور علم النفس بجامعة مونتريال: "هذه النتائج تشير إلى أن الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون أكثر من اللازم يتعلمون فقط أن يكونوا مجرد وعاء سلبي."

إدمان التلفزيون مُضر على المدى البعيد

إلى ذلك حذَّر باحثون من جامعتي ميتشيغان في الولايات المتحدة ومونتريال الكندية من أنه كلَّما شاهد التلاميذ التلفزيون، كلَّما تراجع تحصيلهم في المدارس وتأثرت صحتهم سلبا عندما يكونون في العاشرة من العمر.

وقال الباحثون، الذين شملت دراستهم 1300 طفل، أن النتائج السلبية على الأطفال الصغار تزداد مع كل ساعة إضافية يشاهدون خلالها التلفزيون.

وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن أداء التلاميذ في مدارسهم يسوء بسبب كثرة مشاهدة التلفزيون، بينما يزداد استهلاكهم للأغذية ذات القيمة الغذائية المتدنية لنفس السبب.

وقد طلب الباحثون من ذوي التلاميذ تسجيل عدد الساعات التي كان يمضيها أطفالهم يوميا أمام شاشة التلفزيون عندما كانوا في الشهر التاسع والعشرين من العمر، وكذلك عندما بلغوا سن الرابعة وخمسة أشهر.

وجاءت الإجابات لتقول إن معدَّل مشاهدة الأطفال للتلفزيون في سن الثانية من العمر كان دون التسع ساعات في الأسبوع، بينما ارتفع الرقم إلى حوالي 15 ساعة أسبوعيا لمن هم في سن الرابعة. بحسب سي ان ان.

وعندما عاد الباحثون ليراقبوا الأطفال في سن العاشرة، طلبوا من مدرِّسيهم تقييم أدائهم الأكاديمي وتحصيلهم العلمي وسلوكهم وتطورهم الصحي، ومؤشر نمو أوزانهم.

ووجد العلماء ثمة صلة وثيقة بين مشاهدة الأطفال للتلفزيون عندما كانوا في الثانية من العمر وبين المستوى المتدني من انخراطهم في الأنشطة الصَّفية في مدارسهم، بالإضافة إلى تدني تحصيلهم في مادة الرياضيات.

وقال الباحثون إنه من كان يودّ أن يحيا أطفاله نشطين ولا يعانون من السمنة، أو التقصير في تحصيلهم العلمي، فيتعين عليه أن يقلل من أوقات مشاهدتهم للتلفزيون خلال السنوات الأولى من عمرهم.

ووجدت الدراسة أن الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون لأکثر من ساعتين يوميا، يكونون أکثر ميلا للكسل ولقلة الحرکة عندما يبلغون العاشرة، إذ يكونون عرضة للإصابة بالبدانة.

كما أشارت الدراسة، التي نُشرت نتائجها في مجلة أرکايفز أوف بيدياتريك آند أدولسينت ميديسن الأمريکية المتخصصة بطب الأطفال والمراهقة، أن 11 بالمائة من الأطفال من فئة الثانية من العمر و23 بالمائة من فئة الرابعة من العمر شاهدوا التلفزيون أكثر من المعدل الأقصى الذي يُنصح بعدم تجاوزه، أي لمدة ساعتين في اليوم.

من جهتها قالت الدكتورة ليندا بجاني، الباحثة في جامعة مونتريال الكندية والمشرفة على الدراسة: الطفولة المبكرة مرحلة هامة للغاية لتطور الدماغ ولتكوُّن السلوك.

وأضافت بقولها: المعدلات العالية من استهلاك (أي مشاهدة) التلفزيون خلال هذه الفترة تؤدي إلى اكتساب عادات غير صحية في المستقبل.

وأردفت قائلة: الفطرة السليمة تشير إلى أن التعرُّض للتلفزيون هو بديل للوقت الذي يمكن قضاؤه بالانخراط بأنشطة وواجبات تغني عملية التطور وتعزِّز محرِّك التطور السلوكي والذهني.

وختمت بالقول إن الطفولة المبكِّرة هي فترة نمو الدماغ ونشأة السلوك لدى الأطفال، وبالتالي لا بد من استغلالها بالشكل الأمثل.

الفضائيات والمراهقين

من جهة أخرى قالت دراسة ميدانية حديثة إن 38 في المائة من المراهقين في دول مجلس التعاون الخليجي ممن تتراوح أعمارهم بين 14 حتى 20 عاماً يشاهدون القنوات الإباحية. وحملت الدراسة عنوان " تأثير الفضائيات على سلوك الأطفال وانحراف المراهقين".

وأظهرت الدراسة أن 90 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 3 إلى 7 أعوام يجلسون أمام التلفاز من 5 إلى 6 ساعات في اليوم.

وبينت الدراسة أن 87 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 9 إلى 12 سنة يشاهدون القنوات الفضائية العالمية، و63 في المائة ممن تتراوح أعمارهم من 12 إلى 14 سنة يشاهدون القنوات الفضائية بعد نوم آبائهم.

وأشار المستشار الاجتماعي والأسري حجي بن طاهر إلى أن الانفتاح الفضائي الكبير خلال السنوات العشر الماضية، أحدث تحولاً وانحداراً أخلاقياً خطيراً، وأن في العالم أكثر من 2520 قناة فضائية، حصة العالم العربي منها 485 فضائية.

وأكد طاهر النجيدي إلى تبني الدول العربية فكرة «يوم بلا تلفزيون»، على غرار «يوم بلا كهرباء». وحذر في دراسة ميدانية من «خطر الفضائيات على سلوك الأطفال»، رابطاً بينه وبين «تأثر الأطفال بالخادمات».

ووصف نتائج الدراسة، التي استمرت ستة أشهر، بـ«المخيفة جداً». وأجرى دراسته في أربع دول معروفة بتصدير العمالة المنزلية إلى الخليج، وهي سيريلانكا والهند وأندونسيا والفلبين. واختار منها عينات عشوائية، لعمالة أنهت عقدها وعادت إلى موطنها.

وأشار النجيدي، في حديثه لـ»الحياة»، إلى أن «هدف الدراسة الكشف عن تأثير الفضائيات على الأطفال، وكان من أبرز عناصرها الخادمات وتشجيعهن على هذه الظاهرة»، مضيفاً أن «بدايتها تمثلت في تفشي ظاهرة العنف، ما دعانا إلى البدء من الجذور، وهم الأطفال، للخروج بحلول تساهم في إبعاد العنف عن مجتمعاتنا». وقال إنه «يوجد أكثر من 2520 قناة فضائية في العالم، وحصة عالمنا العربي منها أكثر من 485 قناة فضائية، منها 85 فقط للقنوات الدينية والأناشيد والمناسبات، و28 قناة للبرامج الإخبارية العالمية، و362 قناة للفن والغناء والرقص، وأفلام الرعب والعنف والرياضة، والأفلام الإباحية والطبخ والشعر والطبيعة، والخيل والهجن والمسابقات وغيرها».

وذكر أن «الدراسة كشفت عن أن 87 في المئة من البرامج المقدمة للأطفال في القنوات العربية أجنبية، و29 في المئة للشباب والمراهقين، وبخاصة الأفلام الهندية والتركية والمكسيكية والغربية المدبلجة»، مضيفاً أن «90 في المئة من الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وسبع سنوات، يجلسون أمام التلفزيون، من خمس إلى ست ساعات يومياً، و87 في المائة من الأطفال، ممن تتراوح أعمارهم من تسع إلى 12 سنة، من متابعي القنوات الفضائية العالمية».

وكشفت «الدراسة أن 63 في المائة ممن تتراوح أعمارهم من 12 سنة إلى 14 سنة، يشاهدون القنوات الفضائية بعد نوم آبائهم، و38 في المائة ممن تتراوح أعمارهم من 14 سنة إلى 20 سنة، يشاهدون القنوات الإباحية، و41 في المائة من الخدم يشاهدون التلفزيون عند غياب رب الأسرة وأيضاً ربة المنزل، و62 من هؤلاء الخدم يشاهدون جميع القنوات مع الأطفال، و71 في المائة من البرامج التي تشاهدها الخادمة هي أفلام رعب وعنف، و30 في المائة يشاهدون أفلاماً إباحية، وهنا تكمن الخطورة وبداية الانحراف بحسب نتائج الدراسة».

وارتكزت الدراسة على محاور رئيسة، وهي: ما مدى تأثير الفضائيات على سلوك الأطفال وانحرافهم؟، وتأثيرها على المراهقين، وغرس النزعات العدوانية والإجرامية في سلوكهم؟، وتأثيرها النفسي على النسيج الاجتماعي والمزاج العام. وقال النجيدي إن «الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من سنتين وأكثر، هم الأكثر تأثراً بالمشاهدة والصور والاختزال، وفي مرحلة المراهقة، تخرج صور العنف من العقل الباطن إلى سلوك وممارسة في البيت والشارع».

وأشار إلى أن «جزءاً من الدراسة تم من خلال عينة عشوائية للعمالة المنزلية، التي غادرت محل عملها من دون عودة، وسبب اختيارها أنها ستبوح من دون قيود أو خوف»، مضيفاً أن «النتائج مذهلة وخطرة، وتبين أثر الخادمة في غرس سلبيات تلك الفضائيات في نفوس الأطفال». وأوضح أن «فريقاً زار مكاتب الاستقدام في الدول الأربع، إضافة إلى زيارات شخصية لمنازل بعض العينات»، مضيفاً أن «مركز إصلاح ذات البين والإرشاد الأسري في جمعية العمران الخيرية، سيتبنى الدراسة من خلال لجنة الرصد والدراسة

انتحار طفل متأثراً بمشهد

وقالت تقارير إعلامية تونسية، إن فتى في الـ12 من عمره، أقدم على الانتحار، في محاولة لتقليد أحد المشاهد في مسلسل تركي يعرض على القناة السابعة بالتلفزيون التونسي.

ونقلت صحيفة "الصباح" التونسية عن والد الطفل قوله إن "ابنه انتحر في غرفته، بعد أن لف رقبته بحزام من ستائر الغرفة، وعلقّ نفسه وفارق الحياة على الفور،" في منزله بحي السلام بمنطقة القصرين.

وأكدت أم الطفل قولها إن "ما دفع ابنها إلى الانتحار هو محاولته محاكاة مشهد انتحار أحد أبطال مسلسل تركي يعرض حالياً، على قناة تونس7."

وذكرت الصحيفة إنها تحدثت إلى أصدقاء الطفل الذين أكدوا ولعه بالمسلسل التركي الذي يحمل عنوان "دموع الورد،" غير أن عملية الانتحار صدمتهم.

والعام الماضي، أقدم طفل إماراتي على الانتحار بنفس الطريقة،  بعد أن قالت الشرطة إنه لف رقبته بحزام اعتاد استخدامه لحزم كتبه المدرسية وعلق نفسه في ستارة الغرفة وفارق الحياة على الفور.

ونقلت صحيفة "الإمارات اليوم" عن أم الطفل قولها إن "ما دفع ابنها للانتحار هو محاولته محاكاة مشهد انتحار لأحد أبطال مسلسل تركي،" بينما عزت خالة الطفل انتحاره إلى رغبته في تقليد مشهد انتحار شخصية "الكرونجي" في مسلسل "دموع الورد" أثناء سجنه.

من جانب آخر انتقدت المذيعة البريطانية فليولا بنيامين التى تعمل لدى الـ بى بى سى، انتقدت الآباء الذين يستخدمون جهاز التليفزيون باعتباره حاضنة، ويتركون أطفالهم ساعات طويلة عرضة للبرامج المستوردة صامتين.

وأشارت بنيامين إلى أن التليفزيون هو العامل الأكثر أهمية فى تشكيل عقول الأطفال، مشيرة إلى أن البرامج التليفزيونية المستوردة المروعة قد أتلفت عقول الشباب، وأنه هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار فى برامج الأطفال البريطانيين.

وقالت بنيامين فى تصريحات خاصة للصحيفة إن الأطفال يتركون لساعات أمام التليفزيون، ومن ثم يتم امتصاص عقولهم لعدم تفاعلهم الحي مع غيرهم من الأطفال، وأضافت "بعض الآباء والأمهات يتحدثون لأطفالهم أثناء مشاهدة البرامج، لكن الملايين من الأطفال لا يجدون الإشراف بسبب انشغال الآباء وعدم اهتمامهم بالأمر، حيث أصبح التليفزيون حاضنة لهم ولكنهم يشاهدون برامج مروعة لا تعكس حياتهم".

تأثير البرامج الاستعراضية

وفي ألمانيا يعتبر برنامج "ألمانيا تبحث عن نجم" من أكثر برامج الاستعراض التلفزيونية شهرةً بين الشباب، حيث يشاهده أكثر من ستة ملايين شخص معظمهم من هؤلاء.

وتعتبر هانا (13 عاما) وبيلن (12 عاما) وهما طالبتان في المدرسة الثانوية في ألمانيا، مشاهدة هذا البرنامج أمر ممتع للغاية، وتعد هاتان الفتاتان العدة في المساء الذي يعرض فيه البرنامج بتجهيز الطاولة بالحلويات والفطائر من أجل جعلها أمسية خاصة.

تقول هانا إن معظم زميلاتها في المدرسة يشاهدنه، كما يجري الحديث كل يوم أثنين في حصة الفن عما شاهدن من برامج في عطلة نهاية الأسبوع، وخاصة برنامج "ألمانيا تبحث عن النجم"، وفي هذا الإطار تناقش الفتيات مستوى أداء الأشخاص الذين تنافسوا فيه.

تشهد برامج الاستعراض منذ عقدين رواجاً بين الشباب، لاسيما الذين تتراوح أعمارهم بين التاسعة و الثانية والعشرين، كما تؤكد مايا غوتس، الخبيرة في الأعلام التربوي. وتبين غوتس في دراسة تقوم بها حول تأثير هذه البرامج على الشباب أن الكثير منهم يقوم بتقليد نجوم هذه البرامج، مما يؤثر بالتالي في بناء شخصية هؤلاء.

وينظر الشباب إلى القضايا اليومية، كالسياسة والاقتصاد على أنها من الأشياء المملة، وفي هذا السياق تلعب الظروف التي يشهدها العالم اليوم، كالأحداث السياسية وعدم الاستقرار الاقتصادي دوراً في عزوف الشباب عن التفكير بهذه القضايا والالتجاء إلى الأمور الأكثر تسلية. ومن هنا يعتبر هؤلاء على سبيل المثال ارتداء الملابس ذات الماركات التجارية الغالية أمراً أكثر أهمية، لان ارتدائها يجعل المرء أقرب إلى النجومية، لاسيما وأن الكثير من برامج الاستعراض تقوم على الموضة.

وينتقد الكثير من الناس هذه البرامج متهمين إياها بالسعي الأعمى وراء الربح بغض النظر، عما إذا كانت تضر أخلاقياً بالمشاهدين أم لا. في حين يدافع مروجي هذه البرامج عنها بقولهم أنها تعكس ما يجري على أرض الواقع فيما يتعلق بالمنافسة واهتمامات الشباب.

وبالرغم من هذا الهوس ببرامج الاستعراض، إلا أنها لم تثني الكثير من الشباب عن التفكير بمستقبلهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/أيار/2010 - 25/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م