اللَحمة.. حلُم المصريين وحرب المقاطعة

انخفاض الدخل يعجز في مواجهة ارتفاع الأسعار العالمية

 

شبكة النبأ: قادت مصر مؤخرا حملة لمقاطعة تناول اللحوم الحمراء ليوم واحد، بعد ارتفاع أسعارها بشكل "جنوني"، وصلت نسبته إلى أكثر من 50 في المائة، وسط دعوات بأن تتسع المقاطعة لمدة أسبوع بعد دراسة تجربة المقاطعة، التي شارك فيها ما يزيد على ألف مطعم، بمختلف أنحاء الجمهورية.

ويذكر أن أسعار اللحوم ارتفعت خلال شهر تقريبا بنسبة عشرة في المائة، مما اضطر معظم المصريين إلى الامتناع عن شراء اللحوم بأنواعها. فيما أكد 75% من المصريين استعدادهم لمقاطعة اللحوم نهائيا، واعتقد 45 % فقط منهم إن المقاطعة يمكن إن تجدي نفعا.

وفي هذه الأثناء دعا بعض النشطاء في منظمات غير حكومية إلى مقاطعة شراء اللحوم الحمراء لمدة أسبوع أو لحين إجبار الجزارين على خفض أسعار اللحوم.

فقراء مصر لا يأكلون اللحوم

وأكد أصحاب المطاعم في القاهرة الامتناع عن تقديم اللحوم في مطاعمهم ليوم واحد احتجاجا على الارتفاع الكبير في أسعاره خلال الأشهر الأخيرة.

فقد قفزت الأسعار خلال شهر تقريبا بنسبة عشرة في المائة، مما اضطر معظم المصريين إلى الامتناع عن شراء اللحوم بأنواعها. في حين اتخذت السلطات الحكومية مجموعة من الإجراءات لحماية الموردين والمنتجين المحليين.

وارتفعت أسعار ورادات اللحوم من الخارج، التي تشكل قرابة 40 في المائة من الاستهلاك المحلي، بسبب ارتفاع أسعار الشحن لعدة مئات من الدولارات مقارنة بأسعار العام الماضي.

وفي العادة يقال في مصر أن مشكلة أسعار المواد الغذائية لا تهم الطبقات الغنية والمقتدرة ماليا، لكن هذه المرة الأمر مختلف.

فقد اتفق أصحاب نحو 1300 مطعم في القاهرة على مقاطعة اللحوم لمدة يوم، احتجاجا على ارتفاع الأسعار، وتعبيرا عن تضامنهم مع أغلبية المصريين.

ويعتقد أن احد أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في مصر هو ارتفاع أسعار الأعلاف الحيوانية منذ أكثر من عام تقريبا. وأدى ذلك إلى قيام مربي المواشي إلى ذبح المزيد من قطعانهم تجنبا لدفع المزيد  من الأموال لشراء الأعلاف، وبالتالي ارتفاع أسعار اللحوم.

تدخل حكومي ضعيف

وتدخّلَ محافظ أسوان بتحديد أسعار لحوم الأبقار، ومنع خروج اللحوم، حية أو مذبوحة، إلى خارج حدود المحافظة.

وارتفعت أيضا أسعار اللحوم المستوردة، وعلى الأخص تلك المستوردة من البرازيل، بعد ان تسبب الذعر من وجود أمراض في اللحوم المستوردة من الهند إلى وقف استيرادها.

ويقول احد موردي اللحوم في مصر إن سعر الطن من اللحوم البرازيلية ارتفع بمعدل 700 دولار عن سعره قبل عام.

ووفقا لاستطلاع حديث تراجعا كبيرا في استهلاك الأسر المصرية من اللحوم الحمراء خلال الفترة من فبراير شباط وحتى ابريل نيسان بسبب ارتفاع أسعارها كما أظهر أن هناك نسبة كبيرة من تلك الأسر على استعداد لمقاطعة شراء اللحوم بهدف تخفيض أسعارها.

وشمل الاستطلاع الذي أجراه مركز استطلاع الرأي العام التابع لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري 1126 شخصا من بينهم 34 بالمائة من أصحاب المستوى الاقتصادي المنخفض و 8 بالمائة من أصحاب المستوى الاقتصادي المتوسط و49 بالمائة من المستوى الاقتصادي المرتفع.

وخلص الاستطلاع الذي استهدف التعرف على استهلاك الأسر من اللحوم واستعداد تلك الأسر لمقاطعة بعض السلع في حال ارتفاع أسعارها إلى أن نسبة استهلاك اللحوم بوجه عام بين من شملهم المسح بلغت 92 بالمائة. بحسب رويترز.

وشهدت أسعار اللحوم الحمراء في مصر أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان ارتفاعا حادا خلال الآونة الأخيرة إلى مستويات تتجاوز القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من المجتمع إذ وصل سعر الكيلوجرام إلى مستويات قاربت 80 جنيها مصريا (14,4 دولار) الأمر الذي دفع كثيرين للمطالبة بمقاطعة شراء اللحوم كأحد الطرق لخفض أسعارها.

ووفقا لإحصاءات منظمة الأمم المتحدة يبلغ نصيب الفرد المصري من الناتج المحلي الإجمالي 1,780 دولار.

وأوضح الاستطلاع أنه خلال الفترة من فبراير شباط حتى ابريل نيسان خفضت 52 بالمائة من الأسر التي شملها التقرير استهلاك اللحوم بينما لم يتغير استهلاك 41 بالمائة في حين ارتفع استهلاك 4 بالمائة من الأسر خلال الفترة ذاتها.

وأوضح الاستطلاع أن 89 بالمائة أشاروا إلى ارتفاع أسعار اللحوم خلال فبراير- ابريل عن الأسعار المعتادة بينما أشار ثمانية بالمائة فقط إلى عدم تغير السعار.

وأبدى 75 بالمائة من الذين شملهم الاستطلاع استعدادهم لمقاطعة شراء اللحوم من أجل خفض أسعارها فيما وافق ثلاثة بالمائة على مبدأ المقاطعة ولكن بشروط أهمها اتفاق جميع المواطنين على المقاطعة وأن تكون لفترة محدودة وأن تتوافر بدائل أخرى تعوض عن استهلاك اللحوم الحمراء.

احتجاجات للمطالبة بزيادة الأجور

من جانب آخر نظّم عمال مصريون مؤخرا احتجاجا مطالبين بزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه شهريا في أحدث حلقة من سلسلة مظاهرات تطالب بالعون لملايين المصريين الفقراء.

ويبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر 35 جنيها شهريا منذ عام 1984 لكنه يصل إلى 100 جنيه من خلال حوافز أو مكافآت أو إعانات.

وشهد الاقتصاد المصري نموا قويا في السنوات الماضية لكن كثيرا من المصريين يقولون إن عائدات النمو تذهب إلى الأثرياء.

وخلال الاحتجاج قال هشام عوكل وهو موظف في مصنع في دلتا النيل "الأسعار ترتفع وأجور العمال تقل. اللحمة بقت (أصبحت) سلعة رفاهية لا يستطيع معظمنا الحصول عليها."

وأشارت صحيفة الأهرام المصرية في عددها الصادر يوم الاحتجاج إلى أن مقاطعة المواطنين لمحال الجزارة خلال الفترة الماضية بدأت تؤتي ثمارها إذ انخفضت أسعار اللحوم في محافظة كفر الشيخ شمال دلتا مصر جراء المقاطعة إلى 45 جنيها للكيلوجرام من 55 جنيها ووصلت إلى 42 جنيها في بعض المناطق وذلك نتيجة عزوف المستهلكين عن شراء اللحوم الحمراء وإقبالهم على شراء اللحوم المستوردة والدواجن والأسماك.

موقف المطاعم السياحية

وبينما أكدت "غرفة المنشآت السياحية" أن نحو 1350 مطعماً سياحياً في مصر، من أصل قرابة ستة آلاف مطعم، أكدت امتناعها عن تقديم اللحوم لروادها، ذكرت "غرفة المنشآت الفندقية" أن الفنادق لن تشارك في حملة المقاطعة، نظراً لأن "لديها التزامات مسبقة."

وقال رئيس غرفة المنشآت الفندقية، وسيم محيى الدين، إن الفنادق لن تشترك في مقاطعة اللحوم مع المنشآت السياحية والمقررة الاثنين، حيث إن لديها التزامات مع شركات سياحة مصرية وأجنبية، وكذا التزامات مع الأفراح المقامة بها، وتمثل اللحوم عنصرا أساسياً في قائمة طعامها.

وأكد محيي الدين تأثر قطاع الفنادق بالارتفاع "غير المبرر" في أسعار اللحوم، ولكنه قال إن "الالتزام بالعقود مع الجهات الأخرى يبقى في المقام الأول"، واصفاً قرار مقاطعة اللحوم بأنه "صائب"، وتابع: "إذا حاولت الفنادق تطبيقه فلن يكون بطريقة عشوائية، وسيتم التخطيط له قبلها بفترة طويلة، كما أن مدة عقود الفنادق سنوية."

حرب اللحوم عالميةً..

وفي الوقت الذي يتبادل المربّون والمستوردون والجزارون الاتهامات حول أسباب ارتفاع الأسعار اشتعلت الحرب بين مورِّدي اللحوم من الأرجنتين والبرازيل وإثيوبيا والسودان للحفاظ على مكاسبهم.

ووصف المتحدث باسم حركة (مواطنون ضد الغلاء) محمود العسقلاني الحملة بأنها وسيلة ضغط على الجزارين وتجار اللحوم الذين يرفعون أسعار اللحوم دون مبرر. ودعا وسائل الإعلام إلى الترويج للحملة حتى تحقق هدفها بإجبار بائعي اللحوم على تخفيض الأسعار معربا عن أمله في "استجابة المواطنين لدعوة المقاطعة حتى يواجه سلاح المقاطعة الغلاء والجشع".

ورأى العسقلاني أن أزمة اللحوم وارتفاع أسعارها بهذا الشكل غير المبرر جاء نتاج ممارسات احتكارية في استيراد اللحوم مطالبا بالتوجه نحو السودان وأثيوبيا لاستيراد اللحوم الحية بسبب قرب المسافة الفاصلة بينها وبين مصر وبسبب انخفاض تكلفتها وجودتها.

وأكد محمد الليوي وهو احد مستوردي اللحوم في تصريح أن ارتفاع أسعار اللحوم بسبب ارتفاع الأسعار العالمية لها وكذلك ارتفاع أسعار العلف وتراجع العرض مع الإقبال الكبير على الشراء من المستهلكين.

واتهم الليوي في الوقت نفسه أصحاب محال بيع اللحوم بالجشع والسعي إلى الحصول على أرباح مبالغ فيها أمام ارتفاع الأسعار العالمية "بشكل جنوني" خلال أبريل الماضي نتيجة إقبال دول الاتحاد السوفيتي السابق وأمريكا الشمالية على الشراء من الأسواق البرازيلية والهندية. ورأى أن ارتفاع أسعار اللحوم يعد متوقعا نتيجة الطلب المستمر عليها وانخفاض حجم الإنتاج المحلي من اللحوم اثر ضعف العائد منها واتجاه معظم المنتجين إلى الاستيراد من الخارج لتحقيق أرباح مرتفعة بمجهود أقل.

واتهم حمادة المصري وهو صاحب سلسلة محلات لبيع اللحوم مربي الماشية بذبح الإناث والمواشي الصغيرة ما أدى إلى نقص الإنتاج وبالتالي نقص المعروض ومن ثم زيادة الأسعار ما عرضهم لخسائر كبيرة. واعتبر إن الجزارين معذورون في رفع الأسعار بسبب ارتفاع تكلفة النقل والعمالة ونقص المعروض وغيرها من التكاليف التي لابد من تحميلها على المستهلك مشيرا إلى إن الفرق بين السعر الذي يشتري به الجزار وسعر البيع للمستهلك لايزيد على 15 %. وأكد أن سوق اللحوم في حال ركود شديد ولا يوجد إقبال من المستهلكين على الشراء موضحا إن ارتفاع الأسعار يرجع إلى قلة المعروض نتيجة انخفاض الاستهلاك.

من جانبه، أعلن رئيس غرفة المنشآت السياحية، وجدي الكرداني، أن القرار الصادر عن الغرفة في العاشر من أبريل/ نيسان الجاري، بمنع تقديم اللحوم الحمراء يوم الاثنين 26 من ذات الشهر، "ليس فرقعة إعلامية، لكنه تعبير عن موقف، وإعلان عن حجم التضرر من ارتفاع أسعار اللحوم. "بحسب بي بي سي.

وأشار الكرداني إلى أن أسعار طلبيات المطاعم، التابعة للغرفة، من اللحوم الحمراء ارتفعت بنسبة تزيد على 30 في المائة، في الوقت الذي لا يمكن للمطاعم زيادة أسعار وجباتها دون إذن من وزارة السياحة، وتابع أنه "بعد تنفيذ قرار المقاطعة، ستتم دراسة نتائجه، وإذا لم يحدث أي شيء، فسيتم معاودة تطبيق المقاطعة لمدة أسبوع."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/أيار/2010 - 25/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م