الثقافة المصرية.. تيار ليبرالي جديد لرفع محظورات المجتمع

 

شبكة النبأ: في مخاض يجسد نوبات الصراع التي تطلقها الثقافة المصرية بين حين وآخر مع مجتمع يتّسم بالطابع المحافظ إلى حد ما، رفضَ كتّاب مصريون مطالبة عدد من المحامين بمصادرة كتاب (ألف ليلة وليلة) محذِّرين من آثار ما وصفوه بـ ثقافة النفط التي يرون أنها تعادي الخيال ولا ترى في الإبداع الأدبي إلا جانبه الحسي. وُمشدِّدين على أن "ألف ليلة وليلة" جزء من الأدب الإنساني العالمي مثلها مثل "الإلياذة" و"الأوديسه"، وأن لا أحد ينكر هذا العمل "إلا جاهل أو مغرض".

وبموازاة ذلك استُقبل فيلم جديد يتناول قضايا منها الحرية الجنسية وتعدد الزوجات والتفرد، بالاستحسان، في وسائل الإعلام المصرية لكن رسالته الليبرالية لا تزال محاصرة في مجتمع مصر المحافظ.

ومن جهة أخرى طالب مسيحيون مصريون باتخاذ إجراء رسمي ضد الروائي يوسف زيدان مؤلف رواية "عزازيل" التي يقولون انها تهين المسيحية في قضية غير مألوفة تضع حرية التعبير في مصر مجددا تحت المجهر. في حين غيّبَ الموت الكاتب المصري محمود السعدني، الذي يعتبره الكثيرون رائد الكتابة الساخرة في العالم العربي، بعد صراع مع المرض دام سنوات.

مؤتمر يرفض مصادرة (ألف ليلة وليلة)

ورفضَ كتّاب مصريون في مؤتمر أدبي باتحاد الكتاب بالقاهرة مطالبة عدد من المحامين بمصادرة (ألف ليلة وليلة) محذرين من آثار ما وصفوه بثقافة النفط التي يرون أنها تعادي الخيال ولا ترى في الإبداع الأدبي إلا جانبه الحسي.

وكان بعض المحامين قدموا يوم 17 ابريل نيسان الماضي بلاغا للنائب العام بمصر يتهم الكتاب بأنه "يخدش الحياء العام" ويطالبون بالتحقيق مع المسؤولين عن نشر الكتاب والتحفظ عليه بعد أن أعادت نشره الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة.

ولكن الهيئة قالت في بيان ان هذا الكتاب "عمل تراثي انساني لا تجوز مصادرته أو حذف أجزاء منه" وأعلنت عن اعادة طبعه بعد نفاد الطبعة التي طرحت في الاونة الاخيرة.

وأصدر (مؤتمر أدباء مصر) بيانا يرفضون فيه "رفضا قاطعا محاولات البعض مصادرة الطبعة الجديدة من (ألف ليلة وليلة)... الذى يعد من عيون الادب العربي والانساني."

وأهاب الادباء بالنائب العام "حفظ مثل هذا البلاغ امتدادا لروح مصر الحضارية" مشددين على أن اعادة نشر (ألف ليلة وليلة) أمر جدير بالترحيب لا المصادرة "وان هذه القضية لا تخص الادباء وحدهم انما تخص الامة وحريتها وواجبها وحقها في الحفاظ على تراثها."

وأبدى كاتب قصص الاطفال عبد التواب يوسف في المؤتمر الذي حمل عنوان (ألف ليلة وليلة ومستويات التلقي) دهشته من التربص بهذا الكتاب الذي تأتي ترجمته الى كثير من اللغات في المنزلة الثالثة "بعد (ترجمات) الكتاب المقدس و(مسرحيات وليام) شكسبير."

وقال أستاذ علم الاجتماع محمد حافظ دياب ان هذه الازمة جزء من اثار" بدونة الثقافة (المصرية) و(اشاعة) ثقافة النفط " التي يرى كثيرون أنها حصاد أكثر من 30 عاما منذ رحيل عدد كبير من المصريين بمختلف شرائحهم للعمل في دول الخليج والعودة بقيم مخالفة لقيم التسامح التي اتسمت بها مصر.

وأضاف في بحث عنوانه (الجنس والتراث.. نموذج الليالي) أن التحرز من التعامل مع قضية الجنس "يمثل جانبا من المعرفة المقموعة في ثقافتنا العربية اذ يتم تناول هذه المسألة بوجل وحذر يجعل الاقتراب منها أمرا شائكا وملغوما يحوطه الاقصاء."

ورصد دياب مؤلفات عربية "رأت في الجنس خبزا يوميا" لعشرات من الكتاب منهم الامام جلال الدين السيوطي مشددا على أن "أصحاب هذه الاعمال لم يكونوا من المهمشين المتمردين أو منحرفي الاخلاق بل من المشتغلين المرموقين بالفقه والقضاء" في مصر وتونس وغيرهما.

وقال ان كتاب (ألف ليلة وليلة) أثر شعبي ذو مكانة مرموقة في المكتبة العالمية واهتم به الدارسون كما ترجم الى معظم اللغات "وألهم الادباء في الغرب والشرق وانفتحت له أبواب الفولكلور والانثروبولوجيا والتاريخ وعلم الاجتماع ورحبت به الدراسات المقارنة في الجامعات ومازالت حكاياته تغري المشتغلين بالمسرح والسينما والموسيقى والاذاعة والتلفزيون" عن طريق استلهام حكاياته واعادة صياغتها بما يلائم روح الزمان والمكان.

وشدد على أن "الليالي" تزدحم بمغامرات الروح والجسد وتضج بأصوات الامراء وصرخات المهمشين وتسودها علاقات الاغتراب القائمة بين طبقات المجتمع وأنه في ضوء هذه الامور يمكن النظر الى عالمها كاستمرار لعلاقات السيطرة والتحكم.

وتابع أن هذه العلاقات "تحيل الى واقع اجتماعي وسياسي لا يغفر فيه الرجال للحرائر بمقدار ما يتسامحون مع الجواري" اضافة الى فكرة استلاب النساء والجواري والعبيد والفقراء.

وأوضح أن الدلالة الجنسية في علاقات السادة والعبيد متمثلة في الاميرة والعبد تحيل الى واقع اجتماعي وسياسي يصبح فيه البشر المهمشون مجرد أشياء فجسد الاميرة في نظام سياسي فرض العبودية وجنى ثمارها يظل "حلما يؤرق طبقة العامة نتيجة احساس أفرادها بالاحباط والخيبة... تلك حال من رفض المهانة التي يتعرض لها أو هي شعور بالانتقام من طبقة السادة التي تستأثر بكل النساء" وحين تتحقق العلاقة بين العبد وسيدته تختفي المسافة بين العبودية والسيادة.

ووصف دياب البلاغ المقدم للنائب العام لمصادرة الكتاب بأنه "اشارة لانحطاط ثقافة التلقي وفي ظروف ضعف شروط المقاومة المضادة أمام معسكر جاهلي يرتدي من الاقنعة الزائفة ما لا صلة له بدين حنيف ليس فيه ما يصطدم بهذا العمل... انها القراءة المتربصة القائمة على الادانة.. والتكفير."

ألف ليلة وليلة أمام القضاء المصري!

ما زالت "ألف ليلة وليلة" تثير حفيظة كثيرين، وهكذا طالبت مجموعة من المحامين في مصر بسحبها من الأسواق وتنقيتها من الألفاظ "الخليعة". حول هذه القضية حاورت دويتشه فيله الروائي جمال الغيطاني وأحد المحامين الذين تقدموا بعريضة الدعوى.

ربما لم يتأثر القراء في أنحاء العالم بعمل من أدب الشرق مثلما تأثروا بحكايات "ألف ليلة وليلة". فهناك عدد لا يحصى من كتاب العالم يعتبر "ألف ليلة وليلة" من أهم الكتب التي قرأوها وتأثروا بها؛ ومن هؤلاء الشاعر الألماني غوته الذي استلهم حكايات شهرزاد في عمله الروائي "فيلهلم مايستر" وكذلك الكاتب الفرنسي فولتير والأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. غير أن "ألف ليلة وليلة" أثارت وما زالت تثير جدلاً كبيراً في الشرق بسبب العبارات والإيحاءات الجنسية الواردة فيها، وقد وصلت هذه الانتقادات حداً جعل البعض يعلن عداءه لهذا الكتاب.

ويدخل كتاب "ألف ليلة وليلة" ضمن قائمة الكتب المحظور تداولها وطبعها في المملكة العربية السعودية. أما في مصر فإن النائب العام ينظر في الوقت الحالي في دعوى قدمتها مجموعة من المحامين المسلمين لمصادرة النسخ التي صدرت عن سلسلة "الذخائر"، وهي سلسلة تابعة لوزارة الثقافة المصرية وتُباع الأعمال المنشورة فيها بسعر زهيد. إثر صدور الكتاب في طبعته الشعبية الجديدة تقدمت مجموعة المحامين في السابع عشر من نيسان/ أبريل الجاري بعريضة دعوى للقضاء تحتوي على مقاطع من الكتاب. واعتبر المحامون تلك العبارات "ضارة بالأخلاق" لما تحتويه من "عبارات جنسية فاحشة"، وطالبوا – مثلما قال المحامي أيمن إمام في حديث لدويتشه فيله– "بتنقية الكتاب من هذه الألفاظ" قبل إصداره في طبعة جديدة.

ويشرف على سلسلة "الذخائر" الروائي المصري جمال الغيطاني الذي اعتبر الدعوى جزءاً من الحملة الدعائية التي تُشن على المثقفين، ومحاولةً لإجبار الحكومة على حظر نشر الكتاب. وأضاف الغيطاني في حوار خص به دويتشه فيله: "البلاغ مقدم ضد "ألف ليلة وليلة"، ولكنه في الواقع جزء من حركة الأصوليين في المجتمع المصري التي تستهدف إقامة الدولة الدينية". وأعلن الغيطاني تحمله المسؤولية كاملة لأنه هو الذي اختار هذا النص لنشره في سلسلة "الذخائر"، مذكراً بأنه أسس هذه السلسلة في التسعينيات "لإتاحة النصوص التراثية النادرة التي لم تعد تطبع بسبب النفوذ الوهابي المتزايد في المنطقة". ويضيف صاحب "الزيني بركات" قائلاً: "إن المتطرفين يرفضون التراث العربي نفسه، وأثمن ما في هذا التراث. مَن يرفض "ألف ليلة وليلة" أو أبو حيان التوحيدي أو الجاحظ وغيرهم، إنما يسيء إلى الحضارة العربية وإلى الإسلام نفسه. إنهم يتكلمون باسم الدين، ويصادرون باسمه، بينما لم تزدهر الحضارة الإسلامية إلا في الفترات التي ازدهرت فيها حرية التعبير".

اهتمام عالمي بحكايات شهر زاد

ويشدد الغيطاني في حواره مع موقع دويتشه فيله، على أن "ألف ليلة وليلة" جزء من الأدب الإنساني العالمي، مثلها مثل "الإلياذة" و"الأوديسه"، وأن لا أحد ينكر هذا العمل "إلا جاهل أو مغرض".

ويضيف الروائي المصري: "هناك اهتمام عالمي بهذا العمل، فمثلاً تنظم جامعة إرلانغن الألمانية في يوم 25 أيار/ مايو المقبل مؤتمراً عالمياً عن "ألف ليلة وليلة"، وهو مؤتمر يجري الإعداد له منذ عام. كما أقامت جامعة نيويورك، فرع أبو ظبي، في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي مؤتمراً عالميا كبيراً، شاركتُ فيه وفوجئتُ بمدى التأثير الذي حققته "ألف ليلة وليلة" في اليابان والهند وجنوب شرق آسيا. نحن إذاً أمام عمل عالمي" كما أكد الغيطاني على ضرورة أن يكون الدفاع عن هذا الكتاب "واجب المثقفين في جميع أنحاء العالم".

وتشارك الغيطاني في الرأي المترجمة الألمانية كلاوديا أوت، المتخصصة في اللغة العربية وآدابها والأستاذة بجامعة إرلانغن، والتي أعادت ترجمة كتاب "ألف ليلة وليلة" في عام 2004. وقالت المستشرقة في حديث لوكالة الأنباء الألمانية إنه من الضروري احترام الأصل عند إعادة طبعه، رافضةً حذف بعض المقاطع أو إلغاء أجزاء من الكتاب بدعوى خدشها للحياء.

وكانت مجموعة الإسلاميين في مصر نجحت في الحصول على حكم بمصادرة الكتاب عام 1985 ولكن حكم المصادرة ألغي أوائل عام 1986 بحكم تاريخي، اعتُبر الكتاب أشهر تعبير عن الأدب الشعبي والعربي والإسلامي. وقال القاضي في حيثيات حكم إلغاء المصادرة إنه من الممكن شطب العبارات الجنسية الصادرة في الكتاب، ولكنه وجه لأصحاب دعوى المصادرة كلمات واضحة جاء فيها: "من يشتري الكتاب من أجل قراءة هذه العبارات الجنسية، فهو إما مريض أو يتسم بالغباء".

تيار ليبرالي في مجتمع مصر

من جهة أخرى استقبل فيلم جديد يتناول قضايا منها الحرية الجنسية وتعدد الزوجات والتفرد بالاستحسان في وسائل الاعلام المصرية لكن رسالته الليبرالية لاتزال مهمشة في مجتمع مصر المحافظ.

طرح فيلم (رسائل البحر) في دور العرض هو أحدث مؤشر على تخفيف قواعد الرقابة والذي يقول نقاد سينمائيون انه يجيء في اطار جهود الحكومة للتصدي للتشدد الاسلامي.

الموضوعات التي يتناولها الفيلم تلفت الانتباه في دولة انتشر في شوارعها الحجاب ويقول محللون انها تتصدى لتفسيرات متشددة للاسلام قادمة من دول خليجية مثل السعودية.

وقال الناقد السينمائي طارق الشناوي "في النهاية الرقابة تعبر عن الدولة.. الدولة لحماية نفسها بتحاول ان تزود هذا الهامش لكن صعب تدخل في خصومة مع المجتمع."

وخاضت الحكومة المصرية صراعا ضد متشددين اسلاميين في التسعينات وهي خاضعة لضغوط لزيادة النمو الاقتصادي وتخفيف قبضتها على السلطة قبل الانتخابات الرئاسية التي تجري عام 2011.

وعلى خلفية كهذه قد يترك فيلم المخرج داود عبد السيد الذي يدور حول قصة الطبيب الشاب يحيى الذي ينتقل الى مدينة الاسكندرية الساحلية وهناك يتحرر تدريجيا من الانماط الاجتماعية.

ويقع يحيى في حب نورا وهي امرأة تجعله يعتقد انها مومس. ويدرك المشاهد ان نورا وهي الزوجة الثانية لزوج متعدد الزوجات ترى نفسها في التصرف بالطريقة التي تتصرف بها. ويقول الشناوي ان انتقاد الفيلم لتعدد الزوجات هو السبب الرئيسي لجعله للكبار فقط.

وذكر ان التوجيهات العامة للدولة تقضي بالسماح بقدر من حرية التعبير فيما يتعلق بالقضايا الثقافية التي تهم الناس لكن انتقاد الفيلم لتعدد الزوجات كان لن يفلت من مقص الرقيب الا بوضعه في فئة "للكبار فقط". بحسب رويترز.

هناك شخصية أخرى في الفيلم هي كارلا صديقة يحيى السابقة التي تربطها علاقة بامرأة أخرى تزخر حواراتهما في الفيلم بتلميحات جنسية ساخنة.

شخصيتا نورا وكارلا وهما تتحديان التقاليد الاجتماعية تلعبان دورا محوريا في تشكيل شخصية بطل الفيلم يحيى وتقتحمان أرضا جديدة في مجتمع يهيمن عليه الرجل والذي شهد مؤخرا في أحدث قضاياه الجدلية حول مكانة المرأة المناسبة تأييد كثيرين لحظر وصول المرأة لمنصب قضائي في محكمة عليا.

ويرى عبد السيد ان فيلمه يدور حول تقبل الاخر والاختلافات على مستوى الفرد والمجتمع وليس الجنس. وقال "هو عن احترام تكوين كل فرد.. البشر الاخرين.. في ضمير انساني لازم يحكمنا حتى لو واحدة مومس ده مش معناه حكم بالاعدام عليها. يحيى بيوصل لدرجة انه مستعد يتجوز نورا."

يجسد الفيلم نغمة القبول والتسامح في شخصية أبيل وهو حارس مفتول العضلات في ملهى ليلي يرفض استخدام العنف من اي نوع.

كان المكان الذي تدور فيه احداث الفيلم مناسبا تماما. فمدينة الاسكندرية لها تاريخ عريق كمدينة مفتوحة. ويقول الشناوي عن المدينة المصرية المطلة على البحر المتوسط "احتوت كل الاثنيات (الاعراق) والعقائد والاديان واللغات."

لكن مثل هذا الفيلم سيجتذب على الارجح عددا محدودا من المشاهدين في المجتمع المحافظ لمصر وهي صاحبة باع طويل في السينما العربية وتعرض افلامها في المنطقة كلها.

ويتوقع عبد السيد ان يكون معظم مشاهدي الفيلم من "الشرائح العليا من الطبقة الوسطى" الذين يستخدمون الانترنت بكثافة ويتحدثون أكثر من لغة وعلى قدر عال من التعليم.

وطبقا لاحصاءات الامم المتحدة يعيش خمس الشعب المصري على أقل من دولار في اليوم كما تصل نسبة الامية بين أفراده الى 30 في المئة. ويضيف الشناوي قائلا "دي أصوات محدودة في ظل تيار قوي في الجانب الاخر."

مسيحيون يطالبون بمحاكمة يوسف زيدان..

من جهة أخرى طالب مسيحيون مصريون باتخاذ إجراء رسمي ضد الروائي يوسف زيدان مؤلف رواية "عزازيل" التي يقولون انها تهين المسيحية في قضية غير مألوفة تضع حرية التعبير في مصر مجددا تحت المجهر.

وينظر محققون حكوميون في الشكوى المقدمة من جانب مجموعة من المصريين وبعض الأقباط الأجانب ضد زيدان وهو مسلم صدرت روايته عزازيل عام 2008 وحصلت على جائزة البوكر العربية عام 2009.

ويحظر القانون المصري توجيه إهانات للإسلام والمسيحية واليهودية وهو ما يعني أن زيدان يمكن أن يُحكم عليه بالسجن مدة تصل الى خمس سنوات اذا حوكم وأُدين في القضية.

وقال زيدان "التهمة ازدراء المسيحية... هذه تهمة خطيرة. ممكن تسبب صدمة كبيرة للناس خاصة وأن ذلك جاء متزامنا مع النجاح الكبير للرواية."

وتدور الرواية حول راهب مصري عاش في القرن الخامس وشهد مناظرات وجدلا بشأن العقيدة بين كبار رجال الدين المسيحي آنذاك.

وعلى مدى 29 عاما من حكم الرئيس حسني مبارك كانت الحكومة تتسامح تجاه المعارضة السياسية المحدودة وتبنت مع الوقت رقابة انتقائية على الافلام والكتب ومواد اعلامية أخرى تعتبرها تخدش الحياء أو تتضمن طعنا في الاسلام. بحسب رويترز.

وفي عام 1995 اعتبرت محكمة مصرية المفكر المصري نصر حامد أبو زيد مرتدا عن الاسلام بسبب نهجه الليبرالي والنقدي تجاه تعاليم الاسلام. وقضت المحكمة بالتفريق بينه وبين زوجته مما اضطره للسفر والاقامة بالخارج.

ويجب أن تحصل الكتب المتصلة بالدين الاسلامي على موافقة مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر.

وبنفس الطريقة يراجع كبار رجال الكنيسة القبطية الكتب المتعلقة بالمسيحية ولكن أحد كبار رجال الدين المسيحيين قال ان رواية زيدان لم تراجع لانها اعتبرت عملا أدبيا وليس كتابا دينيا. الا أن المحامي القبطي ممدوح رمزي وأحد أفراد المجموعة التي قدمت الشكوى ضد زيدان قال ان الرواية مهينة للمسيحية.

وقال رمزي "لقد أساء لرهبان وبابوات الكنيسة وقال حاجات (أشياء) ليس لها أي دليل في الكتب ولم يؤرخها التاريخ."وتساءل قائلا ان زيدان ليس رجلا مسيحيا فماذا يعرف عن الكنيسة؟.

وأضاف رمزي "أتوقع اهتماما من السلطات والا فسيكون فيه تساؤلات ان القانون لا يتحرك الا لو كان فيه اساءة للاسلام .. اشمعنى (لماذا)؟."ويمثل المسيحيون في مصر نحو عشرة في المئة من السكان البالغ عددهم 78 مليون نسمة.

وقال جمال عيد الذي يرأس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان ومقرها القاهرة ان القضية تمثل مأزقا لحكومة مبارك التي حاربت تمردا اسلاميا محدودا في التسعينات.

فمن ناحية تريد الحكومة تجنب النقد من جماعات المسيحيين في الخارج ومن ثم فانها تتعرض لضغوط للتحرك ومن ناحية أخرى لاتريد سجن كاتب في وقت تتعرض فيه حقوق الانسان للتدقيق قبل انتخابات ستجرى خلال العامين الحالي والقادم. وتابع عيد "هذه القضية لها اعتبارات سياسية .. فلا أستبعد أي شيء."

رحيل رائد الكتابة الساخرة..

ومن جهة أخرى غيب الموت مساء الثلاثاء الماضي الكاتب المصري محمود السعدني، الذي يعتبره الكثيرون رائد الكتابة الساخرة في العالم العربي، بعد صراع مع المرض دام سنوات.

ولد محمود السعدني عام 1928، وعاش حياة حافلة بالكتابة الصحفية والابداعية.

بدأ الكتابة في صحف ومجلات قليلة الانتشار حينا كمجلة الكشكول وصحيفة المصري، ثم انتقل الى تحرير مجلات صحف واسعة الانتشار كمجلة صباح الخير و روزا اليوسف وصحيفة الجمهورية، وأسس مجلة 23 يوليو التي أصدرها من لندن ورأس تحريرها بعد مغادرته مصر إثر خلافه مع الرئيس أنور السادات.

ترك محمود السعدني عدة مؤلفات منها الولد الشقي الذي تحول الى مسلسل إذاعي كانت له شعبية كبيرة، ومسافر على الرصيف، تحدث فيه عن الكثير من الشخصيات الثقافية المصرية المرموقة من كتاب وموسيقيين، كالملحن الشيخ زكريا الحجاوي والكاتب عبد الرحمن الخميسي والكاتب المسرحي نعمان عاشور والشاعر محمود حسن إسماعيل، من خلال سرده لحكايات مقهى عبدالله الشعبي الذي كان يرتاده مع تلك الشخصيات.

ومن مؤلفاته الأخرى الولد الشقي في المنفى الذي هو عبارة عن مذكرات السنوات التي قضاها خارج مصر بعد مغادرته لها أثناء فترة حكم الرئيس أنور السادات، و رحلات ابن عطوطة و أمريكا يا ويكا.

لم يسلم أحد من سهام محمود السعدني الساخرة ، حتى نفسه، بل يمكن القول إن إبداعه الساخر كان يتجلى حين كان يصور طفولته الشقية فيجعلك تعشق الشقاء، ويعرض أكثر المواقف بؤسا فتجدك تفطس من الضحك بدلا من أن تموًت روحك من العياط، وأنا هنا، أحاول بلا جدوى تقليد لغته المبتكرة والفريدة، التي تجمع بين بلاغة الفصحى وحميمية العامية المصرية في انسجام يجعل سدنة المجمع اللغوي يحجمون عن الاعتراض.

كانت كتابته فعل سحر بامتياز: فهو يلتقط نقاط الضعف المشتركة عند البشر في مواقف معينة، فيتعمد تصوير تلك المواقف بشيء من المبالغة لبعض جوانبها حتى تغدو الشخصيات شبيهة بالكاريكاتير اللاذع.

تراه يكتب عن الفقر فكأنه يتغزل به، وعن الغنى فكأنه يهجوه، والقارئ يضحك في الحالتين.

حين يدعو بواب المدرسة الولد الشقي لمقابلة الناظر، وهذا لا يمكن أن يعني إلا واحدا من اثنين: إما علقة ساخنة أو إحضار ولي الأمر، وبينما هو يتجه الى غرفة الناظر يسمع بائع الكشري أمام المدرسة ينادي على بضاعته، فيحسد صبي البائع من كل قلبه لأنه ليس مضطرا لتحمل بؤس المدارس و علقات النظار ويد عم محمد البواب القوية الخشنة تقبض على زمارة رقبته ، فيتمنى لو كان صبي بائع كشري .

هذه حدود أمنية الولد الشقي: ومع أن الأحلام والأمنيات يمكن أن تكون بلا حدود، وهو شيء يدركه حتى فتى في مثل سنه، إلا أن أمنيته لم تبلغ حد أن تجعله بائع كشري قد الدنيا بل مجرد صبي .

كانت المواقف المفضلة لديه للسخرية هي تلك التي ترتبط بالغرور والنفاق والمظاهر الخادعة، فنراه يعمل قلمه بمن يتحلون بهذه الصفات، أي بأي شخص تسعفه ذاكرته الحادة بموقف تعرض له، فيعمل قلمه فيه بلا هوادة، حتى يجعله مسخرة .

وتبلغ لذاعة كلماته أوجها حين يسخر من نفسه، ففي إحدى كتاباته تطرق الى موهبته في التمثيل في بداية حياته، وعبر عن أسفه لأنه لم يسر في ذلك الطريق فيقول لو فعلت لأصبحت نجما يشار إليه بالحذاء .

أما حين يتحدث عن بداياته ككاتب، فيصف فرحته الغامرة بعد أن نشر أول مقال له في إحدى الصحف، وحين اشترى الصحيفة ورأى اسمه على إحدى صفحاتها الى جانب عنوان مقاله اراد أن يزف الخبر الى كل من يصادفه من قريب أو غريب، وقد فعل، فكان مثلا حين يصعد الى الترام يقول للكمساري الى صحيفة كذا ، ثم يفتح الصحيفة على الصفحة المنشور فيها مقاله ويقول : اصلي أنا اللي كاتب المقال ده.

ثم يصعد الموقف بحسه العبقري، فيقول انه اكتشف لاحقا ان عدد النسخ التي توزعها تلك الصحيفة لا يتجاوز عدد أصدقائه، وأن شهرته قبل كتابة المقال ربما فاقت شهرته بعد نشره.

شخصياته الشعبية البائسة تتحلى بأصالة تجعلها قريبة الى قلب القارئ وعالمها ينتزع تعاطفه، كما تنتزع المواقف الطريفة التي تمر بها ضحكاته.

لا أثر للمرارة في كتاباته، برغم المواقف الصعبة التي كتب عنها، خاصة في مذكراته.

حتى حين يتعرض لمن ناصبوه العداء، يحس القارئ وكأنه يرشقهم ببنادق ماء كالتي يلعب بها الأطفال، فأقصى ما يصيبهم من ضرر هو أن تبتل مؤخراتهم مما يجعلهم مثيرين للضحك، ولكنه لا يطلق عليهم حقدا أسود.

وبقدر ما أمتع محمود السعدني في كتاباته القارئ العادي بقدر ما استعدى الأنظمة.

على الرغم من حماسه لنظام جمال عبد الناصر لدرجة انخراطه في التنظيم الطليعي، لم يسلم من الاعتقال، وقضى سنتين من حياته في السجون دون أن توجه له تهم محددة.

أما غضب أنور السادات عليه فقد بدأ في مرحلة مبكرة، حيث فصل من عمله في جريدة الجمهورية بسبب نكتة أطلقها على السادات كما قال في احد كتبه.

ثم فرضت قيود على كتاباته في عهد السادات، فغادر مصر وتنقل بين بيروت وبغداد والكويت والإمارات العربية، ثم لندن التي أصدر منها مجلة 23 يوليو التي كان يدافع فيها عن نظام حكم عبد الناصر. وبعد اغتيال السادات عاد السعدني الى مصر، وتابع الكتابة الى أن اضطر الى الاعتزال بسبب المرض عام 2006.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/أيار/2010 - 24/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م