النظام الإيراني بين مخالب العقوبات والمد الأخضر

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي بزغ فيه فجر العام الجديد، كان النظام الإيراني قد أطلق حملة قاسية ضد أبناء شعبه الذين جرؤوا على النزول إلى الشوارع للدفاع عن رؤيتهم للعدالة في الجمهورية الإسلامية.

وكتب الباحث في معهد واشنطن ج. سكوت كاربنتر مقالاً حول الموضوع قال فيه: إن صعود "الحركة الخضراء" في أعقاب الانتخابات المزورة التي جرت في الثاني عشر من حزيران/يونيو المنصرم، قد أظهر بوضوح للشعب الإيراني بأن العناصر التأسيسية لنظام الثورة الإسلامية -- نظام "ولاية الفقيه" ومنفذها الرئيسي، "المرشد الأعلى" -- قد خسرا سلطتهما المتبقية المتمثلة بإقناع [الشعب الإيراني بصدق مسيرة الثورة]. كما ليس باستطاعة أجهزة النظام الأمنية الهائلة اعتقال وتعذيب عدد كاف من الناس لوقف تيار المعارضة.

ويضيف كابنتر، لقد ساهم نطاق المعارضة وانتشارها على تنامي الخلافات داخل أركان النظام، بحيث عرقلت معظم عمليات صنع القرار وسمحت لأقلية محافظة صغيرة، مدعومة من قبل "المرشد الأعلى" علي خامئني والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وكبار القادة في "فيلق الحرس الثوري الإسلامي ("الحرس الثوري")، أن تكون هي المسؤولة [عن إدارة البلاد] وعن ممارسة السلطة النهائية. ولا يزال الوضع في حالة لا يمكن الدفاع عنها ومن المحتمل أن يساهم في توفير الظروف اللازمة لحدوث المزيد من الإضطرابات وأعمال العنف طوال عام 2010.

ولذلك فإن الصراع الذي يجري حالياً داخل إيران، هو حول "رفات" السلطة الدينية كما تطورت حتى الآن. [هناك عدة أسئلة تنتظر أجوبة]. هل ستستطيع "الثورة الخضراء" الإطاحة لا محالة بمتشددي النظام في تطور ديمقراطي؟ هل سيستطيع "الحرس الثوري"، الآخذ بالفعل في الصعود، القيام بانقلاب عسكري دون تحفظ؟ وهل سيستطيع النظام ايجاد وسيلة للبقاء على قيد الحياة عن طريق التخلص من "المرشد الأعلى" و/أو رئيس الدولة من أجل أن ينقذ ما يمكنه من "الثورة"؟ وما الذي سيعنيه كل هذا فيما يتعلق بالمخاوف من أن تصبح إيران دولة "نووية"؟

ويجيب كابنتر، لكي تقوم الولايات المتحدة بإعداد مجموعة جديدة من السياسات الرامية إلى إحراز تقدم في هذه المجموعة الفوضوية من الظروف، يجب أولاً أن يكون لإدارة أوباما فهم أساسي للحقائق. فجمهورية إيران الإسلامية التي رغبت واشنطن في "التعاطي" معها غير قائمة الآن، إذا كانت بالفعل موجودة في أي وقت مضى. لقد حلت محلها عصابة من المحافظين أصبحت في عزلة متزايدة، ونيتها فقط التمسك بالسلطة والحصول على الإمتيازات الإقتصادية. ويبدو أن هذه الطغمة التي يقودها خامنئي والمحصنة من قبل "الحرس الثوري"، هي على استعداد للقيام بذلك بأي ثمن، وتأمل في استخدام بطاقتها الوحيدة المتبقية -- القضية النووية -- لإثارة أزمة دولية مع الغرب لكي تستغلها لحشد الناس لجهتها.

ويبين، للأسف لا تزال إدارة أوباما تتشبث بـ "نهاية عقدها" مع النظام الإيراني، وتتصور بأنه لا يزال من الممكن التوصل إلى "صفقة" مع الجمهورية الإسلامية. إن ذلك يسبب تفويت فرصة هائلة للبيت الأبيض لكي يقف إلى جانب الشعب الإيراني ويساعده على إعادة هيكلة النظام بصورة جذرية، إن لم يكن إسقاطه.

نهاية سياسة التعاطي

ويضيف كابنتر، لقد سعت إدارة أوباما إلى إغراء النظام من خلال تقديمها "جَزَراً" دبلوماسياً، وإثبات نواياها السلمية باحترام شرعيته. لقد استغرق الأمر اتخاذ قرار سياسي لكي تقوم الإدارة الأمريكية بعنونة خطاباتها العلنية إلى قيادة الجمهورية الإسلامية فقط، وليس إلى "الشعب الإيراني"، كما كان يفعل الرئيس بوش. ومن أجل طمأنة النظام، قللت الإدارة الأمريكية في خطاباتها من الإشارة إلى حقوق الإنسان، وأعادت تسمية "صندوق تعزيز الديمقراطية في إيران" الذي كانت الإدارة السابقة قد شكلته، وخفضت بصورة كبيرة من ميزانيته. كما وعدت طهران بالإنضمام إلى المحادثات المباشرة مع الوفد الإيراني الذي كان يجري مفاوضات في بروكسل في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية كانت قد اعتقدت بأن مزج هذه الخطوات، إلى جانب القيام بجهود دبلوماسية لتأمين الدعم الروسي والصيني لفرض عقوبات في وقت لاحق، يمكن جمعها سوية لإقناع طهران للوصول إلى اتفاق بشأن القضية النووية.

ولكن أقوال وأفعال خامنئي والمحافظين كانت عدائية دون كلل تجاه الغرب، وتجاه الولايات المتحدة على وجه الخصوص. وقد تعهد الرئيس أحمدي نجاد ببناء عشر مفاعلات أخرى. وفي غضون ذلك، استمرت المحاكمات الصورية التي تُجرى للأجانب، وتم القيام بالمزيد من الإعتقالات وأصبحت الخطابات القاسية المتعلقة بالرغبات الأمريكية لإسقاط النظام أكثر حدة. وفي 5 كانون الثاني/يناير المنصرم، نشرت وزارة الداخلية الإيرانية قائمة بأسماء المنظمات الأمريكية والبريطانية المتهمة بشن "حرب ناعمة" من أجل الإطاحة بالنظام. والآن لا يسمح لأي إيراني الإتصال بهذه المنظمات المحظورة.

من الواضح أن جهود إدارة أوباما للتعاطي مع الجمهورية الإسلامية، لم تؤدي إلى زحزحة طهران.

ويتابع كابنتر، إن الخطأ الأساسي في حسابات الإدارة الأمريكية هو التقليل من الذعر الذي يساور النظام من "الثورة المخملية" التي تساندها الولايات المتحدة. فكثيراً ما يتحدث خامنئي نفسه عن مخاوفه من "الغزو الثقافي"؛ كما تزخر تصريحاته العلنية الأخيرة بإشارات حول "الحرب الناعمة" التي تشنها الولايات المتحدة ضد الجمهورية الإسلامية. وكما قال رئيس المكتب السياسي لـ "الحرس الثوري"الجنرال يد الله جواني، إن "وجود أنصار مير حسين موسوي في الشوارع هو جزء من الثورة المخملية...إن أي نوع من الثورة المخملية لن يكون ناجحاً في إيران".

ونظراً للحاجة الإيديولوجية الواضحة للنظام الإيراني إلى تسمية أعدائه في الداخل كوكلاء الغرب، من المؤكد الآن بأن قيام تقارب حول الملف النووي أو أي موضوع آخر سيبقى بعيداً عن متناول يد الولايات المتحدة وشركائها. وتبقى الآن القرارات السياسية في الداخل بيد مجموعة صغيرة من المتشددين الذين هم في عزلة متزايدة. وليس من المستغرب بأنهم أيضاً أولئك الذين سيخسرون الكثير إذا ما انهار النظام.

المستقبل في حالة تغير مستمر

ويوضح الكاتب، إن عدم وجود أي احتمال للتوصل إلى اتفاق لم يوقف إدارة أوباما من ترك "الباب مفتوحاً جزئياً" من أجل إجراء المزيد من المناقشات على الرغم من أن الإدارة الأمريكية تمضي قدماً -- من الناحية المبدئية -- في فرض عقوبات تستهدف أفراد "الحرس الثوري" وممتلكاتهم وأصولهم. ومع ذلك، لا تظهر الإدارة حتى الآن، بأنها تميل إلى السعي من أجل فرض "عقوبات مشلة"، كما أشارت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في إحدى المرات، بسبب اعتقادها بأنه لا يمكن الحصول على الدعم اللازم من روسيا والصين.

وفي غضون ذلك، وفي الوقت الذي تصبح فيه الأزمة الداخلية في إيران أكثر عمقاً، يقتنع الكثير من المراقبين بأن ما نراه في إيران في الوقت الراهن هو الإنتقال إلى حكومة عسكرية برئاسة "المرشد الأعلى". ووفقاً لأحد المعلقين المعروفين "إن قيام مجلس عسكري هو أمر حتمي" لا محالة.

لقد حان الوقت لقيام إدارة أوباما باتباع سياسة هجومية شاملة ودقيقة، تتحدى النظام بسبب سياسته تجاه حقوق الإنسان. إن ما ينبغي على إدارة أوباما عمله الآن هو كالآتي:

دبلوماسية هجومية علنية

ويبين الكاتب، في الآونة الأخيرة، سعت إدارة أوباما إلى الجمع بين سياسة التواصل التي تتبعها مع تلميحات تتعلق بحقوق الإنسان. بيد، إنها لم تفعل ذلك إلا بصورة فاترة، وفقط بعد أن كانت قد طمأنت طهران بأنها لا تزال مستعدة لاستمرار المفاوضات. هناك كاريكاتير أصدرته المعارضة الإيرانية مؤخراً، يظهر فيه الرئيس أوباما وهو يغطي عينيه ويصافح أحمدي نجاد الذي يدوس بدوره على الأفراد المدممين. وكان أحد ناشطي "الحركة الخضراء" قد أوضح ذلك بصورة أكبر، عندما حذر بأنه "إذا اعتقدت الولايات المتحدة بأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران قد توترت بعد انقلاب مصدّق (عام 1953)، ليس عليك سوى الإنتظار حتى يقومون بخيانة 'الحركة الخضراء' ". من الواضح أن الوقت قد حان لاستعمال فن الخطابة بصورة صحيحة.

وإذا لجأت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات من جانب واحد تكون مستهدفة أو أوسع نطاقاً، ينبغي عليها أن تربط أي نشاط من هذا القبيل مع انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها، على سبيل المثال، "الحرس الثوري"/"الباسيج" منذ 12 حزيران/يونيو.

رؤية العقوبات بصورة قويمة

ويبين كابنتر، ينبغي على الإدارة الأمريكية المضي قدماً وعلى وجه السرعة نحو فرض عقوبات مستهدفة ولكن ليس بالطريقة التدريجية المعتادة. يجب عليها أن تنفذ جميع "العقوبات المستهدفة" المحتملة في وقت واحد باعتبارها موجة مد وجزر واحدة، من أجل تعزيز فعاليتها المقصودة وتقوية تأثيرها السياسي داخل إيران.

ويضيف، مع تفاقم انتهاكات حقوق الانسان في إيران واستمرار المحاكمات الصورية الستالينية، أصبح السكان الأوروبيون أكثر غضباً، وبدؤوا يمارسون الضغط على قادتهم لكي يقوموا بعمل شئ ما.

ينبغي على إدارة أوباما أن تخلق حيوية لهذا التحول في الموقف بتعبيرها عن دعمها القوي والعلني لمثل هذه المبادرات. فبدون زعامة الولايات المتحدة، ليس من المرجح أن تجد أوروبا الإرادة لاتخاذ مبادرة ما. ونظراً لأن أوروبا، وليس الولايات المتحدة، هي التي تحتفظ بوسائل الضغط الإقتصادي تجاه إيران، فإن عدم القيام بذلك سيمثل فرصة ضائعة كبيرة.

تغيير فجائي لما يجب العمل به

ويستنتج الكاتب بالقول، نظراً لعزم المتشددين على استخدام القوة ضد أبناء الشعب الإيراني، لا تزال الإنطلاقة الديمقراطية في إيران بعيدة المنال على المدى القريب جداً. ومع ذلك، فإن العنف الذي يتبعه النظام حالياً يؤدي إلى تطرف أولئك الذين في الشوارع، ويجعل القيادة المفترضة لـ "الحركة الخضراء" أقل ميلاً لتقديم تنازلات.

ويختم كابنتر مقاله بالتاكيد على إن النظام في طهران معرض للخطر. وفي حين تلاشى حلم الرئيس أوباما حول التفاوض على اتفاق للتوصل إلى حل للموضوع النووي الإيراني، زادت احتمالات مواجهة النظام من خلال التعبير عن التضامن مع تطلعات الشعب الإيراني. إن القيام بذلك من شأنه أن يزيد من ذعر النظام، وربما يقلب الموازين [السياسية] لصالح أولئك الملتزمين بإعادة هيكلته أو حتى إسقاطه. إن حدوث تغيير في النظام يوفر أفضل حماية ضد قيام إيران نووية وربما يؤدي حتى إلى قيام فترة من الشراكة بين الولايات المتحدة وإيران يمكنها أن تؤثر جذرياً على جهود الولايات المتحدة لتحقيق الإستقرار في كل من العراق وأفغانستان. ينبغي على إدارة أوباما أن تدرك بأن جهودها للتعاطي مع النظام الإيراني قد فشلت، وحان الوقت الآن لتحدي هذه السياسة.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر أن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/أيار/2010 - 24/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م