كثيرة هي سيناريوهات الحرب المحتملة ضد إيران. فمنها ما يتحدث عن
ضربة جوية خاطفة تقوم بها الطائرات الإسرائيلية للمنشآت النووية
الإيرانية وبمعزل عن الموافقة الأمريكية. ومنها ما يعتمد سياسة الهجوم
المشترك لكل من إسرائيل وأمريكا وبعض الدول الحليفة لهما. أما عن
أساليب هذا الهجوم فقد يكون من الجو فقط وقد يكون من الجو والبر
والبحر. في حين يتوقع محللون عسكريون أن تكون هذه الحرب إقليمية
بامتياز. حيث تقوم وحدات من الدبابات الإسرائيلية بالتوغل في جنوب
لبنان يرافقها قصف جوي إسرائيلي لعدد من المناطق اللبنانية في البقاع
والجنوب وعلى الحدود السورية اللبنانية.
ويتوقع أن يترافق هذا القصف الجوي بإنزال بحري إسرائيلي على شواطىء
بيروت. وفي هذا الإطار فقد طوّرت إسرائيل نظاما ً دفاعيا ً جديدا ً
لحماية دبابة الميركابا التي تستخدمها في عمليات التوغل. أما أجهزة
الأقمار الصناعية الأمريكية فتقوم بالتشويش على الصواريخ الإيرانية
وصواريخ حزب الله واعتراضها باستخدام الدرع الصاروخي الأمريكي
الإسرائيلي.
إلا أن عددا ً من المراقبين العسكريين يتوقع أن يكون رد الفعل
الإيراني عنيفا ً إلى درجة أنه يشكل صدمة لكل من تل أبيب وواشنطن. فقد
يكون بمقدور إيران إطلاق ما يزيد عن (11ألف) صاروخا ً في دقيقة واحدة
من بدء أي هجوم ضدها. ناهيك عن صواريخ حزب الله التي قد تصل إلى
العمق الإسرائيلي بمدى أبعد من تل أبيب ذاتها.
ولا يخفى على أحد تلك التقارير التي أوردها عدد من المسؤولين
الإسرائيليين والأمريكان والتي تحدثت عن تزويد سوريا لحزب الله بصواريخ
(سكود) وهو ما اعتبر اخلالا ً بموازين القوى في المنطقة.
وفي الوقت الذي نفت فيه دمشق كل هذه التقارير واعتبرتها تبريرا ً
لاعتداء عليها فإن دمشق قامت بمناورات عسكرية مع الجيش التركي تزامنت
مع مناورات عسكرية قامت بها إيران في الخليج العربي.
وسواء أكانت سيناريوهات الحرب المحتملة حقيقة ً أم من صنع الخيال
فإنها تشكل عامل ضغط نفسي شديد ليس فقط على طهران وحسب وإنما على عدد
من دول المنطقة والعالم. ذلك أن إيران ليس دولة عادية في الخليج وهي
ليست عراق صدام حسين الذي عُزل وحوصر من قبل معظم دول العالم.
فإيران تمتلك عددا ً من الأوراق القوية في المنطقة والتي تقوم
باستخدام بعضها حاليا ً لإعاقة أي هجوم محتمل عليها وكردّ على سياسة
الحرب النفسية والاقتصادية التي تتبعها واشنطن بهدف ردعها عن الاستمرار
بتطوير برنامجها النووي.
ومن جملة هذه الأوراق العراق الذي اتضح مؤخرا ً بأن إيران تسيطر على
مفاصل مهمة فيه. وقد أثبتت الإنتخابات الأخيرة حضور الجانب الإيراني
بقوة. فالعديد من الحوارات والنقاشات السياسية بين بعض الكتل السياسية
العراقية جرت في طهران وبرعايتها. في حين تتهم واشنطن إيران بدعم بعض
أعمال العنف في العراق بهدف إعاقة المشروع الأمريكي فيه أيا ً كانت
توجهاته أو مسمياته.
في الجانب الآخر من الحدود فإن لإيران علاقات وصلات مع بعض القبائل
في أفغانستان. وقد سهلت إيران في أكثر من مناسبة تنقل بعض قادة القاعدة
إلى افغانستان . كما أنها سهلّت هرب هؤلاء من عدة ضربات قاسية وجهت لهم
من قبل قوات التحالف في افغانستان. ولا يخفى على أحد وجود مكاتب
للقاعدة في عدد من المدن الإيرانية وحتى تواجد بعض من أفراد عائلة بن
لادن فيها لفترة من الزمن وذلك على الرغم من التباين المذهبي والفكري
بين الفريقين.
وعلى الجانب التركي فإن لإيران علاقات تجارية واسعة مع تركيا وقد
عبّر وزير الخارجية التركي مؤخرا ً عن رغبة تركية بان يستمر التصاعد في
حجم التبادل التجاري بين البلدين ليصل مستقبلاً الى اكثر من 30 بليون
دولار للسنوات الخمس القادمة بعد ان وصل الى قرابة (5.5 بليون دولار)
كنتاج للازمة المالية العالمية .
ويتزامن التقارب في العلاقات الإيرانية التركية مع ازدياد التباعد
والنفور في العلاقة التركية الإسرائيلية وبخاصة بعد الموقف الإسرائيلي
الأخير والمتعلق بنية الأخيرة بناء (1600) وحدة سكنية في القدس الشرقية.
ويبدو أن هذا التوتر في العلاقات التركية الإسرائيلية والتخوف
الإسرائيلي من التقارب التركي مع كل من إيران وسوريا هوما يقف وراء
الرفض الإسرائيلي لتزويد الأسطول التركي بنظم دفاعية مضادة للصواريخ من
طراز (باراك 8). في حين تشير بعض التقارير إلى أن المؤسسة العسكرية
الإسرائيلية كانت قد رفضت عددا ً من الطلبات التركية لشراء نظم حربية
متطورة خشية أن يتم نقل تقنيات هذه الأسلحة وتفاصيلها إلى إيران.
وكرد فعل على هذا الموقف الإسرائيلي قامت المؤسسة العسكرية التركية
باستبعاد إسرائيل من مناورات (نسر الأناضول) التي بدأت منذ العام 2001
بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الغربية
والعربية. وتعتبر هذه المناورات مهمة جدا ً لسلاح الطيران الإسرائيلي
خاصة ً وأن هذا الاخير يفتقد إلى المجال الجوي الواسع الذي يمكنه من
تدريب طياريه.
ويتوقع المراقبون أن تتخذ تركيا مواقف متشددة تجاه اية حرب محتملة
في الشرق الأوسط أقلها إغلاق مجالها الجوي وعدم التعاون الاستخباراتي
مع كل من أمريكا وإسرائيل. وذلك بما يذكر بالموقف التركي الأخير قبيل
الحرب الأخيرة على العراق.
وتحاول الإدارة الأمريكية استيعاب الموقف التركي المتشنج لا سيما
بعد موقف الكونغرس الأمريكي من قضية الأرمن . لكن تركيا التي لعبت دور
الوسيط في المفاوضات بين كل من سوريا وإسرائيل وجدت في المواقف
الإسرائيلية الأخيرة تجاه الفلسطينيين تصعيدا ً غير مبرر لا سيما فيما
يتعلق بقضايا المستوطنات وغزة.
وقد فجّر هذا الأمر أيضا ً أزمة بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة
الرئيس أوباما التي تحاول ومنذ قرابة السنة تحريك عملية السلام في
الشرق الأوسط وتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي.
وعلى الرغم من أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية كانت وما تزال
تعتبر مميزة إلا أن التصرف الحكومي الإسرائيلي الأخير شكّل إحراجا ً
لواشنطن. فهي تسعى من جهة للحفاظ على حلفائها في المنطقة لكنها من جهة
أخرى تسعى لضمان أكبر قدر من التحالفات التي تسبق أي عقوبات اقتصادية
على إيران أوحتى القيام بأي عمل عسكري ضدها.
وبانتظار موافقة مجلس الأمن على مثل هذه العقوبات وفي إطار التحضير
لهذا الموضوع فقد كان من الضروري بمكان إقناع كل من روسيا والصين بجدوى
هذا الأمر. وهذا ما يفسر بحسب عدد من المراقبين ارتفاع حجم التبادل
التجاري بين كل من العراق والصين من (300 مليون دولار) عام 2003 حتى
وصل عام 2009 إلى اكثر من (5 مليار و400 مليون دولار). بالإضافة إلى
فوز عدد من الشركات الصينية والروسية في جولة التراخيص الثانية للعقود
النفطية في العراق في حين غابت الشركات الأمريكية عن الساحة. كما أن
زيارة عدد من كبار مسؤولي بعض الدول الخليجية لبكين وتوقيع عدد من
الاتفاقيات التجارية المهمة التي من المحتمل أن تصل قيمتها إلى ما
قيمته (125 مليار دولار) ليس بالأمر الاعتباطي .
لكن هل تعوض هذه المغريات المقدمة إلى كل من الصين وروسيا ما يحصل
عليه كلا البلدين من إيران؟ فالصين التي تنتهج سياسة دبلوماسية النفط
بحيث تقوي علاقاتها مع كل الدول النفطية تحتاج إلى توسيع إمبراطوريتها
الصناعية إلى أكبر قدر ممكن وذلك لتشغيل معاملها وتصدير سلعها إلى
مختلف أسواق العالم. حيث تعد الصين ثاني اكبر مستهلك للنفط في العالم
بعد الولايات المتحدة وقد ارتفعت وارداتها من النفط الخام بنسبة 33.4%
في يناير 2010 لتبلغ 17.11 مليون طن ما يعادل4.05 مليون برميل يومياً.
وفي عام 2009 كانت ايران ثالث اكبر مصدر للنفط الى الصين، بعد انجولا
والسعودية، اذ صدّرت ايران للصين 23.1 مليون طن من الخام، اي 11.4 % من
واردات الصين النفطية. كما تستورد الصين الغاز المسال من إيران وذلك
بموجب اتفاقية وقعت بين البلدين في العام 2004 بقيمة 70 مليار دولار
وتمتد لمدة تتراوح ما بين 25 و30 عاما ً . وبحسب الاتفاقية تشتري الصين
250 مليون طن من الغاز الإيراني .
لذلك فإن الخيار الصيني بالموافقة على فرض عقوبات اقتصادية على
إيران يعني بالدرجة الأولى حرمانها من مصدر مهم للطاقة وخسارة سوق
استراتيجي تعول عليه شركاتها. وهذا ما يفسر الموقف الصيني الذي عبرت
عنه (اثرين اشتون) مسؤولة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، بأنه
انتقل من مسألة هل ينبغي فرض عقوبات على الإطلاق الى مسألة كيفية تحديد
هذه العقوبات.
ويبقى العامل الأهم في عدم رغبة الصين تسهيل مهمة الولايات المتحدة
الأمريكية في كبح جماح إيران مرتبطا ً بخوف الصين من توسع النفوذ
الأمريكي باتجاه الشرق. ويبدوأن مخاوف الصين من مستقبل النفوذ الأمريكي
في الشرق الأقصى هي ذاتها التي تتحكم بالموقف الروسي من إيران وفرض
عقوبات عليها. فعلى الرغم من توقيع الرئيسين الأمريكي والروسي في
العاصمة التشيكية براغ على اتفاقية جديدة بين البلدين حول تقليص حجم
الترسانة النووية لدى البلدين إلّا أن الجنرال ميخائيل دميترييف، رئيس
هيئة التعاون العسكري في روسيا كان قد ذكر في وقت سابق إلى أن العقد
المبرم مع طهران بشأن توريد منظومة الدفاع الجوي الصاروخية "إس-300"
إلى إيران لم يتم فسخه.
كما أن روسيا تخشى من تأثر علاقاتها مع إيران لا سيما وأن هذه
الأخيرة تعتبر ممرا ً مهما ً وحيويا ً لمد أنابيب نقل النفط والغاز إلى
الخليج العربي وآسيا.
ولروسيا علاقات تجارية هامة مع إيران فقد بلغ حجم التبادل التجاري
بين كلا البلدين إلى أكثر من 3.5 مليار دولار في العام 2009 ومن
المتوقع أن يصل إلى أكثر من 5 مليارات في العام 2010 . وتشمل أهم
الإستثمارات المشتركة بين البلدين صناعات النفط والغاز ومنشآت المصافي
والبتروكيمياويات.
لكن عددا ً من المراقبين السياسيين يؤكدون على أن الموقف الروسي
والصيني من إيران هو موقف قابل للتغير. لا سيما وأن لكل من الدولتين
مخاوفهما الخاصة تجاه حقيقة القوة العسكرية الإيرانية. وهذا ما يفسر
التباطؤ الروسي في تنفيذ بعض التعهدات والصفقات. في حين اعتبر البعض
الآخر هذا التذبذب في المواقف محاولة روسية-صينية لابتزاز أمريكا في
تغيير مواقفها من بعض القضايا العالقة بين كل منهما وأمريكا.
فالخلاف الصيني الأمريكي حول نظام الحماية الجمركية الذي فرضته
أمريكا على السلع الصينية وصفقات السلاح الأمريكي لتايوان واستقبال
أوباما للدلايلاما القادم من (التيبيت) كلها قضايا عالقة بين الدولتين.
ولن تغير الصين موقفها من إيران ما لم تغير إدارة أوباما مواقفها تجاه
القضايا محل النزاع المشترك.
أما روسيا فتحاول الحصول على أكبر قدر من المنافع والمكاسب العسكرية
والسياسية من أمريكا كتفكيك الدرع الصاروخية الأمريكية في كل من تشيكيا
وبولونيا وعدم موافقة أمريكا على انضمام كل من جورجيا وأوكرانيا إلى
حلف الناتو بالإضافة إلى غض النظر عن سياسة موسكوفي كل من الشيشان
وأنغوشيا وقرغيزيا وغيرها من الدول التي تعتبرها موسكو خطّا ً أحمر في
حماية عمقها الاستراتيجي.
ويبدو الأمر في غاية الدقة بالنسبة للبيت الأبيض الذي يحاول
الموازنة بين مكاسبه من فرض العقوبات على إيران وما يجب أن يتخلى عنه
لتحقيق ذلك.
أما الورقة الأقوى في يد إيران فتبقى تحالفاتها الاستراتيجية مع كل
من سوريا وبعض التنظيمات العسكرية في المنطقة كحزب الله في لبنان وحماس
في غزة. ولا يخفى على أحد الآثار السلبية التي تركتها حرب تموز على
الجيش الإسرائيلي والتي ما تزال أصداؤها باقية في أذهان كبار ضباط هذا
الجيش.
ومن هنا فقد حاولت إسرائيل في مرات عدة إعادة الحوار ومسار التفاوض
مع الجانب السوري. كما أنه يجدر الإشارة إلى عودة العلاقات السورية
الأمريكية إلى وضع أفضل حالا ً عما كانت عليه قبل سنوات . وقد تمثل هذا
التحسن في إشارات سياسية واضحة تمثلت في الرغبة الأمريكية في عودة
سفيرها إلى دمشق ومن ثم جملة التصريحات التي تقلل من تسلل مسلحين عبر
الحدود السورية إلى العراق.
أضف إلى ذلك ازدياد حجم الاستثمارات الخليجية مؤخرا ً في عدد من
المناطق السورية. ويعزو البعض هذا الحراك تجاه دمشق بأنه محاولة
لاستمالة الموقف السوري باتجاه إبداء بعض الليونة لا سيما فيما يتعلق
بملف السلام . وهو الأمر الذي سوف يؤدي في النهاية وبحسب اعتقاد إدراة
الرئيس أوباما إلى عزل حزب الله عن الدعم السوري له وبالتالي تقليص
نفوذ إيران وحلفائها في المنطقة ممن يهددون أمن إسرائيل.
أما دول الخليج العربي فإنها تتخوف من أية حرب محتملة بين إسرائيل
وإيران . ذلك أن إيران كانت قد هددت في أكثر من مناسبة بأنها سوف تغلق
مضيق هرمز الذي تمر عبره (40 %) من الملاحة البحرية وبأنها ستقوم بقصف
المصالح والقواعد الأمريكية في الخليج العربي . وهذا بالطبع يعني
انهيار كم كبير من المكتسبات التي حققتها هذه الدول على مدار سنوات
طويلة . ناهيك عن الآثار الجانبية التي ستخلفها هذه الحرب من مشاهد حرب
طائفية وأزمات اقتصادية خانقة.
ولن تحقق دول الخليج جراء هذه الحرب أية مكاسب تذكر وذلك إذا ما
نظرنا إلى الأمر على المدى القصير آخذين بالاعتبار ارتفاع أسعار النفط
المتوقع أن تصل إلى أكثر من (150 دولار) للبرميل الواحد جراء أية ضربة
عسكرية لإيران. والسبب في ذلك يكمن في أن إيران ودول الخليج العربي
برمته سوف تكون غير قادرة على تصدير هذا النفط إلى العالم مهما غلا
ثمنه. وهذا يعني نقصا ً كبيرا ً في إمدادات الطاقة. فإيران وحدها تنتج
(3.75 مليون) برميل يوميا ً أي ما يعادل (4.4 %) من الطلب العالمي. كما
أن العراق الذي يحاول زيادة انتاجه النفطي يحتاج إلى سنوات أربع على
الأقل حتى يكون قادرا ً على انتاج كميات تعوض جزءا ً من هذا النقص.
وحتى لو حاول عدد من الدول كروسيا مثلا ً الاستفادة من ارتفاع أسعار
النفط في المراحل الأولى من الحرب إلا أن ما سيعقب هذه المرحلة من
انهيارات في اسواق العملة الصعبة سوف يطيح بكل هذه المكاسب.
ويتوقع المحللون أن تكون الحرب المتوقعة مع إيران في فترة الصيف
وليس الشتاء ذلك أن استخدام الطاقة في فترة الصيف يكون أقل مما هو عليه
في فصل الشتاء. ويبدو أن هذا الامر دعى الحكومة الإيرانية إلى زيادة
مخزونها من البنزين إلى 2.35 مليار لتر. وعلى الرغم من أن إيران من
كبار مصدري النفط في العالم إلا أنها تستورد قرابة 40 % من احتياجاتها
من البنزين لتلبية الطلب المحلي. واستعدادا ً لأية انقطاعات في واردات
البنزين لإيران تقوم هذه الأخيرة بمساع حثيثة لتدشين مشروع مصفاة (نجمة
الخليج الفارسي) مع حلول عام 2012. كما أعلنت وزارة النفط الإيرانية إن
السلطات أصدرت (19) ترخيصا للقطاع الخاص لإنشاء مصاف للنفط في سبيل
الاستغناء عن استيراد البنزين.
ويتوقع المراقبون أن تكون الضربة العسكرية المحتملة لإيران سريعة
وخاطفة لإرباك الجانب الإيراني لا سيما وأن الأزمة الداخلية للحكم في
إيران في تفاقم مستمر، خاصة مع اتساع حجم المعارضة الداخلية لسياسة
أحمدي نجاد الذي بات يهدد بالإطاحة بحكومته. هذه الحكومة التي تعهدت
فيما مضى بمحاربة الفساد باتت اليوم في موقف المتهم بالفساد ومن قبل
أقرب الجهات المؤيدة لها كمجلس القضاء الأعلى متمثلا ً بصادق لاريجاني
وغيرها من الشخصيات الكبرى من رموز الثورة الإيرانية.
إلا أن المراقبين للشأن الإيراني يتخوفون من أن تؤدي اية حرب محتملة
مع إيران إلى تقوية نفوذ الحكومة في الشارع وتحالف قوى المعارضة
الحالية حولها لوقف التدخل الأجنبي. وهذا يعني إضعاف الثورة (الخضراء)
وتقوية الحرس الثوري الإيراني.
من جانب آخر فإن الحرب المحتملة ضد إيران تصطدم بعوائق أخرى تفوق
تلك المتعلقة بالتحالفات الاستراتيجية في المنطقة والعالم. هذه العوائق
تفرضها الأزمة المالية العالمية والتي تلقي بظلالها على مقدار العجز
الكبير في الخزانة الأمريكية وعدم قدرة دول العالم الصناعية وفي
مقدمتهم أوروبا على تحمل نفقات ارتفاع أسعار الوقود ونفقات الحرب
الجديدة. وهو ما يعني أن الكلفة العالية لهذه الحرب سوف تهدد بانهيار
اقتصاديات هذه الدول التي تعاني من ارتفاع معدلات البطالة وانهيار
شركاتها وبنوكها. وأزمة اليونان هي جزء يسير من عدة أزمات اقتصادية
تحاول حكومات العالم التغلب عليها بتقديم القروض وضخ المزيد من
الأموال.
وقد تؤدي هذه الحرب إلى أزمة بيع عارمة في أسواق المال بهدف
التقليل من المخاطر. فالمستثمر الذي يخشى من تدهور حال السوق وتباطؤها
الشديد نتيجة هذه الحرب سوف لن يجد بدا ً من الإسراع في بيع عدد كبير
من أسهمه. وإذا ما قيس هذا الأمر على ملايين الاسهم في جميع أنحاء
العالم فإنه وبدون أدنى شك سيعني انهيار هذه الاسواق بشكل مفاجىء
وسريع. وهو ما لا تود الدول الصناعية الكبرى في العالم رؤيته حتى في
كوابيسها. وفي النهاية فإن قرار السلم والحرب يبقى مرتبطا ً بإرادة هذه
الدول على تحكيم سياسة العقل والابتعاد عن أية مخاطر قد تكلف شعوب
المنطقة والعالم مآسٍ ودمار لا يمكن تفادي آثاره أو تجنب تبعاته لأجيال
من الزمن.
Sadekalrikaby@gmail.com |