البنوك الإسلامية ودورها في معالجة الأزمة المالية

تشريعات متوازنة تساعد في تجاوز الأزمة العالمية

 

شبكة النبأ: أدى إفلاس البنوك التقليدية في أوربا وأمريكا جراء الأزمة المالية العالمية وثقة المسلمين في أوربا بالاقتصاد الإسلامي وقدرته على حل الأزمة المالية العالمية إلى زيادة التوجه إلى تلك النوعية من البنوك خصوصا وإن الاقتصاد الإسلامي ينشط في أكثر من 50 دولة حول العالم.

وقد تنوعت أدوات الصناعة المصرفية والمالية في العالم الإسلامي والأوربي بين أصول عقارات وإقراض إسلامي وصكوك وصناديق إسلامية، فيما ساعدت التشريعات الاسلامية دول الخليج على تلافي الأزمة المالية والنهوض من جديد بسرعة بارتفاع نسبة النمو الاقتصادي.

نشاطات اقتصادية

وقال أستاذ محاضر بجامعة لاينبرك الألمانية إن انتشار المسلمين في الدول الأوروبية والأزمة المالية العالمية والنظم القانونية التي تعطي الحرية المالية والتجارية للأفراد المقيمين في التعامل بالندوات الاقتصادية التي يرونها مناسبة كانت من أهم الأسباب التي ساهمت في انتشار البنوك الإسلامية في أوروبا.

وفي ندوة نظمها بنك الكويت استعرض هانز جورج هيبرت النشأة التاريخية للبنوك الإسلامية في أوروبا والأسباب التي دفعت الأوروبيين إلى الاهتمام بالبنوك العاملة وفق إحكام الشريعة الإسلامية. بحسب كونا.

وأشار إلى إن النظام المصرفي في أوروبا يختلف من دولة إلى أخرى حيث أنه في ألمانيا على سبيل المثال تنقسم البنوك إلى ثلاثة أقسام حكومية ومشتركة بين القطاعين الخاص والعام وبنوك خاصة.

وأضاف إن 75 في المائة من البنوك الألمانية حكومية مشيرا إلى وجود اهتمام ألماني وأوروبي بالقوانين العربية الاقتصادية والتجارية خاصة لمنطقة الخليج وبشكل خاص لقانوني الكويت والبحرين.

وعدد ايبرت البنوك الإسلامية التي بدأت عملها في أوروبا في ثمانينات القرن الماضي موضحا أنها كانت مرهونة بنسبة التدين التي زادت خلال الفترة الماضية بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية والظروف التي أحاطت بالأزمة المالية العالمية.

ولفت ايبرت النظر إلى وجود بنكين أوروبيين عاملين وفق أحكام الشريعة الإسلامية بشكل كامل من بينهما بنك فيصل الذي تم تأسيسه في سويسرا عام 2006 .

وأوضح أن غالبية البنوك العالمية الخاصة تقوم بإصدار أدوات إسلامية مثل الصكوك والصناديق الإسلامية لافتا إلى أن الخبرات الإسلامية المالية قليلة في أوروبا وذلك رغم وجود بعض المؤسسات التي تقوم بالرقابة والإشراف على المؤسسات المالية الإسلامية.

وتوقع ايبرت أن تنتشر الصناعة المالية الإسلامية بشكل اكبر في أوروبا ولكن الصناعة المالية التقليدية ستكون هي السائدة خاصة مع قيامها بفتح فروع إسلامية لها مبينا إن المنتجات المالية الإسلامية تحتاج إلى وقت وإتباع النظام الإسلامي بشكل تدريجي.

تلافي الأزمة المالية

وأشار البروفيسور الألماني إلى إن أهم المعوقات التي تقف أمام انتشار الصناعة المالية الإسلامية في أوروبا هي قوانين الضرائب لافتا إلى وجود اقتناع بالمنتج المالي الإسلامي من جانب غير المسلمين في أوروبا معتبرا القضية اقتصادية أكثر من كونها عقائدية. بحسب كونا

من جهتها تدير الصناديق الإسلامية البالغ عددها 680 صندوقاً أصولاً بحجم 70 مليار دولار، ويتركز 45 في المائة من تلك الصناديق في دول مجلس التعاون الخليجي، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الكويتية.

واستنادا إلى تقرير أصدرته شركة "سبائك" الكويتية: "إن عدد الصناديق الإسلامية في دول المجلس بلغ 306 صناديق، شهدت نمواً سريعاً نتيجة زيادة حجم الثروات داخل دول مجلس التعاون بفضل ارتفاع أسعار النفط".

وأضاف: "إن حجم أصول الصناديق الإسلامية القابلة للاستثمار في دول مجلس التعاون سجلت ارتفاعاً من 267 إلى 736 مليار دولار بين عامي 2007 و2008 وفقاً لمؤسسة ارنست ويونغ.. وإن قاعدة عملاء الصناديق اتسعت في العقد الماضي لتشمل عدداً كبيراً من المستثمرين غير المسلمين".

وتابع: "إن تلك الصناديق تطورت في مجال إدارة الثروات لتلبي احتياجات المستثمرين الذين يريدون ولوج أسواق رأس المال في إطار أحكام الشريعة.. ومن المتوقع أن يرتفع عدد الصناديق الإسلامية إلى ما يزيد عن 700 صندوق خلال العام الحالي".

وذكر أن ماليزيا والسعودية تضمان أكبر مراكز الصناديق الإسلامية والأكثر جاذبية في العالم نظراً لعدد الحوافز المعتمدة داخل هاتين الدولتين ومستوى التحرر في قطاع التمويل الإسلامي ككل.

وأشار التقرير:إلى "إن ماليزيا تستحوذ على 26 في المائة من الصناديق حول العالم، إذ يبلغ عددها 194 صندوقاً تدير أكثر من 8.6 مليار دولار، في حين تبلغ حصة السعودية 19.6 في المائة بعدد 147 صندوقاً يدار فيها 18 مليار دولار".

وأضاف: "إن الإمارات تستحوذ على 55 صندوقاً تدير أصولا بحوالي 5.5 مليار دولار، تتبعها الكويت التي تضم 36 صندوقاً تدير ثلاثة مليارات دولار تقريباً، في حين يعمل في البحرين 20 صندوقاً حجمها أقل بقليل من مليار دولار".

وعن عوائد تلك الصناديق، بيّن التقرير أنها حققت العام الماضي ارتفاعاً بنسبة 16 في المائة مسجلة قفزة قوية مقارنة بعوائد سلبية عام 2008 بنسبة 10 في المائة، مرجعاً السبب إلى تحسن أوضاع أسواق الدين بشكل عام وسوق الصكوك بشكل خاص".

وعلى المستوى العالمي، تصدرت صناديق الصكوك ذات العوائد المرتفعة قائمة الصناديق من جهة الأداء مستفيدة من تقارب الفجوة بين عمليات البيع والشراء، حيث حققت الصناديق بدول الخليج أداء إيجابياً العام الماضي بعائد 12.5 في المائة.

فاعلية الاقتصاد البحريني

من جهة أخرى قال وزير المالية البحريني الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة إن التزام بلاده بالتشريعات والنظم المالية الإسلامية، ساعدتها على تلافي أسوأ آثار أزمة الركود الاقتصادي العالمية.

وتوقع الوزير البحريني، في مقابلة صحفية مؤخرا أن ينمو اقتصاد بلاده بنحو أربعة في المائة هذا العام، قائلا إن "النمو الثابت وطويل الأجل،" هو الذي تستهدفه المملكة، لافتا إلى أن "البحرين بنت اقتصادا مرنا يمكنه تحمل الصدمات."بحسب سي ان ان.

وأضاف "لقد مررنا بهذه الفترة (الأزمة) على خير ما يرام.. واعتقد أن تنوع اقتصادنا ساعدنا بشكل هائل على ذلك.

وأجاب الوزير البحريني عندما سئل عن الطريقة التي تجنب بها بلاده الأصول الخطرة "عبر النظر إلى القواعد المالية الإسلامية والتي لا تجيز التعامل مع بعض المنتجات، ولذلك بقيت المملكة بعيدة عن بعض تلك القطاعات الخطرة."

لكن وزير المالية عاد ليقول "لم ندع أبدا أننا محصنون، كنا منكشفين مثل عيرنا من دول العالم، لكن الالتزام بأفضل الممارسات تمنا من التأكد من تقليص حجم آثار الأزمة إلى مستويات يمكن التحكم بها."

وتقع البحرين على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، وتتألف من 33 جزيرة لطالما مثلت نقطة تواصل بين طرق التجارة، ولقرون عدة، كان صيد اللؤلؤ هو مصدر الدخل الأول للبلاد.

ويسمح قانون المملكة، التي يحكمها آل خليفة منذ 1783، بالتملك الأجنبي الكامل على أراضيها في نحو 95 في المائة من فرص الاستثمار، من دون الحاجة إلى وجود شريك محلي.

وتعتبر البحرين الاقتصاد الحر الوحيد في الشرق الأوسط، والثالث عشر على مستوى العالم، إذ أنها تفوقت على دول مثل اليابان، وبلجيكا، وألمانيا. بحسب قائمة صحيفة وول ستريت للاقتصاد الحر.

أصول جديدة

وقال مسؤولين تنفيذيين ان صناعة التمويل الإسلامي سيتعين عليها البحث عن أصول جديدة لتصميم هياكلها بالاستناد إليها في ظل ابتعاد المستثمرين عن العقارات بعد أن تضرر القطاع بشدة جراء الأزمة المالية.

وكانت شركات التنمية العقارية قد سيطرت على سوق الصكوك خاصة في منطقة الخليج قبل انتهاء الطفرة العقارية في 2008 بسبب الأزمة العالمية وتراجع أسعار النفط.

وأوضح سافدار عالم رئيس أنشطة الهيكلة الإسلامية لدى جيه.بي مورجان خلال قمة رويترز للتمويل الإسلامي "أولا الأراضي والأصول العقارية ربما لا تعتبر أصولا مستقرة في الوقت الحالي وثانيا هناك تدقيق شديد على هياكل الصكوك المدعومة بأصول. "هذا يعني أن الصناعة سيكون عليها دراسة أنواع أخرى من الأصول بجدية لاستخدامها في الصكوك."

ويذكر إن الصكوك تعتمد على عائدات أصول حقيقية مثل إيجارات العقارات لجني السيولة - لا الفائدة - لتوزيعها على المستثمرين. بحسب رويترز.

من جهته قال سمير عبدي رئيس التمويل الإسلامي في ارنست اند يونج إن الاعتماد على العقارات كأصول أساسية للصكوك سيواصل لعب دور في القطاع ولكنه ربما يتوقف لفترة قصيرة.

وقال عبدي "كانت فئة أصول من السهل أن يستند الهيكل إليها لأنها متاحة وهناك إقبال عليها لذا اعتقد أن هذين الجانبين سيعودان إلى السوق."

وفي الوقت الحالي يمكن للصناعة إيجاد بدائل من بينها تمويل السفن وتأجير السفن والطائرات.

وأضاف عبدي "كل هذه (أصول) متاحة وهناك منتجات إسلامية تستند إلى تلك الإيجارات. قد يكون هناك تركيز على تلك الأصول الأساسية مستقبلا."

وعلى ذات السياق قال الرئيس التنفيذي لشركة اليانز تكافل: إن الخيارات الأخرى قد تشمل توريق مقبوضات الشركات في قطاعي الاتصالات والخدمات.إذ تعاني صناعة التأمين الإسلامي أو التكافل لإيجاد فرص استثمارية بعيدة المدى مناسبة. وأضاف "نتحدث كثيرا عن المقبوضان. إنها فرصة جيدة للبنوك الاستثمارية التي قد تشجع قطاعي الاتصالات والخدمات على توريق مقبوضاتها."

إقراض إسلامي

من جانب آخر قال خبير في الأنشطة المصرفية الإسلامية انه ينبغي إثناء البنوك الحكومية الاندونيسية عن تقديم قروض تقليدية وتوجيهها للتركيز بدلا من ذلك على التمويل الإسلامي للتشجيع على تطوير قطاع التمويل الإسلامي المحلي.

وتأخرت اندونيسيا أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان عن جارتيها ماليزيا وسنغافورة في تطوير قطاع تمويل إسلامي داخلي.

وأقر العام الماضي قانونا يلغي الازدواج الضريبي على البنوك الإسلامية الذي كان عقبة رئيسية أمام نمو البنوك التي تعمل وفقا لأحكام الشريعة في البلاد.

وقال أحمد رياوان أمين رئيس مجلس إدارة جمعية اسبيسيندو للبنوك الإسلامية في اندونيسيا خلال قمة رويترز للتمويل الإسلامي إن من المتوقع أن يعطي القانون الذي يدخل حيز التنفيذ في ابريل نيسان دفعة للقطاع لكن من الضروري اتخاذ خطوات أكثر جرأة لتسريع تنمية القطاع.

وأضاف أمين الرئيس والمدير السابق لبنك معاملات أول بنك إسلامي خاص في البلاد "بموجب (هذا) البرنامج المقترح: لن يكون هناك أي تمويل جديد إلا التمويل الموافق للشريعة. وسيؤدي ذلك في نهاية الأمر إلى زوال التمويل التقليدي."

وتابع أنه قدم المقترح بالفعل إلى بنك اندونيسيا المركزي وأنه في انتظار الرد.لكن أي تحرك لإجبار البنوك على التحول من الإقراض التقليدي إلى التمويل الإسلامي قد يواجه معارضة شديدة من البنوك وأيضا من الحكومة التي تحاول تشجيع نمو القروض الى قطاع الاعمال وبيع التجزئة.

وتستحوذ البنوك الأربعة الرئيسية التي تسيطر عليها الدولة - وهي بنك مانديري وبنك راكيات اندونيسيا وبنك نيجارا اندونيسيا وبنك تابونجان نيجارا - على نحو ثلث إجمالي الأصول المصرفية المحلية البالغة قيمتها 270 مليار دولار.

ولدى كل من تلك البنوك الأربعة, أما وحدات للمعاملات الإسلامية الشاملة أو نوافذ للإعمال المصرفية الإسلامية أو وحدات متخصصة لكن جميعها صغيرة نسبيا.

ونمت أصول الأنشطة المصرفية الموافقة للشريعة في اندونيسيا في السنوات الأخيرة بنحو 40 بالمائة سنويا أي مثلي وتيرة نمو أصول الأنشطة التقليدية لكن أهمية القطاع مازالت متواضعة إذ يسيطر على 2.5 بالمائة فقط من إجمالي الأصول المصرفية المحلية وهو ما يقل كثيرا عن المستوى الذي تستهدفه الحكومة عند خمسة بالمائة على الأقل. 

واردف أمين ان السلطات يمكنها بسهولة تحقيق هدف الخمسة بالمئة اذا قدمت البنوك الحكومية التمويل الاسلامي.

وهون من شأن المخاوف من أن خطوة كهذه قد ترفع تكلفة الاقتراض في السوق المحلية وهو ما يتعارض مع تحركات كل من البنك المركزي والحكومة لزيادة الإقراض بتشجيع البنوك على خفض أسعار القروض.

ويذكر ان رسوم قطاع التمويل الإسلامي أعلى بوجه عام من رسوم الأعمال المصرفية التقليدية لان هيكل القروض به أكثر تعقيدا. وتبلغ رسوم التمويل ألآن نحو 20 بالمائة أي مثلي أسعار فائدة البنوك التقليدية.

وأوضح أمين إن ارتفاع تكاليف الاقتراض هو أيضا نتيجة قدرة البنوك الإسلامية المحدودة على الوصول للموارد ورؤوس الأموال.

دعوة إلى بنوك تشاركية

من جهته قال مفتي سورية العام الشيخ أحمد بدر الدين حسون إن البنوك الإسلامية يجب أن تعيد النظر في تسميتها وتغيرها من بنوك إسلامية إلى بنوك تشاركية، مشيرا إلى أن تسمية "الإسلامية" ربما تكون عائقا لنا في الانطلاق نحو العالمية في ظل العولمة.

وحذر المفتي حسون خلال مشاركته في المؤتمر الخامس للمصارف والمؤسسات الإسلامية المنعقد بدمشق، من أن "تسمية الإسلامية "خطيرة " فربما نشهد في المستقبل إنشاء مصارف مسيحية ويهودية وحتى هندوسية".

وأبدى حسون استغرابه من وجود اختلافات كبيرة بين البنوك الإسلامية مع أن الدين الإسلامي واحد. ودعا إلى الاستفادة من التجربة التركية في هذا المجال فتركيا تسمي البنوك الإسلامية "بالتشاركية" وتضم ضمنها كل أطياف المجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/أيار/2010 - 20/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م