يبدو أن الحكومة اليمنية لم تعد قادرة على كبح جماح تنظيم القاعدة
الذي بات يجد في اراضيها مرتعا ً ينطلق منه لينفذ عملياته ضد المصالح
الحكومية اليمنية والغربية على حد سواء. وفي الوقت الذي تعرضت فيه
القاعدة إلى هزائم كبيرة في العراق بقتل واعتقال عدد كبير من قيادييها
كأبي عمر البغدادي وأبو أيوب المصري إلا أن تنظيم قاعدة الجهاد في
جزيرة العرب (وهو الاسم لتحالف كل من تنظيمي القاعدة في كل من السعودية
واليمن) بدأ يأخذ منحى آخر. فالهجمات المتكررة ضد السياح الأجانب
والسفارات الغربية والتي كان آخرها المحاولة الانتحارية الفاشلة التي
استهدفت موكب السفير البريطاني في اليمن تشير إلى أن حجم هذا التنظيم
بدأ يكبر يوما ً بعد الآخر.
وما يثير التساؤل هو قدرة هذا التنظيم على الوصول إلى أهدافه ونجاحه
في رصد حركات الدبلوماسيين الغربيين وهو الأمر الذي يوحي بأن هذا
التنظيم قد تمكن مؤخرا ً من اختراق أجهزة الأمن اليمنية بنجاح.
ويخطط هذا التنظيم إلى توسيع عملياته واعتماد اليمن كقاعدة للانطلاق
منها إلى دول العالم الأخرى. فالعملية الأخيرة للنيجري (عمر الفاروق
عبد المطلب) الذي تدرب في اليمن والتي استهدفت تفجير الطائرة الامريكية
المتجهة إلى ديترويت ليلة عيد الميلاد والتدريبات التي يتلقاها هؤلاء
الانتحاريون في اليمن اثارت العديد من التساؤلات حول القدرات التي
يتمتع بها هذا التنظيم في اليمن.
ويبدو أن الحكومة اليمينة لم تعد قادرة على مواجهة كم التحديات التي
تعصف بالبلاد داخليا ً فالحوثيون في الشمال ليسوا بالخصم السهل. ولم
تنجح الضربات العسكرية المشتركة لكل من الجيشين اليمني والسعودي في
تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض. في حين تستمر الاحتجاجات من قبل
الجنوبيين المطالبين بالانفصال عن الشمال الذي يستأثر بكل المميزات
الاقتصادية والاجتماعية حسب قولهم. ويعاني اليمن من ارتفاع معدلات
البطالة وانعدام الأمن الغذائي وتدهور مستوى التعليم وتردي الخدمات في
الكثير من المناطق. فيما تقف الحكومة عاجزة عن مجابهة هذا الكم الهائل
من المشاكل التي تغذيها التحالفات القبلية القوية وامتلاك معظم هذه
القبائل للسلاح والمال ناهيك عن الانتماء القبلي للعديد من أفراد الجيش
اليمني في حين يأتي الولاء للجيش ثانيا ً.
وأمام هذه التحديات التي تعانيها حكومة صنعاء يجد تنظيم القاعدة
الفرصة سانحة للنمو والتغلغل في أجهزة الدولة التي تعاني أجهزتها من
ظاهرة الفساد المالي والإداري. ويستغل تنظيم القاعدة هذه المشاكل
الاقتصادية والاجتماعية للترويج لسلطته التي تمثل حسب وجهة نظر دعاته
المنتشرين في ارجاء اليمن حلا ً لكثير من المشكلات التي في مقدمتها
التخلص من سلطة الدولة الفاسدة على حد زعمهم.
ويجد الشباب اليمني العاطل عن العمل الطريق مسدودة في الكثير من
الدوائر الحكومية والمؤسسات التعليمية الفقيرة الغير قادرة على
استيعابهم. لذلك يتوجه هؤلاء إلى بيئة القاعدة التي توفر المال لهم
ولعوائلهم.
وعلى الرغم من المساعدات المقدمة من قبل الامم المتحدة والولايات
المتحدة الأمريكية إلى الحكومة اليمنية إلا أن حجم هذه المشكلات
بالإضافة إلى انعدام المساحة الديمقراطية في البلاد يعيقان اي تقدم
يذكر سواء أكان ذلك على الصعيد الأمني أو الاجتماعي وحتى الاقتصادي.
وبحسب دراسات اقتصادية محلية وعربية فإن نسبة البطالة في اليمن تتجاوز
48 %، في حين تقول الحكومة إنها لا تتجاوز 11 % فقط. وترتفع معدلات
البطالة خصوصا ً عند فئة الشباب الذين هم في سن أقل من 25 سنة لتصل إلى
قرابة 22 % عند فئة الذكور وترتفع النسبة إلى أكثر من 35 % لدى الإناث.
ولعل هذا ما يفسر استخدام تنظيم القاعدة لفتية صغار لا تتجاوز أعمارهم
18 عاما ً للقيام بأعمال قتل سياح أو تفجيرات انتحارية. كتلك التي قام
بها الفتيان عبد الرحمن مهدي، وشامل الصنعاني في حضرموت. حيث فجر كل
منهما حزامه الناسف في عمليتين قتاليتين راح ضحيتها سياح ومحققون
كوريون جنوبيون.
وفي الوقت الذي تحاول فيه الدول الخليجية مساعدة الشباب اليمني على
الخروج من مأزق البطالة من خلال إعطائهم الأولوية في التوظيف وعلى
الرغم من تدفق العديد من الشركات السعودية على السوق اليمنية لمساعدة
الدولة للخروج من مأزقها الاقتصادي إلى أن الأمر يتطلب وقتا ً طويلا ً
قبل أن يكون هناك نتائج ملموسة بالنسبة للمواطن اليمني الذي يأن تحت
وطأة ارتفاع الاسعار وانخفاض معدلات الأجور.
وبحسب تقارير حكومية يمنية فإن معدل الفقر في البلاد يبلغ قرابة 33
% في العام 2010 في حين تشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى أن معدل
الفقر في اليمن يرتفع ليصل إلى أكثر من 45 % من اليمنيين الذين يعيشون
على أقل من دولار أمريكي واحد يوميا ً.
وفي الوقت الذي تتطلع فيه الحكومة اليمنية إلى المزيد من المساعدات
الدولية عموما ً والخليجية على وجه الخصوص إلا أن دول الخليج ترغب في
المزيد من السيطرة الحكومية اليمنية على حدودها وبخاصة الشمالية
المتعلقة بالحوثيين وتنظيمات القاعدة التي تجد في اليمن مركزا ً خصبا ً
للتجنيد والتدريب والانطلاق في عملياتها. وقد قامت المملكة العربية
السعودية بتمويل مشاريع في اليمن بقيمة 642 مليون دولار في حين تعهدت
بزيادة هذه القيمة بمشاريع بقيمة 144 مليون دولار منها خمسون مليون
دولار في مشاريع الطاقة.
وتبرز مشكلة الزيادة الكبيرة في النمو السكاني التي تعاني منها
اليمن كمشكلة أخرى تعيق خطط الحكومة في السيطرة على الأوضاع الأمنية
والاقتصادية المتردية. فعدد السكان في اليمن يبلغ بحسب آخر الإحصائيات
24 مليون نسمة وهو ما يعادل عدد مواطني مجلس دول التعاون الخليجي
مجتمعة. وهو الامر الذي يقلق هذه الدول التي ما تزال رافضة لانضمام
اليمن إلى رابطة دول مجلس التعاون الخليجي وذلك لاتساع الفارق
الاقتصادي بين اليمنيين من جهة ونظرائهم من الخليجيين من جهة أخرى
والتحديات الأمنية الكبيرة التي تعصف بوحدة اليمن واستقراره.
ولا يخفى على احد التقاليد اليمنية المحافظة والتي تمتد إلى معظم
شرائح المجتمع اليمني والتي استغلت من قبل العديد من قيادات تنظيم
القاعدة هناك. أضف إلى ذلك موقع اليمن على الخارطة الجغرافية فهو قريب
جدا ً من السودان والصومال اي أنه مفتاح الوصول إلى أفريقية التي كان
للقاعدة تواجد كبير فيها كمعسكرات التدريب في الصومال ومالي والسودان
وموريتانيا وغيرها من الدول. وتشير التقارير إلى أن تنظيم القاعدة في
جزيرة العرب يعمل على تجنيد عدد من الشباب من أصول أفريقية للقيام
بعمليات انتحارية في اليمن وعدد من دول الخليج والشرق الأوسط وذلك ضد
مصالح حكومية محلية أو اجنبية خارجية. لذلك فإن اليمن تجد في حماية
حدودها البحرية الجنوبية عبئا ً إضافيا ً يهدد استقرارها واستمراريتها.
وتستشعر العديد من دول العالم الخطورة التي تشكلها هذه المنطقة
بالتحديد على السلم والأمن العالميين لا سيما بعد عمليات القرصنة التي
انطلقت من الصومال والتقارير بتمويل القراصنة هناك لتنظيم القاعدة.
وتتركز قوة تنظيم القاعدة في اليمن في كل من محافظتي مأرب وحضرموت
المعروفتان بالبيئة الجبلية الصعبة وقوة القبائل فيها وسطوتها على
المجتمع. ففي محافظة مأرب وحدها يوجد أكثر من أربع قبائل قوية تتشعب
إلى أكثر من سبعين عشيرة يؤمن معظمها بمبدأ إغاثة الملهوف ونصرته وهي
في غالبيتها قبائل متشددة دينيا ً.
من هنا تمكن تنظيم القاعدة من توجيه عدد من الضربات لمنشآت نفطية
واستهداف عدد من الوفود السياحية كعملية قتل ثمانية سياح إسبان في تموز
من العام 2007 وقتل سائحتين بلجيكيتين وسائقهما في منطقة وادي حضرموت
في كانون اثاني من العام 2008.
ولا يجب إغفال الأصول اليمينية لزعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن
الذي اعتبر اليمن في أكثر من مناسبة قاعدة لانطلاق المجاهدين وهو الأمر
الذي حصل مع زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو حمزة المهاجر. ففي عام
2007 طلب المهاجر من زعيم القاعدة في اليمن ناصر الوحيشي (أبو بصير)
إمداده بالمزيد من المقاتلين فوافقه هذا الاخير على طلبه.
إذا ً فالقاعدة تعول على اليمن بشكل رئيسي لانطلاق عملياتها خاصة
بعد الفشل الكبير الذي لحق بها في العراق وتقلص نفوذها واستسلام عدد من
قياداتها. وقد لوحظ إقبال العديد من فئات الشعب اليمني على شراء
المحاضرات الدينية لبعض الخطباء الإسلاميين ذوي اللغة المتشددة. فبحسب
بعض الدراسات فإن موضوعات هذه الخطب يدور حول مواضيع متنوعة حظيت
الجوانب الدينية فيها على نسبة 27%، والسياسة الداخلية والخارجية بنسبة
15.7%. أما القضايا التي تهتم بالشأن الداخلي اليمني وقضايا التنمية
فقد حصلت على نسبة 9.2%، والقضايا الاجتماعية بنسبة 4.7%، في حين حصلت
المواضيع التي تتناول المرأة والتربية وغيرها على نسب اقل من ذلك
بكثير.
وفي الوقت الذي ترتفع فيه معدلات البطالة في اليمن لتصل إلى أكثر من
48 % فإن تنظيم القاعدة هناك يطرح نفسه كبديل عن الدولة في حل الكثير
من النزاعات القبلية والتقرب من هذه القبائل من خلال المشاركة في
مشاكلهم وأحزانهم وأفراحهم. وتحاول الحكومة اليمينة توعية هذه القبائل
بحملات تسمى حملات المناصحة وباستقدام شيوخ من جامعة الأزهر بمصر
للقيام بهذه المهمة.
ويرى بعض المهتمين بشؤون القاعدة إلى أن هذا التنظيم يحاول أن يكون
أكثر مرونة في استراتيجياته المتبعة مؤخرا ً والتي تقوم على اعتماد
أكثر من مركز للتحضير والقيام بهذه العمليات. في حين يخالف البعض الآخر
هذا الرأي معتمدين على نظرية اليمن بدلا ً من العراق. فالحكومة اليمينة
الضعيفة وضعف القاعدة الشعبية للقاعدة في العراق أعاد اليمن مرة أخرى
إلى الصدارة كمركز جديد لرجالات هذا التنظيم.
وسواء تم اعتماد إحدى هاتين النظريتيتن أم رفضهما فإن تنظيم القاعدة
يعتمد على سياسة النموفي الفوضى. وهذا ما بدا واضحا ً في أكثر من مكان
فحيث تضعف الحكومات وينتشر الفقر والجهل تجد القاعدة بيئة مناسبة
للتكاثر والقيام بعملياتها. ويبقى الأمر منوطا ً بقدرة الشعوب على
النهوض بواقعها بعيدا ً عن الانجرار وراء من يستخدمون الدين لغاياتهم
في مجتمعات لطالما بقيت ترى في القيادات الدينية والقبلية بديلا ً عن
حكوماتها.
Sadekalrikaby@gmail.com |