تغيرات المناخ بين الحقيقة والتشكيك

موجة عداء لخبراء المناخ وشركات تسعى لتهوين المخاطر

 

شبكة النبأ: على شبكة الانترنت تتزايد المدوّنات المعنية بالمناخ كراهيةً لمختصي وخبراء المناخ، حيث يبرز تصاعد الإساءات على مدى الأشهر الستة الماضية بعد ما ترددَ من ظهور أدلة على أن الاحتباس الحراري إما خدعة أو أن الأخطار التي يقال أنها ناجمة عنه مبالغ فيها بشدة.

وكلمات من قبيل" قاتل..كذاب..محتال..خائن" باتت تحاصر خبراء المناخ الذين تستهدفهم أيضا رسائل بالبريد الالكتروني تزخر بالكراهية والإساءات والاتهامات بتلفيق بيانات عن الاحتباس الحراري.. بل ان بعض الرسائل تتضمن تهديدات مبطنة بالقتل.

وينطلق قدر كبير من الغضب من الشركات التي لها مصلحة في مكافحة تشريع لحماية البيئة قد يقلص أنشطتها او يجعل عملياتها أعلى تكلفة.

وقال مايكل مان خبير المناخ بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة " الهجمات على علم المناخ تمثل أكثر الهجمات تنسيقا وتمويلا التي شهدناها على العلم على الاطلاق."

وأضاف لرويترز في اجابات عن أسئلة بالبريد الالكتروني "الادلة على حقيقة التغير المناخي الناجم عن أنشطة البشر تزداد قوة كل عام."

وتقول جماعة السلام الاخضر (جرينبيس) وغيرها ان بعض شركات الطاقة تقدم الملايين للجماعات المعارضة لعلم التغير المناخي لخوفها من أن تتكبد تكاليف تقدر بمليارات الدولارات بسبب برامج الاتجار في حصص الكربون وتطبيق سياسات الطاقة النظيفة.

على سبيل المثال تتطلع دول غنية منها الولايات المتحدة واليابان واستراليا الى فرض قيود على الانبعاثات وانشاء سوق خاضع لجهة تنظيمية للاتجار في هذه الانبعاثات.

وتحاول منظمة الامم المتحدة ابرام اتفاق مناخي اكثر صرامة لكبح الانبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الاحفوري وازالة الغابات اللذين ينحى باللائمة عليهما في رفع درجات حرارة الارض. بحسب رويترز.

وانضم معارضون اخرون الى الجدل وسط مخاوف عميقة من أن تكبت الحكومات الحريات او توسع نطاق صلاحياتها خلال محاولتها الحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتقليل اثار ارتفاع درجات الحرارة.

قال ستيفن شنايدر من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا "هناك نوعان من المعارضين.. أحدهما جماعات الضغط الخاصة بالوقود الاحفوري مما يعني أن هناك صناعة بتريليون دولار تحمي حصتها في السوق" مشيرا الى سجل صناعة النفط الطويل في تمويل الجماعات والمؤسسات البحثية المتشككة في قضية التغير المناخي. وأضاف شنايدر عالم المناخ المخضرم "وهناك الايديولوجيون الذين يضمرون كراهية شديدة لتدخل الحكومة."

والنتيجة تركيبة قوية أعطت للجدل نبرة شبه دينية حيث يظهر بعض منتقدي قضية التغير المناخي من اليمين ويقدمون حججا مشحونة بالانفعالات كتلك التي تثار في مناظرات الاجهاض ونظرية الخلق بالولايات المتحدة.

واكتسب الجدل صبغة سياسية على الاقل في الولايات المتحدة حيث يشكك معارضون في الحزب الجمهوري في علم المناخ ويتساءلون عن مدى الحاجة الى تطبيق سياسات اكثر حفاظا على البيئة مثل تلك التي يعتنقها نائب الرئيس الامريكي الاسبق ال جور الناشط في مجال مكافحة التغير المناخي.

وتتحمل جماعات الضغط البيئية جانبا من اللوم. فمبالغات بعض جماعات المصالح البيئية في ابراز الحاح المشكلة لحشد دعم كبير لابرام معاهدة مناخية جديدة في الامم المتحدة وللسياسات الصديقة للبيئة أمدت المتشككين بالكثير من الذخيرة.

ويشير المتشككون الى اعترافات في تقرير أصدرته اللجنة الحكومية لمكافحة التغير المناخي التابعة للامم المتحدة عام 2007 بأن هناك احتمالا عشرة في المئة بأن يكون الاحتباس الحراري جزءا من دورة طبيعية.

ويقول نفس التقرير ان هناك احتمالا 90 في المئة بأن يكون التغير المناخي نتيجة أنشطة بشرية على رأسها حرق الوقود الاحفوري. غير أن المتشككين يطالبون بأن يكون هذا مؤكدا بنسبة مئة في المئة وهو ما يقول باحثون انه مستحيل.

ويقول علماء ونشطاء في مجال حماية البيئة ان بعض أعضاء جماعات الضغط المناهضة لعلم التغير المناخي تمولهم شركات الطاقة العملاقة مثل ايكسون موبيل التي لها باع طويل في التبرع بالمال لجماعات الضغط التي تعترض على علم المناخ.

وذكر تقرير لجماعة جرينبيس نشر الشهر الماضي أن ايكسون موبيل تبرعت بين عامي 2005 و2008 بنحو تسعة ملايين دولار لكيانات مرتبطة بالمعسكر الذي ينكر خطر التغير المناخي.

ولا تخفي ايكسون موبيل تمويل عدد من الجماعات لكنها تقول انها أوقفت اسهاماتها لعدة جماعات بحثية في مجال السياسة العامة.

وقالت الشركة على موقعها على الانترنت "نسهم في مجموعة من منظمات السياسة العامة التي تجري أبحاثا وتشجع النقاش عن التغير المناخي والقضايا المحلية والدولية الاخرى."

ويقول شنايدر من جامعة ستانفورد انه تعامل مع المتشككين لسنوات لكنه يشير الى أن الوضع هذه المرة مختلف. وأضاف بالهاتف "هذا لا يتوقف بل يزداد كثافة. الجديد هو القبح."

وجاء في تهديد مبطن بالقتل تلقاه شنايدر "انت ايها المغفل الشيوعي التابع للامم المتحدة الذي يريد فرض حكم العالم علينا وينتزع الحرية الامريكية من الدين والاقتصاد. انت خائن للولايات المتحدة ومكانك السجن ويجب اعدامك."

ويقول علماء ان هناك ثروة من البيانات تظهر ارتفاع درجة حرارة الكوكب بسبب ارتفاع مستويات الغازات المسببة للاحتباس الحراري مثل ثاني اكسيد الكربون وان البشر هم الملومون في هذا.

ويناقض المتشككون هذا بقولهم ان ارتفاع مستويات ثاني اكسيد الكربون طبيعي ولا يضر وان من المستحيل أن يؤثر البشر على الطريقة التي يعمل بها الكوكب. ويضخم اخرون من شأن شكوك أو أخطاء في بعض الدراسات العلمية لتقويض المسألة برمتها.

ثم جاء الكشف عن مجموعة رسائل بالبريد الالكتروني جرى التسلل اليها العام الماضي وسرقت من وحدة بريطانية لابحاث المناخ.

وسرقت الرسائل التي زاد عددها عن ألف رسالة من وحدة أبحاث المناخ بجامعة ايست انجليا وتنطوي على مراسلات بين المدير فيل جونز وعلماء بارزين اخرين في مجال مكافحة التغير المناخي بينهم شنايدر ومان.

وأدت الرسائل الى ظهور مزاعم بأن العلماء لفقوا بيانات لتعزيز حجتهم بأن البشر يسببون الاحتباس الحراري مما أدى الى تصاعد الانتقادات على الانترنت واتهم علماء المناخ بنشر خدعة كبيرة.

وقالت سيندي باكستر من جماعة جرينبيس والتي كتبت تقريرا في الاونة الاخيرة بعنوان "التشكك.. علم المناخ وصناعة انكار خطر التغير المناخي" ان "هذه المسألة انتشرت مثل الفيروس على الانترنت."وتابعت قائلة لرويترز "لدينا كل هذه الاصوات التي يجري رصدها عبر المدونات وترديدها."وكانت جامعة ايست انجليا من بين الجهات المستهدفة على وجه التحديد.

وقال سايمون دانفورد المتحدث باسم الجامعة "هناك الكثير من الرسائل الالكترونية المسيئة منذ تفجر فضيحة المناخ."

وثارت اتهامات ضد المعارضين بأنهم اختاروا بعناية عددا صغيرا جدا من رسائل البريد الالكتروني التي تم التسلل اليها وانتزعوا تعليقات من سياقها لتحريف قصد العلماء.

وبرأ تحقيق أجرته الحكومة البريطانية جونز من ارتكاب اي مخالفة لكنه قال ان وحدة أبحاث التغير المناخي أخطأت حين حجبت معلومات. كما أجرت جامعة بين ستيت تحقيقا داخليا برأ مان من ارتكاب اي مخالفة تتعلق بتزوير بيانات.

واتهم البعض اللجنة الحكومية لمكافحة التغير المناخي التابعة للامم المتحدة بدعم علم معيب بعد ظهور عدة أخطاء في تقرير مهم صدر عام 2007.

ومن بين الاخطاء الاشارة الى دراسة لم تخضع للمراجعة والتدقيق تفيد بأن الانهار الجليدية بجبال الهيمالايا ستذوب بحلول عام 2035 . ولا تمثل هذه الاخطاء سوى جزء صغير للغاية من الاستنتاجات الواردة في التقرير الذي يعد الدليل الاسترشادي الرئيسي عن السياسة المناخية للحكومات وهو قائم على عمل الاف العلماء.

ودافعت اللجنة عن عملها وأمرت باجراء مراجعة. وجددت حكومات كثيرة من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا ثقتها في اللجنة.

وقال شنايدر ان القاعدة العريضة من وسائل الاعلام فشلت في "أداء مهمتها كما يجب من خلال التمييز بين المعلومات ذات المصداقية وغيرها التي تفتقر للمصداقية وعدم توفير وضع متكافيء لجميع مدعي الحقيقة على مائدة المساومة."

ويقول كريستوفر مونكتون الذي يعمل مع معهد العلوم والسياسة العامة ومقره الولايات المتحدة وهو من الشخصيات البارزة التي تنكر خطر التغير المناخي انه لا يتسامح بشأن الهجوم المنسق على علماء المناخ قائلا انه هو نفسه كان ضحية.

وأضاف في مقابلة بالبريد الالكتروني مع رويترز، أن هدفه الرئيسي هو كشف ما يصفه بتعبير "لا مشكلة الاحتباس الحراري" متهما علماء التغير المناخي بأنهم "يزدادون رغبة في تشويه كل من يجرؤ على المجاهرة بالحقيقة."

ويقول اندي بيتمان مدير مركز أبحاث التغير المناخي بجامعة نيو ساوث ويلز في سيدني "نتلقى رسائل بالبريد الالكتروني تقول اننا ندمر الاقتصاد الاسترالي ورسائل الكترونية تقول انه حين لا يتمكن احد في استراليا من الحصول على وظيفة فسيكون هذا خطأنا. نتلقى رسائل تتهمنا بالاحتيال والافتراء على العلم."وأضاف "رد فعلي عليها هو اعتراف شخصي بأن هذا يعني أننا مصدر تهديد لنوعيات من الناس ستحاول منع الوصول الى حلول للاحتباس الحراري."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/نيسان/2010 - 13/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م