تهجير سبعين ألف فلسطيني من أرضهم قد يتحقق عاجلاً أم آجلاً، ومآسي
الشتات قد تتجدد من جديد، والعالم سيشهد أول كارثة تطهير عرقي في القرن
الحالي، بعد كارثة البوسنة والهرسك في أواخر القرن الماضي، وقد يعتبر
ثاني عملية ترانسفير يُنفَّذ في حق الشعب الفلسطيني. فإلى أين سوف
تُساق هذه المرة قافلة المُهجرّين الجديدة؟ هل تتجه نحو الأردن أم نحو
صحارى أفريقيا؟
قد يعجز القلم عن شرح ووصف جرائم الكيان الصهيوني الغاصب، بيد أنّ
ما اقترفته جحافل الصهاينة من حرب إبادة وسياسات عنصرية بحق الشعب
الفلسطيني قد دونته سجلات التاريخ، التي لا يمكن محوها رغم الإعلام
الصهيوني المتطور والفاعل. فمن اليوم الذي وطأت فيه أقدام الغاصبين
الأرض المقدسة، فإنّ مسلسل الجرائم لم تتوقف. وجميع المؤسسات الإقليمية
والدولية كمجلس الأمن، والأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة
المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأوروبي غير قادرة على إيقاف جرائم هذا
الكيان.
وهنا يطرح التساؤل مجدّدًا: هل تعدّ تلك المؤسسات عاجزة عن فعل شيء،
أم أنها متواطئة في الجريمة؟ إن معالم العجز أضحت واضحة في الجامعة
العربية والمؤتمر الإسلامي، وقد لا نتوقع منهما سوى إصدار بيانات الشجب
والتنديد. ولكن ما شدّ انتباهي هو البيان المثير الذي أصدره مجلس
الجامعة العربية الذي عُقِد على مستوى المندوبين وبصورة طارئة الذي دعا
الفلسطينيين إلى مقاومة قرار الطرد من الضفة.
وقد سألت نفسي: كيف بمقدور شعب منزوع السلاح، ومحاصر برًا وبحرًا
وجوًا أن يقاوم؟ وكيف تتمكن الجامعة العربية من تقديم الدعم للشعب
الفلسطيني في الضفة؟ المؤسف، وكعادة الجامعة العربية، انها اكتفت ببيان
الشجب والتنديد من دون إعلان دعوة لعقد اجتماع طارئ على مستوى القمة أو
حتى على مستوى وزراء الخارجية! ألم يكن ولو من باب أضعف الإيمان أن
يبادر أحد الزعماء العرب بتقديم مقترح بسحب المشروع العربي للسلام،
ومنع أي اتصال مباشر مع أي طرف إسرائيلي، ولكن شيئًا من هذا القبيل لم
نسمع عنه حتى هذه الساعة؟! الجهة المستهدفة في عملية التهجير قد تكون
الأردن، لكن حكومته لم تتحرك بصورة جدّية لمواجهة المخطط الإسرائيلي،
أما حزب “جبهة العمل الإسلامي” الذراع السياسي لـ “الإخوان المسلمين”
في الأردن فقد طالب الحكومة بـ “الوقوف بحزم ضد القرار الإسرائيلي”.
اليوم، الكيان الصهيوني يمارس أعلى درجات العجرفة والطغيان، ليس في
مواجه طموحات الشعب الفلسطيني فحسب، بل يذهب إلى خارج حدود الأرض
المحتلة لتشمل إيران وسوريا ولبنان بحثاً عن الأمن، فتصعّد من خطابها
ضد سوريا تارةً بحجّة تمريرها لصواريخ “سكود” لحزب الله، وتارةً أخرى
تثير مخاوف الغربيين من ملف إيران النووي. من مهازل السياسة أن تتكلم
“إسرائيل” اليوم عن الحق والعدل، والأمن الإقليمي والدولي، وهي التي
تمثل بؤرة الإرهاب، ومخزنًا لترسانة الأسلحة النووية في المنطقة، فهي
لغاية اليوم لم توقع على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، هذا في
الوقت الذي تعمل فيه ماكينتها الإعلامية على إبراز إيران كدولةٍ تهدد
السلم والأمن الدوليين.
الكيان الصهيوني يمارس اليوم أقصى درجات الحرب النفسية على المستوى
الخارجي، وأما على المستوى الداخلي الفلسطيني فإنه يمارس سياسة الأرض
المحروقة، من خلال توسعه داخل أراضي السلطة الفلسطينية، وحصاره لقطاع
غزة. إنّ جبهات المواجهة التي فتحتها “إسرائيل” مع أطراف مختلفة ليست
علامةً على قوتها، كما لا تدل أيضًا على أنها قادرة على إلحاق الهزيمة
بخصومها، إنما تدلّ على الغرور المفرط الذي أصابها، وقد تكون علامةً
على خوفها المفرط على مستقبلها في حال بروز أية مواجهةٍ مع معسكر
الصمود والمقاومة. وقد بات واضحاً أنّ قرار التهجير يصبّ في سياق تجفيف
منابع المقاومة في فلسطين؛ تحسباً لأيّة مواجهةٍ حاسمةٍ ومصيريةٍ قد
تكون بداية سقوط هذا الكيان الغاصب. |