المؤسسات الدينية وثقافة التهميش

 

شبكة النبأ: للمؤسسات الدينية الثقافية دور لا يمكن إغفاله في تقويم أنشطة المجتمع وبلورة أفكاره بالاتجاه الذي يصب في البناء الصحيح على المستويين الفردي والجماعي، ولعل أهم ما يندرج تحت مهام هذه المؤسسات تحصين الفرد والجماعة من الانزلاق في الاخطاء التي ينبغي تجاوزها لاسيما ما يتعلق بحرية الرأي وفقا للآية الكريمة التي تنص على أن (لا إكراه في الدين) ووفقا للارادة الإلهية التشريعة التي تنبّه الانسان على وجوب عدم اقتراف الخطأ لكنها لا تجبره على ذلك بل تبقي هامش حرية الاختيار مفتوحا أمام الانسان.

كما أن الدور المُلقى على عاتق المؤسسات الدينية الثقافية من الأهمية والوضوح بحيث يصل الى درجة التأثير المباشر على أغلبية الناس نظرا لقوة الرأي الديني في توجيه خيارات الناس، كذلك تعامل الغالبية العظمى مع مثل هذه المؤسسات على نحو واسع انطلاقا من الثقة الكبيرة التي تتمتع بها طالما أنها ترتبط بالدين، ولهذا يرى الناس عامة أن ما توجه به هذه المؤسسات وما تشير له وتدفع إليه هو الصحيح غالبا، وبهذا تكون النموذج الأمثل للجميع ومرآتهم لرؤية الاختطاء وكشفها ومن ثم العمل على تحجيمها او التخلص منها تماما.

واستنادا الى هذه الرؤية في التعامل مع المؤسسات الدينية، واستنادا الى كونها النموذج الامثل لغيرها، فلا يصح أن تخطئ في هذا التصرف أو ذاك، لأن ثقة الناس الكبيرة في مثل هذه المؤسسات لا تسمح باقترافها للخطأ مهما كان ضعيفا، لأنها النموذج كما ذكرنا والمرآة المصححة لأخطاء الآخرين.

لقد رصد المراقب بعضا من هذه الاخطاء التي تبدو للرائي صغيرة وغير ذات تأثير مباشر على الآخرين والتي تصدر من هذه المؤسسة الدينية او تلك، ولعل المُلاحَظ أيضا أن مثل هذه الاخطاء لا تُرتَكب بحق جهات أخرى وإنما بحق مؤسسات دينية مماثلة لها في الاتجاه والمضمون الذي تسعى الى تحقيقه، ففي الوقت الذي تقوم هذه المؤسسة الدينة بمحاولة إقصاء لمؤسسة دينية أخرى كتحييدها او تجاوز رموزها وما شابه، فإن مؤسسات ثقافية ليست دينية لا تنتهج هذا النهج.

بكلمة أوضح فأن بعض المؤسسات الثقافية ذات التوجه العلماني لا تمارس حالات الاقصاء مع الافكار او الآراء الدينية التي تُنسب لعلماء هذه المؤسسة الدينية او تلك، في حين تقوم بعض المؤسسات التي تُحسب على التوجه الديني بتهميش توجهات دينية لمؤسسات أخرى قد لا تلتقي معها في بعض المسارات غير الجوهرية.

وبدلا من أن يعطي النموذج المؤسساتي الديني نموذجا صحيحا في التعامل الصادق مع جميع الطروحات، نراه وقد تعامل وفقا لمبدأ التشابه والتلاقي في المصالح وما شابه، ولنضرب مثلا أكثر وضوحا في هذا المجال من دون تعيين او إشارة لمؤسسة بعينها، فربما يُبعث موضوعا للنشر للعالم الفلاني الى تلك المؤسسة الدينية، وبدلا من نشره كاملا لوصول الفكرة والرأي كاملا للآخرين، فإن مقص الرقيب يشطب هذا القول او ذاك مع حذف أسماء العلماء وما ينطلق عنهم من آراء وأفكار تصب في المسار نفسه لتلك المؤسسة، ولكن ضيق الأفق والنظرة القصيرة تدفع بهم الى الحذف والشطب والتهميش على حساب حرية الرأي الديني وما شابه.

في مقابل ذلك نجد أن منافذ النشر غير الدينية تنشر ما يصل إليها من مقالات ورؤى دينية على نحو كامل بعيدا عن الشطب والمصادرة وما شابه، فكيف يمكن تفسير مثل هذا التعامل الانتقائي ؟ ولماذا يتم التعامل مع بعض الرموز الدينية وفق منهج الشطب وما شابه، ثم لماذا هذا التخوف في وقت تنتمي مثل هذه المؤسسات الى التوجه الديني وليس العلماني الذي لا يستند في تعامله الى حالة التهميش والشطب ومثيلهما؟.

إن الجميع يؤمن بأن المؤسسات الثقافية الدينية هي الصورة المثلى لضم الجميع في أحضانها القائمة على العدل والمساواة والنظر الى الامور كافة بعين واحدة، هي عين الحكمة والثقة والأبوّة التي ترعى الجميع بدرجة واحدة، كما أنها جوهر المساواة بين الجميع، لهذا فإن الخطأ الذي يحدث هنا او هناك ومع هذه الجهة او تلك سيكون واضحا وجليا للجميع بسبب حساسة الموقع الذي تتصدره المؤسسة الدينية الثقافية بين الجميع، وبسبب صدارتها النموذجية التي تجعل منها محط أنظار الجميع للاقتداء بها والعمل وفقا لما تراه صحيحا أو خاطئا.

لذا نأمل أن يتنبّه القائمون على مثل هذه المؤسسات الهامة الى بعض الهنّات التي تقع هنا او هناك، ونأمل تجاوزها كونها تبقى الميزان الذي يعدل بين الجميع، رؤى وأفكارا وسلوكا، على أننا لا ننسى بأن هذه المؤسسات ستبقى المثال الذي ينظر إليه الجميع ليس من باب المراقبة وإنما من باب الاقتداء وتمثّل المواقف البناءة التي تصب في صالح الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/نيسان/2010 - 4/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م