التيار الصدري... وإعادة قراءة ذاته

مهند حبيب السماوي

الانتصارات التي حققها مرشحو التيار الصدري في الانتخابات البرلمانية العراقية الاخيرة قدحت بشدة زناد اسئلة مهمة تتعلق بمستقبل التيار الصدري في السياسية العراقية والمكانة التي سوف يحتلها في الشأن المجتمعي، والدور الذي سوف يُناط بكوادره في المستقبل القريب عندما تتشكل الحكومة العراقية المقبلة بكافة مفاصلها واجنحتها ومؤسساتها وسلطاتها الرسمية التشريعية والتنفيذية والقضائية.

هذه الحقيقة التي وجدت لها حضور واضح على ارض الواقع لم تجابه بانكار ولاتجاهل من قبل  المحللين والمراقبين للشأن العراقي وخصوصا الغربيين منهم، اذ لم يستطيعو اخفاء هذا الانتصار الذي حققه الصدريون وبروزهم من جديد على الساحة السياسية، بل ذهب بعضهم الى ابعد من ذلك والى حد القول بان الصدريين قد حققوا انجازا في الانتخابات العراقية لم يتوقعه احد من خلال حصولهم على حوالي 40 مقعدا من مقاعد البرلمان العراقي البالغة 325 مقعدا وبذلك ظهروا كقوة جديدة اساسية لاعبة في المشهد العراقي على حد تعبير صحيفة مكلاتشي في مقالهم المنشور يوم الاربعاء 7-4-2010.

ولاينبغي ان يغيب عن قراءتنا هذه، ان حصول التيار على هذا العدد من الاصوات سيكون له تاثير بارز ومحوري على وضع التيار داخل خيمتهم الداخلية متمثلا بكتلة الائتلاف العراقي الوطني التي ينتمون اليها ويعملون تحت أطرها من الناحية الرسمية الظاهرية وليس الحقيقية لان  لهم، وكما هو معروف نظريا وواقعيا، ايديولوجيا ومنهج خاص يميزهم عن بقية اعضاء الائتلاف، فضلا عن ان لثقل اصواتهم اثر على وضع الخيمة الخارجية الذين ينتمون لها وهي البرلمان العراق الذي يستحوذ التيار على تقريبا 12% من مقاعده.

ففي داخل الائتلاف سيكون للتيار الصدري اليد الطولى، ان لم اقل الحاسمة وهو الاصح والادق، في القرارات التي يتبناها الائتلاف في مواقفه تجاه مختلف القضايا التي يتحتم عليه ابداء رأي تجاهها، وهو امر منطقي ومعقول لان مقاعد الائتلاف العراقي الوطني في البرلمان بلغت 70 مقعد منها 40 مقعد للتيار الصدري مقابل  30 مقعد اخر توزعت على بقية الكتل والاحزاب فيه، مما يعني بوضوح ان للتيار اكثر من نصف اصوات الائتلاف الوطني وبالنتيجة لن يمر اي قرار ائتلافي ان لم يكن ممهورا  بــ" بصمة صدرية " ان صح هذا التعبير.  

ولم تخرج الردود التي ظهرت بعد حصول التيار على هذا الاصوات في أطارها العام عن نظرتين وموقفين تمثل احداها في الدهشة والاستغراب لما حدث من نتائج جاءت على نحو غير متوقع بالنسبه له على اعتبار ماشهده العراق من صراعات طائفية وجهت فيها اصابع الاتهام للتيار الصدري او بعض عناصره من جيش المهدي، فضلا عن الحملات العسكرية التي قامت بها الحكومة العراقية والجيش الامركي ضد مناطق نفوذ التيار والتي كانت نتيجتها فقدان الاخير لكثير من المناطق التي كان يستحوذ ويسيطر عليها بالكامل، ولهذا لم يجد اصحاب هذا الراي سوى الاستغراب تجاه حصول التيار على هذه الاصوات ظنا منهم ان التيار انتهى وسقط من اعين الناس وانصاره المتواجدين في مناطق عديدة.

وفي مقابل هذه الرؤية كانت هنالك رؤية اخرى لم تبد حالة الدهشة التي كانت لدى اصحاب الرؤية الاولى الذي توقعوا فشل التيار وبالتالي تفاجئوا من نجاحه الباهر، حيث توقع اصحاب الراي الثاني هذا النجاح الذي حصده الصدريون في الانتخابات عبر نظرتهم الفاحصة الدقيقة للمسارات والاسس التي بدأ التيار بالعمل وفقا لها، وهذا ماتوقعته  قبل حوالي 7 اشهر مجلة " فورن بوليسي الأمريكية" في عددها الصادر يوم الاثنين27-7-2009،وبقلم أستاذ برنامج الدراسات الإيرانية والإسلامية في جامعة كاليفورنيا الدكتور باباك رحيمي تحت عنوان " صعود آية الله مقتدى " الذي تناول فيه باباك حركة التيار الصدري.

أذ اكد باباك في تلك المقالة على أنه سيكون للسيد مقتدى الصدر" مستقبلاً مشرقاً في العراق إذا ما اتبع الطرق السلمية الديمقراطية وحث أنصاره على المشاركة بقوة في الانتخابات المقبلة ونبذ جميع مظاهر العنف والتطرف" على حد تعبيره، وهو مافعله التيار وعلى نحو جيد. اذ قاموا بالدخول الى الانتخابات تحت مسمى كتلة الاحرار، وتصفية بعض العناصر الذين اساءت لسمعته، بالاضافة الى اعتمادهم على منهجية ناجحة ومهنية مدروسة في العملية الانتخابية استطاعوا من خلالها توجيه اصوات اتباعهم نحو مرشحيهم وعدم تشتيتها وضياعها، وهو ما حقق لهم الانتصار الذي لن يكتمل، في رايي الشخصي،الا بعد ان ينجح مرشحوا التيار للمناصب الحكومية في ادارة وزاراتهم ومؤسساتهم ومناصبهم التي سوف يتسنموها، وهي مرحلة اخرى تحتاج لمناهج فعالة وخطط مثمرة وبرامج ناجحة سوف نرجئ الحديث عنها ونتركه الى مقال لاحق.

كل هذه الاجراءات تسوّغ لنا بكل صراحة ان نقول بان التيار قد اعاد قراءة ذاته واكتشاف ممكناته من جديد وفقا للمتغيرات التي طرأت على مشهد الساحة العراقية، راسما صورة مختلفة لنفسه مؤطرة بذكاء وحذاقة وضعها التيار نظريا وطبقها واقعيا وحصدوا بالتالي هذه المقاعد البرلمانية مما دعى الكاتبان اليس فوندم وبين لاندو في مقالهما الاخير المنشور، يوم الجمعة 9 -4-2010، الى القول بان" الصدريين تحولوا من ميليشيا شيعية الى لاعب سياسي اساسي في العملية السياسية". 

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/نيسان/2010 - 28/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م