زواج الأطفال.. استغلال جنسي ومطامع مادية

تحتمي بالجهل والفقه المتطرف

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: رغم الضجيج الإعلامي المرافق لقضايا تزويج الأطفال وصغيرات السن في المنطقة العربية، ما تزال أصداء عقد زيجات من هذا النوع تتردد في الكثير من الدول، وخصوصاً اليمن، التي أوقفت اللجنة الوطنية للمرأة فيها زواج طفلة يمنية عمرها 12 عاماً على رجل خمسيني بإحدى مديريات محافظة حجة، شمال غربي صنعاء.

فيما شهدت السعودية قضية مشابهة تتمثل في كشف زواج فتاة  في منطقة بريدة تبلغ من العمر 12 عاماً برجل في العقد الثامن من عمره. وهذه القضية أثارت الرأي العام السعودي، والعربي، وامتدت لتستقطب هيئات دولية معنية بحقوق الأطفال والإنسان.

وجاءت تلك القضية بعد أيام من إحالة النائب العام المصري خمسة أشخاص، في واقعة "زواج القاصرات" إلى محكمة الجنايات المصرية، بتُهم الاستغلال وتسهيل الاستغلال الجنسي لطفلة عمرها 14 سنة، مقابل تلقي مبالغ مالية، وطالب بتحديد جلسة عاجلة للمتهمين، وبينهم والدا الطفلة و"زوجها" السعودي. وتضم لائحة المتهمين السعودي الذي تزوج الطفلة، بالإضافة إلى والديها و"سمسارة" دبرت الزواج، إلى جانب المحامي الذي حرر عقد الزواج.

وتزامن ذلك مع توقيف 60 مأذوناً سعودياً بتهمة تزويج أكثر من (ألف فتاة دون السن القانونية)، خلال فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر، ما دفع الجهات المختصة لطلب التشدد في مطابقة سن العروس المسجل في عقود الزواج مع الوثائق الرسمية.

انقسامات كبيرة حول زواج الأطفال

من جانب آخر تظاهرت مئات النساء المنقبات أمام البرلمان في العاصمة اليمنية صنعاء يوم 23 مارس، وقد رفع بعضهن لافتات كتب عليها: "نعم لحقوق المرأة المسلمة في أحكام الشريعة" في حين حمل بعضهن الآخر القرآن فوق رؤوسهن.

وقالت زينب السنيدر، 27 عاماً، التي تعمل سكرتيرة في جامعة الإيمان: "إن تحديد السن الأدنى للزواج يتعارض مع الإسلام. إذ يمكن للفتاة أن تتزوج عند البلوغ، وقد تبلغ بعض الفتيات في الخامسة عشرة من العمر في حين تبلغ أخريات في سن التاسعة".

وقد تسبب الجدل حول الزواج المبكر في تقسيم المجتمع اليمني، حيث يستشهد البعض بالنصوص الدينية لتبرير عدم تحديد السن الأدنى للزواج في البلاد في حين يرى آخرون أن الإسلام لا يحبذ زواج الأطفال وأن سلبيات زواج الأطفال تفوق بكثير إيجابياته. بحسب شبكة الأنباء الانسانية.

وقبل توحيد اليمن في عام 1990، كان القانون يحدد السن الأدنى للزواج في 16 عاماً في الجنوب و15 عاماً في الشمال. وبعد الوحدة تم تحديد السن القانوني في 15 عاماً. ولكن تم تعديل قانون الأحوال الشخصية في عام 1999 وإلغاء السن الأدنى للزواج.

غير أن شذى محمد ناصر، وهي محامية في المحكمة العليا سبق وتولت عدة قضايا زواج أطفال، أوضحت أن القانون ينص على أن الفتاة يجب ألا تعاشر زوجها إلى أن تبلغ سن الرشد. وعقبت على ذلك بقولها أن "القانون لا يطبق"، مشيرة إلى حالة سالي الصباحي [اقرأ قصتها الأصلية والتحديث الأخير]، 12 عاماً، التي تم تزويجها عندما كانت في العاشرة من عمرها وحصلت على الطلاق في 27 مارس.

ووفقاً للمركز الدولي للبحوث المتعلقة بالمرأة الواقع مقره في واشنطن، تتزوج 48 بالمائة من الفتيات في اليمن قبل بلوغهن سن الـ 18. وتعتبر الفتاة في هذه السن، وفقاً لاتفاقية حقوق الطفل التي وقعت وصادقت عليها اليمن، "قاصراً".

وفي بعض المحافظات، يتزوج ما يزيد قليلاً عن نصف الفتيات قبل بلوغهن سن الـ 15، وفقاً لدراسة غير منشورة أجراها مركز أبحاث ودراسات تنمية النوع الاجتماعي التابع لجامعة صنعاء في عام 2007 حول الزواج المبكر.

ويفرض تعديل قانون الأحوال الشخصية غرامة مالية كبيرة وعقوبة قد تصل إلى سنة في السجن على الآباء الذين يزوجون بناتهم قبل بلوغهن سن الـ 17 أو 18.

ويرى أنصار تحديد السن الأدنى للزواج أن الأطفال ليسوا جاهزين عقلياً أو جسدي للزواج، ناهيك عن إنجاب الأطفال. وهم يرون أن "المشكلة الكبرى التي تواجه المرأة اليمنية اليوم تتمثل في زواج الأطفال. فهذه الزيجات المبكرة تحرم الفتاة من حقها في طفولة طبيعية وفي التعليم"، حسب وفاء أحمد علي من اتحاد نساء اليمن.

ويقول هؤلاء أيضاً أن أجساد الأطفال ليست ناضجة بما يكفي للحمل، حيث أفادت أروى الربيعي، وهي أخصائية أمراض نساء بصنعاء: "أشرف على الكثير من الحالات المرضية المعقدة الناجمة عن الزواج المبكر. فهذه الزيجات لا تسبب سوى المعاناة."

الطفلة العروس تحصل على الطلاق

وتجمعت حشود الصحفيين للحصول على صورة لسالي الصباحي، 12 عاماً، وهي توقع أوراق الطلاق في العاصمة اليمنية صنعاء في 27 مارس. وبمجرد أن غطست أصبعها في الحبر الأسود ووضعت بصمتها بجوار اسمها على وثيقة رسمية، أصبحت سالي رابع طفلة عروس تحصل على الطلاق في اليمن.

وكانت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قد نقلت قصة سالي في فبراير، مشيرة إليها باسم عائشة لحمايتها. وكانت الطفلة في العاشرة من عمرها عندما زوجتها أسرتها لرجل كبير السن في مقابل مهر بلغ 1,000 دولار. وبعد الأسبوع الأول من زواجها، بدأت سالي تحاول الهروب من المعاملة السيئة التي قالت أنها كانت تتلقاها على يد زوجها.

وبعد بضعة أشهر نجحت سالي في الهرب لكنها لم تتمكن من الحصول على الطلاق بسبب عدم قدرة والدها على إعادة قيمة المهر لعريسها. وقد أبدى العديد من الأشخاص رغبتهم في مساعدة سالي بعد أن قرؤوا قصتها على موقع الشبكة ومن بينهم نالان غونغور أوزيسيك، التي تعمل محاضرة في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة. وقد جاء في تصريحها للشبكة: "أرفض أن أرى الجهل يشوه الإسلام. آمل أن تتمكن سالي من عيش طفولتها. فالطفولة السعيدة هي حق لجميع أطفال العالم".

وكان العديد من نشطاء حقوق المرأة حاضرين في قاعة المحكمة في صنعاء ومن بينهم بلقيس اللهبي، التي قالت أن طلاق سالي كان "خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ سيساعد في ممارسة الضغط على الحكومة لتمرير القانون الخاص بتحديد السن الأدنى للزواج في اليمن".

ويأتي طلاق سالي بعد أسابيع من مناقشات ساخنة حول قانون جديد يحدد السن الأدنى للزواج في 17 عاماً وتسبب في تقسيم الآراء في اليمن. وقد لقي القانون قبول الأغلبية في البرلمان في فبراير 2009، ولكنه قوبل بالرفض من قبل لجنة الشريعة. ومن المقرر أن يصوت البرلمان مرة أخرى على القانون في المستقبل القريب.

ووفقاً للمركز الدولي للبحوث المتعلقة بالمرأة في واشنطن، تتزوج 48 بالمائة من الفتيات قبل بلوغهن سن 18 عاماً. وتعتبر الفتاة في هذه السن، وفقاً لاتفاقية حقوق الطفل، "قاصراً".

وقال القاضي منصور علي محمد، الذي ترأس جلسة طلاق سالي: "أؤيد تحديد السن الأدنى للزواج في 18 عاماً على الأقل. فعندما يتزوج الرجل طفلة تلد له أطفالاً وينتهي الأمر بطفلة تربي أطفالاً".

وفاة فتاة يمنية في الثالثة عشرة بسبب العنف الجنسي الزوجي

وفي غضون ذلك توفيت فتاة يمنية في الثالثة عشرة من العمر بسبب نزيف حاد ناجم عن تعرضها للعنف الجنسي، وذلك بعد اربعة ايام فقط من تزويجها عبر ما يعرف ب"زواج البدل"، كما اعلنت منظمة حقوقية يمنية..

وقال "منتدى الشقائق العربي لحقوق الانسان" في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه ان الطفلة الهام مهدي شوعي العسي توفيت الجمعة في 2 الجاري بسبب "تمزق كامل في الاعضاء التناسلية ونزيف مميت طبقا لتقرير طبي صادر عن مستشفى الثورة، وذلك بعد ان تم زفافها يوم الاثنين 29 آذار/مارس".

وكانت الطفلة الهام، وهي من محافظة حجة شمال غرب صنعاء، زوجت ضمن ما يعرف بزواج البدل، اذ زوجت الى زوجها الثلاثيني مقابل تزويج اخت زوجها الى احد افراد عائلتها.

واعتبر منتدى الشقائق "الطفلة الهام شهيدة العبث بارواح الاطفال في اليمن ونموذجا صارخا لما يشرعه دعاة عدم تحديد سن الزواج من قتل يطال الطفلات الصغيرات". ودعا المنتدى الذي يدافع خصوصا عن حقوق المرأة الى "ان تتحول الطفلة الهام الى رمز يؤكد بشاعة الجريمة والمخاطر التي تتعرض لها الطفلات الصغيرات بسبب الزواج المبكر".

وكان الجدل تصاعد مؤخرا في اليمن حول ظاهرة تزويج القاصرات وهي ظاهرة منتشرة خصوصا في المناطق الريفية، وقد نظمت تظاهرات تطالب بتحديد سن دنيا للزواج، بينما نظمت تظاهرات اخرى ضد ذلك بدعم من التيارات الدينية المتشددة.

وكان البرلمان اليمني اقر العام الماضي مشروع قانون يضع حدا ادنى لسن الزواج هو 17 عاما للنساء و18 عاما للرجال، الا ان نوابا من اطياف سياسية عدة قدموا الى رئيس البرلمان طلبا لاعادة مناقشة القانون. ولم تتم المصادقة على هذا القانون الذي يعول عليه من اجل الحد من ظاهرة تزويج الاطفال.

صغيرات السن والزواج المبكر

رغم الضجيج الإعلامي المرافق لقضايا تزويج الأطفال وصغيرات السن في المنطقة العربية، ما تزال أصداء عقد زيجات من هذا النوع تتردد في الكثير من الدول، ومنها اليمن، التي أوقفت اللجنة الوطنية للمرأة فيها الأحد، زواج طفلة يمنية عمرها 12 عاماً على رجل خمسيني، بإحدى مديريات محافظة حجة، شمال غربي صنعاء.

وقالت رشيدة الهمداني، رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة، إن لجنتها قامت بإبلاغ محافظ حجة، الذي سارع إلى إصدار توجيهاته بوقف الزواج، وذلك بعد أسابيع على حادثة "فتاة بريدة" السعودية التي تزوجت من ثمانيني، بالتزامن مع توقيف مصر 60 مأذوناً زوجوا ألف قاصر خلال ثلاثة أشهر.

من جانبها، قالت المحامية اليمنية، شذى ناصر، التي سبق لها تولي قضية الدفاع عن الطفلة اليمنية "نجود" أمام القضاء وانتزاع حقها بالطلاق من رجل تزوجت منه بطلب من والدها عام 2008، لموقع CNN بالعربية، إن الأوضاع ما تزال كما هي بالنسبة لزواج الأطفال منذ القضية التي تولتها.

وأضافت ناصر: "الأمور لم تتغيّر بشكل عام، ولكن هناك اليوم حالة من الوعي، ولكنها تختلف من أسرة لأخرى، وكذلك تتفاوت بين المناطق. ففي العام الماضي جرى تزويج طفلة من رجل يكبرها بأربعة عقود في منطقة الحديدة، وقد لجأت أسرتها إلى الشرطة لتطليقها منه، بعد أن صدمت بمظهره ليلة الزفاف."

وتابعت المحامية اليمنية: "حضرت الشرطة إلى منزل الطفلة، وأوضحت لها أن بإمكانها طلب الطلاق واللجوء إلى مراكز الأمن، ولكن عائلة الزوج هددتها، وقامت بعد ذلك بعرضها أمام رجال الأمن، وهي ترتدي النقاب وحذاء بكعب عال، لإظهارها أكبر من عمرها."بحسب سي ان ان.

ولفتت ناصر إلى أن الضجة التي رافقت قضايا "نجود" و"أروى" و"ريم" وسواهن من الفتيات صغيرات السن في اليمن، دفعت القضاء إلى تبديل مواقفه في الكثير من القضايا المماثلة، ولكنها شددت على أن حماية الصغيرات لن تكتمل إلا بإقرار قانون الأحوال الشخصية الجديد، الذي يحظر تزويج من هي دون سن 17 عاماً.

وقالت ناصر، إن القانون عُرض أمام البرلمان، ولكن نواب حزب الإصلاح الديني رفضوه بشده بحجة مخالفته للشريعة، كما كان لزيارة رجل الدين المعروف، عبدالمجيد الزنداني، إلى البرلمان العام الماضي لإظهار معارضته للقانون، دور كبير في تأخير إقراره.

وتتمسك الحكومة اليمنية بتعديلات تحديد سن الزواج بـ18عاماً، وفق ما أكده وزير العدل، غازي الأغبري، الذي قال في جلسة للبرلمان، إن موقف الحكومة ينطلق من مصلحة "البراعم الصغيرة" اللاتي يريد، من وصفهم بـ"الذئاب البشرية"، الدخول بهن دون أن يكنَّ مؤهلات للحياة الزوجية، نافياً وجود إملاءات دولية أوغربية بهذا الخصوص.

وعلى النقيض، أورد رئيس لجنة تقنين أحكام الشريعة، النائب عبدالملك الوزير، خلال الجلسة أحاديث نبوية تتحدث عن زواج النبي محمد بعائشة، وهي في سن السادسة، وفقاً للموقع التابع لحزب المؤتمر الشعبي العام اليمني الحاكم.

وكانت السعودية قد شهدت مطلع فبراير/ شباط الماضي قضية مماثلة، تتمثل في كشف زواج فتاة  في منطقة بريدة تبلغ من العمر 12 عاماً برجل في العقد الثامن من عمره. وهذه القضية أثارت الرأي العام السعودي، والعربي، وامتدت لتستقطب هيئات دولية معنية بحقوق الأطفال والإنسان.

وجاءت تلك القضية بعد أيام من إحالة النائب العام المصري خمسة أشخاص، في واقعة "زواج القاصرات" إلى محكمة الجنايات، بتهم الاستغلال وتسهيل الاستغلال الجنسي لطفلة عمرها 14 سنة، مقابل تلقي مبالغ مالية، وطالب بتحديد جلسة عاجلة للمتهمين، وبينهم والدا الطفلة و"زوجها" السعودي. وتضم لائحة المتهمين السعودي الذي تزوج الطفلة، بالإضافة إلى والديها و"سمسارة" دبرت الزواج، إلى جانب المحامي الذي حرر عقد الزواج.

وتزامن ذلك مع توقيف 60 مأذوناً سعودياً بتهمة تزويج أكثر من (ألف فتاة دون السن القانونية)، خلال فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر، ما دفع الجهات المختصة لطلب التشدد في مطابقة سن العروس المسجل في عقود الزواج مع الوثائق الرسمية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/نيسان/2010 - 26/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م