قد لا يخطئ المتتبع للنظام البرلماني وآلية تطبيقه، انه يعتبر من
أفضل الأنظمة الدستورية أذا ما اقترن عمله بنظام الحزبين الرئيسيين، ما
يترتب على هذا النظام من تشكيل الحزب الفائز للحكومة وانضواء الحزب
الآخر بصورة أوتوماتيكية تحت لواء وعنوان المعارضة البرلمانية الجادة
والفعالة من خلال تأليفه لحكومة ظل مقابلة تعمل بالتوازي مع الحكومة
الفعلية لتحكم عليها آليات الرقابة وأطواق المحاسبة وتكون قريبة منها
ومرشح بديل لها ووصفة جاهزة في أي وقت من الأوقات.
كل ذلك لا يخفي، إن هذه العملية تتم بإطار من المشاركة والشراكة في
الحكم والمعارضة، وإذا كانت التعددية واحدة من أركان وأعمدة النظام
الديمقراطي فأن الوصول إلى مرحلة الحزبين الكبيرين ليس بالشيء اليسير
أو البسيط أو الآني، كما انه ليس بالأمر المعقد أو بعيد المنال.
والسلطة في النظم الديمقراطية المتقدمة تكليف لا تشريف والتكليف هنا
يشمل كل الفائزين عموما في الأنظمة التعددية، والفائز الأول في نظام
الحزبين. أما الحزب أو القائمة الفائزة بأغلبية الأصوات في النظام
البرلماني المقترن بالتعددية الحزبية فإنها تتولى مسؤولية تشكيل
الحكومة إن تسنى لها بلورة ائتلاف برلماني يشكل الاغلبية أيا كان نوعه
هش أم صلب، ائتلاف شراكة أم وحدة وطنية في البرلمان.
لكن هذا لا يعني إن القائمة الأولى الفائزة بأغلبية المقاعد ملزمة
بتقديم التنازلات للآخرين، منفردة، في سبيل تكوين الائتلاف المطلوب
بقدر تقديمها، مع الآخرين، للمشروع القابل للتطبيق. كما لا يعني هذا أن
يتلقى الفائزين سهام النقد والانتقاد بدون وجه حق، ولا أن تركن تلك
القائمة، أو أية قوائم أخرى، جانبا تحت مسمى العمل في المعارضة داخل
قبة البرلمان.
لا نبتعد كثيرا في حديثنا عن الأحزاب والفائزين من نتائج الانتخابات
التشريعية التي جرت بالعراق في السابع من آذار الماضي في ظل ديمقراطية
فتية وحديثة العهد، فان كانت القائمة الفائزة لها خصائصها في تمثيلها
لهيكل الخط الليبرالي، وإذا كانت هذه القائمة تكتسح في مناطق واسعة
ويشكل عصبها مكون من المكونات الوطنية وتحصد عشرين مقعدا في اكبر
محافظات البلاد من أصل 31 مقعدا مخصصا لها وتحقق النصف في مدينة
المكونات (كركوك) وتشكل حضورا فاعلا في العاصمة وأكثر من محافظة، فهل
يعقل أن نقول لناخبي هذه القائمة اجلسوا جانبا فأنتم معارضة... وهل من
العدل أن تكون قائمة بهذا المستوى خارج إطار السلطة ومناقشاتها، وإذا
كانت المعارضة البرلمانية رصيد وتصحيح وبناء للمستقبل في الديناميكية
الديمقراطية فان الشراكة والطاولة المستديرة التي يطرحها الائتلاف
الوطني هي الفيصل والمحدد بين من يقبل الشراكة ومن يتجه للمعارضة
اختيارا لا قسرا أو فرضا أو حكما مسبقا فلا إقصاء ولا تهميش لأي فائز
وإنما الخروج من الحوار هو خيار واختيار لمن يريد ممارسة وتوطيد
المعارضة وآليات الرقابة في تجربة البرلمان المقبل.
لقد أفرزت تلك التجربة الانتخابية، جملة من النتائج المهمة التي
تحمل بذور التغيير في خارطة التحالفات السياسية السابقة وتطور ملحوظ في
مستوى العملية السياسية برمتها، منها:
1. فوز أربعة قوائم انتخابية، وتقارب ثلاث منها في النتائج
النهائية.
2. المشاريع الوطنية سمة جمعت كل القوائم في الفترة التي سبقت
الانتخابات.
3. غياب المحاصصة الطائفية وتراجعها لمصلحة المحاصصة السياسية.
4. تقدم الإسلاميين في كردستان وتلاشيهم تقريبا في الشمال وتراجعهم
بشكل نسبي وطفيف في الوسط والجنوب.
5. غياب أقدم الأحزاب - الشيوعي العراقي والأمة العراقية، عن
البرلمان القادم، وظهور التغيير وائتلاف وحدة العراق على سطح الأحداث
لأول مرة.
ما تقدم من متغيرات تؤكد بما لا يقبل التحليل، إن تركيز صورة
التحالفات واقتصارها على اثنين أو ثلاث قوائم في الانتخابات المقبلة
بعد أربع سنوات بدلا من تسع فائزين من أحزاب وقوائم وائتلافات، مفضية
بلا شك إلى تعافي العملية السياسية وقدرتها على تخفيض التوترات، إن
منحنا الجميع فرصة المشاركة والشراكة في الحكومة المقبلة، والحكم يومئذ
للناخب. |