الأوساط الأكاديمية الأمريكية وخدمة الأهداف في الشرق الأوسط

 

شبكة النبأ: "في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، خاطب مارتن كريمر ومارك كلارك منتدى سياسي خاص على مأدبة غداء في معهد واشنطن لمناقشة إمكانية الحكومة الأمريكية إشراك القطاع الأكاديمي في خدمة سياستها في الشرق الأوسط.

ومارتن كريمر هو زميل أقدم سابق في زمالة ويكسلر في معهد واشنطن والرئيس المعين لكلية شاليم في القدس. مارك كلارك هو مدير برنامج دراسات الأمن القومي في "جامعة ولاية كاليفورنيا -- سان بيرناردينو" ورئيس جمعية دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا. وفيما يلي خلاصة المقرر لملاحظاتهما. بحسب معهد واشنطن.

يقول مارتن كريمر، اليوم أكثر من أي وقت مضى، تحتاج الأوساط الأكاديمية والحكومة إلى إعادة التعاطي مع بعضها البعض. فالأوساط الأكاديمية تملك أصول ضخمة من المعرفة التي بإمكانها أن تكون مفيدة للحكومة، ولكن بسبب التركيز الداخلي للقطاع الأكاديمي، أُحجبت هذه الأصول عموماً عن الحكومة. ومع ذلك، إذا تقوم الحكومة بالتعاطي مع الأوساط الأكاديمية بشكل صحيح، فلن يكون بإمكانها فقط الإستفادة من الأصول الأكاديمية، ولكن، من وجهة النظر الأكاديمية، فإن الحكومة نفسها سوف تصبح شيئا ثمينا.

ويضيف كريمر، لقد "تغير المناخ" إلى حد ما بسبب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، وانتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة. إن الأكاديميين الذين يؤمنون بالقوة الذكية هم الآن أكثر حرصاً من أي وقت مضى لإثبات أن نظرياتهم تُطبق في العالم الحقيقي. ويحدث مثل هذا الإنفتاح مرة واحدة فقط خلال جيل من الزمن، ونتيجة لذلك، يمكن أن يغير العلاقة الأوسع بين الحكومة والأوساط الأكاديمية. ومن أجل أن تقوم الحكومة بإشراك القطاع الأكاديمي، يجب عليها أولاً أن تفهم القوى الرئيسية التي تحفز الأكاديميين في الولايات المتحدة. ويمكن تلخيص هذه القوى بـ : مراجعة النظراء، والإستقلال، والوصول إلى المصادر. وإذا تقوم الحكومة بدعم الأكاديميين في كل من هذه المجالات، فيمكن سد الهوة بين القطاع الأكاديمي والحكومات.

ويوضح، إن مراجعة النظراء هي في صلب الحياة الأكاديمية. ويعرف الأكاديميون، أن مسارات حياتهم سيتم تقريرها في النهاية من قبل نظرائهم في جميع أنحاء العالم. ونتيجة لذلك، نرى أن الأكاديميين حساسون بشكل خاص لروح العصر المتعلقة بتخصصاتهم، وهو واقع يتعلق بشكل حاد بالعلوم الإنسانية. وبطريقة ما، يمثل مجتمع النظراء هذا أكبر عقبة راسخة أمام تعاطي الحكومة مع الأوساط الأكاديمية. ويصر المراجعين النظراء، على أقل تقدير، على حقهم في تدقيق كل برنامج أو علاقة لمعرفة ما إذا كانت تخفي عناصر تعرض الحرية الأكاديمية للخطر، وكذلك العناصر التي تُعتبر نابعة أساساً من واشنطن. بالإضافة إلى ذلك، يكفهر الكثير في الأوساط الأكاديمية من المغريات المرتبطة بالتعاون مع الحكومة.

ويستدرك كريمر، مع ذلك لدى الحكومة وسائل للتحايل على القوى الأكاديمية التي تعارض قيام تعاون. وفي بعض الحالات، قام بعض المسؤولين الحكوميين بتطوير علاقات مع الأكاديميين على أساس فردي، بعيداً عادة عن الحرم الجامعي. ويمثل هذا، بطبيعة الحال، شكلاً من نهج التعاطي بدرجة منخفضة جداً، حيث ينبغي أن يكون الهدف الأكبر هو التأثير على جداول أعمال البحوث. وليس من المستغرب أنه بإمكان النظر إلى هذه المحاولات المتمثلة بالتأثير على جداول الأعمال الأوسع نطاقاً كتدخلات مثيرة للجدل من قبل الأكاديميين. ومع ذلك، لا تزال القنوات متاحة أمام الحكومة لكي تقوم بالضغط من أجل القيام بأبحاث علمية لدعم مصالحها. إن دعم الحكومة لمؤسسات الفكر والرأي والمؤسسات شبه الحكومية مثل "معهد الولايات المتحدة للسلام" و "مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين" تساعد على تشجيع المعرفة والعلم -- ودعم جداول أعمال بحوث أوسع نطاقاً -- انسجاماً مع احتياجات الحكومة. ولكن هناك خطوات إضافية أيضاً التي من الواجب اتخاذها. ولكي يتسنى أن تكون الحكومة أكثر نجاحاً في إشراك الأكاديميين، يجب عليها تشجيع ورعاية مجموعات كبيرة من النظراء تقوم بالربط بين هذين القطاعين. ويمكن أن يكون لهذا التطور فوائد كبيرة، حيث أن أحد التأثيرات سيكون عدم النظر إلى الشراكات الحكومية باعتبارها غير عادية، بل نهاية مألوفة يُسعى للوصول إليها.

ويبيّن كريمر، إن الأسطورة التي تدور في الأوساط الأكاديمية هي أن بإمكانها وحدها تنظيم نفسها – أي أن المجتمع الأكاديمي سيتكلم الحقيقة بشكل موثوق. إن إدامة مثل هذا الإعتقاد الخاطئ هي عمليات ترتبط بالتثبيت في العمل الأكاديمي والهبات المالية، التي تعزز الضمانة الأكاديمية الشخصية للفرد. وعلى الرغم من أن التثبيت في العمل الأكاديمي قد يكون مقدساً للغاية، إلا أنه لا يمكن أن يعفي الباحثين عن استمرار خضوعهم للمساءلة عن العمل الذي ينتجونه. فلا يمكن للحكومة أن توفر الضمانة والمنزلة اللتان تتنافسان مع التثبيت في العمل الأكاديمي، ولكن يمكنها أن تخلق إغراءات بديلة مثل تمويل الهبات لعدة سنوات، والتي ستؤدي لا محالة إلى وجهة نظر أكثر إيجابية من قبل الأكاديميين في جميع أنحاء الولايات المتحدة تجاه الحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، يوفر إنشاء "مراكز تفوق" موارد تمويل غير محدودة للحكومة، تلك الموارد التي يمكن أن تؤدي على عجل إلى [قيام] شبكات قابلة للحياة والتي من شأنها أن تكسب الإحترام في الأوساط الأكاديمية.

ويوضح كريمر، لقد كان الوصول إلى المعلومات دائما مصدر القوة الدائمي للأوساط الأكاديمية، وقد واصل الأكاديميون الترويج للفكرة بأنه يمكن الوصول على الأكثر إلى المواضيع البحثية المثلى عندما يكون الأكاديميون غير خاضعين للإنتماءات الحكومية. ودعماً لهذا الرأي، يشير المؤيدون إلى الدول والمناطق التي توجد فيها شكوك كبيرة تجاه الحكومة الأمريكية، مثل جمهورية إيران الإسلامية أو مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. ويقولون، بأنه يمكن النظر إلى علاقة قائمة مع حكومة الولايات المتحدة في هذه المناطق، على أنها إضعاف قدرة الباحثين على جمع البيانات غير المنحازة. وعلاوة على ذلك، يرى البعض إن التعاون مع الحكومة في بعض التخصصات، يعرض للخطر قابلية زملائهم للوصول [إلى المعلومات]، وبالتالي فإن أي شخص يعمل مع الحكومة ينبغي أن يلام من قبل الأوساط الأكاديمية وفقاً لمستوى تعاونه.

ويضيف كريمر، يمكن لحكومة الولايات المتحدة الرد على منتقديها من خلال عدد من الوسائل، بما في ذلك الكم الهائل من المعلومات التي تجمعها وتخزنها. إن [قابلية] الحكومة على الوصول إلى عالم المصادر المفتوحة، والأماكن والناس الذين يصعب الوصول إليهم، والمعلومات السرية، تمثل جميعها كنزاً للباحثين. إن تشكيل المبادرات والبرامج التي توفر للشركاء الأكاديميين قابلية الوصول المباشر إلى مثل هذه الموارد وقواعد البيانات هي في طليعة التحديات التي تواجهها الحكومة. ويمكن أن يكون للحكومة تأثير حقيقي في وضع أكاديمي تنافسي عن طريق قيامها بفتح غطاء "صندوق الكنز"، حيث يتم رؤية موضوع خاص في هذا الوضع الأكاديمي التنافسي على أنه ميزة في البحث.

ويستنتج كريمر، تؤدي السيطرة على الوصول إلى المصادر، في حكومات أجنبية معينة، إلى قيام جداول أعمال بحوث مشوهة مع النتائج المتعلقة بذلك. فقد كان الباحثون "المتطرفون" في الولايات المتحدة يدعون لسنوات عديدة، أن التعاون مع الحكومة له تأثير سيئ. ومع ذلك، يمكن الطعن بأن الوصول إلى حكومات الدول البوليسية والإستبدادية يوفر إمكانات أكبر بكثير للوقوع في الفساد. إن جميع محاولات الوصول [إلى المعلومات] تأتي بتكلفة، وتكلفة العلاقة مع الولايات المتحدة لا تكاد تذكر. وكلما يقوم الأكاديميون باحتضان هذه الحقيقة بصورة أوسع، سيكون من الأسهل لهم العمل مع الحكومة بشكل علني ودون اعتذار -- من أجل المصلحة المشتركة لكلا القطاعين.

فيما يقول مارك كلارك في مداخلته، في نطاق "قانون إصلاح الإستخبارات الوطنية" من عام 2004، أُعطيت لـ "مكتب مدير الإستخبارات الوطنية" المبادرة للتواصل مع المؤسسات الأكاديمية. وفي العام التالي، أعلن "مكتب مدير الإستخبارات الوطنية" عن سلسلة من المنح المتعلقة بالإستخبارات الوطنية في محاولة لجذب علماء من مؤسسات التعليم العالي. وفي السنوات الأربع الماضية، تطورت الجهود بدءاً من اجتذاب أربع جامعات وحتى شمل شبكة من المدارس في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك مجموعة من سبع جامعات منظوية في نظام "جامعة ولاية كاليفورنيا". وفي الوقت الذي استمر برنامج المنح التابع لـ "مكتب مدير الإستخبارات الوطنية" بالنمو بصورة أكثر، قبل البرنامج مؤخراً سبع جامعات أخرى لإستضافة "مراكز مجتمع الإستخبارات ذات التميز الأكاديمي". وبإمكاننا النظر إلى مِنَح "مكتب مدير الإستخبارات الوطنية" مع نظام "جامعة ولاية كاليفورنيا" كنموذج محتمل للبرامج المستقبلية للحكومة التي تشجع الشراكات مع المؤسسات الأكاديمية.

ويوضح كلارك، إن البرنامج في "جامعة ولاية كاليفورنيا -- سان برنادينو"، التي يوجد فيها الحرم الجامعي الرئيسي الذي تجري فيه [أبحاث] "مراكز مجتمع الإستخبارات ذات التميز الأكاديمي" التابعة لـ "جامعة ولاية كاليوفورنيا"، يختلف عن الشراكات العلمية التقليدية. والدليل الرئيسي لذلك هو أنه لا يجري التركيز على البحث العلمي في "جامعة ولاية كاليفورنيا -- سان برنادينو" بل على تجنيد طلاب وقدامى المحاربين على حد سواء للتدريب على وظائف في دوائر الإستخبارات. وهناك أربعة أهداف رئيسية لبرنامج "جامعة ولاية كاليفورنيا -- سان برنادينو". الهدف الأول والأساسي هو تطوير مناهج دراسية تشجع الطلاب على الإلتحاق بمهن في مجتمع الإستخبارات. الهدف الثاني ينطوي على استضافة سلسلة من الندوات السنوية والمحاضرين، حيث يمكن لأفراد من مجموعة واسعة من وكالات الإستخبارات عرض وجهات نظرهم وتقييماتهم عن الأحداث الجارية. وتعمل هذه السلسلة من المحاضرين بمثابة أداة تعليمية موازية للمناهج الدراسية، وتشجع قيام المناقشات المتعمقة والتحليلات. كما توفر الندوات أيضاً مكاناً يمكّن الطلاب من تقديم نتائج [بحوثهم] الخاصة لمجتمع الإستخبارات، باعتمادهم على المصادر المفتوحة فقط. وأخيراً، يأمل قادة "مراكز مجتمع الإستخبارات ذات التميز الأكاديمي" التابعة لـ "جامعة ولاية كاليوفورنيا" تجنيد طلاب المدارس الثانوية وتشجيع فرص السفر إلى الخارج. إن هذين الهدفين الأخيرين -- أي توفير منتدى للطلاب لتقديم نتائجهم وتجنيد طلبة المدرسة الثانوية -- على الرغم من كونهما ذوا أهمية حاسمة لبقاء هذا البرنامج، هما ثانويان وقد يتغيرا اعتماداً على مسارهما وتمويلهما.

ويبيّن كلارك، تتمتع برامج "مراكز مجتمع الإستخبارات ذات التميز الأكاديمي" التابعة لـ "جامعة ولاية كاليوفورنيا" بمزايا [معينة] إلى جانب تركيزها الواضح على تدريب الطلاب الراغبين في العمل في مجتمع الإستخبارات. وتنطوي ميزة واحدة أقل علنية على التعاون، حيث تشجع هذه البرامج على قيامه بين الحكومة والمؤسسات الأكاديمية، والذي قد يساعد في نهاية المطاف على تضييق الفجوة بين القطاعين. ومن خلال هذه العملية، قد تتعلم أيضاً وكالات الإستخبارات بأنها تستطيع تبني الأساليب المستخدمة من قبل المؤسسات الأكاديمية، في الوقت الذي تصل فيه إلى فهم التحديات الإدارية والأكاديمية التي يواجهها العديد من الأكاديميين. ومن ناحية أخرى، تدرس المؤسسات الأكاديمية كتلك المنتمية إلى نظام "جامعة ولاية كاليوفورنيا" كيف تعمل بيروقراطية الحكومة، وبذلك تطمئن وتثق بها بصورة أكثر سهولة. وعلى الأرجح سيؤدي هذا التعاون إلى زيادة الإنسجام، مع استفادة الحكومة من المهارات والمعرفة التي يتمتع بها الأكاديميون، وفي المقابل، يحصل الأكاديميون على معلومات قيمة. وبالتالي، سيتم تعميم اعتراضات الرافضين في الأوساط الأكاديمية وغيرها من القطاعات، من خلال برنامج "مراكز مجتمع الإستخبارات ذات التميز الأكاديمي" التابعة لـ "جامعة ولاية كاليوفورنيا".

ويختم كلارك مداخلته بالقول، على الرغم من أن المنحة الحالية من "مكتب مدير الإستخبارات الوطنية" ستنتهي في النهاية، من الممكن استمرار البرنامج بشكل بديل. وبمعنى أعم، بإمكان تطوير البرامج وربما استخدامها نموذجاً لاستراتيجية وطنية. فبدلاً من قيام عدد كبير من الوكالات بتمويل المبادرات الأكاديمية والبرامج الخاصة بها، فإن تقليل البيروقراطية من أجل الترويج لجدول أعمال مشترك يعني بالبحوث، يمكن أن يكون الخطوة التالية في جهودنا الرامية إلى سد الفجوة بين الأوساط الأكاديمية والحكومية.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أُسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/نيسان/2010 - 25/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م