الطاولة المستديرة...

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: اشُتقّ اسم «المائدة المستديرة» من حدث تاريخي أو أسطوري يتّصل بسيرة الملك آرثر الإنجليزي الذي أعدّ مائدة مستديرة ليجلس حولها مائة من الفرسان يمثّلون زعماء المملكة دون أن يكون لواحد منهم ما يميّزه عن غيره حتى تنتفي بينهم المنافسة.

وورد ذكر المائدة او الطاولة المستديرة لاول مرة في قصص كتبت في القرون الوسطى عن الملك آرثر وفرسانه, كانوا يجتمعون حول المائدة المستديرة ويتشاورون وياكلون, وكانت مستديرة حتي يتجنبوا مقاتلة بعضهم وذلك لان كل واحد فيهم يبدوا في مرتبة اعلى من زملائه, وقصة المائدة المستديرة خيالية شان كل اساطير ارثر, ولكن شخصية ارثر كانت حقيقية..

وقد أوحت المائدة المستديرة ببعض ما صدر من أفضل الكتابات الإنجليزية في العصور الوسطى. وتتمثل واحدة من أفضل الروايات الإنجليزية عن آرثر وفرسانه، في موت الملك آرثر (1470م)، وهي مجموعة من القصص عن الفرسان وبطولاتهم، كتبها وأعاد كتابتها السير توماس مالوري. وفي كتابات العصور الوسطى، كانت قصص الفرسان وبطولاتهم المعروفة باسم الرومانس، عملاً طويلاً من أدب الخيال، يقدم وصفًا للمغامرات المثيرة لأحد الأبطال.

كان الفرسان في كتابات العصور الوسطى يعتبرون عضوية المائدة المستديرة شرفًا كبيرًا. فكان شجعان الرجال يأتون إلى بلاط الملك آرثر، من بلدان كثيرة، على أمل أن يتم اختيارهم لهذه العضوية. نتيجة لما يتمتع به الفارس من مزايا اخلاقية متميزة..

كانت الفروسية الإقطاعية قائمة على تبعية الفارس للسيد وبالتالي تطالب هذه الفروسية الفارس أن يكون مخلصا لسيده، يقاتل في سبيله بشجاعة وإقدام، فالرجل الذي جعل القتال مهنته الأولى لا بد ان يكون شجاعا شديد البأس في المعركة، وكذلك القائد البارع يجب ان يتصف بالرزانة والحكمة والتعقل إلى جانب الشجاعة، ولكي تكون الحرب أكثر قبولا عند المشتركين فيها نشأت لديهم مجموعة من القيم منها: لا يجوز مهاجمة فارس غير مسلح، بل ينبغي أن يتاح له الوقت الكافي لإرتداء درعه وتجهيز نفسه للقتال، ونشأ أيضا العرف الذي يعد الفارس الأسير ضيفا..

أما الفروسية الدينية، فإنها تمثل مفهوم الكنيسة عند الفارس المثالي، لقد طالبت الفارس بأن يكون مسيحيا تقيا، غرضه في الأساس ان يحمي الكنيسة ويدافع عن عقيدتها، كذلك طالبته بأن يبتعد عن ارتكاب الجرائم بمختلف أنواعها، وبأن يرعى الضعفاء والعجزة ويحميهم.

أما فروسية الغزل والعشق، فقد طالبت الفارس باحترام المرأة وحمايتها، ففي النصف الثاني من القرن الحادي عشر ظهر في جنوب فرنسا شعراء اتخذوا اسم التروبادور، وأخذو يمجدون في قصائدهم الغزلية السيدات، وأصبح الفارس المتيم بسيدة لا يفكر في شيء سوى العمل على إرضائها وجلب السرور لها ولم يمجد شعراء التروبادور المرأة فحسب بل جعلوها في مرتبة أعلى من مرتبة الفارس المحب المتواضع.

وقد جسد الممثل الامريكي قصة احد الفرسان في فيلم مع الممثل سين كونري صاحب سلسلة افلام جيمس بوند الشهيرة.. وصور حقبة من حقب الملك ارثر عبر بناء درامي فيه الكثير رومانسية القرون الوسطى..

والمائدة المستديرة في المجال السياسي عبارة عن تعبير اصطلاحي يعني المفاوضات التي تجري بين الأطراف المعنيّة على مستوى متكافئ، أي دون أن يكون لأحد الأطراف ما يميّزه عن غيره و يبرز هذا المعنى بصفة خاصة في حالة إجراء مباحثات بين دولة كبرى و صغرى أو بين دولة حامية ومحمية أو مع دولة تمثّلها عدة أحزاب وطنية متصارعة.

من أمثلة مفاوضات المائدة المستديرة، المؤتمر الذي عُقد في لندن خلال شهر أكتوبر 1930 برئاسة ماكدونالد رئيس الوزراء، واشترك فيه ممثلو الأحزاب والطوائف الهندية لبحث مستقبل الهند، ثم مؤتمر المائدة المستديرة الثاني الذي عُقد كذلك بلندن في خريف عام 1931 و اشترك فيه غاندي كما اشترك فيه محمد علي جناح، وأصرّ على أن يتضمّن الدستور المقترح حقوق المسلمين كافة، ومن أمثلة مفاوضات المائدة المستديرة، المؤتمر الذي عُقد بلاهاي «أغسطس ـ نوفمبر 1949» بين الحكومة الهولندية والوطنيين الإندونيسيين واشترك فيه كلّ من سوكارنو وانتهى بإعلان استقلال اندونيسيا، ومن ذلك مؤتمر الدائرة المستديرة الذي عُقد في بروكسل عام 1960 بين الحكومة البلجيكية وزعماء الكونغو، والنتهى باستقلال جمهورية الكونغو كينشاسا.

ويمكن وصف المائدة المستديرة بالشكل التالي: مجموعة صغيرة عادة ما يكون لديها خلفية عن الموضوع تجتمع ليقدم كل منهم وجهة نظره للآخرين تباعا بعد ذلك تناقش وجهات النظر هذه.

والهدف منها: بداية لمناقشة مرتبة مصادرها خبرات المجموعة.

أما الأسلوب الفني للمائدة المستديرة فيمكن اجماله على الشكل التالي:

تجلس المجموعة حول مائدة بحيث يمكن لأعضاء المجموعة رؤية بعضهم البعض ويقوم قائد المناقشة بشرح الموضوع..

يشبه هذا الأسلوب في بعض الطرق التنشيط الفكري فيما عدا أنه يتعامل مع موضوعات أكثر صعوبة وتعقيدا أنها تسمح لكل شخص أن يعبر عن نفسه – كما أنها تمنح المشاركين الذين لا يتسع وقتهم الوقت الكافي لكي يفكروا ويسجلوا ملاحظاتهم ..وتضع كل المشاركين في نفس المستوى الفكري عند بداية المناقشة وتوضح الخبرة العملية أنها تمد المناقشة بالمعلومات الضرورية لها.

وكان للطاولة المستديرة اهتمام ايضا من قبل الحركة البيوريتانية (النقاء الديني) ردا على الإباحية التي انتشرت في اعقاب الثورة الفرنسية والتي كانت تحرم الجلوس الى وليمة على مائدة ارجلها غير مغطاة لانها تذكر بسيقان المراة.. وكان ذلك في القرن التاسع عشر..

واضافة الى الطاولة حرمة الجلوس على الكرسي بالنسبة للمراة لان الكرسي ذكر كما افتت بذلك احدى الداعيات السوريات في القرن الواحد والعشرين..

والمائدة المستديرة ليست اختراعا انكليزيا بل هي في الحقيقة اختراع عراقي بامتياز يعود الى زمن جلجامش حين أنشأ مجلس حكماء لادارة شؤون مملكته لتتساوى الرؤوس الجالسة الى المائدة وتتفاوت الاراء والافكار..

وهذه المائدة كثيرا مانراها في اجتماعات القمم العربية تحسبا لزعل قد يبدر من سيادة رئيس او فخامة ملك او سمو امير حيث تكون دائرية رغم وجود رئيس دوري للقمة تبعا لدولة الانعقاد..

وقد اصبحت المائدة المستديرة رمزا للثقافة السياسية في اوقات الازمات في المجتمعات التي تتعدد فيها الرؤوس والرئاسات..

الطاولة المستديرة في عراق الرؤوس الكبيرة والكثيرة، دعوة اطلقها الائتلاف الوطني العراقي والذي يضم (المجلس الاسلامي الاعلى – منظمة بدر – تيار الاصلاح الوطني – حزب الفضيلة – التيار الصدري) اضافة الى شخصيات وجماعات صغيرة اخرى..

وهي جماعات تفاوتت في حظوظها الجماهيري والانتخابي وبالتالي في عدد المقاعد التي حصدتها في الانتخابات الاخيرة.. فقد تراجعت حظوظ المجلس الاعلى ومنظمة بدر وتيار الاصلاح الوطني ومنظمة بدر بعد ان كانت مالئة الدنيا وشاغلة الناس بشمعتها التي احترقت وذابت وكانت انتخابات مجالس المحافظات عام 2008 بداية النهاية لها، وبرز التيار الصدري واحتل اماكنهم التي تنازعوا عليها طيلة السنوات السابقة ليصبح صانع الملوك، او يحول الملوك الى صعاليك بين ليلة وضحاها كما درج على تسميته في الاونة الأخيرة، وتلك الأيام دول.. والذي يجاهر بثأره السياسي والشخصي اتجاه رئيس الوزراء نوري المالكي احد فرسان المائدة المقترح انعقادها..

الطاولة المستديرة، المقترح الذي قدمه هذا الائتلاف سيحفظ للكتل والشخصيات التي كانت يوما مدار الجذب امجادها الغابرة فلا رئيس ولا مرؤوس بل رؤوس متساوية وقامات بنفس الارتفاع كما يريد القول بذلك اصحاب الدعوة الى هذه الطاولة..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 11/نيسان/2010 - 25/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م