علينا أن لا ننسى الدور الأمريكي في إزاحة النظام السابق ولكن علينا
لا ننسى أيضا بأننا لا نزال تحت وطأة الاحتلال الأمريكي.
كانت كل أحلام العراقيين وأمالهم هي ان يعيشوا في عراق خال من
الدكتاتور وأعوانه بعد أن قاسوا الويلات من سياسته الدموية والانفرادية
, منذ استلامه السلطة بانقلاب مخطط له على البكر في 1979 واستلامه
السلطة رسميا بدأت سياسة الدم والقتل والتعذيب والاعتقالات التي ملئت
بها السجون وتحت ذرائع شتى.
ومن ثم زج العراق في حرب دامية مع إيران والتي استمرت قرابة 8 سنوات
والتي أرهقت كاهل العراق اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا وخسر بها العراق
آلاف الشهداء والمفقودين وإضافة إلى آلاف الأسرى لدى النظام الإيراني
والذي لا يزال قسم منهم في غياهب السجون الإيرانية وجيش جرار من
المعاقين.
واستمرت السياسة الدموية في حروب ليس للشعب فيها ناقة ولا جمل سوى
أرضاء القائد الضرورة ونزواته الدموية وأهدافه الوهمية.
انتظر العراقيون طويلا ليستعيدوا حريتهم من نظام مستبد وحاكم
دكتاتور جثم على صدورهم قرابة 35عاما بين الخوف والرهبة والسجون وسنين
عجاف إلى أن أتى اليوم الذي انتظره العراقيون وانتهى زمن جمهورية الخوف
والظلم.
كانت كل الدلائل تشير الى نهايته المحتومة وسقوط عرشه المتهاوي رغم
التحوطات الأمنية والعسكرية والحزبية التي عمل عليها ليس لبقائه في
السلطة وإنما لتأخير سقوط دكتاتوريته الدموية.
الجميع ينتظر سقوط الصنم رغم الخوف من الإفصاح عما بداخلهم خوفا من
سطوة الجلاد وجلاوزته الذين كانوا يجوبون الشوارع والأزقة تحسبا لأي
طارئ بعد استعدوا أتم الاستعداد لخوض مغامرتهم الخاسرة رغم اقتناعهم
بخسارتها ولكنهم كانوا يتملقون ويخافون قائدهم المغرور زيفا وطغيانا.
لم تستمر الحرب طويلا كما توقع لها القائد الضرورة وخطط لها وسخر
لها جميع الموارد ووسائل الأعلام التي اشتراها لتدافع عن جرائمه وجرائم
أركان نظامه الدكتاتوري.
التاسع من نيسان ذلك اليوم الحلم الذي طال انتظاره طويلا وربما لم
يصدق اغلب العراقيون سقوط الصنم ونهاية عصره المظلم , ونهاية حقبة
مظلمة من تاريخ العراق , وانتصار الحق على الظلم.
ولكن للأسف لم يحتفل العراقيون بذلك اليوم التاريخي وسقوط اكبر
جمهورية للخوف كما كنا نتأمل وننتظر كما تحتفل بقية دول العالم بسقوط
عرش طاغيتها وبدلا الاحتفال بسقوط الصنم افسد البعض من العراقيين هذه
الفرحة بأعمال سلب ونهب امتدت لجميع وزارات ودوائر الدولة دون وعي أو
تخطيط ولا يوجد رادع او قانون يمنعهم من ذلك , وأمام أنظار القوات
الأمريكية المحتلة دون ان تحرك ساكنا وانما هي من ساعدت اللصوص في
السرقة وفتحت لهم المصارف والدوائر لغرض سرقتها والعالم جميعه يشاهد
دوامة الحدث عبر القنوات الفضائية التي لم يكن هما سوى نقل الصورة
السيئة عن شعبنا المظلوم.
كان العراقيين يتأملون بناء دولة حرة قوية ديمقراطية خالية من كل
أشكال الاستبداد والظلم يعيش بها الإنسان العراقي بحرية وكرامة ولا
فوارق بين ابناء شعبه من الشمال الى الجنوب يجمعهم حب الوطن ولا شئ سوى
غير حب الوطن.
كنا نتامل ان يشهد العراق عودة المهاجرين الى وطنهم بعد سكنوا
الغربة سنين طوال بسبب سياسة النظام وحروبه وظروف الحصار الذي عان منه
الشعب , وان يشهد العراق البناء والاعمار والازدهار , وان ننسى كل إلام
الماضي وترسباته ونعيش تحت خيمة الوطن كالبنيان المرصوص لا تزحزحه كل
الفتن وأصوات الغربان.
كل أمالنا تبخرت وأصبحت أحلامنا رماد مع أول سيارة مفخخة عصفت
بالعراق نحو الدمار ووضعته في طريق الهاوية مع تصاعد الحرب الإعلامية
المنافقة التي لا هم لها سوى نقل زيف الحقيقة وتصعيد الصراع الطائفي
الذي جلبه المحتلون وسياسي الوهم والصدفة بعيدا عن روح الوطن والوطنية.
وبدل من عودت المهاجرين كانت قوافل المهاجرين العراقيين تزداد بين
خارج من الوطن ربما دون عودة وبين من يحاول أيجاد ملاذ امن داخل الوطن
بعد ان كادت حرب العصابات الطائفية ان تمزق البلد لولا أرادة الله وحب
العراقيين لوطنهم وطن الحضارات والثقافة والأدب.
ولكن رغم ذلك سيبقى التاسع من نيسان التاريخ المشرق في حياة
العراقيين رغم الالم الذي تحمله العراقيون ومازالوا يتحملونه الا انه
لابد لليل ان ينجلي وتنقشع الغيوم السوداء من سماء الوطن ويستعيد
العراق عافيته ويحتفل العراقيون باستعادة سيادتهم بخروج القوات
الأمريكية من ارض الوطن. |