فرنسا... من اليمين إلى اليسار مجتمع متقلب الأهواء

 

شبكة النبأ: يرى العديد من المتابعين للشؤون الفرنسية إن تلك البلاد تمر بمرحلة انتقالية على صعيد التحولات الثقافية والاجتماعية التي بدت إسقاطاتها المباشرة جلية للعيان داخل وخارج فرنسا، سيما إن تلك الدولة امتازت عن العديد من الدول الأوربية في الانفتاح والتاريخ وشكل العلاقة مع المجتمع الدولي، فيما كان للنظام السياسي القائم هناك ولا يزال محط أنظار مختلف الشعوب نظرا لعراقة الديمقراطية وتجربتها على مدى القرون الثلاث الماضية.

نقص التعددية

يتمتع أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي (المجلس الاعلى في الجمعية الوطنية) بأعلى درجات السلطة السياسية في فرنسا.

ووفقا للتقاليد العريقة يقوم مجلس الشيوخ بمراجعة القوانين بعد اقرارها من جانب مجلس النواب وتعديلها واعادتها احيانا لتغييرها. ويعرف مجلس الشيوخ بأنه بيت الحكمة وأعضاؤه ساسة يقضون اغلب وقتهم على جبهات المعارك السياسية ويحظون عادة باحترام واسع النطاق.

لكنه لا يزال معقل البيض ويسيطر عليه الرجال واغلبهم من الطبقة المتوسطة. بيد ان امرأتين تعملان داخله من اجل التعددية والتنوع.

الاولى هي حليمة بومدين ثيري الناشطة المخضرمة من اصل جزائري. وتقول النائبة عن حزب الخضر ان النخبة السياسية تتشدق فحسب بالاعتماد على المواهب من خارج التيار الرئيسي.

وتضيف ان كثيرا جدا ما تساند الاحزاب مرشحين متنوعي الاعراق لكن تضعهم في ذيل القوائم لجعلهم لا يحظون بالقبول. وتجرى الانتخابات المختلفة في فرنسا بنظام التمثيل النسبي حيث يعتمد الفوز بالمقاعد على حصة من التصويت الوطني. بحسب رويترز.

واضافت انه في الانتخابات العامة حيث يوجد نظام الاغلبية المطلقة يسجل المرشحون في دوائر يستحيل فوزهم فيها.

وقالت بومدين "السؤال الكبير في الوقت الحالي يتعلق بالشجاعة السياسية. فالساسة والاحزاب لو أرادوا حقا تطبيق ما ينادون به لاختاروا مرشحين من أصول مهاجرة للترشح ووضعوهم في ترتيب (على القوائم الانتخابية) يمكنهم من ان ينتخبوا أو للترشح في الانتخابات العامة. وللاسف فان الاغلبية تترشح في ترتيب لا يتيح لهم فرصة الفوز..وهم يستخدمون كنوع ما من..حسنا كما تعرف. لدينا عدد كبير (من المرشحين) من اصول مهاجرة. لكن في الواقع لا توجد شجاعة سياسية."

وحين لا تحضر المحامية السابقة مناقشات في مجلس الشيوخ تجوب شوارع ضاحيتها الباريسية ارجنتي.

وتقول ان من المهم بالنسبة لها ان تتواصل مع الناس ومع الحقائق والتحديات التي تواجه الاشخاص العاديين.

وقالت وهي في طريقها الى اجتماع لمجلس الاباء في حضانة محلية "المهم ان تكون قريبا من السكان..الى جانب الاباء في المدرسة وتقف بجانب المستأجرين. ان تخوض المعارك معهم."

وحتى في عطلات نهاية الاسبوع يمكن رصد بومدين ثيري في مظاهرات مثل التي نظمت في السادس من فبراير شباط دعما للقضية الفلسطينية.

وعلى الجانب الاخر فان السناتور باريزا خيري اكثر تمدنا وهدوءا ورقيا من نظيرتها عن حزب الخضر حيث تشبه بدرجة اكبر النخبة السياسية التي تحكم فرنسا.

وشغلت الاشتراكية والموجهة المدرسية السابقة خلال حياتها السياسية التي تجاوزت 25 عاما عدة مناصب حزبية لينتهي بها المطاف في مجلس الشيوخ.

وهي ايضا تشعر ان السياسات الفرنسية لا تتسم بالتنوع الكافي. لكنها تقول ايضا ان الامور تتغير وان الاحزاب السياسية بذلت جهدا لدعم اشخاص من خلفيات عرقية متنوعة.

وقالت "استقبلت استقبالا حارا من اعضاء مجلس الشيوخ الاخرين. لماذا.. لانني لست امرأة من المهاجرين العرب والمسلمين تؤخذ كرمز (سياسي). صعدت بين صفوف الحزب الاشتراكي شأني شأن كل من يجلس في هذه القاعة. لقد كنت أمينة فرع..فأمينة اتحادية..فأمنية عامة للحزب وعملي البرلماني تجاوز 25 عاما. لذلك لا يوجد اختلاف مع الاخرين."

واتت خيري المولودة في الجزائر الى فرنسا في سن صغيرة. ولا تعرف عن العربية سوى اساسياتها التي مكنها فحسب من القول انها لا تتحدثها بطلاقة. لكنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع اسرتها في الجزائر. وتتغير فرنسا التي يوجد بها اكبر جالية مسلمة في اوروبا قوامها نحو خمسة ملايين ببطء.

فقد عين الرئيس نيكولا ساركوزي عددا من الوزراء السود او من شمال افريقيا في حكومته في تحرك جرئ يهدف الى الترويج لصورة اكثر حداثة لفرنسا لا تقوم على البيض والذكور.

وفي حين تسلم كلتا العضوتين في مجلس الشيوخ بالاشارة التي حاول ساركوزي ان يبعث بها فانهما تقضيان وقتا طويلا في محاربة كثير من سياسات حكومته ليمين الوسط التي تعتبرانها تمييزية.

لكن وفي الوقت الذي احرز فيه بعض التقدم فلا يزال هناك طريق طويل امام التنوع في مجلس الشيوخ. فمن بين 343 سناتورا لا يوجد سوى ثلاثة من اصول شمال افريقية.

استفتاء على الوجود الإسلامي

من جانبها قبلت المحافظة الإدارية لمنطقة فرانش كونتيه شرق فرنسا أمس قائمة مرشحين من اليمين المتطرف إلى الانتخابات المحلية المقررة في مارس تحت اسم "القائمة الكونتية، لا للمآذن" واعتبرتها "مطابقة للقانون الانتخابي".

وكان عدة مواطنين طلبوا من المحافظة الإدارية المحلية استبعاد القائمة لاعتبار اسمها "مخالفا للقيم الجمهورية".

غير أن الإدارة أعلنت أن تقديم القائمة "تم في 12 فبراير 2010 طبقا للقانون الانتخابي"، مشيرة إلى أن "رفض تسجيل ترشيح لا يمكن أن يتم إلا في حال لم يكن يستوفي بنود القانون الانتخابي". بحسب فرانس برس.

وتقع منطقة فرانش كونتيه بمحاذاة سويسرا حيث اقر استفتاء شعبي حظر بناء المآذن، ما أثار انتقادات حادة في أوروبا والدول الإسلامية.

وتضم قائمة اليمين المتطرف الحركة الوطنية الجمهورية وحزب فرنسا واليمين الوطني والجبهة الكونتية، وكلها أحزاب تعلن عزمها على "تحويل هذه الانتخابات إلى استفتاء محلي ضد المآذن وبصورة عامة ضد انتشار الإسلام في مجتمعنا".

كذلك سجلت قائمة مرشحين أخرى باسم "لا للمآذن" تترأسها الحركة الوطنية الجمهورية في منطقة لورين شرق فرنسا.

وعلى صعيد آخر، أطلقت منظمة غير حكومية الثلاثاء في ستراسبورغ شرق فرنسا مسابقة تصوير لـ"أجمل مئذنة في أوروبا" بهدف تسليط الضوء على "الوجود السلمي للإسلام" في أوروبا و"مكافحة المخاوف والأفكار المسبقة"، بحسب ما أوضح المنظمون.

ملصقات انتخابية معادية للمسلمين

في سياق متصل ذكرت وسائل الإعلام هنا ان القضاء في مدينة مرسيليا جنوب شرقي فرنسا وبعد رفع جمعيات ضد العنصرية دعوة على رئيس الحزب جان ماري لوبان أمر بسحب تلك الملصقات خلال 24 ساعة. بحسب كونا.

وقالت ان الملصق كان مرسوما عليه خريطة فرنسا مغطاة بعلم الجزائر رسم عليها مئذنة على شكل صاروخ وبجانب الخريطة تقف سيدة منقبة وكتب على الملصق (لا للاسلام).

وكانت السلطات الجزائرية قد احتجت رسميا أمام السلطات الفرنسية وطالبتها باتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن الملصق الانتخابي "المعادي للمسلمين والجزائريين".

يذكر أن الانتخابات المحلية الفرنسية ستنطلق غدا حيث يشارك فيها نحو 44 مليون ناخب لاختيار 1880 مرشحا في المحافظات المحلية ويتوقع المحللون خسارة الائتلاف اليميني الحاكم بزعامة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

وتتوقع استطلاعات الرأي حصول زعيم حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف لوبان الذي قد تكون تلك الانتخابات الأخيرة له على نسبة 10 في المئة من الأصوات.

حظر البرقع

من جهة اخرى افاد استطلاع نشرت نتائجه "الفايننشال تايمز" ان الفرنسيين يبدون الاكثر تأييدا لحظر البرقع في بعض الاماكن العامة بين شعوب سبع دول شملهم الاستطلاع.

واكد نحو 70% من الفرنسيين الذين سئلوا، تأييدهم لمنع ارتداء البرقع فيما عبر معظم الاوروبيين الذين شملهم الاستطلاع عن موافقتهم ايضا لتبني قانون مماثل في بلدانهم.

وينظر 65% من الاسبان و63% من الايطاليين بعين الرضى الى حظر البرقع حتى وان كان الدعم اكثر اعتدالا في بريطانيا (57%) وفي المانيا (50%). وفي الولايات المتحدة ابدت اقلية من 33% تأييدها لمثل هذا الحظر واقل من 30% في الصين.

في المقابل يؤيد اكثر من 60% من الاميركيين والبريطانيين استخدام اجهزة المسح الضوئي (سكانر) في المطارات في حين لم تتجاوز نسبة التأييد لهذه الفكرة من قبل الاشخاص الذين شملهم الاستطلاع في فرنسا وايطاليا والمانيا ال46%. بحسب فرانس برس.

وقد اجرى الاستطلاع بين 3 و10 شباط/فبراير معهد "هاريس" لحساب "فايننشال تايمز" وشمل عينة من 7256 راشدا في فرنسا وبريطانيا والمانيا وايطاليا واسبانيا والولايات المتحدة والصين.

وترغب الحكومة الفرنسية في طرح مشروع قانون ينص على حظر البرقع وطلبت من مجلس الدولة مساعدتها على صياغة نص مناسب. وفي بريطانيا عبر وزير العدل جاك سترو مطلع شباط/فبراير عن معارضته الشديدة لسن قانون يحظر ارتداء البرقع.

واعظ مسلم في قوات الامن

الى ذلك بات الكابتن محمد علي بوحرب البالغ من العمر 33 عاما أول واعظ مسلم في قوات الامن الفرنسية.

وعين بوحرب المسلم المولود في فرنسا من أصل تونسي في منصبه في مارس اذار عام 2008 ليقدم الدعم الديني والروحي لضباط الشرطة الذين يستشيرونه في كل الشؤون المتعلقة بالاسرة والعمل والدين.

وأكثر من يلتقي بهم بوحرب مسلمون لكن بابه مفتوح للجميع. والوعظ الاسلامي حديث العهد نسبيا في فرنسا وتتزايد الحاجة اليه مع زيادة عدد أفراد الشرطة المسلمين المنحدرين من دول شمال افريقيا. بحسب رويترز.

ويضطلع بوحرب بمهمة أخرى هي تقديم المشورة للقيادة التي لا تعرف شيئا يذكر عن الاسلام.

وقال بوحرب "القيادة ليست لها دراية ولا خبرة بالمسائل الروحية عموما وخاصة فيما يتعلق بالدين الاسلامي. لذا فالمجال أمامي كاملا لتعريفهم على نحو صحيح بكل ما يتعلق بالاسلام في قوة الشرطة الوطنية."

ويرى بوحرب ان هذا الدور الاستشاري علامة حقيقية على مصداقية الواعظ المسلم والثقة به ويعني أن الاسلام يتفق تماما مع فرنسا.

ويقول بوحرب ان زملاءه يرسلون اليه مئات الرسائل وكثيرا ما يطلبون منه المشورة في مكتبه في ثكنات فور دو شارانتون بضاحية ميزون ألفور في باريس.

ومن المترددين على مكتب بوحرب الشرطية الشابة جيهان ريحاحي التي ذكرت لرويترز أنها تعتبر نصائح الواعظ نوعا من "الدعم النفسي". وقالت "يطمئنني وجود شخص يمكن الوثوق به."

ومن الموضوعات التي أفاد بها بوحرب ضباط الشرطة المسلمين ترشيح طبيب لاجراء عمليات الختان. كما يتأكد من تقديم لحوم مطابقة للشريعة الاسلامية لمن يطلبها سواء داخل الثكنة أو أثناء العمليات.

ويخطط بوحرب بالفعل للعام المقبل الذي سيشهد أكبر تحد له حتى الان وهو تنظيم رحلة للحج لضباط الشرطة المسلمين.

13 بالمئة تحت خط الفقر

على صعيد متصل اظهر تقرير للمعهد الوطني للاحصاء (انسي) ان حوالي ثمانية ملايين فرنسي يتقاضون أقل من 1225 دولارا امريكيا (908 يورو) شهريا يعتبر مستواهم الاقتصادي اقل من مستوى الفقر الرسمي لمعايير عام 2007 .

ويبلغ التعداد السكاني لفرنسا حاليا اكثر من 60 مليون نسمة ما يعني ان اكثر من 13 بالمئة من الاشخاص يعيشون تحت خط الفقر الرسمي الامر الذي يظهر ان العائدات السنوية لكل عائلة تبلغ 28458 دولارا.

وذكر التقرير ان اكثر فئة متضررة من مشكلة الفقر هي فئة المهاجرين في فرنسا حيث بلغ معدل الفقر الذي يعيشون فيه نسبة 36 بالمئة وهي نفس النسبة التي يعيش فيها العاطلين عن العمل في المنطقة ذاتها حيث يبلغ معدل البطالة الوطني في فرنسا نسبة 10 بالمئة.

اما ثاني فئة متضررة وفقا لما اورده التقرير فهي فئة الامهات العازبات واطفالهن وهي الفئة التي تشكل نسبة 6ر1 بالمئة من تعداد السكان. بحسب كونا.

واوضح في السياق ذاته ان ما يقارب ثلث الاسر ذات العائل الواحد هي اما تحت خط الفقر او معرضة لأن تصبح تحت خط الفقر مضيفا انه تم فرض ضريبة على الايرادات المرتفعة بمعدل 20 بالمئة وان هذه العائدات محمية نسبيا من معدلات الضرائب العالية بسبب الاعفاءات والتخفيضات.

واضاف ان الرجال في فرنسا هم الاكثر ربحا وكسبا للمال من خلال سيطرتهم على اكثر الوظائف المربحة بنسبة تصل الى 87 بالمئة.

وفي غضون ذلك تراجعت شعبية الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى أدنى مستوى لها منذ انتخابه في مايو 2007 لتستقر نسبتها عند متسوى 34 بالمئة.

وأوضح استطلاع للرأي نشرته صحيفة (لو باريزيان) الفرنسية اليومية في عددها الصادر اليوم ان 59 بالمئة من الذين شملهم الاستطلاع قالوا انهم لا يثقون بالرئيس الفرنسي من حيث معالجته للمشكلات التي تواجهها بلادهم.

كذلك اعرب 55 بالمئة عن عدم ثقتهم برئيس الوزراء فرانسوا فيلون فيما يتعلق بتعامله مع عدد من القضايا الرئيسية في فرنسا.

وساهم في تراجع شعبية القيادة الفرنسية ارتفاع نسبة البطالة الى 10 بالمئة تقريبا وتزايد الاعتراضات على الاصلاحات الاقتصادية الى جانب تراجع مستوى المعيشة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/نيسان/2010 - 24/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م