لقد انجلت غبارات الانتخابات في العراق وقد مرّت بصعود ونزول، من
تصريحات متباينة هنا وهناك. وهذا الامر متوقع في دولة مثل العراق في
طريق النضج الديمقراطي وفي طريق الانسلاخ من جلد المحتل البغيض الذي
يريد للعراق أن يعيش في نوع من التأثير الذي يجعل العراق تحت سيطرة
التأثير الامريكي عسكريا وأمنيا لتطويق كل فعل خارج هذا النطاق لا أن
يعيش العراق حرا بقراره، وهذا الذي يؤرّق العديد من القوى الدولية
والاقليمية.
بالاضافة الى طموح الانسلاخ كذلك من تأثيرات نظام مستبدّ قد حكم
البلاد بالحديد والنار وقد أهان حاضر العراق وماضيه وأذاق شعبه ألوان
العذاب وأساء اليه الى الدرجة التي تحتاج الى سنوات عديدة للتخلص من
آثاره. والملاحظ أنّ هذا التأثير هو الذي لا يريد للعراق أن يكون
مستقلا له سياساته ومصالحه يرسمها أهله وسياسيوه بالشكل الذي تحترم فيه
قيمة ذلك الانسان.
لقد فاجأ الجمهور العراقي والعربي والعالمي مجموعة من السلوكيات
واضحة المقاصد. منها هذا العدّ والنتائج الجزئية التي أريد لها أن تسير
بعملية مدروسة من تخدير للجمهور والدفع به الى أن يسير على طريق تقديم
السيد المالكي أولا ثم المفاجأة التي غيرت معالم الكثير من الاحاسيس
وهي الخمسة بالمئة الاخيرة التي أجلت الى يوم ظهور النتائج المتبقية
الى الجمهور.
تلك النتائج التي دفعت بإياد علاوي الى قيادة عملية أسموها(عملية
التغيير!) والمقصود تغيير اسلوب قد إتفقت عليه كل القوى تقريباً في
السنوات الاربع الماضية!
السؤال ما الذي تغير ؟!
لقد تغير التأثير الاقليمي بشكل واضح. حيث تستعد الولايات المتحدة
وكيان إسرائيل الى الترويج لضربة لايران تكون بحجة القضاء على الطموح
الايراني النووي. حيث نشرت صحيفة إزفستيا مقالا تقول فيه : أنّ
الولايات المتحدة تقوم بنشر منظومات "باتريوت" الصاروخية في دول الخليج
خشية من الخطر الايراني. ويقول مسؤول امريكي لصحيفة "نيويورك تايمز"
الامريكية" ان هدفنا الرئيس هو ردع ايران. اما هدفنا الآخر فهو تأكيد
دعمنا للدول العربية كيلا تتحول الى دول نووية(تأمّل!!). والهدف الثالث
هو رغبتنا في تهدئة اسرائيل".
والتصريحات المستمرة التي رافقت وترافق الانتخابات في العراق
والاحداث التي تصعد وتنزل حسب الطلب في لبنان وما يتعلّق بالمحكمة
الدولية بالاضافة الى ما يخصّ السعودية التي تسعى الى ضمّ المشكلة
الفلسطينية الى عباءتها والتي تكشّفت عن فقدان واضح وفضائح بالانجرار
الكبير الى مصالح الولايات المتحدة بعد تصعيد كبير لتهويد القدس وجرّ
العرب الى ما يعرف بتهويد المنطق العربي الاسلامي وفق عملية قراءة
خاطئة للتاريخ الذي يعتقد بعض قراء التاريخ المكابرين ان لليهود الحق
في امتلاك الارض في فلسطين والامتداد الى بعض الدول الاخرى!! حيث ليس
بالغريب على الكثير من الساسة المخضرمين أن يكون مع أو ضدّ هذا التوجّه.
ونظرة بسيطة الى واقع الترويض للسياسة العربية على مدى ثلاثين سنة
أو أكثر يعلمك الخبر بما نقول بالاضافة الى توجيه الاعلام العربي بصورة
مبطّنة الى النفخ يما سمي بالشرق الاوسط الجديد الذي أرادته الولايات
المتحدة على لسان كونداليزارايس في وقتها والتي شربت ماءه في عام
2006!! ولم تفلح في تحقيقه!
التصريحات الاخيرة لديفيد بيترايوس قائد القيادة الوسطى للجيش
الامريكي ((ان جيران ايران في الخليج العربي ينظرون الى هذا البلد
بصفته خطرا جديا جدا عليهم.)) توحي الى الكثير من التهيئة على المستوى
الاقليمي ومنها تهيئة على مستوى العراق!!!والسعي الامريكي الحثيث الى
فصل المسار الايراني السوري والاستفراد بإيران بتيار تقوده السعودية
ومصر ذلك التوجه الذي لم يفلح الى الان في تحقيق ما يراد منه تحقيقه.
لقد أشار العسكريون الامريكيون الى منظومة كاملة من صواريخ
الباتريوت التي يراد نشرها في المنطقة لتطويق ايران بهذه المنظومة التي
تعمل للتصدي للصواريخ الايرانية المنطلقة لضرب مصالح الولايات المتحدة
و(إسرائيل) لو تعرضت ايران للضربة(كما يعتقدون!). والدول المرشحة لنشر
مثل هذه الصواريخ قطر والبحرين والامارات العربية المتحدة والكويت
والسعودية و(إسرائيل). ولم يبق الا العراق لتتم عملية التطويق وحينها
تكون ايران محاطة بالطوق الذي سيجعلها تساوم على الكثير مما يراد منها
كالبرنامج النووي والكفّ عن مساعدة القوى التحررية والمقاومة للمشروع
الامريكي الصهيوني في المنطقة بعد تخلي دول عربية كثيرة عن دورها.
والسؤال الذي يثار دائما هل حكومة مثل حكومة العراق الحالية تساعدهم
في ذلك؟!! بالطبع يأتيك الجواب بكلا! لذلك فالسعي كلّ السعي الى الدفع
بالليبرالي المخضرم والمتعاون مع الاستخبارات الامريكية منذ سنوات
طويلة والمساهم في رسم الخارطة الجديدة ضمن حدود العراق الحالي!!وفق
التصور الامريكي.
لقد تخلت الولايات المتحدة عن الكثير من أمور الاتفاقيات النفطية
لصالح الاخرين من أجل الفوز بالمصلحة الكبرى!! ومادامت البركات النفطية
لآل سعود ترفد المشاريع الامريكية في المنطقة وحماية هذه الآبار بوحدات
قتالية من 30 ألف جندي. فلا حاجة آنيّة لنفط العراق!! فلو زيد بالنفط
العراقي ضمن أساليب معروفة وبوجود حكومة من شكل حكومة علاوي فلا خوف
على العراق من نفوذ إيراني!! إذا ما علمنا أنّ أول خطوة يريد أن يقدم
عليها علاوي هي ما سماه (تطهير الجيش والشرطة من الطائفيين!!) ولا
أعتقد أنّ الرجل يقصد الرجعيين والعملاء المتأمركين !
هل سيتحقق ما يصبون اليه؟!
لا أعتقد أن المنطقة بجماهيرها تكون بهذه البساطة! أبدا إلا إذا
غلبت المصالح الضيقة هنا وهناك لحساب المخطط الكبير!الذي أريد له أن
ينضج من قبل الكثير من السياسيين كي يسيروا في هذا الطريق فمنهم من
أراد وصرخ بعلو صوته الى وجوب الوقوف مع المحتل الامريكي بكلّ صوره
والوقوف مع المخطط المشؤوم فكان الرد الجماهيري مناسبا لمثل هؤلاء حيث
لم يحصل الكثير منهم حتى على مقعد واحد في البرلمان القادم!! ونرجو أن
الرسالة قد وصلت من خلال هؤلاء المتأمركين الى أصحابهم!!
إن قدوم علاوي لرئاسة وزارة العراق حالياً، ليس بالامر السهل وليس
أسهل منه الوقوف في خانة الاعداء ضد قوى التحرر في المنطقة والتي لا
تشمل طائفة ولا دينا ولا قومية معينة فالخير بأصحاب العقول على مدى
طويل وهذه العقول هي التي ستحاول الدفع بعلاوي بعيدا عن رئاسة الوزارة
ولو في الوقت الحالي! |