شبكة النبأ: جمع قطار وهو جمع تكسير
في العربية، كان احد الصور المتقدمة لاختراع العجلة ورمزا من رموز
الثورة الصناعية التي انطلقت من بريطانيا قبل قرون قليلة.
وتطورت صناعة القطارات وارتفعت معدلات سرعاتها وكبرت قدرتها على
استيعاب المتنقلين بها من مكان إلى آخر..
وقد وصلت بعض القطارات إلى سرعات يأمل الحالمون أن تلامس سرعة الصوت،
والقطارات هذه مثلما تطورت في أحجامها واستيعابها وسرعاتها فأنها أيضا
تطورت بما تقدمه من خدمات لمستخدميها من وسائل الترفيه والراحة
والمقطورات الخاصة بدرجات معينة تشابه درجات الفنادق والمطاعم تبعا
لوسائل الراحة المتوافرة فيها والخدمة المقدمة لمستخدميها..
أما الوطنية فهي مشتقة من الوطن، والوطنية مفهوم مراوغ لا تجد له
تجسيدا على ارض الواقع يمكن ان تلمسه وأن تحقق إجماعا حوله.. ولو سالت
عددا من الناس ما الذي يعنيه الوطن لك لتعددت الإجابات: أغلى شيء/
انتماء/ حرية/ محبة ووفاء/ إخاء/ سلام.. إلى آخر الأجوبة..
من هو (وطني) في نظر البعض يعد غير (وطني) في نظر البعض الآخر
والزعيم الفلاني وطني في نظر البعض وغير وطني بنظر البعض.. وتعددت
استعمالات كلمة وطني وانسحبت إلى كثير من الأمور في الحياة فهنالك
العملة الوطنية والنشيد الوطني والشعار الوطني والفريق الوطني والمنتج
الوطني والثقافة الوطنية والاقتصاد الوطني إلى آخر التسميات التي ترتبط
بالوطن والوطنية والوطني..
أما بالنسبة لعملاء فهي جمع عميل وهي مشتقة من الفعل عمل أي كَد
وجهد وهي من نفس أحرف كلمة (عملة) الدالة على الوحدة النقدية المتعارف
عليها للنقود، والعميل في لغة السوق هو المستهلك والمشتري للبضائع
والمنتجات وهو في لغة السياسة المرتبط بجهات خارجية ضد مصلحة بلده..
وهناك مفارقة غريبة في العلاقة بين العمل والعميل والعملة وكأن هناك
اقتران شرطي بين العميل وبين العملة من خلال الحصول عليها عبر تعاون مع
جهات أجنبية ضد مصلحة بلده..
ما الذي يريد الكاتب قوله من خلال هذه الكلمات الثلاث (قطارات –
وطنيون - عملاء)؟
وما علاقتها بالسياسة العراقية الآن منذ العام 2003 وحتى ظهور نتائج
الانتخابات ومفاوضات تشكيل الحكومة؟
في كتابه المعنون (أوكار الهزيمة) يذكر هاني الفكيكي احد الرواد
الأوائل والمؤسسين للبعث العراقي أن حزب البعث في انقلاب عام 1963 قد
أتى إلى الحكم بقطار أمريكي وكنت أتساءل عن مقصده بكلمة قطار ولماذا
لم يستعمل كلمة دبابة وهي الوسيلة المعروفة استخدامها في الانقلابات
العسكرية او طيارة على سبيل المثال...
بعد العام 2003 انقسم الشارع بين مؤيد لسقوط النظام السابق،
وبالمحصلة يعتبر مؤيدا للاحتلال.. او معترضا على سقوط ذاك النظام ويعد
معارضا للاحتلال.. وتبعا لهذا التقسيم صنفت القوميات والطوائف العراقية
في خانتين خانة الوطنيين وهم الذين رفضوا سقوط النظام وخانة العملاء
الذين رحبوا به.
وهي صورة معكوسة تماماً للعام 1921 عام تشكل الدولة العراقية..
وكأن كل من أتى مع القوات الأمريكية من معارضة وقادة وأحزاب هو عميل
وخائن لأنه جاء على ظهر الدبابة الأمريكية...والموجودون في داخل العراق
هم الوطنيون وحدهم.
في انتخابات العام 2005 تمت مقاطعة الانتخابات من المكون المذهبي
الثاني في العراق انسياقا وراء مقولات الوطنية والاحتلال واللا شرعية
لتلك الانتخابات وما يؤسس على الباطل هو باطل بالضرورة والمطلق.
القطار الأمريكي استمر بالمسير رغم المعوقات الكثيرة التي وقفت
أمامه وقدم العراقيون تضحيات كثيرة لمسيرة هذا القطار وتوقف في محطات
كثيرة ونزل من نزل منه وصعد من صعد إليه.
وأخذت مفردات الوطنية والوطنيين تتكاثر بسرعة كالفطر في وسائل
إعلامنا قبل الانتخابات الأخيرة بمدة طويلة فتشكلت كتل وأحزاب وجمعيات
كان القاسم المشترك لمعظم تسمياتها هو الوطنية وأصبح عملاء الأمس
وطنيوا اليوم.. فعلى سبيل المثال كان إياد علاوي رئيس الوفاق الوطني في
خطابات المعارض للعملية السياسية قبل العام 2005 عميلاً لـ السي آي أي
وللمخابرات البريطانية ومخابرات أخرى، وأصبح بين عشية وضحاها رمز
الإجماع الوطني وقائدا وطنيا سوف يعيد للعراق هويته الوطنية والقومية،
وأصبح كذلك من عمل مع الأمريكان من شخصيات الداخل وتلقى دعمهم المادي
والمعنوي أيضا وطنيون.
ما الذي تغير لتتغير المفاهيم ومدلولاتها بهذه الطريقة؟
ما حدث أن راكبي القطار الأمريكي قد انتقلوا من المقطورات السياحية
والشعبية إلى مقطورات الدرجة الأولى عبر تلك المحطات التي توقف عندها
القطار ولا يسع هؤلاء الذين وصلوا إلى تلك المقطورات الفاخرة إلا
مزاحمة من كان جالسا فيها أصلا.
وابتدأت نغمة أخرى... فالعميل أصبح كل من يعمل مع إيران أو يتمتع
بعلاقات جيدة معها أما من يعمل لمصلحة سوريا أو مصر أو السعودية ومن
يقبض منهم بالدولار أو الريال أو الجنيه أو الليرة لا يعد عميلا فتلك
عملات وطنية قومية عابرة لحدود الأشقاء والإخوة ويبقى فقط من يقبض
بالتومان هو العميل وهو الخائن.
وقد انشغل الوسط السياسي والإعلامي العراقي هذه الأيام بالحديث عن
صناعة الحكومة العراقية القادمة في إيران، من جهة ( عملاء الأمس وطنيوا
اليوم)، وقدمت تبريرات كثيرة من قبل الأطراف الذاهبة إلى إيران، (عملاء
الأمس وعملاء اليوم أيضا) فهم لن يغادروا مربع العمالة أبدا كما يرى
قادة الوطنية العراقية الناشئة بعد العام 2003..
وقد فسر قادة الطرف الأول الموقف بأنهم يشعرون بالزعل على الجارة
إيران لأنها دعت جميع قادة الكتل الفائزة في الانتخابات واستثنت كتلتهم
التي احتلت المركز الأول مما يعني أنها تعمل على محاربتهم وإقصائهم..
وقد صرح رئيس القائمة العراقية إياد علاوي بأنه يشعر بالسرور والحبور
لأن إيران دعت وفد كتلته لزيارة العاصمة طهران في مسعى منها للإطلاع
على وجهات نظر القائمة في تشكيل الحكومة.. كما قال لقناة الحرة في
نشرتها الإخبارية ليوم الخميس 1-4-2010 ..
وهو موقف وجد نفسه فيه من حيث استدعاء التبريرات ردا على المعترضين
على زياراته الأخوية إلى دول الجوار العربي ( سوريا – السعودية ) قبل
الانتخابات الأخيرة..
هل استغل قادة مؤتمر اسطنبول الطائفي (قبل سنوات) علمانية علاوي
وشهوته للسلطة، ليكون حصان طروادة العراقي، كما تشي بذلك رسالة التهنئة
التي بعث بها شيخ المجاهدين العراقيين عزت الدوري مهنئا بفوز القائمة
العراقية في الانتخابات التي مابرح الخطاب البعثي يصفها باللاشرعية في
ظل الاحتلال؟.أم أن علاوي يعرف اللعبة جيدا وجعل من وطنيي قائمته التي
يصل من خلالها إلى دكة الرئاسة الفاعلة ثم يكون لكل حادث حديث؟ أم إن
الجميع قد طوى صفحات الماضي القريب واخذ بالنظر إلى المستقبل؟ حتى الآن
لاشيء يرجح احد الاحتمالات الثلاثة..
القطار فيه متسع للجميع ومحطات التوقف كثيرة، المهم أن تكون تذاكر
الصعود ليست مزورة أو غير صالحة.. فالاستحقاقات القادمة اكبر أهمية من
مجرد الجلوس في مقصورات الدرجة الأولى والتفرج على الطرق التي يقطعها
القطار في مسيره.. |