رئاسة الوزراء بين النص الدستوري والتوافق الوطني

د. ضياء الجابر/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

نصت المادة (77/أولاً) من دستور جمهورية العراق لعام 2005، على ما يأتي ((يشترط في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في رئيس الجمهورية، وأن يكون حائزاً الشهادة الجامعية أو ما يعادلها وأتم الخامسة والثلاثين من عمره)).

وعند الرجوع إلى الشروط الواجب توافرها في رئيس الجمهورية، لتطبيقها بحق المرشح لرئاسة الوزراء، والتي حددتها المادة(68) من الدستور والتي جاء فيها ما يأتي:-

أولاً- عراقياً بالولادة ومن أبوين عراقيين. وقد تكفل قانون الجنسية العراقي رقم(26) لسنة 2006، بتحديد من هو العراقي، واشترطت المادة المذكورة أن مولوداً في العراق، ومن أبوين عراقيين، وهنا العبارة جاءت مطلقة، فيجوز أن يكون الأبوين عراقيين بالولادة (حاملين الجنسية الأصلية)، أو مكتسبين للجنسية العراقية بعد حين(الجنسية المكتسبة).

ثانياً- كامل الأهلية وأتم الأربعين سنة من عمره.، ويقصد بكمال الأهلية، أن لا يكون المرشح يعاني من أحدى العاهات العقلية، كالجنون أو العته، أو يكون محجوراً عليه.أما شرط العمر الوارد في هذه المادة، فقد قيدته المادة(77)، عندما جعلت الحد الأدنى لعمر المرشح تمام (الخامسة والثلاثون سنة) من العمر، ونرى أن توافر هذا الشرط، عند الترشيح للمنصب. ونعتقد أنه كان من الأفضل، اشتراط تمام الأربعين سنة، بالنسبة لعمر المرشح لمنصب رئيس الوزراء، شأنه في ذلك شأن رئيس الجمهورية، فهذا المنصب يفوق منصب رئيس الجمهورية أهمية، لتمتعه بالعديد من السلطات التي تحتاج إلى الخبرة والدراية والكفاءة والحنكة السياسية في معالجة جميع الأمور، وفي كل الظروف.

ثالثاً- ذا سمعة حسنة وخبرة سياسية ومشهوداً له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والإخلاص للوطن.وهذا الشرط نرى فيه من المرونة والاجتهاد الأمر الكثير، ولم يحدده الدستور بشكل دقيق، ولم يحدد الجهة التي تتأكد من توافر هذه الأمور، ونرى بأن المحكمة الدستورية هي صاحبة الاختصاص في تحديد مدى توافر هذه الشروط من عدمها في المرشح لمنصب رئيس الوزراء.

رابعاً- غير محكوم بجريمة مخلة بالشرف. ويتم التحقق من ذلك من خلال الصحيفة أو السجل الجنائي للمرشح، والذي يزود به من خلال الجهات المختصة بذلك.ويقصد بتلك الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار والثقة، وغالبيتها من الجرائم المالية، ويذكر الفقه الجنائي، والدستوري عدد من هذه الجرائم منها(السرقة، الاختلاس، خيانة الأمانة، الرشوة، النصب والاحتيال، التزوير).

 خامساً- إضافة لهذه الشروط ذكرت المادة (77)، شرطاً آخر، هو ضرورة أن يكون المرشح لمنصب رئيس الوزراء، حائزاً على الشهادة الجامعية، أو ما يعادلها.الأمر الذي يعني أمكانية أن يكون المرشح حائزاً على شهادة عليا( دكتوراه، أو ماجستير)، ولكن كحد أدنى يجب أن يكون حاصلاً على البكالوريوس، أو ما يعادلها.

وهنا التساؤل الذي يطرح، ما هي الشهادة التي تعادل الشهادة الجامعية؟

لم يحدد الدستور ذلك، وهذا أمر طبيعي، فيتم الرجوع في معرفة الشهادات المعادلة للشهادة الجامعية، إلى القوانين والأنظمة والتعليمات النافذة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووفقاً لما هو معمول به في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وقت الترشيح، كونها الوزارة صاحبة الاختصاص في هذا المجال.

وبعد أن يكلف رئيس الجمهورية، وخلال خمسة عشر يوماً من تأريخ انتخابه رئيساً للجمهورية، رئيس الكتلة النيابية -رئيس الوزراء، الذي توافرت فيه الشروط المشار إليها في أعلاه- الأكثر عددا من المقاعد في مجلس النواب، بعد الاندماج أو الائتلاف بين كتلتين أو أكثر تحت قبة البرلمان، لتشكيل مجلس الوزراء(المادة76) من الدستور، نكون أمام الاحتمالات الآتية:-

الاحتمال الأول/ نجاح رئيس الوزراء المكلف بتسمية أعضاء وزارته خلال الفترة الزمنية المحددة(ثلاثون يوماً) من تأريخ التكليف، وحصول وزارته على ثقة البرلمان، بالموافقة على الوزراء المرشحين بصورة منفردة، وعلى المنهاج الوزاري بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب.

الاحتمال الثاني/ نجاح رئيس الوزراء بتسمية أعضاء وزارته خلال الفترة الزمنية المحددة، ولكن وزارته لم تمنح الثقة من قبل مجلس النواب، الأمر الذي يتطلب قيام رئيس الجمهورية بتكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال خمسة عشر يوماً من حالة عدم نيل الوزارة الثقة.

والتساؤل الذي نطرحه هنا ما هو الحكم لو فشل المرشح الثاني في تسمية أعضاء مجلس الوزراء، أو نجح في ذلك لكن لم يحصل على ثقة مجلس النواب؟

سكت الدستور عن الإجابة على مثل هكذا حالة، ولكننا نرى بأن رئيس الجمهورية يستمر بتكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة لحين تمكنه من تسمية الأعضاء ونيل ثقة البرلمان.

وهناك تساؤل آخر يطرح، هل يشترط في المرشح الثاني المكلف بتشكيل الوزارة أن يكون مرشحاً من الكتلة النيابية الحاصلة على أكثر المقاعد عدداً، أم يمكن للرئيس تكليف أي شخص ولو من كتلة لم تحصل على الأكثرية النيابية؟

على الرغم من سكوت الدستور عن الإجابة على مثل هكذا احتمال، الذي يمكن توقع حصوله – وان كان بعيد الحصول- لكنه قد يحصل، ففرض الحال ليس من المحال، نرى أن الترشيح يجب أن يستمر من بين مرشحي الكتلة النيابية الأكثر عدداً من حيث المقاعد البرلمانية، ولا يجوز تكليف مرشح آخر من بين الكتل الأخرى التي حصلت على اقل المقاعد البرلمانية، وأن كنا نفضل أن تأتي تلك الحلول والتفسيرات من قبل المحكمة الاتحادية العليا، صاحبة الاختصاص الأصيل في التفسير للنصوص الدستورية المختلف في تفسيرها.

الاحتمال الثالث/ فشل رئس الوزراء المكلف بتسمية أعضاء وزارته، وبالتالي عدم التمكن من تقديمها إلى مجلس النواب للمحصول على الثقة، خلال الفترة الزمنية المحددة، وبالتالي يكون الحل هنا تكليف رئيس الجمهورية لمرشح آخر لتشكيل الوزارة، ومن الكتلة البرلمانية الأكثر عددا.ونرى بأن هذا الاحتمال الأخير مستبعد من الناحية الواقعية، فلا اختيار لرئيس الوزراء، بدون توافقات على الحقائب الوزارية، مع مراعاة الاستحقاق الانتخابي من حيث عدد الوزارات التي سيحصل عليها كل كيان، أو كتلة نيابية.

أن ما ذكرناه أعلاه يمثل الحلول الدستورية المحضة، التي يجب مراعاتها عند البدء بالدورة النيابية الجديدة، للسلطة التشريعية(مجلس النواب)، والتي ستقود بدورها إلى تشكيل السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية، مجلس الوزراء).

لكننا يجب أن لا ننسى التوافقات والمشاركة الوطنية، وضرورة تشكيل حكومة وطنية تضم جميع أطياف الشعب العراقي، فنرى أن جميع المكونات يجب أن تكون ممثلة في هذه الحكومة، مما يدعونا إلى القول، بأنه لا اختيار لرئيس مجلس النواب، ونائبيه، ما لم يتم الاتفاق على شخص رئيس الجمهورية، وهو ما لا يحصل ما لم يتم الاتفاق على شخص رئيس الوزراء، فنرى بأن الأمور ستجري هكذا في ظل النتائج الانتخابية المعلنة، فلا يمكن أن يكون رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية من قائمة أو مكون، أو قومية واحدة، ولا يمكن أن يكون رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية من قائمة أو مكون أو قومية واحدة،، ولا يمكن أن يكون رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء من قائمة أو مكون أو قومية واحدة، وهذه هي ضرورات يجب مراعاتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن أن ننسى الاستحقاقات الانتخابية، وما تمخضت عنه من نتائج، لا يمكن تجاهلها عند تشكيل الحكومة.

* مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

http://adamrights.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/نيسان/2010 - 19/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م