الصورة الوصفية للديوان
ديوان كثبان المسك للأستاذ /ياسر عبد الله الغريب، ديوان ولائي من
القطع الصغير بغلاف جميل يوحي بلون المسك الذي توج به عنوان الديوان
المستوحى من كلمة متجذرة في التعريف من كلام سيد البلغاء الإمام علي
عليه السلام
الطبعة الأولى للجنة الإصدارات لمركز علم الهدى بصفوى لعام 2009م
جاء الديوان بافتتاحية للعنوان واسم الشاعر والبسملة تباعا ومن ثم
تصدر الفهرس للمحتويات على غرار الكتب الأجنبية في المقدمة.
ثم الإهداء الجميل والمقتضب لأهل البيت عليهم السلام-كلمة لجنة
النشر-كلمة السيد منير الخباز-قراءة تحليلية للأستاذ علي مكي الشيخ
بعنوان "نافذة على كثبان المسك" تناول فيها ثقافة النص والذاتية- ثم
كلمة الشاعر بعنوان قبل البدء.
احتوى الديوان على 49 نصا ثمانية وعشرين نصا تفعيلتا وواحد وعشرين
نصا عموديا.
مقدمة:
ونحن نقف على شرفة هذا الديوان المضيء أكاد أستحضر "الصوت السعفي"
الصغير والذي كبرت سعفاته وشمخت تحت انقياد الشعور الذاتي إلى حرية
اللغة التي تشق اللفظة بنفاذ إلى ما وراء المظهر بغية الصورة المتناهية
المستسلمة للخيال غير مسفهة للعقول بذريعة الهذيان الشعري المتوسل
بانفعالات النزوات أو الحماس الغلوائي الزائد لنستشعر المعنى منسابا
جميلا من العنوان إلى المحتوى الشعري ففي مطلع أول قصيدة بعنوان "الحكم
بالعشق المؤبد "ترتسم اللغة العليا للنص تباعا وهو يقول:
أسماؤنا
من فرط ما نهواك ننساها
وندخل في فضاءات الأنا العليا ونجري
مثلما يجري الأثير
النص هنا مكتنز لصفة النص كما جاء في بنيات اللسانيات بشتى
تمظهراتها الأدبية فهو فضاء يحتمل كل مقومات البلاغة وأسرار التأثير
الجمالي الذي تتخلله فهنا يقول:
والأنجم انتظمت
بأيدينا كمسبحة الصلاة
ليلامس النص عند الأستاذ ياسر الغريب جذوة لغوية منطلقة من حدود
بنية اللغة الصغرى إلى مساحات تخلق نفسها نحو لغة عليا منسابة في
تشكلها تبحث عن التسائل والتحليل بين الناص والنص ومتلقيه.
وهنا نموذج صريح لتلك اللغة التي تستجيب فقط للسمو والعلو دون
اكتراث بتمنطق الجملة فهنا يقول في نفس القصيدة السابقة:
والعشق حين يتيه ما أحلاه
ها نحن نفترش السماء سجادة
زرقاء خالصة الصفاء
إذ لا يمكن هنا الوقوف على مقطع أو بتر صورة دون أخرى فالتكامل في
اللبنات المتناثرة تحال لصورة كلية يتذوقها المتتبع لفهم الرسالة
المخبوءة في طيات النص من خلال قدرة توليدية تضفي قدرات هذا الإبداع
المنسجم مع نفسه.
فالنص في كثبان المسك متماسك اللغة والرؤية الفنية.
المتجه الشعري
نمت تجربة هذا الديوان عبر سنين متلاحقة جدا بخطوات متأنية وقريبة
أخذت على عاتقها خلق الصورة الواعية ومزجها بتجليات النحت الشعري
الخالص ملتزمة بروح النغمة واللغة العليا دون اختناق لمعنى أو نفور ففي
قصيد "غربة الرأس عن الجسد" تحليق خطابي يشعرك بالمأساة بتلذذ ونشوى
إلى أين يا رأس الحسين تهاجر
أما للسرى عبر التشرد آخر
تغربت منذ الطف عن جسد الفدى
ومازلت رحالا كأنك طائر
إلى أن يقول:
أبا الغربة الظمأى فداؤك أكؤسي
وما أكؤسي الرؤى والخواطر
وقد ظهرت فيه بوادر إدراك للثقافة المتلقاة بالمضمون الوجداني
والوجودي الذي يحتمه الانتماء والولاء العقدي تارة والمتجه الشعري تارة
أخرى ففي هكذا متجه غرست به نفحة الضمير المتبتل المتبع بين أمل
الكرامة واليأس الإنسان من متغير في الرؤيا وانحناءات في الاتجاه
الآخر,إذ طفت لغة التعبير عن رفض شعوري هادئ ينتج الحوار في طياته
الشعرية.
أنسنة الشعر:
إن أنسنة الشعر تعد من التقانات السهلة الممتنعة في كثير من الأحيان
خاصة عندما ينتهج الشاعر منهج الصقل الجميل لا النظم المتقن وخاصة عند
إعمال الأدوات الشعرية عمل اللغة ومعالجة الشئون خاصة كانت أم عامة
بخفق شعوري متحرر.
فأنسنة الشعر هي إعطاء البعد الإنساني الذي يتفق مع فطرة الإنسان
ومشاعره إذ نلمس هذه الخاصية تبرز بشكل جلي في قصيدة"الانتماء إلى
السنا"
قل للقصائد أن تصير حماما
لتطير في جو الولاء سلاما
دعها لتحمل أجمل الأغصان من
أضلاعك الفضلى هوى ووساما
تتضح الصورة الإنسانية المتقاطعة ساطعة بين حمام السلام وغصن
الزيتون الرمز للمحبة وتجسيد هذى المعنى بمانح السلام الذي جسدته شخصية
المحتفى به الأمام المجتبى عليه السلام عنوانا
ويقول أيضا:
يا سيد الوجدان في أعماقنا
ها قد طلعت من الجمال وئاما
ذاك أوجد عند الشاعر إدراكا مبكرا بأهمية ما يقال وما يجب أن يطرح
من خلال الذات الشعرية السائلة والدافئة بنضج التجربة
كم أجاد أنسنة الأشياء في مضمونه الرصين بلغة حرة منفتحة على تجوار
اللفظ بين الإنسان كصفة وإسقاطها على ما لا تحمله كقوله في قصيدة
"سباحة في عين علي"
يا قبلة المعنى الذي اتجهت لها ألفاظنا إذ كبر الأسلوب
اذ جاء الفعل "اتجهت عنوانا لحركة الفعل الخاص بالمتحركات كما هو
أيضا في تكبير"الله أكبر" الذي أصدره الأسلوب في رأي الشاعر الذي أضاف
في بيت آخر:
وأنا أنا منهم ..وكل قصائدي مرضى وليس لها سواك طبيب
فتجلي الصفة الإنسانية بهكذا روعة تضفي على أنسنة الشعر شاعرية ذات
دلالة متعمقة الجذور في نفس الشاعر بحميمية دافئة تخلق بعدا روحيا عميق
يتقبلها المتلقي بكل ارتياح ليحسب في رصيد هكذا إبداع
الذاتية والبعد الثالث:
إن محور الذات المختلفة عند الشاعر أضفت هنا جمالية تصويرية أحكمتها
اللغة وصقلتها الصورة في إناء السبك المتمكن فنمت في خصوبة المعنى ذات
محلقة فائقة العناية باللفظ والإنزياح والتوليد في قصيدة "شيء من
جراحات علي" يتضح البعد الثالث الممزوج بعشق الذات بقوله:
شقت مثل الزلال
حين ألفتني وجودا قانيا
لا أرتدي الا دمائي
سألتني:أنت من أي النواحي
قلت إني من جراحات علي
هنا تذوب الأنا الكلية في انصهار مع الصورة وتستنسخ لغتها من جرحات
هي ذاتها من أعظم الجراحات ويقول أيضا:
لا أود العيش منفيا عن الوقت المعاصر
ما أنا الا أنا يا أنت عفوا
خلط الليل حكاياتي السخينة
قدرة بارعة كونتها جزالة المعنى بتماه جميل حسي يفقد التفسيرية
أغراضها عن فك سر الارتباط عبر هذا الديوان عن لحظات مختلفة بين ما هو
قائم وما هو قادم بتمظهر نشط لروح الأنا المحور في كل ما يدور من
اشتقاقات الذات التي تروي وجودها كما تراه
من هنا نجد شعور الفرح ممتزجا بالحزن بهدوء لا يفسر بكل قواه
الواعية أو اللاواعية في قليل من الأحيان في شعره
عمق الثقافة وأحادية اللغة
الثقافة المستوحاة من صميم الظرف الإنساني أو المعتقد أو البيئة
والعتماد عليها كركيزة في سبك النتاج الأدبي دائما ما توقع الشاعر في
شرك التدوير اللغوي الذي قد يؤخذ عليه هنا أو هناك , ما لم يتسنى لهذا
الشاعر أن يكسر حاجز المعجم المشترك لثقافته المكتسبة بالعبور لسواحل
متنوعة عن بيئته الشعرية التي أمضى فيها دورة شعرية ما
فإذا كان كل ديوان هو بمثابة دورة شعرية بالنسبة للشاعر فما هنا تقع
المسئولية على نوع ما يقدمه في مراحل قادمة من تجربة ومع إتفاقي بتنوع
القصائد الولائية السامقة في هذا الديوان إلا انه وقع في كثير من هذا
التدوير إلا إن كان لتنوع ثقافة النص عند الشاعر مدعاة لخفوت ذلك
التدوير لما يحمله الشاعر من تجربة ثقافية مد بها نصوص هذا الديوان ففي
قصيدة "آية من سورة الشعراء"تتغلب رؤية النص وعمق سيماءاته الشعرية على
لغة التلاقح بين النصوص:
تسربت من سجن تاريخنا
مثلما حزمة من شعاع اليقين
وسرت بعمر جديد الرؤى
مفهما بانتفاضة بحر
الى أن يقول:
نراك هنا حاملا
(خشب الموت) رمز حياة
كما يحمل الأنبياء رسالاتهم
فوق عرق الوتين
خلاصة:
هنا انعكاس حقيقي لحقيقة مفادها مأساة تلك العتمة التي أقصت منائر
الكون وضياءه عن محلها الطبيعي جسده "كثبان المسك" بفراديس شتى حق لها
أن تكون ملاصقة للعشق للهوى للدين للعقيدة في بحبوحة من خلق وعمق
جديدين
فكان كثبان المسك مسحة عشقية تحتاج لسبر أغوار فنه الجميل وخصائصه
المتعددة ليكون شذرة تجديدية في الشعر الولائي نحو منهج يناسب تطلعات
السمو بهذا الكائن الشعري في الوقت الراهن ,دمت مبدعا. |