ثقافة المعارضة البرلمانية وغيابها عند القوائم الفائزة

أحمد عبد الأمير

يبدو ان الساسة العراقيين أغفلوا أو أنهم غافلون فعلاً عن مفهوم المعارضة البرلمانية التي يعد اتساع رقعتها داخل اروقة مجلس النواب من الظواهر الصحية، كونها ستسهم في تصحيح مسار عمل البرلمان والحكومة نحو الافضل في البلدان التي تتخذ من الديمقراطية اساسا رصينا لحكمها.

في العراق، وبعد اعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من آذار 2010، بدأت الكتل والأحزاب السياسية التي كان لها الحظ الأوفر في الحصول على المقاعد البرلمانية، بالتكالب على نظيراتها، والتزاحم والتدافع معها بهدف حرمانها من فرصة الفوز بحق تشكيل الحكومة المقبلة، كما أشير في الدستور العراقي الدائم، الذي نص على «ان الكتلة الحائزة على أغلبية الاصوات هي التي يعهد اليها تشكيل الحكومة».

لقد صار هذا النص هو الآخر مثار شد وجذب بين الكتل السياسية، حيث تفسر قائمة ائتلاف العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور أياد علاوي النص الدستوري في صالحها وبما يتماشى مع مصالحها كونها الكتلة الفائزة باغلبية الأصوات انتخابيا، بينما ترى قائمة ائتلاف دولة القانون التي حلّت في المركز الثاني بعد العراقية وبفارق مقعدين اثنين في عموم العراق، أن ما ذكر في الدستور حول الكتلة التي لها الحق في تشكيل الحكومة هي تلك الأكثر عددا في البرلمان، بعدما تتحالف او تندمج مع كتل أخرى، الأمر الذي يعني انها كذلك فسرّت النص الدستوري بما يتماشى ورغبتها في الاحتفاظ بمنصب رئيس الوزراء الذي سيكون حتما واحدا من مرشيحها، كونها حاصلة على مقاعد أكثر في البرلمان.

وبين مؤيد ومعارض لتفسير المحكمة الاتحادية ما نص عليه الدستور حول من هي الكتلة التي سيكون لها الحق في تشكيل الحكومة، تتجلى فكرة ان هذه الكتل، وكما اسلفت، قد اغلفت او تغافلت موضوع في غاية الأهمية ألا وهو المعارضة البرلمانية.

وتعتبر المعارضة واحدة من الاركان الرئيسة في النظم البرلمانية، كونها تقوم بدور المتابع والمراقب لأفعال القائمين على السلطات، فهي تحاسبهم معنوياً أو فعلياً على مدى التزامهم وادائهم السياسي، كما أنها تقوم بمساءلة القائمين على السلطات التنفيذية معنوياً أو فعلياً على مدى التزامهم بقانون مؤسسة الدولة ومدى تحقيقهم لفكرة الدولة أي تحقيقهم لمصالح أبناء الشعب، وبذلك تكون المعارضة تعبيرا عن حال عدم الرضى عن فعل ما أو مبدأ ما ومن ثم العمل على تغييره.

ورغم تأكيد القيادي في قائمة "العراقية" الانتخابية أسامة النجيفي، في تصريحات صحفية، على أهمية "وجود معارضة برلمانية لمراقبة الأداء الحكومي وتصحيحه إذا اقتضى الأمر"، مبينا أن "عدم وجودها يمثل خللا في العملية الديمقراطية"، رافضا فكرة ان "تتمثل جميع الكتل النيابية في الحكومة المقبلة"، إلا أن جميع المعطيات تشير إلى عدم إيمان ائتلاف علاوي أو حتى القائمة التي يتزعمها المالكي بهذا النوع من المعارضة، على الرغم من أنها، من الناحية العملية، لا تقل أهمية عن السلطة التنفيذية المتمثلة بمجلس الوزراء برئيسه ووزرائه والمسؤولين فيه، فالحكومة وجدت لكي تقدم الخدمات للمواطنين وتوفر الأمن والعيش الكريم لهم، ولأجل أن يتحقق ذلك بالشكل الأمثل، لابد من وجود معارضة برلمانية حقيقية لمراقبة الأداء الحكومي واكتشاف الخلل الذي يعتريه ومحاولة إصلاحه من خلال مجلس النواب.

في هذا الصدد، يشير عضو مجلس النواب السابق القاضي وائل عبد اللطيف، في تصريح صحفي لإحدى وسائل الإعلام، إلى ان اصول اللعبة السياسية في النظام الديموقراطي تتطلب وجود الصوت المعارض وممارسة الكتل المعارضة لكن ما نراه الآن هو أن معظم القوائم تسعى الى الحصول على أكبر عدد من المناصب وهو أمر لا يبشر ببرلمان يحاسب الوزراء ويرصد اخطاءهم ويسائلهم، لأن التوافقية ستفضي الى برلمان يشبه البرلمان السابق، يتمثل فيه الجميع في الحكومة وتدافع كل الكتل عن وزرائها"، مضيفا "اذا لم نشهد معارضة حقيقية في مجلس النواب المقبل فلن يكون هناك لعبة ديموقراطية حقيقية".

ومن هنا آمل أن يتنبه ساستنا لهذا الموضوع الحيوي الذي لو طبّق بشكله الصحيح لصار في بلدنا حكومة وبرلمانا يكمل بعضهما البعض وإن اختلفا في التوجهات ولكن المحصلة النهائية ستصب حتما في مصلحة الشعب العراقي.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/نيسان/2010 - 18/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م