رابطة دول الجوار العربي

مرتضى بدر

محور الخير ومحور الشر.. دول الاعتدال ودول الممانعة.. معسكر الـ(مع) و(الضد). في مرحلة العجز العربي لا يمكن أن ينتج سوى الانقسام، والفرقة، والاصطفاف ضمن محاور إقليمية أو دولية. هذا هو واقعنا العربي.. هذا الواقع المليء بالعجز واليأس والإحباط.

القمة العربية الأخيرة خرجت بتوصية مهمة تم تأجيل البت فيها إلى القمة القادمة للمزيد من النقاش، وهي تشكيل (رابطة دول الجوار العربي)، وتضم إيران وتركيا وتشاد وإثيوبيا وعدة دول أخرى. وتقوم الفكرة على تأمين المصالح وتحقيق الأمن المشترك، وهي الفكرة التي طرحها الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى. لقد حاولتْ دول الاعتدال العربي وضع العصا في عجلة المشروع منذ اللحظة الأولى، وفعلاً أُرجئت الموافقة عليه إلى القمة القادمة. والسؤال: ما الذي استجد في الساحة الإقليمية والدولية حتى جعل العرب يمدون أيديهم إلى دول الجوار وخاصة إيران وتركيا؟ إنني لست متشائمًا كرئيس تحرير صحيفة (القدس العربي) عبدالباري عطوان حينما أشار في مقاله بتاريخ 29 مارس إلى فكرة تجمع دول الجوار العربي قائلاً: “فكرة جميلة وعملية، ولكنها محاولة (هروب) عربي، ورغبة في (تصدير) المشاكل العربية إلى الآخرين بسبب عدم القدرة، أو عدم الرغبة في حلها.

ومع ذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان هذا الجوار على هذه الدرجة من الغباء بحيث يتلقف قضايا عجز أهلها عن حلها؟ وإذا كان هؤلاء أغبياء فعلاً فماذا يمكن أن يقدم لهم حلفاؤهم الجدد؟ تركيا بنت دولةً ديمقراطيةً على أرضية اقتصادية صلبة، وإيران بنت قدرة عسكرية جبارة مدعومة بخيار نووي، سلميًا كان أم عسكريًا، فماذا لدى العرب غير الفساد والديكتاتورية والتخلف؟

قد لا أختلف كثيراً مع عبدالباري عطوان فيما ذهب إليه، لكنني أعتقد أن لدى العرب الكثير من الأوراق السياسية والاقتصادية التي يمكنهم توظيفها لخدمة قضاياهم المصيرية، فبإمكانهم تغيير المعادلة في المنطقة، وأن كل ما هو مطلوب هو القليل من وخزة الضمير، والجرأة، والإرادة. هذه العوامل الثلاثة لو توافرت لأحدثت تحولاً في الوضع السياسي المتردي، الذي قد يجبر الدول الإقليمية والدولية على احترام الإرادة السياسية لحكوماتنا. يا ترى ما الذي أجبر الكيان الصهيوني على تقديم الاعتذار لتركيا بعد أن تعرض سفيرها للإهانة من قبل الخارجية الإسرائيلية؟ وما الذي دفع الدول الغربية إلى عدم اتخاذ موقف حازم تجاه إيران في ملفها النووي لغاية اليوم؟ باعتقادي، الإرادة الصلبة النابعة من الإيمان قد تحقق المعجزات، وتقلب الموازين.

 يقول المثل الشعبي: “كن قوياً ليحترمك الناس”، لكن المؤسف أن منطق القوة قد سقط من قاموس بعض الحكام العرب، وربما اختاروا وبمحض إرادتهم منطق الضعف، والأدهى والأمر أنهم يعلمون أن السياسة القائمة على المصالح لا ترحم الضعفاء، ولا تكنّ لهم الاحترام؛ ذلك لأن الضعيف ليست له قيمة في ظل المشاريع السياسية التي يحكمها صراع الإرادات. بتقديري، تشكيل رابطة دول الجوار هو أول الغيث، ولو تحقق لعُدّ ذلك أول تحرك عربي ضد الموقف الغربي، خاصة وان الفكرة جاءت في وقتٍ تسعى فيه الولايات المتحدة والدول الغربية الى عزل إيران وتشديد الحصار عليها. بعض القادة العرب يرون ان أي تقارب بين العرب وجيرانهم، وخاصة إيران وتركيا قد يصب في مصلحة القضية المشتركة.

الفكرة تعتبر إستراتيجية، لأنها نابعة من إدراك حقيقي لمعادلة الصراع في المنطقة. والجميع يدرك أن الرئيس جورج بوش هو أول من دعا إلى تشكيل محور الخير مقابل محور الشر حسب زعمه، وقد استطاع إقناع بعض حكومات المنطقة بالانضمام إلى التحالف ضد إيران بقيادة الولايات المتحدة، لكن محاولاته اصطدمت بالصمود الإيراني من جهة، وتعزيز العلاقة بينها وبين دول الممانعة، والقوى المقاومة من جهة أخرى. في القمة العربية الأخيرة استطاعت الحكومتان المصرية والسعودية تأجيل تشكيل الرابطة المقترحة، من دون أن يستطيعا إلغاءها.

 ومن المفارقات إطلاق تصريح مثير لأحد أقطاب الاعتدال يقول فيه: “إن العرب مجمعون على عدم إجراء أي حوار مع إيران في ظل التوجهات الإيرانية الراهنة”!! يأتي هذا التصريح في الوقت الذي تتوسل فيه دول الاعتدال في إجراء حوار مع الحكومة الصهيونية!! مقترح تشكيل رابطة دول الجوار حظي بدعم العديد من الدول العربية من بينها قطر، وعمان، والعراق، وسوريا، والسودان، والجزائر، ولبنان، وتحفظت عليه بعض دول الاعتدال التي تسعى لمنع أي تقارب بين إيران وجيرانها العرب.

 الذين يسعون لوضع العصا في عجلة التقريب قد يضّيعون فرصة ثمينة على قضية العرب والمسلمين، وهي قضية فلسطين والقدس الشريف، خاصة في هذا الظرف الخطير الذي تمر به القضية الفلسطينية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 3/نيسان/2010 - 17/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م