السياحة البيئية: مستقبل اقتصادي واعد يعتمد الطاقة النظيفة

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: ظهرت في السنوات الأخيرة بوادر سياحة عالمية تختلف عمّا هو تقليدي قائم على أساس الرفاهية والتكنولوجيا الحديثة ووسائل الراحة والتسلية المتطورة، واتخذت معالم هذه السياحة تتسع لكل ما هو مبتكر وجديد يعتمد على الطبيعة في كل شيء ويبتعد عن التلوث وإطلاق غازات الاحتباس الحراري وحرق الطاقة التقليدية.

وتقوم ركائز "السياحة البيئية" على استغلال طاقات الطبيعة من اجل توليد الكهرباء وتوفير باقي متطلبات العيش في مناطق مفتوحة الأفق في الصحارى والجزر والشواطئ البعيدة عن المدن والحداثة، وفي التقرير التالي نتابع آخر ما هو مبتكر وجديد على صعيد ما دُعي مؤخراً بـ السياحة البيئية:

رحلة بقطار عتيق يعمل بالبخار

يمكن لمحبي القطارات العتيقة الراغبين في رحلة من العصر البائد تجربة قطار الركاب الوحيد في اندونيسيا الذي يعمل بالبخار. ويسير القطار الألماني الصنع على قضبان أقيمت قبل أكثر من مئة عام من أمباراوا الى بيدونو في وسط جاوة وهو جزء من مجموعة موجودة في متحف كان في يوم من الايام محطة للسكك الحديدية بنيت عام 1837. وتأخذ الرحلة الركاب مسافة عشرين كيلومترا وتستمر نحو ساعتين مرورا بجبل وبراكين خامدة وحقول أرز وأنهار.

وقال يوسف دياكابابا الذي قطع رحلة القطار البخاري في الاونة الاخيرة "فرصة ركوب قطار قديم بهذا الشكل لا تنسى وأعتقد أنها فريدة من نوعها."

وبخلاف هذا القطار لا يوجد في اندونيسيا كلها قطار اخر يعمل بالبخار سوى واحد ينقل الفحم في سومطرة الغربية. بحسب رويترز.

وأقامت شركة استعمارية هولندية السكك الحديدية لقطار الركاب الذي يرجع لمئة وثلاث سنين لتحسين طرق النقل بين ميناء سيرمارانج وقلب الزراعة في جاوة الوسطى.

وتضع شركة القطارات الحكومية التي تقوم بتشغيل خدمة ركوب القطار البخاري للسائحين سعرا لهذه الخدمة هو 350 دولارا لاستئجار القطار بين مدينتي أمباراوا وبيدونو.

وتسع عربتا القطار ثمانين راكبا ولا تعمل الا تحت الطلب بحد أقصى رحلتين في اليوم لان اصلاح المحرك ووقود القطار يكلفان الكثير. ويمكن للسائحين حجز الرحلات عن طريق وكلاء السفر.

بلدة هندية نائمة تستيقظ لتستقبل السياح

وظلَّ السائح الالماني اوليفر كروبكه يسافر الى الهند في كل عام على مدى الاعوام الثلاثة الماضية.. لكن مقصده لم يكن تاج محل او شواطيء جوا او مومباي بصخبها المعهود.

العطلة المثالية بالنسبة لكروبكه (33 عاما) تكون على شاطيء بلدة جوكارنا الهادئة على بعد نحو 125 كيلومترا من جوا بشواطئها الشهيرة.

قال كروبكه "قد لا يكون هذا أجمل شاطيء في العالم لكن الناس والهدوء هنا ليس لهما مثيل." وأضاف أنه بينما كان في طريقه الى جوكارنا اضطر للمكوث ليوم في جوا وانها لم تعجبه. وفي جوكارنا المطلة على بحر العرب أربعة شواطيء شهيرة هي أوم وهاف مون وبارادايس وكودل.

ويبدو أن هذه الشواطيء غير المعروفة كثيرا على الساحل الغربي للهند تسرق عددا من السائحين من جوا جارتها الاكثر شهرة حيث يتطلع المزيد والمزيد من الاجانب الى حياة غير شبيهة بما يرونه في مدنهم المزدحمة.

وفي ظل مزيج من الروحانية والتسامح تبني جوكارنا شعبيتها بثبات بين السائحين. وفي حين أن للمدينة أهمية دينية عند الهندوس فان الشواطيء تستقطب سائحين من جميع أنحاء العالم.

وعندما تغرب الشمس لا تبدأ النزل البدائية التي تتناثر على الشواطيء في بث الموسيقى الصاخبة.. لكن الناس يجمعون الحطب ليوقدوا نارا يتجمعون حولها ويعزفون على الات المندولين والجيتار على الشواطي المضاءة باضاءة خافتة. بحسب رويترز.

وبالنسبة للسائحين الباحثين عن اقامة تقليدية فان هناك ايضا عددا من الفنادق الصغيرة بعيدا عن الشاطيء. واذا اشتد اغراء المدينة للغاية فبالامكان الذهاب الى جوا لبضعة أيام.

قال لادويك بالتون وهو بولندي يعمل في بناء المنازل وأقام في احد الاكواخ الكثيرة على الشاطيء "جئت الى هنا بعد أن أوصى الكثير من اصدقائي بهذا المكان. الشواطيء في أوروبا اجمل لكن هذا المكان يساعدني على الاسترخاء."

جفاف الأنهار والشلالات يلحق الضرر في لاوس

وأدت المستويات المنخفضة غير المعتادة لمنابع المياه ففي لاوس لتوقف حركة السياحة التى تعتمد على الرحلات البحرية فى نهر ميكونج كما أسفرت عن جفاف العديد من الشلالات.

ووصل منسوب نهر ميكونج الذى يبدأ فى إقليم يونان بجنوب الصين ويمر عبر ميانمار ولاوس و تايلاند وكمبوديا و فيتنام لادنى مستوى له منذ عقود خلال هذا الموسم الحار بعد تراجع مستوى هطول الامطار بصورة غير معتادة لمدة خمسة أشهر.

وذكرت صحيفة فيانتيان تايمز فى عددها الصادر اليوم إن منسوب المياه المنخفض ألقى بظلاله على قطاع السياحة ففي لاوس.

وقال كامبهوى بومافونج مدير إدارة السياحة بإقليم لوانج برابانج في شمال البلاد "نحن نرى العديد من ضفاف الرمال التى لم نرها من قبل".

ونقلت الصحيفة عن فونج القول "لقد توقفت عملية تسيير رحلات بحرية فى نهر ميكونج من لوانج برابانج إلى إقليم بوكيو على بعد 200 كيلو متر فى شمال - شرق البلاد". وأرجع المسئولون تراجع منسوب النهر هذا العام لعمليات التصحر و ندرة هطول الامطار فى شمال لاوس وجنوب الصين.

محمية في المياه الإقليمية المصرية

وفي مصر قالت الحكومة انها تريد أن يكتشف الزائرون ساحلها على البحر المتوسط في محمية بحرية تقام قرب الحدود مع ليبيا.

وقال وزير الدولة لشؤون البيئة ماجد جورج "الهدف هو حماية بعض الانواع ذات الاهتمام الدولي المعرضة لخطر الانقراض... وتشجيع السياحة البيئية بمنطقة المحمية ووضعها على خريطة السياحة البيئية الدولية."

والمحمية التي تبلغ مساحتها 383 كيلومترا مربعا ومعظمها في مياه خليج السلوم هي المحمية الطبيعية الثامنة والعشرين في مصر لكنها الاولى في البحر المتوسط.

وقال جورج في بيان "يعد اعلان هذه المحمية أحد صور التصدي للعديد من المشكلات البيئية مثل تدهور التربة وتعرية السواحل وتغير المناخ والاستخدام الجائر للموارد الطبيعية وفقد التنوع البيولوجي."وأضاف أن المنطقة غنية بالموارد الطبيعية. بحسب رويترز.

وتحتوي المنطقة على أكثر من 160 نوعا من الطيور المهاجرة والمحلية وأكثر من 30 نوعا من الزواحف والبرمائيات وما بين عشرة الاف و12 ألف نوع من الكائنات البحرية.

وقال الوزير ان انشاء المحمية سيشجع البحث العلمي حول التنوع البيولوجي في مصر. وتسهم السياحة بنحو 11 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد وهي مورد مهم للعملات الاجنبية والوظائف للمصريين.

نزل صديق للبيئة في الأردن يوفر السكينة والهدوء

وبعيدا عن صخب العاصمة عمان وفي عمق الصحراء الأردنية نزل بيئي يعتمد على الشموع في الإضاءة وهو الأول من نوعه في المملكة. ويجتذب النزل عشرات السائحين الباحثين عن الراحة والسكينة في بيئته الطبيعية الخلابة.

يقع هذا النزل في منطقة محمية ضانا الطبيعية الصحراوية التي تبعد 250 كيلومترا إلى الجنوب من عمان والتي تعيش فيها مئات الحيوانات البرية تحت حماية خبراء في شؤون البيئة من الجمعية الملكية لحماية الطبيعة. وذكرت إدارة النزل التابعة لمنظمة محلية غير حكومية ان انتهاج سياسة صديقة للبيئة والمجتمع المحلي عنصر رئيسي للمشروع.

وقال نبيل دراوز المدير العام لنزل فينان "فينان النزل البيئي الوحيد بالأردن ومن أوائل الفنادق البيئية في الشرق الأوسط. ما يميزه أنه فندق صغير فيه 26 غرفة ..نحن موجودين بمحمية ضانا ونوظف الناس من المجتمع المحلي.. كل الموظفين من المجتمع المحلي. ومن ناحية البيئة عندنا بصمة الكربون التي لها تأثير بسيط جدا على البيئة." ويستخدم النزل مصادر طبيعية لتوليد الطاقة ولا يسمح فيه باستخدام قوارير مصنوعة من البلاستيك.

وأضاف دراوز "الطاقة الشمسية تستخدم لتوليد الكهرباء التي تستخدم فقط بالحمامات والإدارة والمطبخ. نولد كهرباء عن طريق الطاقة الشمسية ونخزنها في بطاريات ونستعملها في وقت لاحق ليلا. تسخين الماء أيضا بالطاقة الشمسية. في النهاية نحن لسنا مرتبطين على شركة الكهرباء ولا نستخدم أي ديزل لتوليد الكهرباء. من نواحي ثانية أي شيء من المنتوجات نخضعها لإعادة تدوير."

وبعد رحلة تقطعها السيارة في يوم كامل في أرض وعرة يكتشف الزوار الذين يفد معظمهم من دول غربية ان النزل مكان مثالي للاسترخاء في جو شاعري خال من الكهرباء وأي أجهزة عصرية قد تحول انتباههم عن البيئة الرائعة.

وحتى الطعام الذي يقدم للنزلاء كله من الخضر. وذكر حسين العمارين مدير نزل فينان الذي ينتمي إلى قبيلة من البدو تعيش بالقرب من محمية ضانا أن قائمة أصناف الطعام لا تشمل أي لحوم والمشروبات لا تشمل الخمور.

وقال العمارين "النزل كما ترى مضاء على الشموع. والشموع في داخل النزل فيه مصنع للشموع وفيه بنات من المنطقة يقمن على تصنيع الشموع بشكل يومي للاستخدام الخاص للنزل. الأمر الثاني عندنا في النزل قائمة الطعام نباتية.. خضروات.. لا نقدم أي أنواع من اللحوم." ويتعرف نزلاء النزل على عناصر البيئة المحيطة وكرم ضيافة قبائل البدو المحلية.

وقال سائح ألماني يدعى كيفن "النزل مناسب جدا مع البيئة المحيطة هنا. أعجبني عدم استخدام الكهرباء واستبدالها بالشموع."

والنزل المصنف بين أفضل 50 فندقا بيئيا في العالم موقع إضافي للزيارة في الأردن المعروف بمزاراته السياحية مثل البحر الميت ومدينة البتراء التي اختيرت ضمن عجائب الدنيا السبع.

محاميد الغزلان.. واحة مغربية وجنة للسائحين

قبل أقل من 15 عاما كانت محاميد الغزلان -آخر واحة في أقصى جنوب شرق المغرب قبل الصحراء الكبرى- تعتمد أساسا على الزراعة لكن الجفاف اضطر سكانها للبحث عن وسائل أخرى لكسب الرزق.

باع كثير من هؤلاء أراضيهم لشراء ما يلزم لاستقبال السياح الذين يتوافدون على المنطقة بحثا عن السلام والسكينة والهدوء بعيدا عن ضغوط الحياة في المدن الكبيرة بالغرب.

وأصبحت السياحة حاليا تمثل نحو 80 في المئة من النشاط الاقتصادي في محاميد الغزلان التي تملأ تنتشر على جانبي شارعها الرئيسي دكاكين تباع فيها مصنوعات يدوية محلية ووكالات للسفر والسياحة ومتاجر تقدم كل أنواع الخدمات مثل تأجير السيارات وتنظيم رحلات في الصحراء للسياح الأثرياء ورحلات أخرى تناسب السياح ذوي الميزانيات المحدودة. وينتهز السياح الذين يصلون الى ذلك الركن البعيد في المغرب الفرصة لينغمسوا في أسلوب الحياة المحلي. بحسب رويترز.

وتختلف قيمة الوقت في محاميد الغزلان عن قيمته في الغرب فنمط الحياة بطيء والناس لا يعرفون العجلة على الاطلاق. كما أن المال ليس هو الهدف الرئيسي للسكان الذين يكتفون بالدخل الذي يحققونه من السياحة. ويكسب منظم الرحلات الصحراوية 25 ألف درهم مغربي (3000 دولار) في المتوسط خلال موسم السياحة الذي يستمر خمسة أشهر من ديسمبر كانون الاول حنى ابريل نيسان). بينما يحصل المرشد السياحي على ما يصل الى 300 درهم مغربي (36 دولارا) في اليوم.

وقال خبير في الترويج السياحي يدعى عبد الخالق بن عليلة "تطورت السياحة في محاميد الغزلان بفضل تواجد مجموعة من المآثر في مناطق أولاد كريز والقصبات وكذلك المحاميد البالي. وتتميز المحاميد بجمال صحرائها وأنشطتها المتنوعة كقوافل الجمال والخيام والسياحة الصحراوية التي ترتكز عليها المدينة. أصبحت محاميد الغزلان منطقة معروفة ومن النقاط البارزة في المغرب لأن كل سائح جاء الى المغرب وخصوصا الى الصحراء لا بد ان يزور محاميد الغزلان ومراكش والصويرة."

وتتميز السياحة في محاميد الغزلان بأنها مناسلة لكل الدخول. فالأثرياء يقيمون في فنادق فاخرة ويركبون سيارات رباعية الدفع ويستمتعون بكل مزايا الشخصيات المهمة.

ولكن معظم السياح الذين يزورون الواحة يقبلون الإقامة في فنادق صغيرة متواضعة أو في خيام وسط الرمال حيث يمكنهم مد البصر إلى الصحراء الشاسعة نهارا ومراقبة النجوم ليلا. كما يمكنهم الاسترخاء تحت أشجار النخيل أو الخروج في رحلات على ظهور الإبل أو في سيارات رباعية الدفع أو التجول بين الحصون القديمة أو دفن أجسامهم في الرمال أو الاستمتاع بتدليك تقليدي.

وتبحث البريطانية نانسي باترسون التي كانت تعمل في بيع الأعمال الفنية قبل ان تفتح فندقا في محاميد الغزلان عن زوار يقبلون ان يعاملوا كأصدقاء لا كزبائن يدفعون أجرا مقابل الإقامة. وتسعى نانسي لتشجيع زوارها على الاستمتاع بتبادل الحديث والأفكار وسط الطبيعة الخلابة في بالمنطقة.

كما تسعى الى تشجيع الفنانين والعازفين في الخارج على الحضور الى محاميد الغزلان للتعرف على السكان المحليين ومتابعة اهتماماتهم وأنشطتهم وسط سكون الصحراء.

وقالت نانسي باترسون "أريد سياحا يأتون الى هنا ليحضروا شيئا من شخصيتهم وليستكشفوا جزءا من المغرب وخاصة الموسيقى والفن.. الموجود هنا وموجود بكثرة."

وذكر زائر يدعى توفيق يوسفي أقام عدة سنوات في كندا وبلجيكا أنه عثر على السلام الداخلي في محاميد العزلان. وعلى غرار كثير من الزائرين للواحة يمضي يوسفي ساعات طويلة في التأمل والبحث عن الذات.

وقال توفيق يوسفي "انها منطقة تقليدية جدا. وعندما نتحدث عن التقاليد فهذا يعني القيم. وإذا وجدت القيم توجد محبة الإنسانية. هذه إحدى المناطق الشعبية بالمغرب التي ما زالت مباديء الإنسانية موجودة فيها.. الدفء وكرم الضيافة."

وتستقبل محاميد الغزلان سنويا زوارا من أماكن بعيدة مثل ألاسكا وجنوب افريقيا واستراليا ونيوزيلندا وآخرين من اوروبا وكندا والولايات المتحدة. لكن الواحة لا يزورها سياح من العالم العربي ربما لوجود الصحاري في معظم الدول العربية.

ورغم ذلك دعا نور الدين بوكراب مدير مهرجان البدو الرحل في محاميد الغزلان السائحين العرب للحضور إلى الواحة. وقال "طموحنا أكبر وهو ان ننفتح على العالم العربي خاصة والثقافة البدوية لنقتسم اختلافاتنا. وأيضا لنحتفي بما نتشابه فيه."

وكانت محاميد الغزلان في الماضي محطة تتوقف فيها القوافل في طريقها من تمبكتو في مالي وإليها. والآن لا تزال مكانا يلتقي فيه زوار ينتمون لثقافات وديانات مختلفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/نيسان/2010 - 15/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م