دبي.. الضياع بين التحرر المستورَد وواقع التزمُّت واحتمالات التشدد

 

شبكة النبأ: شككَ محللون في صحة ما يتردد عن تغييرات في السياسة الاجتماعية العامة لإمارة دبي المعروفة بانفتاحها وأسلوب حياة سكانها الليبرالي، بعدما كثر الحديث عن رفع منسوب التزمّت في الأماكن العامة، والتشدد حيال الممارسات المتحررة في الملبس والسلوك.

ومن جانب آخر اعتبر صندوق النقد الدولي أن إعادة هيكلة ديون إمارة دبي تعد تحديا كبيرا أمام اقتصاد الإمارات العربية المتحدة، لكنه قال إن احتمالات النمو لثاني أكبر اقتصاد عربي لا تزال مناسبة.

وفي مسعاها للخروج من أزمة الديون الحكومية تقول تقارير إن إمارة دبي تنظر الآن في بيع عدد من أصولها، والتي تشمل مبان ومشاريع ترفيهية، كانت شركات مملوكة للإمارة قد اشترتها السنوات الماضية.

عصر الخليج ولّى

وقال الباحث في مشروع الهجرة الدولية ودراسات الشتات بجامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي بنود خدرية لصحيفة واشنطن بوست الامريكية إن العصر الذهبي للخليج قد ولى، فعلى المدى القصير يعتبر فقد الوظائف شيئا سيئا لأن العائلات تضطر إلى تغيير خططها، ولكن على المدى البعيد، فإن الهند ستتعلم من الدروس.

وأضاف بحسب ما نشر موقع الجزيرة أن على الهند الآن أن تصلح النظام التعليمي وتخلق الوظائف عالية الأجور، لا سيما أن الهنود الذين شيدوا ناطحة سحاب جميلة في دبي، قد يستطيعون بناء واحدة في الهند."الوضع في الهند كان الأشد تأثرا حيث أن عامليها في الخارج كانوا يرسلون أموالا إلى الوطن بشكل يفوق نظراءهم في الدول الأخرى".

وتشير صحيفة واشنطن بوست إلى أن الضغوط المالية على العاملين العائدين تنبثق من ثقافة التحويلات المالية التي تعد طوق النجاة المالي حسب رأي الاقتصاديين.

وهذه التحويلات تراجعت من أميركا اللاتينية وآسيا الوسطى لأن الاقتصادات المتقدمة التي تعتمد عليها تلك الدول شهدت مرحلة من التباطؤ الاقتصادي.

وكان الوضع في الهند هو الأشد تأثرا حيث إن عامليها في الخارج كانوا يرسلون أموالا إلى الوطن بشكل يفوق نظراءهم في الدول الأخرى.

وأشار الرئيس الهندي براتيبا باتيل إلى أن التحويلات المالية للهنود ما وراء البحار تجاوزت العام الماضي خمسين مليار دولار، منها عشرون مليار جاءت من العمال في الخليج.

وتقول صحيفة واشنطن بوست إن الحكومة الهندية أعلنت أخيرا أنها ستساعد العائدين عبر القروض الميسرة، مشيرة إلى أن مصير العمال ليس دائما سيئا، فالعمال المهرة الذين غادروا إلى دبي قبل عقود يقولون إنهم عادوا إلى هند جديدة تحظى بالمزيد من وظائف الياقات البيض.

ديون دبي واقتصاد الإمارات

من جانب آخر اعتبر صندوق النقد الدولي أن إعادة هيكلة ديون إمارة دبي، تعد تحديا كبيرا أمام اقتصاد الإمارات العربية المتحدة، لكنه قال إن احتمالات النمو لثاني أكبر اقتصاد عربي لا تزال مناسبة.

وكانت دبي فاجأت الأسواق في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، عندما قالت إن شركات تملكها الحكومة عاجزة عن السداد، وتريد تأجيل أقساط ديون مستحقة عليها، هي جزء من نحو 80 مليار دولار تنوء تحتها الحكومة، والشركات التابعة لها.

ولا تزال مجموعة "دبي العالمية،" تعمل على إعداد خطة لإعادة هيكلة ديون بقيمة 22 مليار دولار، وسط ترقب في الأسواق وعدم وضوح لنتائج التي ستؤول إليها خطة إعادة الهيكلة.

وقال الصندوق في بيان أن "كثيرا من المسؤولين التنفيذيين امتدحوا السلطات الإماراتية لاستجابتها الحاسمة للصدمات الناجمة عن الأزمة المالية العالمية وانخفاض أسعار النفط وانفجار فقاعة دبي."

وكان الصندوق قال الشهر الماضي انه من المرجح أن تشهد الإمارات نموا لمعدل الناتج المحلي الإجمالي بين صفر وواحد في المائة هذا العام.

وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، إن الخيار الأمثل أمام مجموعة "دبي العالمية" هو بيع المزيد من أصولها للقيام بعملية إعادة جدولة لديونها المتعثرة.

وأفاد تقرير أصدرته موديز إن "دبي انك"، وهو المصطلح الذي تستخدمه للإشارة إلى الشركات العامة المملوكة من حكومة إمارة دبي، "بدأت بعرض بعض أنشطتها العالية الأداء، ولكن غير الأساسية للبيع" لمواجهة مشكلة ديونها. بحسب سي ان ان.

وأضاف التقرير: "من المرجح أن يكون بيع الأصول عملية طويلة، لا سيما إذا كانت الشركات تخطط لتجنب (ما يسمى بـ) "بيوع الذعر وحرق الأسعار".. الشركات الأكثر تعثرا مثل دبي العالمية.. قد لا تجد أمامها خيارا آخر سوى أن تصفي بسرعة بعض أصولها."

وبحسب موديز، فإن للكيانات الأخرى في دبي، والتي يمكن أن تكون ظروفها المالية أفضل وتتعرض لضغوط أقل إلحاحا، فقد يكون أمامها فرصة أكثر للنجاة، إذ أن الشركات عادة تعود إلى أعمالها الأساسية، وتتصرف بالأصول غير الضرورية.

دبي بين التحرر والتشدد..

ومن جهة أخرى شكك محللون في صحة ما يتردد عن "تغييرات" في السياسة الاجتماعية العامة لإمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، المعروفة بانفتاحها وأسلوب حياة سكانها الليبرالي، بعدما كثر الحديث عن رفع منسوب "التزمّت" في الأماكن العامة، والتشدد حيال الممارسات المتحررة في الملبس والسلوك.

ورأى الباحث والأكاديمي الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، في حديث لـCNN بالعربية، إن ما سُجل من حالات اعتقال وترحيل لأجانب جراء تصرفات علنية مثيرة للجدل لا يؤثر على تسامح الإمارة بقدر ما يدفع باتجاه احترام الوافدين إليها لقيم أهلها الذين باتوا أقلية تعيش في بحر من الجنسيات المتنوعة، نافياً صحة الآراء التي تشير إلى تحول دبي إلى مدينة "متشددة" بعد أزمتها الاقتصادية الأخيرة.

ونوه إلى أن الطابع المتسامح للمجتمع الإماراتي كان له دور كبير في عدم انتشار التيارات المتعصبة والمتشددة.

وقال عبدالله: "دبي لم تبدل سياستها المنفتحة، وهي ما تزال معتدلة وليبرالية تجاه كل الشرائح التي تعيش فيها، وهي كانت دائماً كذلك بسبب طبيعة مجتمعها والتطورات التي جرت فيها، وما يحدث بين حين وآخر لا يبدل طبيعتها بأنها المدينة الأكثر تحرراً وانفتاحاً في العالم العربي اليوم."

وأشار عبدالله إلى ضرورة وجود قيم عامة متعارف عليها بين الناس في المجتمعات، مضيفاً أن على الناس "امتلاك معرفة بالقواعد والتقاليد المحلية البالغة الأهمية، والتي تمتاز أصلاً بانفتاحها الذي ساعد على إبقاء الطابع المعتدل للمدينة."

وشدد عبدالله، الذي يدرّس مادة العلوم السياسية في جامعة الإمارات، على أن لدى المواطنين الأصليين في دبي "تقاليد وقيم يحبونها ويرغبون برؤيتها تحترم، وبالتالي هناك ضرورة للاحترام المتبادل بين الشريحتين، المحلية والوافدة، فكما أن الإماراتيين أظهروا تسامحهم ورحابة صدرهم حيال الذين وفدوا إلى أرضهم، كذلك على الآخرين احترام القوانين والقيم الموجودة."

وقلل عبدالله من تأثير القضايا المثارة مؤخراً على السياحة، قائلاً إن زوار الإمارة الذين يتجاوز عددهم ستة ملايين شخص سنوياً "يأتون إلى دبي لأسباب مختلفة ومتنوعة، وأولئك لن يبدلوا مواقفهم بسبب الطلب بضرورة احترام التقاليد."وبحسب الباحث والأكاديمي الإماراتي، فإن ما حصل "لن يهدد النشاط الاقتصادي والسياحي بل ستظل المدينة جاذبة للسياح."

قبلة في دبي: لقاء.. فسجن.. فمحاكمة

دبي مدينة تأوي بين ثناياها عدد كبير من الوافدين من الجنسيات ذوي الثقافات المختلفة وربما المتناقضة، الذين يزيد عددهم على عدد السكان الأصليين بنسبة كبيرة، ويقول البعض إن هناك وافدين من جنسيات لم يسمع بها أبداً إلا في دبي. ورغم هذا التنوع الكبير في الثقافات والعادات والتقاليد، إلا إن هناك تعايشاً غير عادي، يغلب عليها طابع "المسالمة."

على أن هذا لا يلغي وجود فوارق كبيرة أحياناً، كتلك القضية التي ثارت مؤخراً في هذه المدينة الشاطئية الواقعة في منطقة الخليج. والقضية تتعلق بشاب وفتاة بريطانيين يواجهان حكماً بالسجن لمدة شهر بسبب "قبلة في مكان عام."

فقد اعتقل الشاب البريطاني الذي يعمل ويعيش في دبي وفتاة بريطانية سائحة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بتهمة "تبادل القبل ولمس بعضهما بصورة حميمية في مكان عام" ويتناولان الكحول، وهو الأمر الذي ينتهك قانون خدش الحياء العام. لقد أفرج عن الشاب والفتاة بكفالة وتم تحديد موعد للمحاكمة في الرابع من إبريل/نيسان المقبل.

جاء هذا في وقت تشهد دبي زيادة كبيرة في أعداد الوافدين القادمين من دول العالم المختلفة حيث شهدت المدينة في السنوات الأخيرة تطوراً ونمواً ملحوظين، عد من بين الأسرع في العالم، وفقاً لما يقوله ناصر السعيدي، كبير الاقتصاديين في مركز دبي المالي العالمي.

يقول السعيدي: "إذا نظرت إليها (دبي) من تلك الزاوية، ستبدأ بفهم ديناميكيات الاقتصاد وسبب حاجتك لاستقطاب عدد كبير من الناس من مختلف أنحاء العالم."

إن التغير السكاني الكبير في دبي، والإمارات العربية المتحدة بشكل عام، يثير مخاوف بين السكان المحليين من كون هذا التطوير والتحديث قد يهدد هويتهم الدينية والاجتماعية المحافظة.

وقضية الشابين هذه هي ثالث قضية من نوعها يتورط فيها مواطنون بريطانيون خلال عامين.. والوافدون الذين يقيمون في الإمارة يقولون إن السلطات تبدي حساسية متزايدة تجاه مثل "صدام الثقافات" هذا.

الكحول في أطباق المطاعم في دبي

ومن زاوية أخرى قررت بلدية دبي تطبيق قانون لحظر استخدام الكحول في تحضير الطعام بما في ذلك في المطاعم المرخص لها ببيع الكحول, حسبما افادت الصحف والمواقع الاخبارية المحلية.

وبحسب الصحف, اعترض عدد من طهاة المطاعم الاجنبية المهمة في دبي على تطبيق القانون الذي اعتبروا انه يضر بقطاع المطاعم ويحد من عدد الاطباق التي يمكن اعدادها, واشاروا بشكل خاص الى اطباق شهيرة مثل الدجاج بالنبيذ (كوك او فين) وكريب سوزيت وبعض انواع الحلويات والشوكولاتة.

ونقلت صحيفة "خليج تايمز" عن احمد عبدالرحمن علي المسؤول عن الرقابة على الاغذية في بلدية دبي قوله "نريد من المطاعم ان تلتزم بقوانين هذا البلد المسلم وهي قوانين تستند الى الشريعة".

واضاف "سنمنح المطاعم مهلة للامتثال للقانون بحسب وضع كل منها وبحسب التقارير التي يضعها مفتشونا".

واوضح موقع "ارابيان بيزنس" ان البلدية ستمنح المطاعم مهلة شهر للامتثال للقانون.

ولكن مدير إدارة الرقابة الغذائية في بلدية دبي خالد العوضي أوضح أن البلدية لم تصدر أية قرارت بفرض حظر تام على استخدام الكحول في الاطباق التي تقدمها مطاعم الامارة، لكنها اوضحت انها ستفرض ضوابط مشددة حول هذا الموضوع، على ما افادت الصحف المحلية الثلاثاء 23-3-2010

وقال العوضي أن "هناك سوء تفاهم، ليس هناك حظر وانما يجب ان يكون هناك فصل تام للماكولات التي تحتوي الكحول" على ان يتم التعامل معها مثل باقي المواد غير الحلال مثل لحوم الخنزير.

وشدد العوضي على ان يتم ابراز احتواء الطبق للكحول بشكل واضح جدا وباللغتين العربية والانكليزية على قائمة الطعام.

بيع سيرك الشمس و"الملكة إليزابيث" للوفاء بديون دبي

وفي مسعاها للخروج من أزمة الديون الحكومية، تقول تقارير إن إمارة دبي تنظر الآن في بيع عدد من أصولها، والتي تشمل مبان ومشاريع ترفيهية، كانت شركات مملوكة للإمارة قد اشترتها السنوات الماضية.

ومن بين الأصول التي برز اسمها على قائمة الدراسة للتصرف فيها، أشهر سفينة للرحلات البحرية في العالم "الملكة إليزابيث الثانية،" وحصة في سيرك الشمس "سيرك دو سوليه،" الكندي الشهير، وهما من الأصول التي تملكها "استثمار"، التابعة للشركة الأم، "دبي العالمية"، المملوكة للحكومة. ولم يتجاوب متحدث باسم الشركة مع تساؤلات CNN عندما اتصلت به، ورفض التعليق. إلا أن الشركة أبلغت وسائل إعلام محلية إن هناك "عدد من الخيارات تنظر فيها، فيما يتعلق بسفينة الملكة إليزابيث وتحاول الوصول إلى الخيار الأمثل."

وكانت "استثمار" اشترت السفينة عام 2007 بنحو 100 مليون دولار، بهدف تحويلها إلى فندق عائم قرب جزيرة النخلة الاصطناعية، قبالة سواحل الإمارات العربية. أما السيرك، فاشترت الشركة حصة 20 في المائة منه.

وهكذا، وفي حال قررت "استثمار" بيع أي أصول تملكها، فستكون البيوع في مسعى لسداد 22 مليار دولار، وهي قيمة الديون على الشركة الأم "دبي العالمية،" والتي كانت اقترضتها أيام طفرة العقار في البلاد.

وقالت صحيفة "الاتحاد" الحكومية في أبوظبي، بنا جاء فيه أن  "دبي العالمية" تعتزم الطلب من دائنيها خلال الشهر الجاري تجميد ديون بقيمة 22 مليار دولار لحين إنجاز عملية إعادة هيكلة المجموعة، والتي يتوقع أن تستمر 6 أشهر.

ونقلت الصحيفة، عن مصادر لم تسمها، قولها إن "إقدام مجموعة دبي العالمية على هذه الخطوة المهمة خلال الشهر الجاري سيمثل أهم مرحلة انتقالية في مفاوضات المجموعة مع الدائنين، والتي بدأت منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي."لكن متحدثة باسم الشركة نفت في اتصال هاتفي مع CNN التقرير الذي نشرته الصحيفة، وقالت إن "دبي العالمية،" لم تصدر أي بيانات بهذا الخصوص.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/نيسان/2010 - 15/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م