لا أدري لماذا استذكرت كلمات الشاعر الكبير مظفر النواب الذي خاطب
الزعماء العرب يوما ً بمناسبة عقدهم لإحدى القمم العربية بقوله :
قِمم... قِمم...
مِعزى على غنم...
إلى أن يقول:
هذا دم أم ليس دم...!
وبالرغم من كل الدم العربي المسال فإن القمة العربية الأخيرة التي
عقدت في مدينة سرت الليبية لم تكن أحسن حالا ً من سابقاتها. فهي لم
تخرج بشيء ذو قيمة على الرغم من تردي الواقع العربي وازدياده فرقة.
والأغرب من هذا فإنه وعلى الرغم من كل الخلافات العربية التي منعت
العديد من القادة والملوك العرب من حضور هذه القمة إلا أن البعض دعا
إلى أن يكون هناك ما أطلق عليه مشروع (الاتحاد العربي).
هذا الاتحاد الذي هو بالنسبة للمواطن العربي كالحلم الذي يصحو منه
على كابوس الحقيقة المرة بواقع يعاني من التخلف والفقر وقمع الحريات
والتمييز الطبقي والعرقي والديني وغيرها من القيود الفكرية والإنسانية.
بل إن هذا الاتحاد المطروح اعتبر في بداية الأمر كبديل عن الجامعة
العربية المتهمة بالفشل وكأن الجامعة العربية تدور في فلك بعيد عن
الفضاء العربي الممزق أوكأن الجامعة العربية هي المسؤولة عن عدم حل
الخلافات والمآسي العربية. فإذا كان العرب قد فشلوا سابقا ً في تفعيل
التعاون العربي المشترك ضمن إطار الجامعة العربية فكيف ينجح هؤلاء في
مشروع خيالي حالم كالاتحاد العربي.
هل يراد لهذا المشروع أن يكون إنجازا ً وهميا ً جديدا ً يضاف إلى
رصيد الإنجازات الأخرى كالتنديد والشجب والرفض أم أنه بالفعل محاولة
للخروج من هذه الدوامة التي تتسع يوما ً بعد يوم؟
صحيح أن العرب تجمعهم مشتركات عدة كاللغة والجغرافية والتاريخ إلاّ
أن ما يفرقهم أيضا ً عوامل عدة. فالتحالفات والمحاور التي تجتذب دولا ً
باتجاه اليمين وأخرى باتجاه اليسار والصراعات العرقية والقبلية وما
يتهدد بعض الدول من صراعات طائفية أضف إلى ذلك الظروف الاقتصادية
المتباينة كلها عوامل تعيق هذا الاتحاد.
إن الشيء الوحيد الذي اتفق عليه العرب كما يقول كل العرب هو ألا
يتفقوا. ولحل هذه المعضلة فعلى العرب أن يدركوا أن مصيرهم كأمة مرتبط
بطريقة تفكيرهم ونظرتهم للإنسان العربي أولا ً. فكرامة الإنسان هي أهم
عوامل الوحدة وإذا اتفق العرب على احترام الإنسان العربي كمواطن له
كافة الحقوق كغيره وإذا قام المواطن العربي بواجباته تجاه الوطن
والمجتمع الذي يحترمه على أتم وجه يمكننا عندها أن نقول بأننا قد
تجاوزنا نصف الطريق باتجاه أي عمل عربي مشترك.
إن الاتحاد العربي لا يمكن أن يكون واقعا ً معاشا ً من دون أن
تحتضنه قاعدة شعبية متينة وقادرة على مواجهة كل التحديات. وهيهات أن
تجد كل هذا في تفكير المواطن البسيط الذي يحلم في الخروج من وطنه
العربي الكبير وواقعه المأساوي المرير إلى أحضان دول تعامله على الأقل
كإنسان له كيان يفكر بالقراءة والكتابة بعيدا ً عن لقمة الخبز أو أقساط
المدارس وتكاليف الدواء والعلاج.
إن زمن المشاريع التي تنبع من القمم من دون النظر إلى موضع القدم قد
ولىّ، لذا فإنه لن يتحقق أي إنجاز طالما بقي المواطن العربي مغيبا ً عن
الحياة السياسية والفكرية العربية.
فكيف إذا ً ننادي بمشروع الاتحاد العربي ونحن لا يمكننا أن توحد مع
أنفسنا أصلاً والكل يعرف أزمة الواقع العربي المتلخصة في الوديان
الثلاثة. فالسياسيون العرب في واد والمثقفون العرب في واد والمواطن
العادي في أدنى الوديان.
وبنظرة سريعة على نتائج كل القمم العربية السابقة نجد أنها مجرد عرض
سريع للأزياء والرؤساء والأمراء والخطابات الطويلة والمكررة. هذه
الخطابات التي سرعان ما ينام كل من يستمع إليها وهي خير علاج لمن
يعانون من قلة النوم لما فيها من أثر سريع وفعّال في تخدير الإنسان
ونقله إلى عالم من الأحلام بعيدا ً عن ضوضاء الواقع ومنغصّاته. فهل
يستغرب من يتساءل بعد اليوم عن سر السبات العربي الطويل؟
Sadekalrikaby@gmail.com |