المسئولون وكبح الأهواء

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يسعى الإنسان جاهدا لتحقيق النجاح في حياته، ولا يدّخر جهدا في هذا المجال، بل نراه مندفعا بكل ما يملك من قدرات ذهنية وجسمانية لكي يرتقي في هذا المجال او ذاك، بكلمة اخرى إن النجاح هو الدافع الأساس لحركية الانسان ولعل الدافع الاهم في ذلك هو رغبته التي تدفعه دائما وابدا في هذا الاتجاه.

بمعنى أن هوى النفس والرغبة هما من يدفعان الانسان ليس للنجاح فقط في هذا المضمار او ذاك، بل في عموم أهدافه وتحركاته المشروعة او غير المشروعة، لذلك غالبا ما تنطوي الرغبات وهوى النفس على مخاطر شتى ينبغي أن يتنبّه إليها الانسان وهو يسير في حقل (الألغام) ممثلا بالحياة وما تضج به من أهداف قد يكون الكثير منها منصوبا كالفخاخ في مسيرته عموما.

ولا تنحصر الرغبات في مجال محدد، فترى السياسي له اهدافه بالوصول الى السلطة وترى التاجر يحث الخطى لجمع الثروة وتراكم المال وترى الطبيب يبحث عن الشهرة من اجل المال أيضا وترى الانسان عموما باحثا عن الجاه والنفوذ الاجتماعي غالبا، وكل هذه الاهداف على الرغم من مشروعيتها إلا أنها تخضع لهوى النفس وبالتالي قد تكون الاساليب المستخدمة للوصول إليها غير مشروعة مما يدل على تغلب الهوى على ارادة الانسان وبالتالي وضعه وجها لوجه أمام العقاب الربّاني مقابل تحقيقه لاهدافه الدنيوية خلافا للضوابط الدينية او الاعراف الانسانية المتعارف عليها او الاخلاق وما شابه.

 لذا ثمة من يحتاط من الانزلاق في الهوى بسبب خوفه من الله تعالى وثمة من يذهب الى نهي النفس عن هواها ومآربها، وفي هذا الصدد يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (العلم النافع): (إنّ الخوف من مقام الله ونهي النفس عن الهوى وجهان لشيءٍ واحد قوامه الورع والتقوى في الذين آمنوا. فمتى نهى المؤمن نفسه عمّا تهواه يكون قد خاف مقام ربّه، ومتى خاف مقام ربّه فقد نهى النفس عن الهوى. فالعطف هنا شبه تفسيريّ.

ولعلّ الحكمة في ذكر الجانبين في سياق واحد هوظهور أحدهما لبعض الناس أسرع من الآخر، فقسمٌ من المؤمنين يخاف أوّلاً مقام الربّ فينهي نفسه عن هواها وبعضهم بالعكس، ينهى نفسه عن هواها فيخاف مقام ربّه).

وعلى العموم ينبغي على الانسان لاسيما من تعود مسؤولياته بالفائدة او الضرر على جمع من الناس وليس شخصه المعني فحسب، أن يحذر الهوى ورغائب النفس التي قد تسقطه في فخ تفضيل الذات والبحث عن المصلحة الذاتية متناسيا مهامه ازاء الآخرين كما يحدث مع بعض القادة السياسيين الذين يتحولون مع مرور الوقت من الحكمة والانسانية الى البطش والتفرد على حساب الناس, واضعين هوى النفس دليلا لهم وإسلوبا لتحقيق طموحاتهم متناسين مخافة الله تعالى، وهو أمر كثيرا ما يتكرر مع السياسيين في عموم العالم لاسيما في الدول المتخلفة ذات الانظمة المستبدة.

وقد ينطبق هذا الكلام على المسؤول الكبير والصغير معا، فربما يكون أحد مدراء المؤسسات الصغيرة متعاليا خاضعا لهواه فينحرف في ادارته لهذه المؤسسة ويضعها بخدمة اهدافه هو لا غير، لذا فإن تحصين الذات من الهوى يعدّ الكابح الاقوى كي يحفظ الانسان في أي موقع كان من السقوط في مهاوي الزلل والانحراف.

لهذا يعتبر هوى النفس من أخطر أعداء الانسان سواء عرف بذلك أم لم يعرف إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه في هذا الصدد: (إذا كان للإنسان عدوّ خطير، وأراد أن يتجنّب شرّه، فإنّه يحذره في مجلسه، فتراه يجمع كلّ انتباهه، وينظر إليه بعين الحذر وإن كان منشغلاً بالتحدّث إلى غيره أو يقرأ كتاباً، وربّما يتساءل في نفسه عن سبب مجيئه إلى المجلس، أيريد به سوءاً، أم كان مجيئه صدفةً؟ كذلك يحذره أينما يراه، وإذا ما قدّم له طعاماً، فإنّه يتأنّى ويتوجّس، وإذا دعاه إلى مكان، يتثبّت ويوجل، وهكذا. فكذلك ينبغي أن يكون الأمر مع الهوى الذي هو أعدى أعداء الإنسان، بمعنى ضرورة التثبّت منه واليقظة لدى أيّ عمل يقوم به الإنسان أو كلمة يتفوّهها، لئلاّ تكون مشوبة بالهوى).

كما أن الانسان يعرف مسبقا بنواياه ازاء هذا العمل او ذاك، لهذا عليه أن يكون رقيبا دؤوبا لأهوائه ويصحح ما لا يصح منها، لأن الاهمال في هذا المجال سيضاعف مساوئ رغبات الانسان ويجعلها المحرك الاقوى لجميع نشاطاته وتحركاته، ولا يجوز غض الطرف عن الاهداف المبيّتة مسبقا إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(أيّ عمل يعمله الإنسان أو قول يقوله يعلم بنيّة نفسه، ويعلم ما إذا كان قلبه وفكره متوجّهاً إلى الله تعالى، أم متعلّقاً بغرض آخر).

ولهذا ينبغي مراقبة هوى النفس طالما أن الانسان يعرف مسبقا بتوجهاتها واهدافها، فإذا صحت وتواءمت مع المبادئ الدينية والانسانية الصحيحة عليه أن يدعمها ويقويها وإن انحرفت عن هذا المسار عليه أن يكبحها مراعاة لمخافة الله تعالى.

ولعلنا لسنا بحاجة الى التأكيد على الضرورة التي يجب أن يتحلى بها أصحاب المسؤوليات الكبرى ازاء الامم والشعوب والجماعات بل وحتى الافراد ناهيك عن مسؤولية الانسان ازاء نفسه.

فكلما كان الانسان المسؤول الكبير او غيره مراقبا جيدا لأهوائه وعارفا لها ومسيطرا عليها ومتحكما بها وليس العكس، كلما كان أكثر قربا من غيره لتحقيق الرضى الإلهي وبالتالي فوزه الدنيوي والأخروي في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/آذار/2010 - 10/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م