لبنان... جمال ساحر يضيع في دهاليز السياسة

بيروت تفقد بعدها الجمالي وتفتقد موسم الثلوج

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: لبنان أو ما كانت تسمى فرنسا العرب، نسبة إلى ما تتمتع به من جمال ساحر في تضاريسها ومناخها الملفت، الذي كان على الدوام يستقطب أنظار السياح بكافة إشكالهم ابتداءاً من الباحثين على المتعة والترفيه، إلى سياح السياسة الدولية وأصحاب الحقائب الدبلوماسية، يبحث اليوم مواطنيها في قضاياهم الشخصية بعيد عن الرؤى السياسية المعقدة ودهاليزها الضيقة، أملا في كسب بعض الحقوق المعلقة.

تقنين الزواج المدني

من جهة أخرى شاركت نساء لبنانيات ترتدين ملابس العرس البيضاء ورجال يرتدون البزات في حفل زفاف وهمي في الشارع الرئيسي بوسط بيروت لمطالبة السلطات باقرار قانون يسمح بالزواج المدني.

وألقى نشطاء في مجال الحقوق المدنية حبات الارز على "الازواج" الذين كانوا يرقصون على أنغام الأغاني الشعبية وهم في طريقهم الى البرلمان لتقديم التماس للنائب غسان مخيبر لتقنين الزواج المدني.

ونظرا لوجود نحو 18 طائفة دينية في لبنان يخضع البلد لنظام طائفي معقد لتقاسم السلطة تشكل بعد الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990 وأسفرت عن مقتل زهاء 150 ألف شخص.

وتخضع قوانين الأحوال الشخصية مثل تلك المتعلقة بالزواج والارث لسلطة المحاكم الخاصة بكل طائفة. بحسب رويترز.

ويسبب هذا الوضع معضلة لكثير من الشبان والفتيات من الديانات المختلفة الذين يرغبون في الزواج دون التحول الى ديانة شركائهم وهو ما يدفع الكثيرين الى السفر الى قبرص في رحلة بالطائرة تستغرق 30 دقيقة فقط لإجراء مراسم زواج مدني ثم العودة إلى لبنان لتسجيله.

وقد بلغ الأمر حد أن وكالات السفر تروج لقضاء عطلات "صفقة زواج" في قبرص.

وقالت ديانا عساف المتحدثة باسم الاحتفالية "كما ترون فإننا نرتدي بزات وفساتين عرس لمطالبة الحكومة بقانون احوال مدنية جديد ..قانون اختياري." وأضافت "لا نرغب في السفر الى الخارج للزواج بعد الان. هذا حق بسيط جدا." وحمل نشطاء لافتات خلال الاحتفالية كتب عليها "عرس مع وقف التنفيذ".

وأصدر وزير الداخلية زياد بارود مذكرة العام الماضي تمنح المواطنين اللبنانيين الخيار في عدم الإشارة لطائفتهم الدينية من السجلات المدنية.

المتزوجات من أجانب

ظنت سميرة سويدان انها حققت حلم حياتها بعد صدور قرار قضائي أعطاها حق منح جنسيتها اللبنانية الى اولادها، لكن فرحتها لم تكتمل بسبب استئناف الدولة لحكم اختصر معركة تخوضها الاف النساء المتزوجات من أجانب في لبنان.

وتقول سميرة (48 عاما) من منزلها المتواضع في مبنى شعبي في منطقة برج حمود على طرف العاصمة "يوم اتصلت بي محاميتي لتبلغني بان حكما صدر لصالحي، صرت ارتجف وانفجرت باكية. ثم شكرت الله وقبلت الارض التي ولد ويعيش عليها اولادي".

كان ذلك في حزيران/يونيو 2009. وجاء تتويجا لنضال طويل بدأته سميرة العام 2000 في المحاكم للمطالبة بحق اولادها المولودين من اب مصري بالجنسية اللبنانية.

وينص القانون المعمول به حاليا حول الجنسية والصادر العام 1925، اي قبل 18 سنة من استقلال لبنان، على انه "يعد لبنانيا كل شخص مولود من اب لبناني".

وشكل قرار القاضي جون قزي الذي اعطى سميرة حق منح جنسيتها لاولادها، سابقة جريئة، الا انه اثار عاصفة سياسية. واستانفت الدولة ممثلة بهيئة القضايا في وزارة العدل الحكم.

وتقول سميرة ان "قانون بلدنا ظالم لا يرحم المرأة".

وتروي وهي تدخن سيجارتها بعصبية "بعد وفاة زوجي العام 1994، فقدت السند وكل مورد رزق... اضطررت للعمل في التنظيفات لاعيل اولادي الاربعة".

وليحظى اولادها بوضع قانوني، كان على سميرة ان تذهب بانتظام كل ثلاث سنوات عندما كانوا صغار السن وكل سنة بعد ان كبروا، لتجديد اوراق اقامتهم.

وتقول "في احدى المرات، لم يكن لدي المبلغ المطلوب لتسديد بدل الاقامات (مليون و200 الف ليرة لبنانية، ما يعادل 800 دولار اميركي)، وقيل لي انه سيتم ترحيل اولادي الى مصر التي لم تطأها اقدامهم في يوم من الايام".

يومها استدانت سميرة من احد المرابين المبلغ المطلوب حتى لا يسلخ اولادها عنها.

وكثف المجتمع المدني خلال السنة الاخيرة الحملات المطالبة بتطبيق مبدأ المساواة على صعيد الجنسية. بحسب فرانس برس.

ولم يجد مشروع لتعديل القانون اخذ وزير الداخلية زياد بارود على عاتقه طرحه على الحكومة السنة الماضية، طريقه الى جدول اعمال مجلسي الوزراء والنواب في ظل تلاحق الازمات السياسية في البلد.

وتعبر هريبسمه اركانيان (59 عاما) المتزوجة من فلسطيني، عن غضبها من المسؤولين "انا لم اعد انتخب منذ زمن طويل. اذا كان صوتي مهما فليسمعوه. اذا كان صوتي يساوي صوت الرجل، فيجب ان اكون مساوية له في اعطاء الجنسية لولدي".

جورج، نجل هريبسمه، حصل على الجنسية الكندية بسبب ولادته في كندا. وهو متزوج من رومانية، وله طفل. وقد فضل، هربا من تعقيدات معاملات الاقامة، الانتقال للعمل في ابوظبي.

وتروي والدته "خلال زيارتي له اخيرا في الامارات، رن هاتفه النقال، فاذا موسيقاه النشيد الوطني اللبناني... بكيت من شدة التاثر. هو لا يعترف الا بلبنان وطنا، ولبنان يعتبره غريبا".

ويتحجج معارضو تعديل قانون الجنسية، وابرزهم من المسيحيين (30% من السكان)، بالتوازن الديموغرافي والطائفي الهش في لبنان.

ويعللون رفضهم بان عددا كبيرا من النساء المعنيات بهذه المسألة متزوجات من فلسطينيين (سنة بغالبيتهم)، وبالتالي فان اعطاءهن الجنسية لاسرهن سيشكل وجها من اوجه توطين اللاجئين الفلسطينيين.

واكد القاضي قزي في محاضرة القاها اخيرا في نقابة المحامين ان كل ما يقال عن التوطين والتوازن الديموغرافي "كلام سياسي وتغطية على الحقيقة".

واضاف "انهم لا يحاربون التوطين، بل يحاربون المرأة وينظرون اليها على انها قاصر. انها الذكورية الفوقية".

ونجحت المرأة المصرية في 2004 في انتزاع حقها في نقل الجنسية لاسرتها، وكذلك تم تعديل قانون الجنسية في هذا الاتجاه في كل من الجزائر في 2005 والمغرب في 2007.

وتقول الباحثة في علم الاجتماع الدكتورة فهمية شرف الدين ان "مبدأ وضع ضوابط على قانون الجنسية موجود في كل الدول. نقبل بضوابط تشمل النساء والذكور على السواء. اما ان تتضمن تمييزا ضد النساء، فهذا مرفوض".

واجرت شرف الدين دراسة حول الموضوع نشرت في 2008 وتبين نتيجتها ان من بين 300 الف زواج سجل في المحاكم المختصة بين 1995 و2008، هناك حوالى 18 الفا للبنانيات تزوجن من اجانب.

وتوضح شرف الدين ان جنسيات الازواج مختلفة، وغالبيتها عربية واعلى نسبة هي من السوريين والفلسطينيين.

واشارت الى ان اللواتي يتزوجن من اوروبيين او غربيين، وغالبيتهن من المسيحيات، لا يسجلن زواجهن في لبنان، اما لانهن مقيمات في الخارج او لان الدول الغربية اجمالا تمنح النساء الحقوق كاملة.

غير انها تؤكد ان نسب النساء المتزوجات من اجانب تتجانس مع نسب التوزيع الطائفي، "لان الزيجات امتداد للثقافة والمحيط الجغرافي والسكاني".

ويعاني افراد اسر اللبنانيات المتزوجات من اجانب من مشاكل اجتماعية شتى. فهم ممنوعون من العمل في القطاعات المهنية مثل المحاماة والطب والهندسة.

كما يواجهون بحسب شرف الدين "مشاكل عدم الانتماء والاحساس بالغربة وضبابية المستقبل".

ازاء ذاك، تبدو النساء مصممات على المضي قدما في معركتهن.

وتؤكد رولا المصري منسقة حملة "جنسيتي، حق لي ولاسرتي" التي اطلقتها مجموعة الابحاث والتدريب للعمل التنموي (منظمة غير حكومية) العام 2002، ان "العمل مستمر حتى صدور القانون المعدل".

أحلام السجينات

بعيدا داخل سجون لبنان، بدأت النزيلات هناك بالاهتمام بالأزياء وآخر صيحات الموضة، علهن يجدن فيها مستقبلا مشرقا أكثر من ماضيهن المرير.

فهؤلاء النسوة هن جزء من مشروع أطلقته "حقائب سارة"، يركز على دمج نزيلات السجون اللبنانيات في العمل اليدوي، كصناعة الحقائب، والتطريز، والخياطة.

وخلال السنوات العشر الماضية، اتسع نطاق هذا المشروع بشكل ملحوظ، خصوصا بعد الاهتمام العالمي بحقائب سارة، واقتنائها من قبل عدد من أهم نساء العالم كالملكة رانيا، والممثلة الفرنسية كاترين دونوف.

ولدى سارة بيضون، صاحبة المشروع، خطط كثيرة للتطور والتوسع حتى تصل يوما للسوق الأوروبية. بحسب(CNN).

تقول سارة: "لقد بدأنا بعرض منتجاتنا في باريس، وأعتقد أن هذا الأمر جزء من العالمية التي نطمح إليها، فنحن نسعى إلى تجاوز حدود الشرق الأوسط، ودول الخليج."

وبعد رحلة ناجحة إلى باريس في 2009، عرضت خلالها آخر إنتاجاتها، تخطط بيضون للعودة مرة أخرى لجذب المزيد من الزبائن.

غير أن فكرة صناعة هذه الحقائب من قبل نزيلات في السجون اللبنانية لم تلق اهتماما بالغا في فرنسا، على عكس ما حدث في لبنان، وفقا لسارة بيضون.

وتضيف: "أعتقد أن عالم الأزياء لا يهتم بمصدر هذه الحقائب، فكل ما يهتمون به هو المنتج النهائي."

إلا أن ما تطمح إليه سارة هو القصة التي صنعت هذا المنتج، وليس المنتج نفسه، ففكرة هذا المشروع طرأت عندما كانت سارة تحضر لرسالة الماجستير حول النساء في السجون.

ولم يقتصر الأمر على نزيلات السجون فحسب، بل إن بعضهن، ممن أنهين سنوات حكمهن، كن يعدن إلى قراهن لتعليم قريباتهن كيفية الخياطة والتطريز، ليبدأن أيضا مجموعاتهن الخاصة.

ولعل هذه المجموعات هي التي تساعد سارة على زيادة سرعة الإنتاج، وبالتالي سد حاجة السوق في لبنان والعالم العربي.

بيروت تفقد طابعها

تخطى النقاش عن العمران الذي تشهده العاصمة اللبنانية بيروت بعده الجمالي وما اذا كانت الحداثة تتعارض مع الثراث ليطال بعده الاجتماعي.

فبيروت التي كانت وحتى بعيد انتهاء الحرب الاهلية مدينة تحتفظ بأحياء تراثية عدة أخذت معالمها تتغير بالكامل. وعملية العمران التي تجتاح احياءها تبدو وكأنها تقضي ايضا على نسيجها الاجتماعي والتنوع الطائفي الذي امتازت به بعض الاحياء.

وهو ما يشدد عليه نقيب المهندسين السابق عاصم سلام الذي يعتبر من اشد المعترضين على عشوائية العمران القائمة حاليا والتي تؤدي الى فرز ديموغرافي الى جانب كونها تغير هوية العاصمة.

فالتهجير الذي حصل في بيروت نتيجة الانقسام والتشرذم ادى الى هدم التراث الاجتماعي الذي كان قائما والذي يعتبر قيما جدا. كما أن عمليات الهدم القائمة تزيل معها نسيجا اجتماعيا مختلطا كان قد بدا خلال الحرب.

لعبت الحرب اللبنانية دورا اسياسيا في تغيير معالم العاصمة، المعالم الحسية والاجتماعية على وجه الخصوص، لكن تصنيف الابنية الذي جرى في مراحل عدة بعد الحرب من قبل وزارة الثقافة في محاولة للحد من هدم البيوت القديمة كان يتلاشى امام الرغبة في استبدال بيوت القرميد الصغيرة بمبان تجارية عالية.

ويعتبر عاصم سلام ان تحديد الاحياء التراثية لم يرفق بإجراءات تطبيقية عندما تضع البلدية اشارات على بعض المناطق بانها احياء تراثية لا يترافق ذلك مع اجراءات لحماية تلك الابنية والاحياء .

ويوضح قائلا الحي يعتبر تراثيا طالما ان الابنية موجودة ولكن عندما تهدم تلك الابنية يجري محو الطابع التراثي لتلك الاحياء وهذا ما يحصل .

النقاش حول هذا الموضوع ما زال يقتصر على الحلقات الضيقة على الرغم انه بدا يثار في الوسط الثقافي اللبناني من خلال بعض المعارض وحتى المسرحيات، كالمسرحية التي عرضت في بيروت لجو قديح عن هذا الموضوع بالذات.

وقد وجه خلالها الكاتب المسرحي نقدا لاذعا لعمليات الهدم القائمة: شعرت ان المنطقة تتغير بشكل بربري ووحشي وهنالك هجمة غير طبيعية وغير مبررة. كان هذا الشيء منظم لتغيير طبيعة احياء بيروت فيخرج منها سكانها الاصليون ليحتلها الاغنياء من جنسيات مختلفة .

حرب لبنان قضت على قلب بيروت التراثي، لكن مرحلة السلم لم تشهد محافظة على تلك المنازل، واينما تتجول في احياء بيروت تجد وميزتها عن غيرها من المدن اللبنانية والعواصم.

متحف للصابون

من جهتها تسعى اللبنانية كارول عازار للحفاظ على تاريخ وحرفة صناعة الصابون بالطرق التقليدية في لبنان.

وكارول عازار هي مديرة متحف الصابون في مدينة صيدا الساحلية القديمة بشمال لبنان الذي يهدف لتعريف الزوار الاجانب والمواطنين على حد سواء بحرفة موجودة منذ نحو 3000 سنة.

وتشتهر صيدا والعديد من المدن الساحلية في لبنان بانتاج وتصدير الصابون المصنوع بزيت الزيتون.

ويتتبع المتحف تاريخ صناعة الصابون من حلب في سوريا الى نابلس في الاراضي الفلسطينية ويعرض مراحل تطورها المختلفة من عصر الفينيقيين الى عصر الدولة العثمانية.

والمتحف مبنى حجري قديم تملكه أسرة عودة التي كانت معروفة في صيدا بصنع الصابون. ومثل كثير من الحرف اليدوية في لبنان تدخل صناعة الصابون ضمن الاعمال العائلية التي تورث من الاباء الى الابناء. واشتهرت أسرة عودة فيما بعد بتأسيس أول بنك في لبنان.

وقالت كارول عازار التي تتولى ادارة متحف الصابون منذ عام 2002 "الصابون اكتشف من 3000 سنة ودائما بالمنطقة عندنا.. دائما فيه تصدير زيتون وصناعة الصابون الحرفي. أردنا بهذا المتحف ان نجعل هذه الحرف تدوم ونشرح للزائر فوائده وطريقة تصنيعه من مواد طبيعية لا تؤذي الجلد.. بالعكس." بحسب(CNN).

ويقع المتحف في قلب مدينة صيدا بمنطقة السوق القديمة وهي عبارة عن أزقة صغيرة تتجاور فيها متاجر الحلي مع متاجر الجزارة. ويستقبل المتحف الزوار بدون مقابل ويفتح أبوابه كل أيام الاسبوع ما عدا الاحد.

ويتفق قاسم حسون الذي ورث حرفة صناعة الصابون عن ابائه مع كارول عازار في أن صنع الصابون من أعمدة التراث اللبناني.

ويبيع حسون في متجره العديد من أنواع الصابون المختلقة منها ما يستخدم في مقاومة التجاعيد أو كمنشط جنسي للمتزوجين حديثا. ويعتمد حسون وزوجته وابنتاه وزوجا ابنتيه على هذه الحرفة كمصدر وحيد للدخل رغم المنافسة من المصانع الكبرى وارتفاع أسعار المواد الخام مثل العسل وزيت الزيتون. ويملك حسون متجرا اخر في مصيف صوفر الذي يرتاده الزوار الخليجيون.

لكنه ذكر أن السياح ليسوا وحدهم الذين يشترون منتجاته. وقال "يوجد لبنانيون أكثر من السواح... لانه عندنا نحن صابون تراثي.. نحن تراث لبناني.. حرفة فنية لبنانية." وتشتهر طرابلس في شمال لبنان أيضا بصناعة الصابون.

انتظار موسم الثلج

في إطلالة على صعيد السياحة في لبنان ينتظر هواة التزلج بفارغ الصبر موسم ثلوج تأخر لتحل محله ايام ربيعية دافئة نسبيا ليست استثناء في هذا البلد المتوسطي، الا انها تقلق اصحاب الفنادق ومدارس التزلج والمؤسسات التجارية.

ويؤكد وليد كنعان، المدير العام لفندق مزار انتركونتينتال الفخم في منطقة فاريا (55 كيلومترا عن بيروت)، ان "تاخر الثلج ينعكس سلبا على حركة الفندق"، مشيرا الى الغاء حجوزات خلال كانون الثاني/يناير.

ويشهد الفندق الواقع قرب حلبة التزلج زيادة في الطلب في مثل هذا الوقت من السنة عادة. ويقول كنعان "عمد بعض الزبائن الى تأخير حجوزاتهم (..) نتفهم خيبة املهم ونتساهل في مسالة تحميلهم رسوم الالغاء والمغادرة المبكرة".

كما تحاول ادارة "مزار" ان تقدم بدائل للنزلاء تتمثل في "انواع اخرى من الرياضة داخل الفندق وتنظيم رحلات +ايه تي في+ (الدراجات الرباعية الدفع) وتوسيع المساحة المخصصة لالعاب الاطفال".

ويأمل كنعان ببدء الموسم قريبا لتعويض ما فات حتى الآن خلال شهري شباط/فبراير وآذار/مارس اللذين يشهدان اعيادا "في قبرص ودبي والكويت" كما يقول. ويوضح ان مواطنين وعائلات لبنانية يأتون من هذه الدول الى لبنان خلال فترة العطل لممارسة هوايتهم الشتوية المفضلة.

ويؤكد صاحب مؤسسة تجارية للبيع بالجملة تستورد ملابس رياضية ان خسائر المحلات التجارية المعنية بتجهيزات التزلج في منطقة فاريا وحدها تقدر حتى الآن، "بحوالى عشرين مليون دولار"، مشيرا الى ان خسائره هو تبلغ عشرات الاف الدولارات.

ويضيف التاجر الكبير رافضا الافصاح عن هويته "ان خبرة ثلاثين سنة في هذا المجال علمتنا ان 40% من الموسم يقع بين 20 كانون الاول/ديسمبر والخامس من كانون الثاني/يناير، وبالتالي فقد ضرب حتى الآن اكثر من اربعين في المئة من الموسم".

ويقصد لبنان في مثل هذا الوقت من السنة الذي يترافق مع عطل الميلاد وراس السنة والاضحى الكثير من السياح واللبنانيين المقيمين في الخارج.

ويشير التاجر الى ان له مبالغ طائلة في ذمة تجار وانه يصلي من اجل ان ياتي الثلج "ليتمكن التجار من البيع ولاحصل مالي".

ويقول رئيس مصلحة الارصاد الجوية في مطار بيروت مارك وهيبه لوكالة فرانس برس "الملاحظ خلال السنوات الاخيرة ان هناك تأخيرا في موسم الامطار، كما ان الحرارة بشكل عام مرتفعة عن المعتاد، اي ان ظاهرة الامطار والبرد التي كانت تبدأ في الماضي في تشرين الاول/اكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر باتت تتأخر الى كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير".

ويضيف "تشير احصاءات السنوات الثلاثين الاخيرة الى ان لبنان شهد سنوات مثل التي نشهدها اليوم. في 1971 مثلا، بلغت الحرارة في الثامن من كانون الثاني/يناير 28 درجة مئوية، وفي 1966 سجل 27 درجة في مثل هذا الشهر، وفي 2001، وصلت الحرارة الى اكثر من 31 درجة في بيروت".

ويشير الى عدم وجود دراسات علمية دقيقة عن الثلوج في لبنان، "الا ان الذاكرة الجماعية تحفظ ان تراكم الثلوج على ارتفاع امتار كان يدوم وقتا طويلا في الماضي، الامر الذي لم نشهده خلال العقود الاخيرة".

وتخلو طريق فاريا عيون السيمان الجبلية شمال شرق بيروت من الزحمة التي تشهدها اجمالا خلال موسم التزلج. وتشاعد على المرتفعات، بقع ثلج متفرقة بينما حلبتا التزلج فارغتان الا من بضعة سياح سوريين وعراقيين جاؤوا "بحثا عن ثلج لبنان الابيض ولم نجد شيئا"، كما يقول احدهم. لكنهم يسعدون كثيرا في استئجار دراجات "ايه تي في" والسير بها باقصى سرعة على المنحدرات الترابية.

وللمفارقة بدت ساحة فاريا عيون السيمان التي تضيق عادة بالسيارات وهواة التزلج فارغة الا من باعة متجولين يبيعون الفستق والذرة والكستناء المشوية، تحت مظلات ملونة تقيهم حرارة الشمس الحارقة.

ومن ابرز محطات التزلج في لبنان بالاضافة الى فاريا حيث يتراوح ارتفاع المنطقة بين 1800 و2500 متر، محطة الارز (على ارتفاع 2000 الى 3000 متر)، واللقلوق (1650-1920 مترا)، والزعرور (1700- 2000 متر).

ويقول شربل سلامة (22 عاما) الذي بدأ يعمل مدربا في حلبات التزلج منذ سنتين انه ينتظر "الموسم بفارغ الصبر. فانا اتكل على هذا الموسم لاسباب مادية وكذلك لامارس رياضتي المفضلة". ويعمل شربل سلامه مع شركة متخصصة ويتقاضى مئة دولار اميركي في الساعة.

واشار الى ان عددا من الاجانب يحجزون على الانترنت اوقاتا للتدرب مع الشركة ويأتون الى لبنان خصيصا لممارسة هوايتهم، "لكن هذه السنة لم يأتوا بعد". ويعبر الخبراء عن خشيتهم، في حال كان موسم الثلوج قصيرا هذه السنة، من ان ينعكس الامر على تخزين المياه الجوفية.

ويقول الخبير المائي نديم فرج الله، الاستاذ في الجامعة الاميركية في بيروت، ان "المياه السطحية التي يتم تخزينها في السدود والخزانات والتي يحتاج اليها لبنان قد تتأمن من الامطار" التي سجلت معدلا اعلى من المتوسط حتى الآن. الا ان "تاخر الثلج قد يؤثر سلبا على الموسم الزراعي في الصيف، اذ قد يؤدي الى انخفاض معدل تخزين المياه الجوفية التي تستخدم للري".

وردا على سؤال عما اذا كان تأخر الثلوج مرتبط بالتغير المناخي، قال فرج الله "التغير المناخي يحصل تدريجيا وليس ملموسا بشكل قاطع في لبنان حتى الآن".

الا انه اشار الى دراسة اجريت في الجامعة اثبتت انه "على مدى 125 سنة، تبين ان الحد الاعلى للحرارة لم يتغير في لبنان، بينما الحد الادنى ارتفع 2,9 درجة".

واوضح ان قسما من هذا الارتفاع مرده الى "تغير المحيط" في المنطقة التي يتم فيها رصد درجات الحرارة، و"القسم الباقي سببه التغير المناخي". واضاف ان "ارتفاع الحرارة سيحول مع مرور الزمن دون بقاء الثلوج لمدة طويلة".

في انتظار ذلك، لا يزال المعنيون يراهنون على الموسم الحالي. ويؤكد وهيبه ان "الوقت باكر للحكم على موسم الامطار والثلوج وعلى الندب والبكاء، لا زلنا في بداية موسم الشتاء".

الفكاهة تنقلب نقاشا

من جانب آخر انقلبت الفكاهة نقاشا محتدما في تناول اداب البرامج التلفزيونية وضوابطها وتدخل فيه بعض رجال الدين مطالبين بإنقاذ الإعلام "من الفحش".

وقد عملت محطات التلفزيون المحلية على الاستفادة من ضجر المشاهد اللبناني بالسياسة وميله الى الهرب منها الى المرح واجتذبت ببرامجها الفكاهية نسبة مشاهدة عالية. وهذا ما حققه برنامج (لول) الذي تبثه قناة (او تي في) التابعة للزعيم المسيحي ميشال عون.

و"لول" تعبير راج بين الشباب في دردشتهم على مواقع الانترنت ويختصر ما معناه في اللغة الانكليزية "اضحك ملء شدقيك".

وبدأ بث هذا البرنامج في الصيف الماضي وهو عبارة عن دائرة داخل الاستديو يديرها رجل وامرأة يطلقان النكات والطرائف ويتناوبان على استضافة فنانين ووجوها لبنانية تتمتع بروح الفكاهة.

غير ان هذا البرنامج تعرض لهجوم بعض رجال الدين وحفز هيئات الرقابة على الاعلام في لبنان على العمل فاجتمع المجلس الوطني للاعلام بحضور ممثلي وسائل الاعلام اللبنانية.

وبدأت موجة الاصوات المعترضة مع بيان لمفتي جبل لبنان السني محمد علي الجوزو الذي طالب "بضبط الاعلام وانقاذه من الفحش"، وتواصلت مع بيان اصدره مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني طالب فيه السلطات اللبنانية باتخاذ "اجراءات عملية وسريعة لوضع حد لبرامج الفكاهات البذيئة التي تخدش مشاعر الناس وحياءهم".

كما تقدم مواطن يدعى فادي انطوان الشاماتي ببلاغ الى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان ضد البرنامج استنادا الى ما ورد في الحلقة التي بثت ليلة رأس السنة واعتبر ان "هذا البرنامج يشكل تعرضا سافرا للاخلاق والاداب ويضرب بالصميم القيم الاخلاقية التي تربى عليها اولادنا ويهدد بصورة مباشرة التضامن الاسري لعائلاتنا".

وقال هادي محفوظ رئيس المجلس الوطني للاعلام "لا شك ان هذا البرنامج -وقد يكون الامر ليس عن سوء نية- اساء في بعض جوانبه الى الذوق العام والى الآداب العامة و/لجأ/ الى المبالغة في تمثيل حركات جسدية تصاحب النكتة."

لكن شادي حنا مخرج البرنامج الذي استحوذ على أعلى نسبة مشاهدة حسب إحصاءات مركز (ستات ابسوس) الذي يعني باستطلاعات الرأي قال للصحفيين "هناك من يصعب عليهم التخلي عن السجن الذي وضعوا أنفسهم فيه. لكن لا يحق لهم فرض الامر على الاخرين. هناك من يتعامل مع الضحك والفرح مثل الخطيئة." بحسب رويترز.

وقالت الطالبة دارين الخليل "انها نكات يمكن ان نسمعها في اي مكان فهي ليست من المحرمات. من يحاول منع هذا البرنامج يريد ان يتدخل في الذوق العام ويحدد لنا ماذا يمكن ان نشاهد وماذا يمكن ان نمتنع عن مشاهدته.. هذا بكل بساطة كبت للحريات العامة."

وتساءل جورج شماس الذي يعمل في مصرف "لماذا تدخل رجال الدين في كل شاردة وواردة في حياتنا. انهم يحصون علينا أنفاسنا. ولماذا لا يعرفون ان هناك اختراعا اسمه ريموت كونترول" في اشارة الى أنه يمكن للمعترض على البرنامج الامتناع عن مشاهدته دون المطالبة بمنعه للاخرين.

واستحوذ البرنامج كذلك على اهتمام الكتاب والصحافيين في الصحف اليومية اللبنانية. فكتب بيار ابي صعب في جريدة الاخبار "ايها السادة حماة الفضيلة... لقد أخذتم كل شيء حتى المستقبل في هذا الوطن... على الأقل اتركوا لنا الضحك."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/آذار/2010 - 8/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م