رؤية فكرية لمعالجة أزمات العالم الراهن

قراءة في كتاب: إلى العالم

 

 

 

 

الكتاب: إلى العالم

الكاتب: المرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)

الناشر: مؤسسة المجتبى/كربلاء، بالتعاون مع مؤسسة الوعي الاسلامي/بيروت

عدد الصفحات: 136 صفحة من القطع الكبير، الطبعة الاولى 2010

عرض: شبكة النبأ

 

 

 

 

شبكة النبأ: في ظل الحضارة الراهنة يعاني العالم أزمات متتالية توزعت على المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها، ومع التطور الملحوظ في العلم وفي الاختراعات والانجازات العلمية التي تتواتر على نحو يومي في مجالات عدم ( البحث في مجاهيل الفضاء، وقطاع الطب، وتحسين حياة الانسان) مع هذا كله لا تزال الازمات تعصف بالعالم الحديث بين حين وآخر، نظرا لقصر الرؤية الفكرية لطبيعة الانسان وما ينبغي أن تكون عليه أنشطته على مستوى الفكر والعمل وضعف او إمّحاء الضوابط التي تحكم النشاط الانساني.

لهذا لا يزال العالم يتخبط في مساراته وتعاملاته مع الواقع الدنيوي طالما أنه لا يحتكم الى االرؤية السليمة التي تقوم على الموازنة بين الحياتين الاولى والآخرة وكيفية تحرك الانسان في أنشطته العملية والفكرية على ضوء الهاجس الفطري الذي يحتكم الى الخير قبل غيره.

ولذا يطرح المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في كتابه القيّم الذي حمل عنوان (الى العالم) رؤى وأفكار مستمدة من الواقع البشري الذي أفرز العديد من الازمات الكبرى التي كانت ولا زالت تهدد حياة الانسان في ظل الحضارة المادية التي ابتعدت كثيرا عن فطرة الانسان ووجدانه ورؤيته القائمة على تفضيل الخير في كل الاحوال مما يؤدي الى خلق حياة تناسب تطلعات الانسان.

وينطوي هذا الكتاب (التي تقدم شبكة النبأ المعلوماتية قراءة شاملة له في هذا العرض) على معالجات مهمة توزعت عبر العديد من الفصول وبدأ بطرح الازدواجية وخطورتها بين المناهج المتضاربة في مساراتها وتوجهاتها، وأنحى المؤلف (رحمه الله) باللوم على اولئك الحكام الذين قدموا صورة مسيئة لمنهج الاسلام ورؤيته حين دخل المعتصم (العمورية) وكانت اجمل مدينة وأكثرها نفوسا، ثم خرج منها ولم يخلّف إلا أربعين شخصا وأطلالا وخرائب.

وتناول الكتاب أهمية النظر الى الهدف بصورة مباشرة وتكثيف الطاقات كلها  لتحقيقه بأقصى ما يمكن من الدقة والسرعة ويقول الامام الشيرازي بهذا الصدد:

(إن الهدف يحتاج الى جمع جميع الطاقات لا تشتتها) ويؤكد الامام على أهمية الذكاء والحكمة والتعقل في هذا الجانب فيقول (لا يخفى أن التخلص من الامور الجزئية او الوقتية، الى الامور الكلية والهدفية، بحاجة الى تعقل كاف ونفس كبيرة قادرة على تجاوز الجانبيات).

ويطرح الامام الشيرازي رؤيته بشأن مبدا اللاعنف ويراه ضروريا لانقاذ المسلمين وغيرهم ممن يشترك في ملء المعمورة واشغالها، ويؤكد على وجوب انقاذ المسلمين من الاستعمار، وعلى اهمية انقاذ الغرب نفسه من مأزقه ودفعه الى صحة العقيدة والعمل والاخلاق. كما ان الامام يؤكد على الاستخدام الادنى للعقوبة، ونقرأ في هذا الكتاب بهذا الشأن: (الكل يعلم أن السجن في بعض البلاد أقساطي، او ما يشبه ذلك).

بمعنى يحق للسجين اختيار مكان سجنه حتى لو كان داره نفسه اذا لم يتسبب ذلك بأعباء إضافية على الدولة، وهو أمر يتواءم مع ما يهدف إليه السلوك البشري المتحضر، ثم يرد التأكيد المتواتر على ضرورة الاستفادة من جميع الطاقات، حيث يؤكد الامام الشيرازي على ان من يريد انقاذ المسلمين سيكون (بحاجة الى كل ذرةٍ ذرة ، وقطرةٍ قطرة، وفردٍ فرد، لكي لا يفرط العاملون في هذا الحقل بأية طاقة وأي شخص)، ولا يخفى علينا أن تعاضد القدرات الشبابية مع الخبرات المتراكمة للشيوخ تسهم الى حد كبير في تحقيق الاهداف المبتغاة وهو امر اشار اليه الامام الشيرازي واكد على ان الاعمال تحتاج الى الشباب والشيوخ معا وكل منهما يعمل في اطار قدرته العملية والخبروية على نحو متعاون للوصول الى الهدف المطلوب.

ولعلنا نتفق على أن هدف المصلحين والمفكرين والعاملين يهدفون في الغالب الى تغيير واقع الحياة، وهنا يؤكد الامام الشيرازي على  أن (كل الحركات التي رأيتها في النصف الاول من هذا القرن/العشرين/ وسمعت بها او قرأت عنها، كان يعوزها إما عدم التأهل للاستمرارية وإما عدم تغيير واقع الحضارة الى الحضارة الاسلامية، ولذا اخترقها الغرب).

ويرى الامام الشيرازي أهمية أن ينشط المسلمون في عموم العالم لانقاذ الجميع مسلمين وغيرهم وأن لا ينحصر العمل على البلدان الاسلامية او أماكن تواجد المسلمين بل على المسلمين أن ينطلقوا للعمل في العالم أجمع ويركّز الامام على ضرورة التفرّغ للجهات المعنية بتحقيق هذه الاهداف وعدم إشغالها في امور جانبية، وذلك من اجل خدمة الناس التي تعتبر من (أهم مقومات الحركة العالمية) ويؤكد الامام في رؤيته على ضرورة الأخذ بمبدأ المهم ثم الأهم، وأهمية الاستفادة من الوسائل الحديثة (الألكترونية والاعلامية) التي تعتبر من اهم العوامل المساعدة لتحقيق اهداف الحركة العالمية.

ويرى الامام الشيرازي ضرورة الشعار للحركة ويعطي ذلك أهمية واضحة كما يحدد هذا الشعار بالآية الكريمة التي تقول (عفا الله عمّا سلف)"1".

ويؤكد على ضرورة التوجيه نحو الهدف بكل الوسائل المتاحة، وتحمل الآلام الناتجة عن طبيعة الصراع المتمثل بالقول المعادي وتحطيم العمل، وهذا ما يسمى بالصبر الجميل، لكن في كل الاحوال يجب إيقاف المعتدين في العالم الاسلامي خاصة وفي العالم الثالث عامة، وفي البلاد الديموقراطية بصورة أعمّ.

ومن الاهمية بمكان معالجة النقص وعدم البوح به للاعداء او التشكي منه مما يخلق الاحباط لدى الاصدقاء ويفرح الاعداء من جانب آخر وهنا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه (الى العالم): (على الحركة الانقاذية أن تهتم لعلاج النقص لا أن تذكره، إن الانسان غالبا هو الذي يكشف عن سوءاتهم ما يدل العدو على مواضع الضعف ومكامن النقص).

ويؤكد الامام الشيرازي على أن (الحركة العالمية تحتاج الى محاولات علمية ودقة في السلوك حتى تصل الى الحل).كذلك ثمة دور لسعة الصدر والرجاء والطمأنينة للانسان بأنه يسير في الاتجاه الصحيح وأن طاقاته توظَّف بالطريقة السليمة.

ومن الأساليب المطلوبة أيضا التشجيع وتحويل الضار الى نافع والتغيير العام نحو الأفضل بالاضرابات والمظاهرات السلمية مثلا وهو امر ميسور وممكن، ومطلوب استياء الناس ضد الدكتاتورية أيا كان عنوانها او توجهاتها، كما يلزم على الحركة الاصلاحية العالمية ان تتحلى بعمق النظر ووضوح الرؤية وبعد المدى وتحشيد الكفاءات الدينية والدنيوية بالاتجاه الصحيح، واعتماد الادارة الجيدة والتخطيط الصحيح، ورصد الانتقادات ، وتوحيد الكلمة وجمعها في اتجاه واحد، ونبذ الرؤى الضيقة، واعتماد التربية الصحيحة، وتغذية العقل والاهتمام بها كما هو الحال مع تغذية الجسد والاهتمام به.

وهكذا نلاحظ أن هذا الكتاب قدم رؤية وافية لامكانية قيام حركة اصلاحية تتوافر على الشروط المطلوبة من اجل تغيير العالم لما هو أفضل ومحاولة انقاذه من ازماته التي تكاد تتكرر وتتعاظم مع مرور الزمن.     

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/آذار/2010 - 8/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م