عسكر طيبة: من العنف المحلي إلى الإرهاب العالمي

 

شبكة النبأ: في شهادته أمام لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ الأمريكي في 2 شباط/فبراير، سلّط مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية دينيس بلير الضوء على الخطر المتزايد الذي تشكله الجماعة الباكستانية المتشددة المسماة بـ«عسكر طيبة».

وأكد أنها أصبحت أكثر من تهديد مباشر وتضع في رؤيتها ضرب أهداف غربية في أوروبا"، ولقّب المجموعة كـ "حالة خاصة". وأعرب أيضاً عن قلقه من أنها قد "تعمل بنشاط على اعتماد" جدول أعمال أكثر عداءاً للغرب. ونظراً لقدراتها العالمية على جمع الأموال، ومنح الخدمات اللوجستية، والدعم، والقيام بالعمليات، يمكن أن تشكل جماعة «عسكر طيبة» تهديداً خطيراً لمصالح الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن إضعافها ينبغي أن يكون أولوية عالية بالنسبة لواشنطن.

وكتبَ الباحث في معهد كارنيغي للسلام ومؤلف الكتاب الذي سيصدر قريباً "اقتحام المسرح العالمي.. قصة جماعة «عسكر طيبة»" ستيفن تانكل مقالاً قال فيه:

يميل كثير من المراقبين إلى الإعتقاد بأن جماعة «عسكر طيبة» كانت قد بدأت بجدول أعمال ضيق التفكير. وفي الواقع، برزت «الجماعة» من الجهاد الأفغاني ضد السوفيات باعتمادها أجندة إسلامية جهادية. وقد دخل بعض المتشددين التابعين لها إلى "مسرح" كشمير، في حين شارك آخرون في الحرب الأهلية الطاجيكية وفي صراع البوسنة والهرسك. وفي الواقع، فإن الشيخ أبو عبد العزيز -- الذي ترأس النشاطات المتعلقة بالشؤون الخارجية لجماعة «عسكر طيبة» خلال معظم سنوات التسعينات من القرن الماضي وكان الواجهة الرئيسية في العلاقات مع تنظيم «القاعدة» -- كان قد لعب دوراً مركزياً في إقناع العلماء السلفيين بتصنيف الحرب البوسنية كفريضة جهادية.

ويضيف الكاتب، على الرغم من أن جماعة «عسكر طيبة» قد حددت عملياتها العسكرية بتركيزها على الشطر الهندي من كشمير في الفترة من منتصف إلى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، إلا أنها استمرت في تطوير شبكة دعم دولية شملت العديد من دول الخليج العربي والدول الغربية. وعلى الأغلب، استخدمت «الجماعة» هذه الشبكة لتهديد الهند، التي لا تزال عدوها الرئيسي. ولكن نشطاء هذه «الجماعة» الذين يعملون عبر الحدود الوطنية كانوا قد هددوا الغرب أيضاً، وقد ازداد هذا التهديد حدة في السنوات الأخيرة.

ويوضح الكاتب، منذ إنشائها أقامت جماعة «عسكر طيبة» علاقات قوية مع تنظيم «القاعدة». وقد كان عبد الله عزام، المرشد الروحي لأسامة بن لادن ومؤسس مشترك لـ «مكتب الخدمات»، أحد مؤسسي «الجماعة» في «مركز الدعوة والإرشاد» التي هي المنظمة الأم (والتي سميت لاحقاً جمعية «الدعوة»). وعلى الرغم من أنه كان لجماعة «عسكر طيبة» معسكراتها الخاصة في أفغانستان خلال التسعينات من القرن الماضي، إلا أن بعض كوادرها كان قد شارك أيضاً في التدريب في معسكرات تنظيم «القاعدة». وفي أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وجد عدد من عناصر تنظيم «القاعدة» مأوى في البيوت الآمنة لجماعة «عسكر طيبة». وازداد التعاون بين المجموعتين بعد أن دخلت جماعة «عسكر طيبة» "المسرح" الأفغاني حوالي عام 2006. واليوم، تتعاون المجموعتان في التدريب والتجنيد للجهاد الأفغاني ضد قوات التحالف وتقومان بتجهيز المقاتلين وتسهيل تسللهم عبر "خط دوراند" الفاصل بين باكستان وأفغانستان.

الأنشطة في الخليج العربي

ويبين الكاتب، تستخدم جماعة «عسكر طيبة» دول الخليج العربي ("الخليج") لجمع التبرعات منذ أيام الجهاد الأفغاني ضد السوفيات، وتستمر هذه الأيام في الحصول على الأموال من المنطقة. فبالإضافة إلى المتبرعين السلفيين، الذين يشكلون أكبر قاعدة من الجهات المانحة لجماعة «عسكر طيبة» في المنطقة، يستمر الكشميريون في الشتات الذين يعملون في منطقة الخليج بالتبرع بمبالغ كبيرة من المال كما هو معروف عنهم تاريخياً. ويأتي الكثير من هذه الأموال من مصادر "خيرية" مختلفة كانت «الجماعة» قد رعتها خلال فترة دامت أكثر من عقدين من وجودها. وبحلول نهاية التسعينيات من القرن الماضي، أصبحت قاعدة «الجماعة» من الجهات المانحة قوية جداً واستمرت في النمو منذ ذلك الحين. وفي عام 2003، بدأ رئيس القسم المالي لجماعة «عسكر طيبة» بالعمل مع قادة «الجماعة» في فرع السعودية على "توسيع تنظيمها وزيادة أنشطتها لجمع الأموال"، حسب وزارة الخزانة الأمريكية.

ويتابع الكاتب، تستخدم جماعة «عسكر طيبة» دول "الخليج" أيضاً كمحور للقيام بالأعمال اللوجستية والتجنيد، وفي المقام الأول من أجل أعمالها الجهادية ضد الهند. وتمثل دول "الخليج" أماكن مناسبة لقادة ونشطاء جماعة «عسكر طيبة» للإلتقاء بينهم، وكنقاط عبور مفيدة للإتجار بجميع أنواع الموارد [المتعلقة بعملياتهم] إلى الهند. وتركز جهود عمليات التجنيد على المسلمين الهنود الذين يعملون في المنطقة، والذين يُستهدفون للأسباب ذاتها التي يُستهدف من أجلها المسلمون الذين يعيشون في الهند ألا وهي: المساعدة في تنفيذ هجمات إرهابية ضد وطنهم. وتنطوي عملية التجنيد على العلاقات الشخصية، التي كثيراً ما تُرسّخ في المساجد أو المراكز الروحية الأخرى حيث يقوم النشطاء باكتشاف وتلقين أعضاء جدد، وجعلهم متطرفين. وأحياناً يتم الإتصال الأولي مع المجندين في الهند ومن ثم تتم متابعة ذلك في منطقة الخليج. ويتم إرسال بعض الأعضاء الجدد إلى باكستان للتدريب، ثم يعودون إلى الهند للإنضمام إلى خلايا سرية. ويصبح آخرون جزءاً من شبكات الدعم لجماعة «عسكر طيبة» في منطقة الخليج، وبنغلاديش، ونيبال، حيث يقومون بتسهيل عبور الناس، والأموال، واللوازم.

ويوضح الكاتب، على سبيل المثال قبل إلقاء القبض على علي عبد العزيز الهوتي وإدانته في العام الماضي، كان هذا القيادي واحداً من كبار نشطاء جماعة «عسكر طيبة» في "الخليج" والواجهة الرئيسية للإتصالات مع «المجاهدين» الهنود، وهي شبكة إرهابية من السكان الأصليين في الهند. فقد قام بنقل الأموال والأسلحة إلى الهند، وساعد على إرسال العشرات من المجندين إلى باكستان من قاعدة عملياته في مسقط، عاصمة سلطنة عمان. كما كان فهيم الأنصاري -- أحد الهنود الذين اعتقل بتهمة تقديم لقطات مراقبة بالفيديو إلى جماعة «عسكر طيبة» لإستخدامها في اعتداءات تشرين الثاني/نوفمبر 2008 في مومباي -- من بين أولئك الذين أُرسلوا إلى باكستان للتدريب. ووفقاً للسلطات العمانية، نظر الهوتي أيضاً في فكرة شن عمليات ضد بلده المضيف في منطقة "الخليج". وقد ذكر بأنه ناقش -- مع متعاطفين آخرين مع جماعة «عسكر طيبة» في سلطنة عمان -- فكرة استهداف معالم بارزة في مسقط في يونيو/حزيران 2007، شملت فندق "جولدن توليب" ومكتب للـ "بي بي سي". ولم توضع أبداً خطط نهائية لتلك الفكرة، ولكن السلطات العمانية كانت قادرة على جمع ما يكفي من الأدلة لمقاضاة الهوتي بصورة ناجحة.

«عسكر طيبة» في الغرب

ويتابع الكاتب، تفخر جماعة «عسكر طيبة» بنشاطاتها في عدد من الدول الغربية، بما فيها بريطانيا والولايات المتحدة. فمنذ التسعينيات من القرن الماضي، قامت «الجماعة» بتدريب أجانب كوسيلة لإنشاء شبكات في الغرب. وقد ازدهر هذا النشاط بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر لأن جماعة «عسكر طيبة» عانت حملة قمع أقل عُنفاً من تلك التي شُنت ضد أشقاتها الجهادية في باكستان. ونتيجة ذلك، أصبحت معسكراتها وجهة جذابة بصورة خاصة للكثير من الراغبين لأن يصبحوا جهاديين. ومنذ التسعينيات من القرن الماضي، تقوم «الجماعة» بنشر عملاء بصورة مباشرة في الغرب، لتجنيد الشبان وجمع الأموال على حد سواء. وعلى الرغم من الإعتقاد السائد بأن هؤلاء العملاء هم أكثر نشاطاً في بريطانيا، إلا أنهم يعملون في أماكن أخرى أيضاً. فعلى سبيل المثال، اكتشفت السلطات [الفرنسية] أثناء تحقيقها في موضوع شبكات دعم "مفجر الحذاء" ريتشارد ريد في باريس، قيام قنوات تم استخدامها لإرسال متطوعين من فرنسا لمعسكرات جماعة «عسكر طيبة» في باكستان.

وتستخدم «الجماعة» عناصرها الغربية لتقديم الدعم لعملياتها الجهادية ضد الهند، ومؤخراً من أجل عملياتها في أفغانستان أيضاً. وفي إحدى الحالات البارزة، قام عضو في "شبكة الجهاد في فرجينيا"، بمساعدة ناشط بريطاني من جماعة «عسكر طيبة» يدعى محمد أجمل خان، على الحصول على معدات لجماعة «عسكر طيبة» خلال زياراته للولايات المتحدة في عامي 2002 و2003. وقد تبوأ خان منصب رفيع في المؤسسة حيث كان مسؤولاً عن تجنيد الأجانب. وفي نهاية المطاف قامت حكومة الولايات المتحدة بتقديم ذلك الناشط من" شبكة الجهاد في فرجينيا" إلى المحاكمة لقيامه بالتدريب مع جماعة «عسكر طيبة»، في حين حكمت محكمة بريطانية في آذار/مارس 2006 على خان بالسجن لمدة تسع سنوات لدوره في دعم المجموعة.

ويضيف الكاتب، كما شارك نشطاء «الجماعة» في الغرب بشكل مباشر في دعم المؤامرات الإرهابية التي خططتها جماعة «عسكر طيبة»، بما في ذلك هجمات خارج الهند. فعلى سبيل المثال، يُشتبه قيام أعضاء أوروبيين في المجموعة بتوفير الدعم المالي لكلاً من ريتشارد ريد ومخططي هجمات القنابل السائلة الذين حاولوا تدمير رحلات جوية عابرة للحدود الوطنية في شهر تموز/يوليو 2006. كما أرسلت «الجماعة» أيضاً شخصا فرنسيا كان قد غير دينه -- اسمه ويلي بريجيت -- إلى استراليا في عام 2003 لكي يدعم الهجمات في تلك البلاد. وفي عام 2009، اتهمت حكومة الولايات المتحدة الباكستاني الأمريكي ديفيد هيدلي (الملقب داوود جيلاني) -- [الذي انجذب للفكر الإصولي لجماعة «عسكر طيبة»] -- بإجراء أعمال مراقبة قبل القيام بالمرحلة العملياتية لهجمات 2008 في مومباي. كما يُعتقد بأن هيدلي قام أيضاً بأعمال مراقبة في پونا، الهند، حيث تم تفجير مخبز ومقهى ألماني في بداية شباط/فبراير المنصرم. وكما هو الحال مع هجمات مومباي، كان ذلك هجوماً اندمجت فيه عناصر مختلفة استهدفت المصالح الغربية والهندية.

ويتابع، الكاتب، أتُهم هيدلي أيضاً بأنه قام بالتآمر مع جماعة «عسكر طيبة» وقائد مجموعة جهادية باكستانية أخرى هي «حركة الجهاد الإسلامي»، لمهاجمة الصحيفة الدنماركية التي نشرت رسوم كاريكاتيرية مسيئة تصور النبي محمد في عام 2005. وأخيراً، أحبطت السلطات البنغلاديشية هجمات قادتها جماعة «عسكر طيبة» ضد السفارة الأمريكية والمفوضية الهندية العليا في دكا تعتمد جزئياً على معلومات من هيدلي ومتآمر آخر متعاون معه. وكان يُقصد من تلك المؤامرة -- التي كانت مرتبطة بضربات خُطِّط للقيام بها في الهند، والتي أُحبطت أيضاً – أن تتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لهجمات مومباي.

تبقى الهند العدو الرئيسي لجماعة «عسكر طيبة»، ولكن من الواضح أن هذه المنظمة بدأت تصبح أكثر خطراً على الغرب. وكانت الأجهزة الأمنية الباكستانية تسعى دائماً إلى السيطرة على «الجماعة» بدلاً من تفكيكها، معتبرة إياها ثروة استراتيجية موثوق بها ضد الهند. ومن جانبها، لا تزال جماعة «عسكر طيبة» تنبذ القيام بهجمات في بلادها، مما يجعلها إحدى الحركات الباكستانية القليلة التي لم توجه أسلحتها ضد الدولة. وعلى الرغم من أن إسلام أباد كانت تمارس من الناحية التقليدية نفوذاً أكبر على جماعة «عسكر طيبة» مقارنة بجماعات جهادية أخرى، لا تزال درجة السيطرة التي تتمكن من ممارستها اليوم موضع شك، ومن الواضح أن «الجماعة» تزداد جرأة.إن إقناع باكستان على تكثيف جهودها لمكافحة جماعة «عسكر طيبة» ينبغي أن يبقى أولوية بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها. وعلى المدى القصير، يجب على إسلام أباد استخدام نفوذها لمنع المجموعة من تنفيذ أي هجوم ضد الهند قد يؤدي إلى نشوب حرب وزعزعة الإستقرار في جنوب آسيا. ينبغي على الولايات المتحدة أيضاً دفع باكستان لكي تقوم بتوفير المعلومات اللازمة للحط من قدرة شبكات جماعة «عسكر طيبة» العابرة للحدود الوطنية.

ويختم الكاتب بالقول، على الرغم من أن المساعدة التي تقدمها إسلام أباد في هذا الصدد هي بالغة الأهمية، وهذا هو الأمر أيضاً بالنسبة لتعاون حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي، حيث يمكن عمل المزيد من أجل عرقلة نشاطات جماعة «عسكر طيبة».

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/آذار/2010 - 7/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م