بريطانيا والمسلمين: الموازنة القلقة بين حرية التعبير ومكافحة التشدد والتطرف

 

شبكة النبأ: تحظى حملة بريطانية مناهضة للتشدد يُطلق عليها اسم "المنع" بأولوية ملحة في بلد أوروبي يرى خبراء أنه مُهدد أكثر من غيره بالتعرض لهجوم تشنه القاعدة ولكن بالنسبة لمنتقدي المشروع الذي يستهدف تجمعات المسلمين أساساً فإنه قد يكون من الأدق أن يُسمى بالاستفزاز.

وفي هذه الغضون اندلعت اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين يعدّون بالآلاف كانوا يشاركون في تظاهرتين متقابلتين في مدينة بولتون شمالي انجلترا، إحداهما نظمتها عصبة الدفاع الانجليزية المعادية للمسلمين والثانية تظاهرة نظمتها لمواجهة الأولى حركة اتحدوا ضد الفاشية.

من جانب آخر أصدر الشيخ محمد القادري الباكستاني المولد من لندن فتوى اعتبرَ فيها أن الذين يقومون بأعمال إرهابية هم أعداء للإسلام ومصيرهم النار. وقال في مؤتمر صحافي عقده في لندن بحضور نواب وممثلين عن جمعيات خيرية انه لا يمكن بأي شكل ارتكاب أعمال إرهابية باسم الإسلام ونددَ بشدة بالاعتداءات التي يرتكبها تنظيم القاعدة معتبرا أن مصير مَن يقوم بهذه الأعمال هو جهنم بالتأكيد..

ويكافح مسؤولو الامن البريطانيون لكبح القلق المتزايد في أوساط تجمعات المسلمين ازاء البرنامج الذي يسعى ضمن أشياء أخرى للتعرف على الاشخاص الاكثر عرضة لان تجندهم جماعات منحازة للقاعدة وتحصينهم من التطرف.

ويعمل عويس رجبوت باحثا في جامعة برادفورد في وست يوركشير وهي المنطقة التي كانت موطنا لثلاثة رجال من بين أربعة رجال نفذوا هجمات انتحارية في لندن في عام 2005 أسفرت عن مقتل 52 شخصا.

وقال "الناس تخشى مشروع منع.. انهم يسيئون تفسيره. انهم يعتقدون أنه للتجسس علينا."وقال جهان محمود وهو أخصائي اجتماعي وأكاديمي في مدينة برمينجهام بمقاطعة ميدلاندز ان هناك قطاعات كبيرة من المسلمين تعتقد أن مشروع منع الذي تقوده وزارة الداخلية هو تطفل على حياتهم. وأضاف "لا مجال لتطبيق شيء حساس مثل (مشروع) منع قبل تحسين تماسك المجتمع لان الثقة لن تكون متوافرة."

وقال ضابط شرطة يعمل في مكافحة الارهاب ان عائلة مسلمة أبلغته انها ترفض العمل مع السلطات خوفا من أن "نجد حذاء شرطي يدفع عبر بابنا."بحسب رويترز.

ويشعر المسؤولون بالاستياء لما يرون أنه ردفعل دفاعي لا مبرر له. وهم يحاولون صقل الحملة لكسب ثقة عدد أكبر من المسلمين ودفع تجمعاتهم لمشاركة الدولة في فهمها للتهديدات.

والمخاطر كبيرة.. فبريطانيا هدف للاسلامين المتشددين منذ أن انضمت للولايات المتحدة في غزو أفغانستان والعراق في أعقاب هجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 . وكثير من المؤامرات كانت لها صلة بباكستان حيث تعتقد المخابرات البريطانية أن قيادة القاعدة تلوذ في المناطق النائية في شمال غرب باكستان.

ومحاولة طالب نيجيري سابق في بريطانيا تفجير طائرة ركاب أمريكية في 25 ديسمبر كانون الاول الماضي أثار مخاوف من أن جيلا جديدا من المتشددين البريطانيين يظهر. والخوف هو أن يتمكن هذا الجيل من اعادة بناء الدور الذي لعبته بريطانيا في التسعينات كمحور اسلامي في أوروبا ولكن هذه المرة من خلال شبكات خاصة والجامعات بدلا من المساجد.

صدامات بين متظاهرين مناصرين للإسلام ومعادين له

وفي هذه الغضون اندلعت اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين يعدّون بالآلاف كانوا يشاركون في تظاهرتين متقابلتين في مدينة بولتون شمالي انجلترا، احداهما نظمتها عصبة الدفاع الانجليزية المعادية للمسلمين والثانية تظاهرة نظمتها لمواجهة الاولى حركة اتحدوا ضد الفاشية.

وقد اعتقلت الشرطة اثر التظاهرة الامين العام المشارك للحركة المناهضة للفاشية بتهمة التخطيط للعنف.

وكان اكثر من 1500 من انصار الحركة المناهضة للفاشية و2000 من مؤيدي عصبة الدفاع الانجليزية قد تظاهروا في ساحة فكتوريا ببولتون يوم السبت.

وقد اعتقلت الشرطة 67 متظاهرا، كما اصيب عدد من الاشخاص بجروح إثر المواجهات التي اندلعت اثناء التظاهرتين. بحسب رويترز.

وأصرَّ وايمان بينيت الامين العام المشارك لحركة اتحدوا ضد الفاشية عقب اطلاق سراحه بكفالة على ان الشرطة ألقت القبض عليه بينما كان يعبّر عن احتجاجه بشكل سلمي.

وقال: سبق لي ان شاركت في اكثر من مئتي تظاهرة، ولم يلق القبض علي قط. ليس ثمة ادلة ضدي. ان هذا مؤشر خطير بالنسبة للديمقراطية.

واضاف: اعترضني رجال الشرطة حال وصولي الى مكان التظاهرة قائلين إنهم سيلقون القبض علي. ان الشرطة تتصرف بعدائية تجاه مناهضي العنصرية، وينبغي التحقيق في هذا الامر. احداث اليوم تثير تساؤلات حول حيادية جهاز الشرطة.

الا ان مساعد مدير الشرطة جاري شيوان قال في وقت سابق إن عدد الاعتقالات التي صاحبت التظاهرة يعتبر مؤشرا مهما الى ان التظاهرتين لم تكونا سلميتين.

فتوى للشيخ القادري تعتبر الإرهابيين أعداء الإسلام

وبالبنسبة الى فتوى الشيخ محمد طاهر القادري الباكستاني المولد من لندن التي صدرت في 600 صفحة فانه يرى فيها ان الانتحاريين "لا يمكنهم الادعاء بان انتحارهم عمل من اعمال الشهادة ليصبحوا من ابطال الامة، هذا غير صحيح لانهم سيصبحون من ابطال النار في الجحيم". واضاف "ان افعالهم في هذه الحالة لا يمكن باي شكل ان تصنف في اطار الجهاد".

واضاف ان الاسلام "ليس فقط بريئا من التفجيرات الانتحارية والهجمات التي تستهدف المدنيين لكنه ايضا يخرج المتورطين فيها من الملة القويمة، أي أنه يعتبرهم كفارا". ووصف القاعدة بانها "شر قديم باسم جديد".

واصدرت مؤسسة كويام البريطانية التي تحارب التطرف الاسلامي ان هذه الفتوى "يمكن ان تعتبر الحجة الفقهية الاكمل ضد الارهاب الاسلامي حتى يومنا هذا".

وشدد القادري في مداخلته التي القاها بالعربية والانكليزية على ان هذه الفتوى ترفض بشكل قاطع اي عذر لتبرير العنف. وتابع الشيخ القادري "الارهاب هو الارهاب والعنف هو العنف ولا مكان لهما في تعاليم الاسلام ولا يوجد لهما اي تبرير او عذر او حجة". بحسب فرانس برس.

وشدد على ان الاسلام هو دين سلام وتسامح داعيا المسلمين الى الاقتداء بهذا الموقف. ويتراس الشيخ محمد طاهر القادري حركة منهاج القران الصوفية التي تحارب التطرف الديني في عشرات المراكز المنتشرة في بريطانيا.

والشيخ القادري من مواليد العام 1951 ووالده الشيخ فريد الدين القادري الجيلاني كان من كبار علماء الشريعة في باكستان. تولى خلال حياته العديد من المناصب العلمية وانتخب عضوا في البرلمان الباكستاني عام 2002 الا انه ما لبث ان استقال احتجاجا على ما اعتبره ممارسات منافية للدستور والديموقراطية.

بريطانيا.. بالوعة الإسلاميين

ونشرت صحيفة الجارديان موضوعا تحت عنوان ملفت يقول: سوينكا: إنكلترا هي بالوعة الإسلاميين . وسوينكا هذا ليس سوى الكاتب والناشط السياسي المعروف وول سوينكا، الحائز على جائزة نوبل للآداب لعام 1986.

يقول الكاتب في لقاء أجرته معه الصحيفة: إن بريطانيا هي بالوعة وأرضا خصبة لتكاثر وترعرع المسلمين المتطرفين.

ومن هذه النقطة ينتقل الكاتب مباشرة ليكيل التهم لبريطانيا التي يقول إنها تسمح بوجود مدارس التلقين على أراضيها، والتي يرى أنها هي المسؤولة عن نشر الفكر المتطرف في البلاد وإشعال ما أسماه نار الإرهاب الإسلامي في العالم أجمع.

ويقول تقرير الجارديان إن ادِّعاءات سوينكا، وهو أول أفريقي يفوز بجائز نوبل للآداب، جاءت ردا على سؤال بشأن إضافة اسم بلاده نيجيريا إلى قائمة الدول الحاضنة للإرهابيين.

أما المناسبة، فكانت تلك المحاولة الفاشلة التي قام بها النيجيري عمر فاروق عبد المطلب لتفجير طائرة فوق مدينة ديترويت في الولايات المتحدة، أثناء رحلة من مطار أمستردام بهولندا يوم عيد الميلاد الماضي.

إسلاميو بريطانيا وحرب أفغانستان

وتقدمت بريطانيا خطوة إضافية نحو حظر جماعة إسلامية كانت تخطط منذ وقت قريب نحو القيام بتجمعات مناهضة للحرب في أفغانستان، إلى بلدة عادة ما تستقبل جثث الجنود البريطانيين الذين يسقطون في تلك الدولة التي تنهشها الحرب منذ عام 2001.

فقد أعد وزير الداخلية آلان جونسون أمراً يحظر الجماعة المعروفة باسم "المهاجرون" أو "إسلام من أجل بريطانيا" ISLAM4UK، وفقاً لما ذكرته المتحدثة باسم الداخلية البريطانية

وجاء في بيان لجونسون أن "الحظر يعد إجراء قاسياً ولكنه ضروري للتغلب على الإرهاب وأننا لن نأخذ هذا المسار بتهاون."

وقال جونسون إن القرار سيسري كذلك على عدد من المسميات الأخرى التي تتخذها الجماعة، حيث سبق لها أن غيرت اسمها مرتين، الأول كان "الغرباء" والثاني "الطائفة المحمية."ولا يحتاج القرار إلى موافقة البرلمان لأنه يعتبر تعديلاً على قانون "مكافحة الإرهاب 2000". بحسب سي ان ان.

وكانت السلطات البريطانية قررت حظر الجماعة بعد عاصفة من الاحتجاجات رافقت دعوتها إلى تجمعات مناهضة للحرب في أفغانستان بمدينة ووتن باسيت.

وبمقتضى القرار، ستمنع الحركة من تنظيم التجمعات أو جمع التبرعات، وسيعتبر الانتساب لهذه الجماعة "جريمة."

ويقود الجمعية رجل الدين البريطاني الجنسية، أنجم تشودري، وقد دعا قبل أيام إلى حصول تجمعات تطالب لندن بوقف دورها العسكري بكابول، وذلك في بلدة ووتن باسيت، التي تقضي التقاليد بأن تكون أول مكان تصل إليه جثث الجنود الذين سقطوا في المعارك، حيث يصار إلى استقبالهم من قبل سكان المدينة والأقارب.

بريطانيا وعمر فاروق والولايات المتحدة

من جانب آخر قال مكتب الحكومة البريطانية ان الاستخبارات البريطانية ابلغت واشنطن بمعلومات تفيد ان النيجيري المتهم بمحاولة تفجير طائرة متوجهة الى الولايات المتحدة حاول الاتصال بمتشددين بينما كان يعيش في لندن.

وقال المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون ان المعلومات التي تم جمعها بشان النيجيري عمر فاروق عبد المطلب عندما كان طالبا في لندن في الفترة من 2005 و2008 قد سلمت الى السلطات الاميركية. الا ان مكتب براون لم يحدد متى تم تسليم هذه المعلومات.

واشار تقرير نشرته صحيفة "صنداي تايمز" الى ان اجهزة الامن البريطانية كانت تعلم بشان اتصالات عمر الفاروق بمتطرفين اسلاميين قبل ثلاثة اعوام، الا انها لم تبلغ الاستخبارات الاميركية بهذه المعلومات.

وصرح المتحدث "كانت توجد معلومات امنية عن نشاطات هذا الشخص وقد تم اطلاع السلطات الاميركية عليها. وهذه هي النقطة الاساسية". واضاف "نحن متاكدون تماما بانه اصبح متشددا خارج المملكة المتحدة التي غادرها في تشرين الاول/اكتوبر 2008".

وتابع "ولكنه من الواضح كذلك انه بينما كان (عمر فاروق) هنا، كان يحاول الاتصال باشخاص، وان هذه هي المعلومات التي تمكنا من الحصول عليها من اجهزة الاستخبارات".

وكان عمر فاروق تخرج من جامعة "يونيفيرستي كوليج" في لندن في حزيران/يونيو 2008 بعد حصوله على شهادة في الهندسة ومالية الشركات.

وحظرت عليه السلطات العودة الى لندن في ايار/مايو 2009 بعد ان تقدم بطلب تاشيرة للدراسة في كلية وهمية. وبعد ذلك تم ادراجه على قائمة امنية تحظر عليه دخول بريطانيا مستقبلا.

ودافع المتحدث باسم براون عن قرار عدم اتخاذ اي تحرك بناء على تلك المعلومات. وقال "هناك عدد من الاشخاص الذين يحاولون الاتصال بالمتشددين وغيرهم. ولا يعني ذلك بالضرورة انهم يخططون للقيام باي عمل محدد".

وفي اشارة الى عمر فاروق، اضاف "ان اي قرار اتخذه (عمر الفاروق) بشان القيام باي عمل، فقد اتخذه بينما كان خارج البلاد، وبعد ذلك حاول الدخول الى البلاد مرة اخرى".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/آذار/2010 - 6/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م