حينما ينجح الشعب ويفشل السياسيون!

مهند حبيب السماوي

كشفت الانتخابات، التي سطر ملحمتها الشعب العراقي في السابع من اذار الجاري، على ان هذا الشعب قادر على نسيان ماضيه وتراكماته وأحزانه، وتغيير حاضره ومعطياته، وصنع مستقبله واحلامه، بعد ان واجه هذا الشعب الاعزل قوى الارهاب وتحداهم على الرغم من التهديدات والهجمات التي شنتها قوى الظلام من اجل ثنيهم عن أداء واجبهم.  

ولهذه الانتخابات دلالات وصور جميلة من جانب، واخرى غير جميلة " ولن اقل قبيحة" من جانب اخر، لا بأس لنا من الخوض في غمار كلا الوجهين والكشف عنهما، حيث اشار بعض الخبراء،بحسب مانقلت عنهم قناة CNN الجمعة 19-3-2010، الى ان انتخابات اذار قد اوضحت ان الشعب العراقي يرغب بحسم خلافاته باستخدام الطرق السلمية وليس عن طريق القنابل والطلقات، وهو مظهر ايجابي وصورة راقية من مظاهر وصور الانتخابات العراقية خصوصا أن عمر التجربة الديمقراطية وممارساتها في العراق ليست طويلة ولم تتجذر في الارض بصورة حقيقية وتتحول الى قيمة فعالة.

اما المظهر الاخر غير الجميل في الانتخابات فيمكن ان نجده في السلوك الذي تتبناه بعض الاحزاب والكيانات السياسية بعد الاعلان عن النتائج الجزئية للانتخابات، فالكيانات والاحزاب السياسية التي تطبخ اليوم العملية السياسية في العراق لم تمارس، كما لمسها المواطن، على ارض الواقع الديمقراطية ومفاهيمها وقيمها ومبادئها بل تكتفي هذه الاحزاب بالاعلان عن تبنيها للمبادئ الديمقراطية، لكنها في الواقع ترسل رسائل اخرى تختلف عما تقوله حول هذا الأمر.

ولنا في هذا الصدد نموذج واضح حول هذا السلوك غير المقبول لهذه الاحزاب، فالتصريحات التي تنطلق مما يسمى بالناطق او المتحدث الاعلامي لبعضها اثر اعلان المفوضية كل فترة عن نتائج جديدة للانتخابات وفقا لنظام قطرة... قطرة....هذه التصريحات تعبر عن وضعية بائسة ورجعية للاحزاب والكيانات السياسية التي تنافست لخوض غمار الانتخابات العراقية.

فنرى الكيان السياسي حينما يجد نفسه متقدما على غيره في الاصوات، يلوذ بالصمت ولاينبس ببنت شفه، بل يقوم بالاشادة بالمفوضية العليا للانتخابات ونزاهتها ودورها، في حين ان نفس هذا الكيان يقوم بالصراخ والعويل حينما تظهر نتائج اخرى جديدة تُظهر تقدم غيره من الكيانات بالاصوات عليه وبذلك يقدم لنا هذا الكيان صورة قاتمة وسيئة للديمقراطية فضلا عن دلالة اكيدة على انهم لايؤمنون بالديمقراطية الا من حيث اعتبارها بابا لوصولهم للسلطة وتسنمهم مراكز ومناصب وزارية.

ولعل مافعلته القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون مثال واضح على ذلك، فالقائمة العراقية كانت تتحدث عن التزوير حينما كانت النتائج تشير الى تقدم ائتلاف دولة القانون عليه في مقابل صمت واضح للاخير عن النتيجة، لكننا نلاحظ ان الموقف قد تغير حينما تقدم ائتلاف العراقية على دولة القانون واصبح الاخير يشكك بالنتيجة بينما العراقية تدعو للاعتراف بالنتيجة والاحتكام الى صندوق الاقتراع والقبول به، في حين نرى ان التحالف الكردستاني والائتلاف العراقي الوطني، اكثر موضوعية وهدوءاً في قراءتها لنتائج الانتخابات والقبول بها وهما المرشحان للعب دور " الجوكر " في تشكيل الحكومة حينما سيحددان الى اي شخصية سياسية سوف تؤول رئاسة الوزراء.

ان سلوك الاحزاب السياسية ممن يتبنى هذا المنهج لايصل ابدا الى مستوى تضحيات الشعب العراقي وما فعله يوم ال سابع من اذار وقبل من ايام العراق الذي اعطى فيها الشعب العراقي الكثير فمنح الشهداء ونزف الدماء، بينما لم نر من كتله السياسية تلك المسؤولية التي يمكن ان توازي تضحيات هذا الشعب، ولهذا لم اجد بأسا اذا قلت بان الشعب العراقي نجح في هذه الانتخابات في مقابلة خسارة كبيرة للاحزاب والكيانات السياسية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/آذار/2010 - 6/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م