بعد أن تسابق الناس على المحطات الانتخابية يوم السابع من الشهر
الجاري لانتخاب من يرونه الأصلح والأكفأ من المرشحين ليكون نائباً عنهم
ويجلس تحت قبة البرلمان، بدأ هؤلاء المرشحون سباقاً آخر نحو الحكومة
وهي السلطة التنفيذية التي يفترض ان تنبثق من السلطة التشريعية
وتحديداً من أغلبية الأصوات في مجلس النواب.
فمنهم من يتحدث عن حاجة كيانه السياسي الى كتلة واحدة لا أكثر
لتشكيل الحكومة، وكيان آخر يعلن انه على استعداد من الآن لتشكيل
الحكومة حتى انه سمّى رئيس الحكومة سلفاً في اجتماعاته الخاصة، أما
التحركات والزيارات بين هذه الكتلة وذلك الائتلاف فهي قائمة على قدم
وساق والكل مشغول بهذا الهدف، متناسين المهمة الأساس التي من أجلها
رُفعت اللافتات ونصبت الصور الضخمة وأُطلقت الوعود الجميلة والكبيرة،
وهي الدفاع عن حقوق الشعب والمطالبة بازالة الحرمان والتخلف و....
وربما يأتينا الجواب سريعاً، بان من يتسور طاولة مجلس الوزراء هو
الذي سيكون بيده الحل والعقد، وهو الذي سيوافق أو يرفض، وهو الذي يهتم
بهذا المشروع أو ذاك، وباختصار؛ هو الذي يمتلك سلطة المال والسلاح،
ويكون بامكانه تنفيذ كل وعوده الانتخابية، لكن هل هذا حقاً ما يجب أن
يفهمه الشعب العراقي من الديمقراطية ومن مجلس النواب؟
لقد تحدث السياسيون عبر وسائل الاعلام وفي مناسبات مختلفة عن
التداول السلمي للسلطة والآليات القانونية للأداء الحكومي، وأيضاً عن
المشاركة والتعددية، وكلها تحوم في اطار السلطة والحكومة، لكن ماذا عمن
هم خارج الحكومة وليسوا من الوزراء أو من المدراء؟
في الدورة النيابية الماضية أعاب الجميع على أياد علاوي لأنه لم يكن
يحضر جلسات مجلس النواب مع أعضاء قائمته، بل كان يكتفي بتوجيه الاوامر
لاتباعه داخل المجلس عبر الهاتف النقّال، بان يوافقوا على هذا القانون
أو ذاك. فهو ربما فهم المعارضة بهذا الشكل، وهو إما أن يكون حاكماً
وإما أن لا يكون! ولا علينا بهذا النموذج، فهو قد يمثل نفسه، لكننا
أمام عدد غفير من السياسيين المترقبين نتائج هذه الانتخابات ومنهم من
مارس العمل النيابي في الدورة الماضية، فكيف يضع دور المعارضة في زاوية
مظلمة أمام شعبه ولا يسلط عليها الضوء، ولو بشكل نظري لتحقيق مزيد من
النضوج السياسي؟
وإن اردنا أن نتخذ الديمقراطيات الغربية مثالاً، فان امامنا امثلة
كثيرة عن الدور المؤثر والأساس للمعارضة في مجلس النواب على اتخاذ
القرارات الحكومية، وكيف انها تمثل ضمير الأقلية، كما تكون بمنزلة
الرقيب والمحاسب، وتكون ملجأ الناس عندما يرون النكول والخذلان من
الحكومة، فتنظم الاضرابات والاعتصامات وتكتب وتنشر ثم تسعى لتقويم
المسار الحكومي.
كان هتاف الناخبين وعموم ابناء الشعب خلال الحملة الانتخابية
الاخيرة وحتى ما سبقها، هو أنهم يبحثون عمن (يتمكن من فعل شيء)، وهو حق
مشروع و رسالة واضحة لا لبس فيها، فالجميع – وبينهم كاتب السطور- يسعى
ويأمل أن تتطور الخدمات ويتقدم الوضع الاقتصادي ويعود العراق قوياً
عزيزاً أمام العالم، إذن، على سياسيينا أن يقرؤوا الرسالة بلغة جماهيرة
لا بلغة حزبية أو فئوية، فالمرشح الذي حصل على الأصوات اللازمة ودخل
مجلس النواب يجب أن يكون على ثقة تامة بانه (يتمكن من فعل شيء) سواء
كان على طاولة مجلس الوزراء أو كان على مقعد مجلس النواب.
لنتصور أن جميع المرشحين الفائزين وعددهم (325) مرشح وصلوا بسلام
الى مجلس النواب وهم يحملون هذا الشعور، ماذا ستكون النتيجة؟ هل نفس ما
نسمع به ونراه عبر وسائل الاعلام اليوم أم شيئاً آخر؟ |