شبكة النبأ: اعتمدت العديد من الدول
المتمدّنة أنظمة اجتماعية متوازنة حققت الاستقرار الاقتصادي لمواطنيها
والذي بدوره يكون فاتحة الاستقرار في مناحي الحياة الأخرى حيث يعد
الأمن المعيشي للفرد قاعدة أساسية تتكئ عليها مرتكزات الدولة الحديثة.
في العراق عانى المجتمع عموماً من شظف العيش والقلق المعيشي الذي
ارتبط إلى حد كبير بالخوف من المستقبل المليء بالحروب المتعددة من جهة
وغطرسة الدولة من جهة أخرى إبان حكم النظام السابق، والتقارير الرسمية
التي تشير إلى المستوى المعيشي للفرد العراقي خلال العقود الثلاثة
الأخيرة تؤكد بما لا يقبل الشك تراجع حاد في القدرة الشرائية فضلا عن
تدهور كبير في الوضع الاقتصادي الأمر الذي انحدرت على إثره شرائح واسعة
من المجتمع من الطبقة الوسطى إلى ما تحت مستوى خط الفقر.
وبعد التغيير الذي شهده البلد عام 2003 بدأ الخط البياني لمستوى
الفقر بالنزول فيما شهدت الطبقة الوسطى من المجتمع انتعاشاً في المستوى
المعيشي حيث ازدادت معاشات موظفي وزارات الدولة المدنية والعسكرية
لعشرات الأضعاف، لكن هذه التطورات رافقتها مزايا ايجابية وأخرى سلبية
أو غريبة نوعاً ما، شبكة النبأ المعلوماتية تلقي الضوء عليها من خلال
الآراء والتحليلات التالية.
الانتعاش الاقتصادي يحد من الفساد
يقول الباحث الاجتماعي عبد الكريم العامري،" من التأثيرات الإيجابية
المتعددة لنمو المستوى المعيشي للأفراد هي إمكانية أن يخفّض ذلك
مستويات الفساد المالي والإداري، حيث إن الاكتفاء غالباً ما يُشبع
رغبات العديد من الناس ولن يفكروا كثيرا في التحايل أو انتهاج طرق غير
مشروعة لتوفير احتياجاتهم والعيش بمستوى جيد يطمحون إليه ما دام يمكنهم
ذلك دون تجاوز على القانون".
لكن العامري يستدرك بالقول مضيفا لـ شبكة النبأ المعلوماتية،" رغم
ذلك فإن الانتعاش الاقتصادي إن لم يكن محدَّداً بأخلاقيات أسرية
واجتماعية فإنه من الممكن أن يولِّد عادات غير محمودة تظهر على تصرفات
بعض الأسر أو الشباب حينما يسمح لهم الوضع المنتعش باستيراد ثقافات
دخيلة غير مناسبة تتعلق بالتفكير والملبس والمأكل وكل شيء".
للانتعاش سلبيات أيضاً!
لكن علي محمد ياسين، باحث أكاديمي، له رأي آخر فيقول،" رغم ايجابيات
انتعاش الدخل الذي شهده العراق بعد التغيير إلا أنه قد رسّخ التفاوت
الطبقي، من حيث أن شرائح كبيرة من المسؤولين في الدولة ومعاونيهم في
الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان والحكومات المحلية وما إلى ذلك
من المسميات، يتقاضون رواتب خيالية بالنسبة لمرتبات الموظفين الحكوميين
الباقين، فضلا عن الحال المزري لأجور العمل في مجالات الكسب اليومي حيث
تعاني آلاف العوائل الفقر والحرمان والبؤس في بلد أقل ما يقال عنه أنه
نفطي وزراعي".
ويضيف ياسين لـ شبكة النبأ المعلوماتية ،" من هنا لا بد للدولة من
أن تنتهج سياسة متوازنة في حفظ حقوق المواطن العراقي بمختلف شرائحه،
وأن يُصار الى اصدار قوانين تراعي التوازن في مرتبات وأجور الدرجات
الوظيفية بما يؤمِّن الاستقرار المعيشي لكل عائلة وبما يضمن قدرا من
المساواة والعدالة يكون مردودهما النهائي لصاح المجتمع العام.
ايجابيات منقوصة
وفيما يخص انعكاسات انتعاش الدخل الأسري على المرأة تقول حنان عبد
الله،" تنفسَت المرأة الصُعداء وخاصة ربة البيت من ارتفاع المستوى
المعيشي بعد عام 2003، والذي كان سببا في توفير العديد من وسائل الراحة
وخاصة الأجهزة الكهربائية والسلع الاستهلاكية المهمة التي يتطلبها
البيت".
لكن حنان تستدرك مذكِّرة بمشكلة أكبر وتقول،" هذا التحسّن ليس له
انعكاسات ايجابية كاملة ما دامت هناك آلاف الأُسر لا تجد لها مسكنا
مناسباً تستقر فيه في ظل أزمة السكن التي يبدو إنها مستعصية وليس لها
حلول قريبة".
تحقيق الطموحات
ويشير علي الجبوري، صحفي، الى جانب آخر يتعلق بطموحات شريحة الشباب
إبان فترة الانتعاش الاقتصادي الحالية قائلا،" كان لزيادة الدخل
المعيشي للأسر عموماً نتائج ايحابية عديدة ومنها انه فتح أبواب
الطموحات لدى شريحة الشباب في إمكانية مواصلة الدراسة وتحقيق أحلامهم
في شهادات عليا، بعد عقود عديدة من الحرمان عانتها اغلب العوائل ذات
الدخل المحدود، حيث لم يكن هناك إمكانية عند العديد من الأسر في مساعدة
أو حث أبنائهم على مواصلة الدراسات العليا، في ظل النظام السابق الذي
كان يسخر كل شيء من اجل الحرب ويجعل من شريحة الشباب بالذات وقوداً
للحروب الكثيرة التي خاضها ذلك النظام".
ويضيف الجبوري لـ شبكة النبأ المعلوماتية ، "حتى أن الكثير من الذين
لم يدركوا فرصة اكمال تعليمهم في السابق قد التحقوا بالكليات والمدارس
الاهلية التي فتُحت في اغلب المحافظات، وهذا الامر قد أضاف دعماً كبيرا
لمسيرة العلم والمعرفة في بلدنا الذي هو بأمسِّ الحاجة للطاقات المبدعة
والاختصاصات العلمية المختلفة".
فيما يقول حسين عبد الامير، معاون طبي،" أثّرت زيادة المعاشات
الحكومية على الصحة العامة للفرد العراقي وخاصة الأطفال بصورة ايجابية،
حيث كان اغلبهم يعاني من أمراض سوء التغذية وفقر الدم بل شهدت
التسعينيات من القرن الماضي وفاة العديد منهم نتيجة الاهمال الطبي ونقص
التغذية.
وقد كانت آخر الآراء معبّرة عن علاقة الحالة النفسية للفرد
بالاكتفاء المعيشي فيقول حيدر المنكوشي، مدرّس،" الاكتفاء المعيشي
يُمكّن أصحاب الدخل المحدود وخاصة موظفي الدولة من التركيز والإبداع في
العمل، بعد أن أحسّوا أن المردود المالي مناسب ويمكن أن يكفي لحياة
بعيدة عن شبح الفقر".
ويستدرك بالقول،" لكننا نلاحظ مع الأسف أن هناك فرقا في الاهتمام
والتركيز بالنسبة لشريحة الموظفين الشباب والآخرين القدماء، حيث تجد أن
أغلبية الموظفين القدامى أصبح همّهم انتظار موعد الراتب الشهري، وهو حق
مشروع بالطبع، لكن ذلك لا يتناسب مع ما يقدمونه من جهد متواضع جداً لا
يبدو عليه الشعور بالمسؤولية". |