زوجات المدمنين... أنين تحت جنح الظلام

فراق وطلاق وفقر وأمراض مميتة

تحقيق: انتصار السعداوي

 

شبكة النبأ: وجدت المخدرات والمسكرات مع وجود الإنسان في الطبيعة وبدوافع مختلفة قد تكون فضول والجهل، أو للهروب من البطالة والفراغ، ورغم الواقع الاجتماعي والديني الملتزم والمقدس لمدينة كربلاء المقدسة إلا انه مازالت هناك أيدي خفية للعبث في نفوس الضعفاء من الشباب ولتشويه قدسية المكان.

بالاضافة الى ذلك يعلم الجميع الأضرار الصحية والاجتماعية لتعاطي المخدرات والمسكرات، على أن ضرر وخطر تناولها يكون نتائجه أكثر تأثيرا على عائلة المدمن وزوجته وأطفاله.

(شبكة النبأ المعلوماتية)، استمعت إلى معاناة زوجات المدمنين وقد سلطت بعض الضوء على هذه الظاهرة وأسباب انتشارها وازدياد فعاليتها بعد السقوط ولم يمنع التزام مدينة كربلاء الديني والاجتماعي من إنشاء هذه الظاهرة وانتشارها بشكل ملفت للنظر.

في قضاء الهندية 28 سنة تقول (ع.ك)، "منذ ارتبطت بزوجي وأنا في السادسة عشر كان يتعاط الحبوب المخدرة، كنت صغيرة ولا اعرف كيف اكشف الموضوع، وبمرور الزمن وعند إنجابي طفلة توصلت الى الحقيقة، عندما ازدادت حالة زوجي الصحية والنفسية سوءا، فصار يتشاجر معي على الصغيرة والكبيرة بسبب وبدونه".

وتضيف، "كان يحطم الأواني لأتفه الأسباب، وأحيانا يسرق من مصروف البيت لشراء تلك الحبوب، وعندما أواجهة في الحقيقة ينكر تماما وعندما أشكو لأهلي لا احد يصدقني، وعندما اذهب إليهم غاضبة وفي كل مرة كان يعتذر ووعد بترك تعاطي هذه السموم ولم يفعل، وقد رفضت أن أنجب له طفل آخر ونحن بهذه الحال، ووصلت الحالة بنا إن ننفصل تماما ونحن نعيش في بيت واحد من اجل طفلتنا ذات التسعة أعوام – أصبحت طفلتي تفهم كل شيء وأحيانا تطلب مني إن اهجره – ولكن أين المفر؟

من جهتها قالت (س.  م) 47 عاما لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، إن زوجها كان يتعاطى الخمر بشكل مقرف من الصباح إلى المساء وكان كل شخص أو ضيف يدخل بيتي يلاحظ رائحة المشروب بسهولة لأنه كان يحمل قدحه معه أينما ذهب وكأنه قدح ماء وكم اشعر بالخجل وانأ ألاحظ اشمئزاز الضيوف من رائحته حين يتحدث معهم وعندما يئست من النصيحة والكلام وتعبت وأنا لا أجد مكانا طاهرا أصلي فيه هجرته هو وأولاده الثلاثة واصطحبت ابنتي الصغيرة إلى أهلي وبقيت عندهم خمسة عشر عام حيث كبر أولادي وبدا يحاسبونه ويقرعونه وعندما كانت لديه رغبه في التغيير وترك المشروب فقد تركه فعلا وعدت إليه بعد إن تاب إلى الله وترك المشروب وتحسنت صحته وندم ندما شديدا على الأعوام التي تركها تمضي وهو سكران.  

في حين تروي لنا السيدة (ا. ن) من منطقة البناء الجاهز عن رجل سكير كان يعرف باسم (ع. أبو العرق) تركته زوجته بعد إن يئست من إصلاحه، وبعد مده لاحظ الجيران عدم خروجه من البيت لفترة طويلة فكسروا الباب مع الشرطة والمختار فوجدوه ميتا.

اما السيدة (ه. ع) موظفة 45 سنة تقول إن زوجها مثقف وحاصل على شهادة عالية وقد تزوجته بعد علاقة حب كبيرة ونجحت علاقتهم وما زال الحب قائما بينهم ورغم إن زوجها هادئا وغير عنيف وعلاقته مع أولاده ممتازة إلا انه ينفق نصف راتبه أو أكثر على المشروب ولهذا السبب نحن لم نستطع شراء بيت لحد ألان،  وبعض الأحيان يتعرض للخداع و السرقة من بعض منادميه وهو لا يتذكر ماذا يحصل له إثناء سكره،  ولولا إني أحبه كثيرا لما استطعت الاستمرار معه كل هذه السنين،  وكل مرة يحاول ترك المشروب ويتحسن وضعه المادي والصحي لكنه يعاود مرة أخرى لأي سبب من الأسباب.  

(ا.ن)  30 سنة تقول إن زوجها يتعاطى أنواع معينة من الحبوب المخدرة تجعله يسهر طول الليل يطقطق ويتحرك في البيت ويتحدث بصوت عال فيسمعه الجيران ويسألوني صباحا عن مصدر الأصوات التي تقلق منامهم.  

 لأني يئست منه فقد تركته في حاله،  ولاحظت انه ينسى تماما كل اليوم الذي كان مخدرا به.  ينسى كل شيء الأحاديث والوعود والمصروف الذي يمنحني إياه للبيت وكل شيء يفعله فصرت اشتغل هذا اليوم لأحصل على ما أريد منه من مال أو إذن بالذهاب إلى أهلي وتضيف السيدة (ا. ن)،  إنها في يوم كهذا استطاعت إن تقنعه ببيع البيت الذي يسكنوه ويملكه زوجها لها،  وراحت تكمل بناءه وتؤثثه ولم يعلم الأمر إلا بعد مرور خمسة أعوام عندما ازدادت حالته سوءا وتدهورت حالته الصحية وفقد الشهية تماما وأصابه الوهن ولم يعد يخرج إلى العمل وباع السيارة التي كان يعمل سائقا بها وعرض البيت للبيع وكنت كلما جاء مشتري أعرقل عملية البيع بأي طريقة إلى إن جاء مشتري لشراء البيت دون إن يراه وفي دائرة التسجيل العقاري اكتشف الحقيقة فكاد يقتلني من الضرب حينها هربت إلى أهلي مع أولادي وتركت له البيت وطلبت منه الطلاق مقابل إن أعيد له بيته لكنه أعاد النظر في طلاقي وقرر إن يترك تعاطي الحبوب على اثر هذه الحادثة وتصالحنا.  وتضيف إنها اكتشفت أنواع ثانية من الحبوب في جيوبه أخذتها إلى صيدلاني وقال لي أنها حبوب مخدرة تعطي للمصابين بأعلى أنواع الصرع،  وهكذا استمرت حياتنا بين الكر والفر مثل (الفارة والقط).  

(أم أثير)، تحدثت لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، عن معاناتها مع زوجها السكير قائلة بعد فشل زواجي الأول كنت ابحث عن رجل احتمي به ويخفف عني عبئ الحياة الثقيل،  بعد إن ترك لي زوجي الأول طفل ولم أكن اعرف إن زواجي الثاني أسوء من الأول وقد أنجبت منه ثلاثة أطفال آخرين،  ورغم كونهم إخوة ولكنه كان يعامل ابني من زوجي الأول معاملة قاسية جدا وخصوصا عندما يكون سكران وطلب مني إن أتنازل عنه لأخي ليتخلص منه،  فضلا عن طلبه المستمر بتهيئة مستلزمات الشرب وأقوم على خدمته كل يوم عندما يأتي من العمل مقابل الموافقة على بقاء ابني في البيت فاستسلمت للواقع المر وتحولت من أم إلى نادلة وراح يجمع أصدقاء السوء معه وكثيرا ما تحصل مشاجرات معهم وساءت حالته أكثر وصار يختلق الأسباب والمشاجرات والضرب،  ويصرف ما يحصل عليه من عمله على المشروب ولا نجد ما نأكله إنا وأطفالي إلا بقايا عظام وتوليف لحوم كان يحملها معه أو نأكل من صدقات أهلي وعندما يئست من إصلاحه انفصلت عنه واحتفظت بأطفالي الأربعة واستأجرت غرفة قرب بيت أهلي وتعاونا أنا وابني الأكبر على مصاريف البيت والأولاد وبقي هو فريسة المنكر والضلال.   

الدكتور عمار علي حسين أخصائي أمراض الباطنية والعصبية قال لـ(شبكة النبأ المعلوماتية):
الأضرار الفيزيائية زيادة في ضغط الدم،  انعدام النوم، نقص في تناسق عضلات الجسم، التحدث بحديث غير مترابط،  الغيبوبة، هبوط القلب أما عن الأضرار النفسية: عدم الإحساس بالوقت والمسافة،  الشعور بالحزن والقلق والجنون، اللجوء إلى إتباع السلوك العدواني، التشويش وفقدان السيطرة على النفس، الانطواء وعن الأخطار الصحية الأخرى لتناول المخدرات قائل: إنها تقوم بالتدريج بتنشيط الجهاز العصبي المسيطر على أجهزة الجسم الباقية على شكل قلة الإحساس وعدم الحركة بصورة طبيعية وأداء الفعاليات اليومية بما فيها معاشرة الزوجة،  وتأثر هذه المخدرات والمسكرات على الجهاز الهضمي حيث يؤدي إلى ضعف الشهية بشكل تدريجي وضعف المناعة كما يؤثر على القلب والكبد والكلية والرئة وغالبا ما تؤدي المشروبات الكحولية إلى تشمع الكبد والموت أكثر الأحيان.  وتؤدي أيضا إلى نهايات رئوية ومضاعفاتها التي تؤدي إلى الإصابة بمرض التدرن،  فضلا عن الآثار النفسية الأخرى مثل فقدان الذاكرة والتوتر العصبي المستمر وشعور المدمن على الحبوب المخدرة بقوة عصبية وهمية تؤدي إلى اندفاع المدمن بعدوانية شديدة تدفعه إلى الضرب أو جرح المقابل وإصابته بأضرار بالغة وغالبا ما تكون الزوجة أو الأطفال هي اقرب ضحية إلى المدمن.

الأخصائية النفسية سهام كاظم

قالت إن أسباب انحراف الشباب لهذه الظاهرة عديدة ومتشعبة أهمها وضع الأسرة الاجتماعي والثقافي والعلمي والنفسي وأساليب التربية الخاطئة وبعد المسافة النفسية بين الإباء والأبناء،  وبين الأزواج كقلة الوعي والجهل والبطالة والفراغ الذي يدفع الشباب لإيجاد ملاذات للهو بعيدة عن أعين العائلة مما يدفعهم إلى الاختلاط بنماذج سيئة خارج محيط الأسرة،  وان مواجهة هذه المشكلة هي مسؤولية المجتمع بكامله وخاصة المؤسسات الصحية والتربوية والدينية والأمنية.

وفي مدينة مقدسة مثل كربلاء تعم البطالة وتغيب التربية الصحية مع توافد السواح إليها من الدول المجاورة مما عرض هذه المدينة إلى نماذج كثيرة منحرفة يلتف حولها الشباب الضائع ويأخذون منها كل ما هو سيئ ومنحرف.

مكتب مكافحة المخدرات

من جهته أجاب  النقيب رعد سعدون طاهر ضابط مكتب مكافحة المخدرات في كربلاء عن سؤال قال لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، عن الإجراءات الوقائية والعلاجية لتحجيم ظاهرة انتشار المخدرات في المحافظة، فاجاب، "لدى المكتب مخبرين سريين مدنيين لمعرفة مكان تواجد العصابات ومتاجرتها للحبوب المخدرة وقد القينا القبض على عدة عصابات بينها أعضاء من بلدان مجاورة وهم ألان محكومون في سجن الحلة. علاوة على ذلك هناك تنسيق دائمي بين دائرة صحة كربلاء لعقد الندوات الصحية التثقيفية في المدارس والكليات والدوائر الحكومية وجميع الأماكن التي يتواجد  بها الشباب".

وأكد رعد "ان نشاطات عصابات التهريب قد تقوض عملها في السنتين الأخيرتين بسبب استقرار الوضع الأمني وقد تم إلقاء القبض على عدة عصابات تتاجر بالحبوب المخدرة".

وعن عد النزلاء المودعين بتهم مخدرات، قال "عددهم 96 قسم منهم محكوم مؤيد لمتاجرته بالحشيشة والأفيون وقسم منهم محكوم بيم ال5-7 سنوات بمتاجرة الحبوب المخدرة هذا عدا المتهمين الموجودين في تسفيرات كربلاء".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/آذار/2010 - 3/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م