من طرائف الدعاية الانتخابية

لطيف القصاب

غالبا ما يفهم العراقيون من كلمة الدعاية معناها السلبي فحسب، وكثيرا ما تسمعهم يرددون في معرض الاستهزاء وعدم التصديق بأمر من الامور : يمعود هاي دعاية، ولان النظرة العراقية الى الدعاية ترافقها الكثير من علامات الاستفهام فلا عجب ان لم يجن الكثير من المرشحين العراقيين للانتخابات البرلمانية من دعاياتهم سوى الخيبتين المادية والمعنوية.

 وما زالنا نسمع قصصا تتواتر حول مرشحين خاسرين تحولوا بين ليلة وضحاها الى معدمين بسبب انفاقهم لكل ما يملكونه من اجل تمويل حملاتهم الانتخابية الخائبة، بل ان هناك عددا منهم غادروا البلاد تحت اجنحة الظلام فرارا من دائنيهم كما تؤكد ذلك قصص متواترة اخرى، واذا كانت ثمة مبالغات تكتنف بعض تلك القصص او كلها فان هذا لاينفي فشل البعض من المرشحين في نيل مقعد بمجلس النواب او اكثر مما حصل عليه من مقاعد بسبب سوء استخدامه لدعاياته الانتخابية على وجه التحديد.

احد المرشحين تقدم مؤخرا بشكوى الى مفوضية الانتخابات يزعم فيها ان من صوتوا له فاقوا الثلاثين الف ناخب فيما تقول نتائج مراكز الاقتراع في المحافظة ان عدد المصوتين له لم يتجاوز اكثر من ثلاثين صوتا فقط. هذا الرجل مشهور بكونه من اثرى اثرياء المدينة ويملك من المطاعم ما لاحصر له، وهو من سلالة اقطاعية عُرفت قديما باضطهادها للطبقة الكادحة ايما اضطهاد، ولانه من عائلة محافظة على التقاليد فقد آلى هذا الثري على نفسه الا ان يكون امتدادا طبيعيا لاجداده من حيث القسوة والتعالي على عماله المساكين غير انه عندما قرر الدخول في مضمار الانتخابات التشريعية الاخيرة واذعانا منه لراي محاميه الخاص جرب تمثيل دور شخصية اكثر ارباب العمل في العراق شفقة ورحمة، ومن جملة الدلائل التي اراد بها هذا المرشح البرهنة على سخائه الشديد هي قيامه بدعوة كل من يعرفه الى تناول وجبات الكباب الفاخرة يوميا في افخم مطاعمه واكثرها قربا من مركز المدينة، وقد قام هذا الثري ومساعدوه بتوجيه الدعوات المجانية اليومية لزيارة مطعم الكباب الشهير ابتداء من تاريخ موعد اطلاق الدعايات الانتخابية وانتهاء بيوم الصمت الانتخابي، والمثير في الموضوع حقا ان هذا الرجل كان مصمما على جمع اثرى الاثرياء من اقربائه في مقابل افقر الفقراء من عماله على مائدة طعام واحدة وذلك من اجل اعطاء رسالة للجميع مفادها انه يؤمن ايمانا راسخا بالتسامح والتواضع ظنا منه ان الناس سوف تنسى شخصيته الظالمة والمتعالية بسبب مشهد تمثيلي كاذب او مقابل نفر كباب واحد.

مرشح اخر ملأ الدنيا صياحا بكون مدير حملته الدعائية هو من ادار حملة الرئيس الامريكي باراك اوباما شخصيا، هذا المرشح كان صادقا بالفعل في ادعاءاته الخطيرة تلك، غير ان مدير حملة اوباما الذي استقدمه مرشحنا للظفر بمقاعد كثيرة في مجلس النواب العراقي انتج له دعايات انتخابية ربما كانت تنفعه في نيل مقعد في الكونغرس لو كان قد رشح نفسه في الانتخابات الامريكية لكنها ومن دون ادنى شك قد حولت المرشح المقصود الى اضحوكة للصديق قبل العدو في الانتخابات البرلمانية العراقية الاخيرة.

 وصفوة القول فان ثقافة الدعاية الانتخابية لدينا تحتاج الى دراسة مستفيضة قبل المخاطرة بتسويقها للعراقيين الذين ينفرون عادة من كذب المنافقين وصدق المغفلين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/آذار/2010 - 3/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م