مُخرجات التعليم تقلق دول الخليج

مرتضى بدر

آلاف الطلبة الخليجيين يدخلون سوق العمل سنوياً، في المقابل، هناك عشرات الآلاف ينتظرون في طابور البطالة حظهم في الوظيفة، والأسباب تكمن في أن الاستراتيجيات التعليمية في دول المجلس كانت ومازالت فاشلة، وأنها لم تتواءم بين مخرجات التعليم وسوق العمل.

 والسبب الآخر يكمن في أن معظم الطلبة الخليجيين يعتقدون أن مجرد حصولهم على شهادة جامعية ستؤهلهم للحصول على وظيفة لائقة، وراتب مغرٍ، ولذا نجد معظم الجامعات مكدسةً بالطلبة، خصوصا الفتيات، بيد أن هذا الاعتقاد خاطئ وقد عفا عليه الزمن، خاصة في ظل العولمة الاقتصادية، وتقنية الاتصالات، ونمو الصناعات الخفيفة والمتوسطة، فالسوق اليوم في أمس الحاجة إلى المهارات، وأصحاب الخبرة، والفنيين، والإداريين، وليس فقط أصحاب الشهادات. ما أقوله ليس تقليلاً من قيمة التأهيل الجامعي أو الجامعيين، بل ما أقصده هو الدعوة إلى اختيار المسار الصحيح للتعليم بما يتناسب وسوق العمل.

الدول المتقدمة لا تتحدث اليوم عن مخرجات التعليم؛ لأنها تجاوزتها منذ الستينات من القرن الماضي، والحديث حولها يعتبر حديثاً شاذاً، فقد تمكنت من ربط التعليم بسوق العمل ربطاً عضوياً لا يمكن التفريق بينهما حتى بقوة القانون. الطالب في الدول المتقدمة، وقبل أن يقبل على مرحلة التعليم الثانوي، يختار مساره التعليمي، ويهيئ نفسه لمستقبل وظيفي، وبعد أن يتخرج من الثانوية ينتقل إلى الكلية التخصصية، وفي النهاية يجد نفسه في سوق العمل حاملاً معه شهادته العلمية، وخبرته العملية بعد أن تخطى دورات تدريبية في الشركات والمؤسسات الخاصة. والعكس نجده عندنا، حيث يصبح الحصول على شهادة جامعية هدفًا أسمى، إن لم يكن هدفًا مقدسًا!! وبعد أن ينال الطالب الشهادة يفكر في وظيفة أو مهنة!!

باعتقادي، اللوم يقع بالدرجة الأولى على الحكومات التي فشلت في ربط التعليم بسوق العمل، مما أوجد بطالةً ظاهرةً ومبطنةً في صفوف الجامعيين وغيرهم. الأرقام تؤكد أن 10 ملايين خليجي سوف يدخلون سوق العمل في العام 2010، و70 % من فرص العمل تسيطر عليها العمالة الوافدة، و50 مليار دولار تذهب سنوياً لصالح العمالة الآسيوية في دول مجلس التعاون الخليجي... الأرقام في الواقع مخيفة، وقد أوجدت حالةً من القلق والفزع في الأوساط الشعبية والرسمية.

تحت عنوان “مخرجات التعليم وسوق العمل في دول مجلس التعاون” عقد المؤتمر السنوي الخامس عشر الذي أقامه (مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية) في بداية الشهر الماضي، أكد الدكتور جمال السويدي مدير عام المركز: “إن فقدان التوافق بين مخرجات التعليم من جهة، ومتطلبات سوق العمل من جهة أخرى، يؤدي إلى نتائج سلبية كثيرة من أبرزها: بقاء أعداد كبيرة من المتعلمين يعانون البطالة والفراغ، ما ينتج عنه إفراز إشكاليات ذات تأثيرات عميقة في البنية الاجتماعية، بالإضافة إلى عدم توافر الموارد البشرية الوطنية القادرة على سد احتياجات سوق العمل، ما يعني الاضطرار إلى الاستقدام والاستعانة بأعداد كبيرة من الأيدي العاملة الأجنبية، وما يعكسه ذلك على مجمل الأنشطة الحياتية، موضحاً أن دول مجلس التعاون في حاجة إلى بلورة استراتيجية تعمل على إصلاح أو تطوير التعليم بمراحله المختلفة بما يكفل تخريج كوادر تملك المهارات اللازمة لشغل الوظائف المختلفة”.

المؤسف، أنه رغم مرور ثلاثة عقود على تأسيس مجلس التعاون، مازالت حكوماتنا تناقش كيفية بلورة رؤية استراتيجية للتعليم ولسوق العمل، والأكثر إيلاماً أنها لم تتوصل حتى اليوم إلى وضع رؤية مشتركة للمجلس يهدف إلى الاستثمار في المواطن الخليجي من جهة، ومواكبة التطور العلمي والتقني والعولمة من جهة أخرى، وهذا ما يدفعها إلى الاستعانة بالخبرات الأجنبية، في الوقت الذي تتزايد فيه نسبة البطالة بخاصة في صفوف أصحاب المؤهلات الجامعية. والوضع سوف يتفاقم سوءًا نتيجة تدفق أفواج الطلبة الباحثين عن العمل عاماً بعد آخر. وما يثير القلق هو وجود فجوة بين الجنسين في التعليم لمصلحة الطالبات في جميع دول المجلس، إضافةً إلى تدني المعدلات العلمية بالمقارنة مع المعايير الدولية.

بتقديري، لا يوجد خيار أمام دول المجلس سوى إحداث قفزة نوعية من أجل تحقيق توازن بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل. وبحكم معرفتي، هناك بعض الحكومات في دول مجلس ممن لا يعجبها مصطلح (القفزة)؛ لأنها اعتادت المشي كالسلحفاة في جميع المشاريع التنموية، وإذا استمرت هذه الحكومات على هذا المنوال، فعليهم أن يتوقعوا تداعيات خطيرة للبطالة في السنوات القليلة المقبلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/آذار/2010 - 1/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م