معركة منصب الرئيس في العراق

سجالات حادة بين السنّة والأكراد تكشف خارطة التحالفات

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: في واحد من سيناريوهات متعددة يمكن أن تفتح الطريق لانتخاب رئيس عراقي ومن ثم الشروع بماراثون اختيار رئيس وزراء لأربع سنوات قادمة، تدور سجالات حادة بين أنصار الرئيس العراقي جلال طالباني ونائبه طارق الهاشمي حول أحقية منصب رئاسة الجمهورية، بعد أن بانت إلى حد كبير ملامح خارطة التحالفات التي أوجدتها نتائج الانتخابات التشريعية الأسبوع الماضي.

ففي وقت يؤكد فيه الهاشمي طموحه إلى تسلّم هذا المنصب، يبدي طالباني تمسكه به معلنا رغبته في ولاية رئاسية ثانية.

ويتزعم نائب الرئيس المنشق عن "جبهة التوافق" حركة "التجديد" المنضوية ضمن قائمة الكتلة "العراقية" برئاسة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي.

ورغم اعلانه ان "تقديره واحترامه" للطالباني "امر محسوم لا يقبل الشك، وتفهمه رغبة التحالف الكردستاني بترشيحه لرئاسة ثانية وهو حق مشروع لكل عراقي"، الا انه شدد على "حق نائب الرئيس في الوقت ذاته ان يبدي رغبته في ان يكون رئيسا مستقبلا".

وكان الهاشمي طالب في تصريحات سابقة بان تتولى منصب الرئاسة خلال الفترة المقبلة شخصية عربية، فالعراق "بلد عربي ويجب ان يكون على راس السلطة شخصية عربية".

واضاف ان هذا المطلب هو "من باب وضع الامور في نصابها الصحيح، ومن باب تسمية الامور بمسمياتها الصحيحة ووضع النقاط على الحروف"، معتبرا ان تولي شخصية عربية رئاسة العراق "جزء من خلاصه وعودته الى حضنه العربي". بحسب رويترز.

لكن الاكراد رفضوا هذه التصريحات وشجبوها بشدة على لسان ناطق باسم حكومة اقليم كردستان العراق، واعتبروها "اثارة للنزعة الشوفينية والاستعلاء القومي والادعاء بالتمثيل الاحادي لهوية العراق".

ووصفوها بانها "اعادة انتاج مفاهيم وسياسات طالما تفنن النظام السابق في تكريسها بشتى الوسائل بما في ذلك التعريب" في اشارة الى سياسية ديموغرافية كان يطبقها ابان الثمانينات عبر توطين عشائر من الفرات الاوسط في مناطق الاكراد.

محلل.. الكرد سيحصلون على منصب الرئيس

وفي نفس السياق قال محلل سياسي كردي ان الكرد سيحصلون بسهولة على منصب رئاسة الجمهورية مرة اخرى في العراق، لعدم وجود مرشحين منافسين لهذا المنصب من قبل الكتل السياسية الاخرى.

وقال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ريبوار كريم ولي لوكالة اصوات العراق ان “الكرد سيحصلون بسهولة على منصب رئاسة الجمهورية في العراق لمرة ثانية لأن الاحزاب الاخرى لا تملك مرشحين منافسين لجلال طالباني مرشح الكرد للمنصب، خاصة ان الأطراف الشيعية لا تطالب بالمنصب وانما بموقع رئيس الحكومة”.

واوضح “ان بعض السنة في القائمة العراقية يطمحون للحصول على المنصب، لكن رئيس القائمة أياد علاوي شخصية مقربة من رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني ومن رئيس الجمهورية الحالي جلال طالباني ولا اعتقد انه سيخلق مشكلة حول المنصب، وعدا ذلك فان المطالبة بالمنصب ليس مطلب جميع السنة وانما هو مطلب بعض الشخصيات السنية”.

واستبعد كريم ولي ان تؤثر المشاكل الداخلية في اقليم كردستان وبروز قوى اخرى مثل حركة التغيير على المطالب الكردية في الحصول على المنصب ، مبينا ان “المشاكل الداخلية ربما تخلق بعض الصعوبات لكنها لن تكون بحجم المشاكل بين القوى السنية في العراق، لان السنة تفرقوا بشكل كبير، بينما الحزبان الكرديان (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني) مازالا يملكان حصة الاسد من مقاعد الكرد في مجلس النواب العراقي القادم”.

وتابع” اذا احتسبنا الاصوات الكردية فانه من مجموع نحو 65 مقعدا ربما يحصل عليها الكرد في مجلس النواب القادم فان حصة الاطراف المعارضة في كردستان تقدر بنحو 17 مقعدا”.

وزاد “كما ان بارزاني وطالباني لهما وزنهما في الساحة السياسية العراقية ولهما علاقات تاريخية مع القوى العراقية، وهذا سيؤثر على مجريات المباحثات القادمة بشأن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة”.

دولة القانون: محاولة استبعاد الكرد عن الرئاسة أفكار عنصرية

ومن جانب آخر قال القيادي في ائتلاف دولة القانون وليد الحلي، ان الدعوات التي أطلقها البعض بضرورة استبعاد الكرد من منصب الرئاسة هي تصريحات “مرفوضة” وتعبر عن افكار عنصرية لم يعد لها وجود في العراق، معتبرا ان رئيس الجمهورية جلال الطالباني أعطى للرئاسة خلال السنوات الماضية “رونقها” وكان حاميا  لوحدة العراقيين في احلك الظروف.

واضاف الحلي، وهو قيادي في حزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، لوكالة اصوات العراق أن “رئيس الجمهورية جلال الطالباني تمكن خلال السنوات الماضية من المساهمة في ترسيخ وحدة العراق في احلك الظروف التي مررنا بها، واعطى لمنصب الرئيس رونقه واهميته، والدعوات التي اطلقها البعض بِشأن ضرورة استبعاد الاكراد عن منصب الرئاسة ومنحه للعرب فقط، هي دعوات عنصرية لم يعد لها مكان في عراق اليوم”.

واضاف الحلي الذي يعد من حلفاء المالكي، ان “نظرية استبعاد اي مكون عراقي من منصب محدد، هو ترسيخ للافكار الطائفية والعنصرية التي بالكاد تمكنا من تجاوزها والعبور الى ضفة الوحدة الوطنية ودولة المواطنة”، معتبرا أن من المؤسف “ان يلجأ البعض لتكريس افكار المحاصصة وحصر المناصب بمكونات دون غيرها، خصوصا وأن الوحدة الوطنية اوسع من المفهوم الضيق لهؤلاء”.

ومن جانبه كتبَ فخري كريم مستشار الرئيس الطالباني ورئيس مجلس ادراة صحيفة المدى افتتاحية للصحيفة اتهم فيها الهاشمي بمخالفة الدستور.

وقال: "خلافاً لهذه النصوص الدستورية الصريحة يطالب الأستاذ الهاشمي بأن "تكون على رأس السلطة شخصية عربية" مشيراً إلى أن هذا الأمر هو "حصيلة توافق العراقيين جميعاً".

كما هاجم عدد من الساسة الاكراد والصحف التابعة للتحالف الكردستاني كما هي الحال مع جريدة الاتحاد الناطقة باسم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، تصريحات الهاشمي، ونقلت شهادات لعدد من الساسة العراقيين تمتدح الطالباني وتوليه منصب الرئاسة العراقية.

منصب الرئاسة والتوازن السياسي الهش

وكتبَ الباحث أنتوني شديد مقالاً بصحيفة نيويورك تايمز قال فيه: يعتقد كثيرون من المراقبين ان اختيار رئيس للحكومة المقبلة في العراق لن يكون مسألة صعبة في عملية تشكيل الحكومة الجديدة التي ستتولى شؤون هذا البلد في وقت تستعد فيه القوات الامريكية للرحيل.

غير ان المفاوضات التي ستدور حول هذا الشأن يمكن ان تستغرق اشهرا لأن منصب الرئاسة، الذي هو فخري الى حد كبير، بات مسألة مثيرة للخلاف تهدد بإخلال التوازن الهش القائم في العراق على المستويات الطائفية، العرقية والسياسية.

وما يزيد هذه المسألة غموضا هو النتائج الاولية للانتخابات التي جرت قبل حوالي اسبوع، فقد تبين ان تآلف رئيس الحكومة الراهن نوري المالكي، الذي يشكل اكبر كتلة في البرلمان، هو المتفوق في عدد الاصوات التي حصل عليها في بغداد، لكن يبدو ان منافسيه ابلوا بلاء حسنا في العاصمة ايضا وفي نينوي وفي المناطق الاخرى التي يشكل فيها السنة الاغلبية.

ويوضح شديد، هذا يعني ان المفاوضات المقبلة سوف تكون على درجة كبيرة من التعقيد لأن النتائج الاولية حتى الآن لا تبين ان هناك كتلة سياسية بعينها تستطيع بمفردها تشكيل الحكومة. ومن الواضح ان هذه المشكلة ستنعكس ايضا على منصب الرئاسة في العراق اذ يقول ابراهيم الصميدعي، الذي هو مرشح ومحلل سياسي: علينا ان نتذكر ان اختيار الرئيس هو خطوة اساسية مهمة في هذه العملية التي اعتقد انها سوف تكون طويلة ومعقدة وتنطوي على مساومات كثيرة.

ويذكر شديد، ان المساومات التي جرت حول تشكيل الحكومة الاخيرة في 2006، ادت لتوزيع المناصب الرئيسة في العراق وفقا لأسس طائفية وعرقية تولى بموجبها عربي شيعي رئاسة الحكومة وكان منصب رئيس الجمهورية من نصيب الاكراد في حين تولى عربي سني منصب رئيس البرلمان. الا ان هذه العملية، التي استمرت لأكثر من 5 اشهر، فاقمت من حدة الانقسامات في العراق على الرغم من ان الدستور العراقي لا ينص على توزيع هذه المناصب طبقا لأي اعتبارات طائفية أو عرقية.

لكن يبدو ان منصب رئيس الحكومة الذي هو الاقوى سلطة سوف يكون، اعتمادا على النتائج الاولية التي ظهرت حتى الآن، من نصيب عربي شيعي. وهنا يبدو المالكي ومنافسه اياد علاوي العلماني الذي كان رئيسا مؤقتا للحكومة في فترة سابقة من ابرز المرشحين.

ويبين شديد، على مستوى منصب رئيس الجمهورية اقترح رجال السياسة فيضا من الاسماء منها ممثل عن الاقلية التركمانية واحد زعماء العشائر العربية بل عضو البرلمان عدنان الباجة جي - 86 سنة - اعرب عن رغبته في انهاء حياته السياسية كرئيس للجمهورية، الا ان اكثر المطالب قوة في هذا الشأن كانت تلك التي صدرت عن نائب الرئيس طارق الهاشمي الذي هو عربي سني، وعن الرئيس الراهن جلال طالباني الذي اتاحت له طبيعة شخصيته المعتدلة ان يصبح مناسبا لتولي منصب الرئاسة الذي يصفه بأنه فخري.

ومن الملاحظ ان طموح الهاشمي لتولي هذا المنصب اثار خلافا مع المسؤولين الاكراد الراغبين الاحتفاظ بدور محوري في السياسة العراقية.

فقد وصف فؤاد حسين رئيس موظفي هيئة الرئاسة كلام الهاشمي في هذا الشأن بأنه اهانة للشعب الكردي «كما لو ان الاكراد لا يستطيعون تقديم رئيس للبلاد أو ان يتولى احدهم هذا المنصب».

ويضيف الكاتب، ذهب بيان صدر عن مكتب مسعود برزاني رئيس منطقة شبه كردية لأبعد من ذلك بالقول ان الفكرة التي تدعو لأن يكون رئيس الجمهورية المقبل من العرب السنة تؤجج نيران الشيفونية و«التفوق العرقي» التي كانت سائدة ايام صدام حسين.

ويبين الكاتب بالقول، من الواضح ان شدة هذا الخلاف تبرز بعض اكثر القضايا المثيرة للانقسام التي يواجهها العراق اليوم، فهناك مخاوف شيعية من ان يعمل الرئيس السني على اضعاف سيطرة الشيعة على الساحة السياسية في العراق. وهناك ايضا تطلعات سنية لاستعادة دور السنة البارز من خلال منصب الرئاسة الذي يمكن ان يخدمهم - على الرغم من انه فخري - في الاستجابة لمصالحهم وقضاياهم.

ويبدو ان تولي شخصية عربية سنية رئاسة الجمهورية في العراق هوه امر مفضل لدى كثيرين من رجال السياسة، وذلك لأن مثل هذه الشخصية سوف تساعد اذا ما حصلت على تأييد الاغلبية في اصلاح علاقات العراق المضطربة مع الدول العربية.

يقول مقداد جعفر استاذ التربية الرياضية في جامعة بغداد: افضله عربيا، فنحن بلد عربي محاط بجيران عرب، ولهاشمي علاقات طيبة مع الدول العربية. صحيح ان الاكراد يعتبرون منصب الرئاسة رمزا للكرامة لأنه يمثل اعترافا في تعددية الاعراق بالعراق بعد عقود من هيمنة الهوية العربية الا انهم منقسمون مع ذلك حول من يتولى من الاكراد هذا المنصب، فقد عارضت مجموعة منشقة داخل حركة طالباني نفسه ترشيحه لهذا المنصب.

ويختم الكاتب بالقول، من الواضح ان الرهانات كثيرة مما يعني ان المساومات سوف تطول كثيرا قبل التوصل لحل حاسم لهذه المسألة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/آذار/2010 - 30/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م