التعلم المسند بالدماغ

(Brain Based Learning)

نموذج لتداخل التربية في علم النفس

أ.د.عامر إبراهيم علوان

إن السؤال المطلوب من التربية الإجابة عليه حاليا _ والذي قد يحدد مستقبل التربية_ يتمثل في ما الذي يستلزم لتوظيف الدماغ البشري بشكل امثل؟ وكثيرا ما يقال ومنذ عدة سنوات بإمكانية تطوير الدماغ ووظائفه، ومع هذا الفهم المحدود لكيفية عمل الدماغ والشروط اللازمة لتفعيل وظائفه فان 80% من معرفتنا وفهمنا للدماغ وكيف يتعلم اشتقت من التطورات الحاصلة في العلوم البيولوجية وعلم الأعصاب والعلوم المعرفية خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة. ومن التوصيف البيولوجي (biological perspective) نفهم الآن لماذا العقل البشري، والذي وصل حاليا إلى الذروة في مستوى العمليات منذ (30) إلى (60) ألف سنة مضت. وقد تطور نشوئيا_ سبحان الله أحسن الخالقين_ بطريقة ما تمكنه من الاستجابة لتحدي البقاء في بيئة متعددة الحواس تتطلب من الكائنات البشرية مستوى مضاعفا ومعقدا من الاستجابة والفاعلية.

 ومن علم الأعصاب والتطور الحاصل في التكنولوجيا الطبية كسبنا فهما للخصائص الفيزياوية للدماغ نزولا إلى المستوى الخلوي (cellular level)، ودلالة هذا الفهم في توظيف الدماغ والسلوك البشري.

 وقد وفر الاتصال عبر هذه المواضيع نموذجا لتداخل المعرفة وتمازجها والمهارة والفهم، مما شكل ذلك تحديا للمؤسسات التربوية، سواء على مستوى المنافسة أو المشاركة أو بشكل حاسم مستقبل التعلم الإنساني. وقد أنتج كل ذلك رؤية واضحة لما يحدث في الدماغ في الموقف ألتعلمي والظروف المثالية للتعلم الفاعل والتفكير.

 ومنذ ما يقارب من (2000) سنة كان هناك نموذجا بسيطا أوليا لكيفية عمل الدماغ.وفي بداية القرن العشرين تم مقارنة الدماغ بمدينة للوحات المفاتيح (switch board). وفي السبعينات من القرن العشرين تم التحدث عن نصفي الدماغ الأيسر والأيمن. وبعدها ظهر مفهوم الدماغ ثلاثي التركيب (البنية) (Triune brain) (ابتكر هذا المصطلح باول ماكلين Paul Macclean فيما يتصل بنمو الأجزاء الثلاثة للدماغ البشري). إذ افترض ماكلين في نظريته هذه أن تعلم البقاء (survival learning) في الدماغ الأسفل (lower brain) ؛والعواطف في الدماغ الأوسط (mid brain). وتحدث مهارات التفكير العليا في الدماغ الأعلى (upper brain). وحاليا هنالك الأنظمة الشاملة حيث نموذج الدماغ المعقد (complex brain model). وفي العقدين الآخرين من القرن العشرين أجرى علماء الأعصاب العديد من الأبحاث التي أمكن استخدامها لتطوير التدريبات التعليمية، واعتمد علماء الأعصاب على المعلومات المستندة إلى علم التشريح والتجارب ومختلف تقنيات المسح والتصوير والرنين المغناطيسي مثل (EEGS,MRIs,PET) فضلا عن أن اغلب بحوث الدماغ المخبرية في علم الأعصاب. ويمكن النظر إلى الدماغ على أنه مكون من ثلاثة أجزاء أساسية (ثلاثة أدمغة)، الأعلى أو الطبقة الخارجية (outer layer) للدماغ هي القشرة الخارجية (cerebella cortex)، وهي الجزء من الدماغ المسؤول عن قدرتنا في التفكير والتحدث والسبب من التصرف بغرض. وهو مكان الذكاء العالي والمرتفع الذي يميز الكائن البشري بما فيها الحدس_ وربما التفكير ألابتكاري على أبعد تقدير_ والجزء الوسطي (الطرفي) (limbic) والذي يمارس تأثيرا على تعلمنا، والاستجابة للمعلومات المستلمة عن طريق الحواس الخمسة. والجزء الثالث هو الدماغ العاطفي (emotional brain) الذي يقرر فيما إذا كانت المعلومات المستلمة ذات قيمة أم لا.

 ولا يهتم الدماغ بأي شيء يعتبره غير واضح أو مملا أو باهت العواطف. ويسيطر الدماغ (اللمبي) على العديد من استجاباتنا الفسيولوجية وعواطفنا والعناصر ذات الدلالة في ذاكرتنا وقدرتنا على التعلم.

 وقد أجرى علماء الأعصاب دراسات إكلينيكية شملت فاقدي البصر كليا باتجاهات مختلفة شملت أعمارا مختلفة وبشر من بيئات ثقافية متعددة ليجمعوا معلومات تتصف بالصدق والثبات. وهذه المعلومات ساعدت في تحديد كيف يحدث بشكل حقيقي التعلم الإنساني. وجوهر الموضوع أن العلماء اهتموا بهذه المعلومات باعتبار الدماغ (صندوق اسود) لكي يحددوا كيف يمكن للدماغ معالجة المعلومات واسترجاعها. ومهدت التكنولوجيا المستخدمة في الأدوية السبيل إلى العديد من الابتكارات التعليمية الجديدة.

 ويتوقف الدماغ عن التعلم بالتهديد والوعيد، وتتطور وظائفه بفاعلية أكثر عندما يكون هناك موقف تحدي ملائم ومريح وبيئة آمنة تدفع باتجاه مزيد من التعلم يثاب الفرد فيها ويسلم من النقد الجارح والعقاب. وتتوفر للمخ حينذاك الفرصة لمعالجة مدخلات حسية متعددة في وقت واحد وعلى مختلف المستويات من الوعي. وهذا يعني إن بيئة التعلم والخبرات يجب الوثوق بها قدر الإمكان: حياة حقيقية ونشطة وحواس متعددة وشاملة تتناغم فيها الرغبات والحاجات العاطفية للمتعلمين.

 وهناك الكثير من نتائج البحوث في علم الأعصاب والعلوم المعرفية تدعمها وتعززها البحوث التجريبية في التطور المدرسي في عدد من دول العالم، وللتدريسيين كمتخصصين ذوي خبرة الذين يجب أن يشجعوا على التدريب والتدرب لمواجهة التحدي في تنظيم وتطوير مهارات تعزيز التعلم (بالمخ الكلي الشامل) بفاعلية.

 وافترض جيرارد ادلمان (Gerald Edelman) الحائز على جائزة نوبل في بيولوجية الأعصاب أن هنالك غابة داخل رؤوسنا،فضلا عن مقارنته بين أدمغتنا وبين النسيج الشبكي (web) المكثف لعلاقات تشابكية عصبية مترابطة. ويوفر لنا افتراضه الاستدلالي هذا روية أحيانا تكون مربكة عن البحوث في كيفية عمل الدماغ وعلاقته بنظرية التعلم.

 وبعضنا يستخدم شبكة المعلومات العالمية (الانترنيت) ويذهل على ما يبدو لعدد الارتباطات اللانهائية التي بالإمكان عملها. ويتفوق الدماغ على الانترنيت في عدد التشابكات الارتباطية التي يمكن أن يعملها لتصل إلى أرقام فلكية (ضخمة بشكل هائل). والدماغ النموذجي. المثالي) (Typical) يمتلك (100) بليون خلية عصبية، وكل خلية عصبية (Neuron) لها (10) إلى (10000) من التشابكات العصبية بينها وبين الخلايا العصبية الأخرى. ويقول ادلمان بان تعقيد وضخامة التشابكات العصبية في الدماغ فوق العادية(extra ordinary). وتنشر أدمغتنا بسرعة عدداً من الشبكات التي تتوافق بعضها مع البعض الأخر (الاتصال المتبادل). وأدمغتنا تعالج كل المعلومات الداخلة من خلال هذه الشبكات العصبية، وكل معلومة يتم خزنها تؤثر على كيف وماذا نتعلم.

 والدماغ البشري منظم جيدا وهو بثلاث باونات من المادة في كون معروف (known universe)، ذلك ما قاله التربوي روبرت سلويستر (Robert Sylwester) في كتابه" احتفالية الخلية العصبية:دليل التربويين للدماغ البشري". علاوة على ذلك، فان التربويين مثل سلويستر يثقون بنظرية التعلم المسند بالدماغ، ويقولون إذا أخذنا فوائد نمو الجسم كشاهد على أن علماء الأعصاب لم يوضحوا كيفية تعلم البشر بشكل كامل! وهو يقول إن تعلم المزيد عن الدماغ يتطلب من العلماء انجاز دراسات معقدة توفر معلومات موثوقة عن اغلب عملياته الأساسية- الأداءات العادية وغير العادية للخلية العصبية المنفردة، والأداءات المتزامنة لشبكة الخلايا العصبية، والعوامل التي تثير الفعالية العصبية.

ومن الواضح انه لا يوجد دماغان متشابهان. وتعمل كلية الخلية العصبية (نيورون) كمحطة ترحيل (relay system). وتعالج الخلية العصبية الإشارات (Signals) وترسلها إلى بقية الخلايا خلال فجوات بالغة الصغر تسمى (الاشتباكات العصبية) (Synapses). وهنالك الناقلات العصبية (وهي مواد كيماوية) والتي يوجد منها المئات مسببة الإشارات التي تتدفق من خلية عصبية لأخرى. وهذه العملية الالكتروكيمياوية هي الأساس لكل سلوك بشري ففي كل وقت يمكننا التكلم أو التحرك أو التفكير. وتثار الخلية العصبية بالخبرة الجديدة وتنكشف للمعلومات الداخلة من الحواس. وتنمو لها تشعبات تسمى التشعبات العصبية (Dendrites). وهذه التشعبات العصبية تعتبر اكبر مسطح من الخلايا العصبية تنفتح بسرعة لتلقي المعلومات. ويمكن للخلية العصبية أن تستلم مدخلات بما يقارب (20000) من الخلايا العصبية الأخرى. وإذا كان في الدماغ البشري (100) بليون من الخلايا العصبية، يمكنك أن تتصور درجة التعقيد!

وبالاستخدام يمكن للفرد أن يزيد من عدد التشعبات، وعند عدم الاستخدام سوف يفقدها. والدماغ دائما في حالة نشطة، فهو باستمرار يقوم المعلومات ويفسر بيئاتها. ويتفاعل الدماغ باستمرار بما يحيط به (ليتعلم) كيف يعمل بشكل ملائم في البيئة التي يجد نفسه بها. ويستلم الدماغ المعلومة من خلال الحواس (النظر، السمع اللمس، الشم والتذوق) ويترجم تلك المعلومة على شكل استجابة. وأحيانا تكون تلك الاستجابة ملائمة، وأحيانا أخرى غير ملائمة.

 ولا ينام الدماغ أبدا، ولكنه يحتاج للراحة ووصفه بأنه "لا ينام" لا يعني أنه لا يحتاج لراحة عميقة تشبه النوم. ويتكون الدماغ من ثلاثة أجزاء رئيسة هي المخ (cerebrum) والمخيخ (cerebellum) وجذع المخ (brain stem) والتي تقسم إلى نصفين (hemisphere) يرتبطان بجسر يسمى الجسم الثفني (corpus callosum)، والمخ هو الجزء المعرفي (cognitive brain). وهو الجزء الذي يحدث فيه التفكير والتعلم. والمخيخ (في اللوزتين amygdale وقرن آمون hippocampus) مخزن الذاكرة memory (الذاكرة طويلة الأمد long term وقصيرة الأمد short term) ومنه تصدر استجاباتنا العاطفية (الغضب والخوف والأسف والحب). ويجهز جذع المخ الوظائف الآلية (الأوتوماتيكية) التي تحافظ على الجسم وتدير شؤونه. ويحفظ جذع المخ للقلب وظيفته في استمرار ضرباته. ويخبر الجسم ليتنفس، وينظم البرودة والحرارة والسيطرة على الصوت.

 ويساعدنا النصف الأيسر من الدماغ على تذكر الحقائق، والنصف الأيمن يعطي المعنى لتلك الحقائق. والنصف الأيسر هو نصف التحليل والمنطق. ويهتم بالتعامل مع المعلومات المجردة. والنصف الأيمن عشوائي وكلي (شامل). ويهتم بالمعلومات التي توصف أنها محددة.

 وبصورة أساسية، فالمخ عضو يماثل المستطيل شكلا، وزنه يقارب(3) باوند، وله فصوص (lobes) كل فص منها ينجز وظائف عدة. وتوجد خلف الدماغ فص مؤخرة الرأس (الفص الخلفي- ألمؤخري) occipital lobe)) والذي يعالج المثير البصري. وفي الجانب بالقرب من الآذن يوجد الفص (السمعي- الصدغي) والذي يعالج المثير السمعيtemporal) lobe)، والى الأعلى بقليل وباتجاه خلف الدماغ يوجد الفص الجانبي (ألجداري) partial) lobe) وفيه يتم تفسير وتكامل المثير الحسي الحادث. وخلف جبهتك الأمامية يوجد الفص الجبهي (frontal lobe) وفيه تعالج مستويات التفكير العليا،وحل المشاكل والتخطيط للمستقبل. وفي مكان ما في القشرة المخية تتواجد قدرتك لأن تكون واعيا لما تفكر فيه وتعمل. ولا يعرف الباحثون حاليا ما هو الوعي، وذلك محور اهتمام الباحثين حاليا.

 هنالك بعض المبادئ تقود التعلم. وتسعى كل الكائنات الحية للبحث عن معنى. ونحن نبتكر الأنماط السلوكية من بيئتنا، ونتعلم بعض المدى (extent) من خلال التفاعل مع الآخرين. ولأن دماغنا اجتماعيا، فمن الضروري بناء علاقات اجتماعية في الصفوف الدراسية وما بعد هذه الصفوف. والتعلم يمكن دعمه بالتحدي ووقف التهديد. ويجب على المربين والتدريسيين دفع المتعلمين للانغماس كليا بأهدافهم وقيمهم ورغباتهم.

 الدماغ هو مركز التعلم. والكل يعرف ذلك. والدماغ اجتماعي في حقيقته. فهو يرغب باستمرار للتفاعل موضعيا (typically) مع الأدمغة الأخرى. ولهذا السبب، فمن الأهمية أن يتعرف التربويون إلى الطريقة الني يؤدي بها الوظائف كدماغ والأسلوب الذي يستخدمه في التعامل مع مختلف المعلومات (bits) وقطع المعلومات (pieces of information) التي ينشغل بها.

 ولابد من التذكر عندما نفكر في الدماغ حقيقة مفادها أن كل دماغ فريد بنوعه، وسبب فرادته فأنه يعالج المعلومات بطرائق يجعلها محسوسة له. والمثيرات التي يحس بها دماغ ما، قد لا يحس بها دماغ آخر، أو على الأقل ليس بالطريقة نفسها التي يحس بها الدماغان. وتميز الدماغ بفرادته هو محور التعلم المسند بالدماغ.

 ويستقبل كل دماغ المعلومات ويعالجها عشوائيا، أي يجعلها محسوسة له، وله فقط. ويبني كل دماغ المعلومات التي يستقبلها من بيئته بطريقة يجعلها محسوسة له فقط. وبذلك يكون المنهج الصفي المتمركز حول الدماغ (the curriculum of brain –based classroom) هو الأساس في تكامل فاعل لكل النشاطات.

 تستند نظرية التعلم المسند بالدماغ على بنية الدماغ ووظيفته. وطالما أن الدماغ لا يتوقف عن انجاز عملياته الاعتيادية، فالتعلم سوف يحدث. وغالبا ما يقال أن كل فرد بإمكانه أن يتعلم. والحقيقة هي أن كل فرد يقوم بالتعلم. ويولد كل فرد بدماغ يعمل كمعالج ذا قدرة استيعابية هائلة. وعلى النقيض من ذلك يسود اليوم المدرسي أحيانا بعض الممارسات التي تمنع التعلم المتمثلة بعدم التشجيع أو الإهمال أو العقاب، أو بالحد من العمليات العقلية اللازمة للتعلم.

ويوفر التعلم المسند بالدماغ إطارا بيولوجيا شاملا للتعليم والتعلم، ويساعد في توضيح سلوكيات التعلم، انه مفهوم تغييري (meta_ concept) يتضمن مزيجا من أساليب منتقاة وهذه الأساليب تتيح للتدريسيين ربط تعلم الطلبة بالخبرات الحياتية الحقيقية. ويشمل هذا النوع من التعلم أفكارا اشتقت من الأبحاث التي تستند إلى الدماغ مثل:

- التعلم المتقن ((Mastery learning.

- أنماط التعلم (Learning styles).

- الذكاءات المتعددة (Multiple intelligences).

- التعلم التعاوني (Cooperative learning).

- المحاكاة التطبيقية (practical simulation).

- التعلم التجريبي (Experimental learning).

- التربية الحركية (Movement education).

- التعلم بالدماغ الكلي (whole brain learning).

- التعلم الطبيعي (natural learning).

- تسريع التعلم (accelerated learning).

- الذكاء العاطفي (emotional intelligence).

 وكل هذه الأفكار تتفق في رسائلها في أن العقل البشري (يجب) أن يتعلم، وإنها تؤكد استمرار يته للبقاء والصحة اللذان يعتمدان على التعلم بطرائق تصل بالمبادئ الإجرائية الطبيعية إلى أقصى مدى ممكن. و إذا ما رغبنا في تطوير التعلم والتحصيل الإنساني يجب علينا معرفة وجهات النظر المتعددة والشاملة للذكاء وللتأكيد أن الاستراتيجيات التعليمية التعلمية لا تخضع كليا للنماذج التدريسية الجاهزة وتأخذ بنظر الاعتبار كلية الأفراد (whole persons) ودوافعهم ونماذج التعلم المفضلة لديهم.

وأدناه بعض الرسائل المفتاحية عن الدماغ التي نحتاج للأخذ بها في التدريبات التعليمية التعلمية:

1) الترابط المنطقي بين الابتكار والقوة الفطرية للتفكير.

2) الحاجة لربط التعلم الجديد بما عرفه الفرد للتو.

3) الأفضلية لنمط التعلم الفردي والنشاط الفيزيائي.

4) الاعتماد المتوازن بين الاسترخاء والطاقة.

5) المثير يجب أن يكون قويا يستغل عدة حواس وفريدا ذو معنى للخبرة.

6) الحاجة إلى الفرص الكافية للمراجعة والانعكاس للتأكد من الاسترجاع وتجذر التعلم بعيد المدى.

7) مراعاة مستويات النشاطات الواعية وغير الواعية وتفضيلاتها المختلفة لتشعب والتنوع في التوصيف عند تمثيل الخبرة الجديدة.

8) ترتبط مستلزمات بقاء التعلم وثباته بالانفعالات والشعور الايجابي.

9) الحاجة للموقف الاجتماعي والتعاون _ يبنى التعلم الفعال من قبل المتعلم خلال التفاعل_.

10) تعمل الحواس كباحث عن الارتباطات والترابط والأنماط والنماذج ومخطط الأنظمة والتي من خلالها يتم "تأطير" التعلم الجديد.

 إن الدماغ عضو تعلم معقد تماما، وله سعة غير محدودة في تخزين ومعالجة المعلومات والتعلم. ويجب أن لا يخصص فقط للبيئة الأكاديمية الرسمية التي يخصص معظم الوقت فيها للجلوس على المقاعد الدراسية، ويستغل فيها مدى محدود من القابليات معظمها لفظية/ لغوية ومنطقية/ تحليلية/ عددية. ولنا ككائنات بشرية افتراضات مسبقة لكي نفكر نقديا ونبحث لعمل الإحساسات اللازمة للعيش في هذا العالم التكنولوجي المتغير، وان تكون لنا خبراتنا الذاتية.

 وللارتباط الوثيق بين الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) والعواطف والذاكرة الكثير من التضمينات المهمة لأي خبرة تعليمية وبالأخص التضمينات المفروضة عن عدم تعارض المعلومات بعضها مع البعض الأخر، وكذلك الصفوف الساندة للتعلم.

 ولا يمكننا فصل التفكير عن عواطفنا. وهناك شواهد قوية لدور العواطف في تشكيل الفكرة، واتخاذ القرارات والنجاح طويل الأمد كما هو شائع. وتكون للعواطف دورا ايجابيا في اغلب التعلم الفاعل والنشط مثلما هو للتقدير الذاتي والتعلم التعاوني والإحساس بالانتماء وتحصيل غايات وأهداف ذات معنى وتحقيق النجاح. وتعتبر الدافعية ضرورية للتعلم والتي تدمج العواطف بايجابية مما يزيد من الانتباه والفهم والمعنى والذاكرة.

 ويبحث الدماغ عما يثيره للتعلم، وأدناه ما تتضمنه بعض المحركات الأساسية:

1) يجب أن تكون العملية ممتعة.

2) أن يكون هناك رغبة ما في الموضوع.

3) أن تكون الخبرات ملائمة وذات معنى.

4) يجب أن تتضح القيمة الجوهرية للموضوع.

5) التقدير والاعتراف بتطور الكفاية والتحصيل.

6) إمكانية التعميم إلى مجالات أخرى من الخبرة.

إن المبادئ الأساسية للتعلم المسند بالدماغ تتمثل في:

1) يعمل الدماغ كمعالج موازي (parallel processor)، بمعنى إن الدماغ بإمكانه انجاز عدة فعاليات في آن واحد مثل التذوق والشم.

2) يعمل الدماغ بشكل كلي وجزئي.

3) تخزن المعلومات في الدماغ بمساحات متعددة منه، وتسترجع من خلال الذاكرة.

4) التعلم عملية فسيولوجية كلية ؛إذ يتم التعلم بشمولية الجسم وكليته (whole body). وكل تعلم هو دماغ_ جسم (mind_ body): الحركة والطعام ودوائر الانتباه (attention cycles) والمواد الكيميائية التي تغير التعلم.

5) البحث البشري عن المعنى فطريا.

6) البحث عن المعنى يتم من خلال النماذج.

7) صعوبة نمذجة الميول والعواطف.

8) فهم المعنى أكثر أهمية من المعلومات ذاتها.

9) يستلزم التعلم انتباها مركزا وإدراكا خارجيا.

10) يستلزم التعلم عمليات واعية وغير واعية.

11) هناك نوعان من الذاكرة: المكانية (spatial) والآلية الصماء (rote).

12) يفهم الفرد بشكل أفضل عندما تكون الحقائق متضمنة في الطبيعة والذاكرة المكانية.

13) المديح يعزز التعلم والوعيد يمنعه.

14) كل دماغ فريد بذاته.

15) التعلم تطوري.

وهناك ثلاثة أساليب تعليمية ترتبط بالتعلم المسند بالدماغ هي:

1) الانغمار المنسق (orchestrated immersion): ابتكار بيئة التعلم التي ينغمر الطلبة فيها كليا بالخبرة التربوية.

2) النشاط المريح (relaxed alertness): محاولة إبعاد الخوف عن المتعلمين بينما يتم الحفاظ على بيئة تعلم تحدي عالي، ويتم قبول كل الطلبة بأنماط تعلمهم وقدراتهم وإمكانياتهم المختلفة.

3) المعالجة الفاعلة (active processing): السماح للمتعلم لتثبيت المعلومات بالمعالجة الفاعلة لهذه المعلومات.

ما هي مقترحات التعلم المسند بالدماغ؟

 لكيفية عمل الدماغ أثرا علميا في كل أنواع نشاطات التعلم لكي تكون أكثر فاعلية. والتربويون بحاجة لمساعدة الطلبة لأن يكتسبوا خبرات ملائمة وأن يستفيدوا منها. وكما أوضح (رينيه شاين Renate Caine) في كتابه "عمل الارتباطات (Making Connect) أن هنالك ثلاثة عناصر فاعلة أساسية في هذه العملية هي:

- على التدريسيين مساعدة طلبتهم على الانغمار في خبرات معقدة فاعلة غنية وحقيقية. والمثال الجيد على ذلك هو غمر الطلبة في ثقافة أجنبية ليتعلموا لغة ثانية. وعلى التدريسيين الاستفادة من قدرة الدماغ على توازي العمليات.

- يجب أن يكون الطلبة في موقع التحدي الحقيقي. والتحدي هذا يثير عقولهم ليقرروا ويختاروا النشاطات المرغوبة عندهم.

- لكي يحيط كل طالب بالجوانب المختلفة لمشكلة ما يجب أن يكون هناك تحليل مكثف لمختلف الطرائق الممكنة لحلها وللتعلم عموما، وذلك ما يعرف (بالمعالجة الفاعلة للخبرات).

 ويستند التعلم المسند بالدماغ على عدد من المعتقدات منها:

- التغذية الراجعة تكون أفضل عندما تأتي من الواقع، بدلا من صدورها بشكل رسمي.

- يتعلم الناس أفضل عندما يحلون مشكلات واقعية تجابههم.

- لا يمكن فصل الصورة الكلية عن الأجزاء المكونة لها.

- ولأن كل دماغ فريد بذاته، فان على التربويين أن يسمحوا للمتعلمين لتكوين بيئاتهم الخاصة.

- مصمصوا الأدوات التربوية يجب أن يكونوا فنانين في ابتكارهم للبيئات التي تسند التفكير بالدماغ.

- أفضل طريقة للتعلم ليست هي المحاضرات فقط، ولكن أيضا من خلال المشاركة في البيئات الحقيقية التي تمكن المتعلمين من تجربة الأشياء الجديدة بأمان.

تضمينات لتدريبات تعليمية أفضل وتعلم أمثل:

يمكن اشتقاق عناصر تعليمية فاعلة من المبادئ السابقة بالشكل الآتي:

- بيئة ثرية غنية بالمثيرات توفر للطلبة إمكانية استخدام مواد مبتكرة ومنتجات ومجلات علمية ومساحات للعروض حرية استخدام أجهزة العرض المتوافرة في تلك البيئة.

- أماكن تعلم المجموعات مزودة بأثاث يرتب بشكل يسمح فيه بتكوين مهارات اجتماعية وعمل تعاوني بين مجموعات التعلم، ومساحات كافية تجمع جميع المحاورين والمناقشين، فضلا عن تغطية أرضية تلك الأماكن بغطاء مناسب لا يتضايق منه من يريد أن يجلس على الأرض.

- توفر التهوية الجيدة في أماكن عمل المتدربين يسمح لأدمغتهم الحصول على الأوكسجين الكافي واللازم لعملها.

- آماكن آمنة للطلبة لا يوجد فيها تهديد بالعقاب.

- التنوع في الأماكن وتوفر إضاءة مختلفة، ومعظم الأطفال يفضلون العمل على الأرض وتحت المناضد للعمل مع الشركاء.

- تغيير العروض في الصفوف بانتظام لتوفير مواقف لإثارة الدماغ وتطوره.

- توفير مواد متعددة للتعلم في مختلف الأوضاع الفيزياوية داخل الصفوف لكي تتكامل النشاطات التعليمية بسهولة ويجب أن تكون أماكن الحاسوب وإجراء التجارب متجاورة وذلك للسماح للمتعلمين من القيام بنشاطات تعليمية متعددة.

- المرونة ولحظة التعلم يجب تشخيصها والتوكيد عليها.

- أماكن نشطة وايجابية لحاجة الطلبة لمساحات هادئة للانعكاس (reflect) والاعتكاف لغرض استخدام الذكاءات الشخصية (Intrapersonal intelligence).

- المكان الشخصي (Personal pace) لحاجة الطلبة إلى أثاث شخصي، وبذلك تتوفر الفرصة للمتعلمين للتعبير عن هوياتهم الفردية الذاتية.

- المجتمع بيئة تعلم مثالية كبيرة إذ يحتاج التدريسيون إلى إيجاد طرائق لإشغال الأماكن العامة والطبيعية لاستخدامها كمواقف تعلم إضافية، لذلك على المؤسسات التربوية الاهتمام بالتكنولوجيا والتعلم عن بعد، والمشاركة في الأعمال المجتمعية وتوسيع اهتمامها بهذه المجالات.

- الإثراء (Enrichment) يمكن للدماغ من عمل ارتباطات جديدة في أي عمر. وأفضل الخبرات هي تحدي المواقف الصعبة والمشكلات مع التغذية الراجعة الملائمة.وتتطور المهارات المعرفية (cognitive skills) بشكل أفضل مع الموسيقى والمهارات الحركية.

- المنهج (curriculum):

على التدريسي أن يصمم التعلم حول رغبات الطلبة وجعل التعلم قريني (Contextual).

- التدريس (Instruction):

 على التدريسيين أن يفسحوا المجال للطلبة ليتعلموا في فريق، وكذلك ليتعلموا من المحيط الخارجي. ويبنى التدريسيون التعلم على مسائل حقيقية ويشجعوا طلبتهم في بيئات خارج القاعات الدراسية وجدران الأبنية المدرسية.

- التقويم (Assessment):

 طالما أن الطلبة يقومون بالتعلم ؛فان تقويمهم يجب أن يتيح لهم فهم نمط تعلمهم وما يفضلون. وفي هذه الطريقة يتعرف الطلبة إلى عملية تعلمهم ويعززونها. ومن الأهمية الاحتفاظ بالوثائق والأوراق الامتحانيه لغرض التطور والتقويم الذاتي. وهذا يساعد التدريسيين والآباء والطلبة في ملاحظة واستعراض نمو وتطور الطلبة عبر الوقت. وكذلك التدريسيين بحاجة لأن يحتفظوا ببرامجهم الاختيارية. وكلا التقويمين الشفهي والتحريري ضروريان للتطور الأكاديمي، والطلبة بحاجة لتكليفهم بواجبات متعددة.

وماذا بعد؟

 لا يستطيع العاملون في بحوث الدماغ القول بأن بحوث الدماغ قد برهنت... لأن تلك البحوث لم تبرهن أي شيء. ولكنها على كل حال تقترح قيمة مسار محدد.

 وهناك الكثير من الشكاوي عن هذه البحوث كونها مبالغ فيها ويصعب تفسيرها وتتطلب مسارا طويلا، ولا يوجد شيء جديد في هذا الأسلوب. ووصفها البعض بأنها غامضة ومتغيرة وسرعان ما تتغير قيمتها.

والجواب على كل هذه الشكاوي وغيرها يمكن إن يكون بالشكل الآتي:

 إن بحوث الدماغ المسند بالدماغ مازالت في بداياتها، وهناك الكثير مما يجب تعلمه عن الذي لا نعرفه!. وإهمالها أو عدم استغلال الفرصة المتاحة يعتبر تهربا، وربما يكون إهمالها أكثر خطورة على المتعلمين أنفسهم.

 وربما تبدو بحوث التعلم المسند بالدماغ متضاربة ومربكة وغامضة، فهي جديدة، ويجب توقع ذلك، ولا يمنع ذلك من نقدها!

* مركز تطوير الملاكات/ هيئة التعليم التقني، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

** دراسة نشرت في مجلة الفرات الفصلية العدد السادس الصادرة من مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

http://fcdrs.com

.......................................................

مصادر تمت الاستفادة منها:

1) البعلبكي، منير(2006)، المورد (قاموس انكليزي_عربي)، دار العلم للملايين، بيروت.

2) حتي، يوسف والخطيب احمد (2006)، قاموس حتي الطبي للجيب (انكليزي_عربي)، ط1، قلم الشرق، بيروت.

3) مواضيع مختارة من الشبكة العالمية للمعلومات(الانترنيت):

o Brain Facts _ introduction, mind friendly learning.

o Funderstanding _ Brain _ Based Learning.htm

o Spears, Andea & Wilson, Lesie, Brain _Based Learning Height Light.

o Weiss, Ruth Paloma, Brain_Based Learning, the wave of the brain.

تعتبر المواقع أدناه من المواقع المهمة على الانترنيت التي توفر معلومات عن الدماغ:

o http://www.geocities.com/educationplace/theory.htm

o http://www.cainelearning.com/

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/آذار/2010 - 30/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م