نَزعة القسر والإرغام في الانظمة السياسية المتخلفة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة علاقة تقارُب وتداخل بين الاستبداد والنظام السياسي المتخلف، وكأن الإثنين أحدهما يؤازر الآخر، فأينما ساد النظام السياسي المتخلف ساد الاستبداد ويصحّ العكس تماما، هذا القانون - إذا قُبلتْ هذه التسمية - نراه نافذا في دول العالم الثالث ومن بينها وربما أبرزها أنظمة الحكم في الدول العربية والاسلامية، حيث ظاهرة الاستبداد تبدو ملازمة لهذه الانظمة لدرجة أنها تخشى مغادرة عروشها فيما لو تركت الاستبداد جانبا واعتمدت النهج التحرري الذي يتيح للجميع مجالا كافيا للمنافسة السياسية وغيرها.

وكل المؤشرات القائمة على الارض تؤكد ما ذهبنا إليه، فمن خلال نظرة سريعة على طبيعة هذه الانظمة السياسة سنكتشف من دون عناء أن ظاهرة الاستبداد تعشش في هياكلها ومكوناتها الاساسية والفرعية، ولعل المفصل الأخطر هنا يتمثل بانتشار الاستبداد كثقافة سلوك إبتداء من المحيط العائلي الى المحيط العملي صعودا الى الجهاز الحكومي التنفيذي القائم على آلية القسر والارغام.

وعند البحث عن المسببات التي تدعم هذا السلوك السياسي المتخلف، فإننا سنكتشف تجذّر هذه الظاهرة بين مجتمعاتنا منذ زمن ليس بالقريب، بمعنى أن ما يظهر على السطح حاليا ليس وليد الراهن او التأريخ المنظور فحسب، وإنما يمتد عميقا في بطون التأريخ، وإذا كان المجتمع البشري كله قائما على القسر والضغط وغمط الحقوق لصالح الاقوياء المستبدين تحت سطوة الغرائز المتسلطة في النفس المنفلتة، فإن الزمن وامتداداته وتواصله مع موجات التهذيب الدينية والفكرية والعلمية وغيرها، تمكن من تحجيم الاستبداد في أمم متعددة، حيث اصبح النهج المتحرر سبيلا لادارة شؤنهم سياسيا وفي مجالات الحياة عموما.

لكن الامر الذي يثير الاستغراب حقا هو تراجع العرب في هذا المجال وبقاؤهم تحت هيمنة السلوك الاستبدادي حتى في هذا العصر الذي تحررت فيه كثير من الامم والمجتمعات التي كانت حتى وقت قريب تُحسب في عداد الامم المتخلفة، وهذا ما يقودنا الى الاستنتاج بأن العرب يتحالفون مع الاستبداد ضد أنفسهم !!.

فهل في مثل هذا الاستنتاج مغالاة او احكام لا ترقى الى التوازن والاعتدال ؟ وهل أن هذا الرأي لا يستند الى حقائق او دلائل داعمة لصحته ؟ إن من يعتقد بمثل هذه المغالاة فلا بد له أن يغمض عينه ويغلق سمعه عمّا يبدر من الانظمة السياسية العربية التي تقوم على التفرد في ادارة شعوبها وتضع آليات التكميم والمحاصرة والتوريث في عمق أفعالها القائمة على الارض.

وأمامنا نماذج كثيرة في هذا المجال حيث الرئيس الجمهوري الفلاني يتمسك بمنصبه (مدى الحياة) ولم يشبع من ذلك فيعدّ إبنه خلفا له رئيسا للجمهورية وما أن يلفظ أنفاسه حتى نجد هذا الابن وقد تصدر دفة الحكم ولعل الاغرب في هذا المجال هو تغيير الدساتير بما يلائم تحقيق أبدية السلطة لهذه العائلة الجمهورية او تلك.

أما إذا تحدثنا عن الحكومات المتوارثة بالملوكية او الاميرية او السلطنة فحدّث ولا حرج، فالمهم في الامر أن تبقى السلطة في أيدي هذه العائلة او تلك، والمهم أيضا أن يتحقق هذا الهدف بالوسائل المشروعة وغير المشروعة، وإذا كانت الوسائل المشروعة غائبة على نحو شبه كلي، فإن غير المشروعة منها سوف تستأسد في هذا البلد او تستأذب في ذاك بوسائل الاستبداد المختلفة. 

لتبقى هذه الحكومات تتسيَّد شعوبها من دون مراعاة لما وصل إليه العالم من تطور سياسي أصبحت معه الحكومات المستبدّة في خبر كان، حيث الانهاج التحررية والمشاركة في صنع القرار وادارة البلاد صار أمرا معتادا ومتعارفا وسائدا في الكثير من بلدان العالم التي بذلت جهودا كافية لتطوير شعوبها على المستويين المتناقضين الحاكم والمحكوم.

فحاكمهم واعي ومثقف ويعرف دوره تحديدا وفقا لبنود الدستور الذي ينظم سلطاته وصلاحياته، والمحكوم يعرف حقوقه ويطالب بها ويفهم واجباته ويؤديها حيال الحكومة والمجتمع في آن، وتسير حياتهم بآلية التفاهم المتبادل والمنظم ببنود مكتوبة وراسخة في الفكر والسلوك.

فيما تبقى نزعة الاستبداد قائمة في الانظمة المتخلفة، ويبقى المواطن قاصرا عن الفعل القادر على تغيير الامور الى جادة الصواب، بالنظر لعدم توازن القوى، فالسلطة والمال والقوة بيد الحاكم والجهل والمرض والفقر والتسليم بالامر الواقع من حصة المواطن.

على أننا نقرّ بأن مسؤولية تغيير الاستبداد تقع على عاتق المواطن اولا ثم الحاكم الذي قد (يشبع) في يوم ما من كرسي السلطة، فردا كان او جماعة، فيفهم أن دوره لا ينحصر في إدارة البلاد سياسيا، وإنما يعبر ذلك الى نشر الوعي بين الجميع لنقل نهج الحياة من الاستبداد الى المشاركة والتعايش والتنوع والتداول السلمي للسلطة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/آذار/2010 - 28/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م