صحافة ناعمة أم مستنيرة؟

مرتضى بدر

ظلّ قانون نقل الأعضاء البشرية يتدحرج في مجلس الشعب المصري مدة 15 عامًا حتى صدر قبل أسبوعين. وقد يعتبر القانون المذكور الأول عالمياً من حيث المدة التي استغرقت في إصداره. النقاش بشأن قانون الصحافة في البحرين بدأ أثناء الإعداد لنصوص الميثاق أي في العام 2001، ولكن التحرك العملي لوضع قانونٍ عصريٍ للصحافة بدأ في العام 2006 بمبادرة من مجلس الشورى، وبعد ذلك تمّ نقل المشروع إلى المجلس النيابي في الدورة الأولى من الفصل التشريعي الثاني.

 المؤسف أنّ المشروع ظل حبيس لجنة الخدمات لمدة ثلاثة أعوام، ولم يبادر الأعضاء إلى مناقشته إلا قبل أسبوعين فقط. لا أرغب في التشكيك في نوايا النواب، ولكن في نفس الوقت لا يمكن تبرئة موقفهم غير المتحمّس من إصدار قانونٍ راقٍ يتلاءم مع المناخ الديمقراطي في العالم، وفي عصر تقنية المعلومات التي رسّخت عملياً نظرية صحافة بلا حدود.

هذه الصحافة التي لا يستطيع مقصّ الرقيب الوصول إليها. هواجس بعض نوابنا من وجود صحافةٍ حرةٍ في غير محلّها، كما أنّ محاولات بعضهم في ربط قانون الصحافة بقانون العقوبات يعتَبر خدمةً مجانيةً للحكومة، وإنكارًا لحقوق الشعب الذي يتطلّع لقانونٍ عصريٍ يضمن حرية التعبير، وحرية المعلومات، وكشف الفساد؛ كون الصحافة هي السلطة الرابعة التي لا تقل أهميةً عن السلطة التشريعية.

إنّ الخوف المفرط لدى بعض النواب من حرية القلم والفكر، وإطلاق يد الصحافي في كشف الحقائق غير مبرر، وسعي بعضهم لتغليظ العقوبة على الصحافيين من خلال ربط قانون الصحافة المدرج على جدول أعمال المجلس بقانون العقوبات ما هو إلا محاولة بائسة لليّ أذرع الصحافيين، وتضعيف أقلامهم، وتحقيقاتهم الصحفية، وقد يُفَسّر بأنها محاولةٌ لخلق صحافةٍ ناعمةٍ ووديعةٍ، وأليفةٍ، ومرغوبةٍ من قبل الحكومة والنواب على السواء.

بتقديري، في عصر العولمة وفي ظل انتشار الصحافة الإلكترونية، يعتبر هكذا نوع من الصحافة، صحافةً شاذّةً.، كما لا أعتقد، أنّ المشروع سيرى النور، خاصة ونحن في الدورة الأخيرة من عمر المجلس، ولم تبقَ من الجلسات الرسمية للمجلس سوى عشرة.

 وفي أول جلسة نقاشٍ حول القانون أضاع النّواب ساعاتٍ من وقت المجلس حتى تمكّنوا من الموافقة على خمسة مواد فقط من أصل 84 مادة. لذا أنصح نوابنا الأفاضل بأن لا يقتدوا بزملائهم في مجلس الشعب المصري، الذين أضاعوا 15 عامًا في إصدار قانون نقل الأعضاء البشرية. إنني وجميع أصحاب القلم نعلم جيداً أنّ قانون نقل الأعضاء أخفّ على الحكومات ونوابها في البرلمانات من قانون الصحافة؛ لأنّ الأخير يمسّ الحريات ويخصّ وعي الجمهور وثقافتهم.

 فنحن لا نريد من خلال القوانين تكبيل يد الصحافة والصحافيين، وتكميم أفواههم، وتخريب وعي الناس، وتحريف عقولهم، وحجز المعلومة عنهم، خاصة وكما أشرت بأننا قد دخلنا عصر الصحافة بلا حدود، حيث المعلومات تنتشر بسرعة الضوء. لذا أجدّد نصيحتي إلى النواب بأن يعيشوا في الزمن الحاضر، وينظروا إلى المستقبل بروح المسئولية الوطنية، ويحافظوا على حقوق الأجيال القادمة. يقول الإمام على (عليه السّلام): “لا تجبروا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم خُلقوا لزمانٍ غير زمانكم” .. فعلى النواب أن يعلموا أنّ ما بأيديهم أمانة، ويتضمن في جنباته حقوق الأجيال القادمة، فعليهم أن لا يفرطوا في هذه الحقوق،

وألا يساهموا في إخراج قانون سيء ينتهك الحرية الصحفية وحقوق الصحافي، كما عليهم أن يعلموا أنّ الجلوس على الكرسي النيابي على الدوام من المحال، فهذا الكرسي عاجلاً أم آجلاً سيوكل لغيرهم، وحتى لا يندموا غداً على عدم وجود صحافةٍ حرّةٍ تدغدغ مشاعر المسئولين، ننصحهم بالعمل على إخراج قانون يتناسب وروح العصر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/آذار/2010 - 28/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م