الإعلان التجاري في العراق وإشباع رغبات المستهلكين

تحقيق: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: دخل الإعلان التجاري كعامل ترويج وتسويق للصناعات والخدمات المختلفة من اجل تحفيز المجتمعات على الإقبال على تلك الصناعات أو الخدمات بما يؤدي لتحقيق عامل الانتشار وتوسيع رقعة التسوّق والتأثير المادي، فضلا عن السعي لإشباع رغبات الأفراد والذي عادة ما يرافق جهود الإبداع والابتكار التي تحاول أن تأتي بها الجهات المعلِنة أو وسائل الإعلان.

وفي العراق كانت وسائل الإعلان في عهد النظام السابق مقتصرة على الجهات الحكومية التي تروّج للمناقصات أو المزايدات العلنية والسرية دون أن تكون هناك أية وسائل إعلانية تختص بترويج النشاطات والبضائع والمنتجات، لكن الأمر أختلف تماما بعد التغيير الذي أعقبَ العام 2003 فقد بدأ نشاط القطاع الخاص يلقي بظلاله على السوق عن طريق الاستيراد أو التصنيع أو الاستثمار ومن ثم ظهرت الحاجة إلى انتهاج طريق الإعلان والترويج كحالة حضارية لابد منها.

وجهات نظر متخصصة

يقول رائد العسلي، مدير إداري لإحدى شركات الإعلان في كربلاء معلِّقاً على سؤال حول مدى فاعلية الإعلان التجاري في الوقت الحاضر،" للأسف إن ثقافة الإعلان وإدراك مدى أهميته لا تزال شبه معدومة في البلد عموماً، فضلاً عن إن اغلب الجهات تتعامل مع الإعلان بصورة سلبية انطلاقاً من فهم خاطئ يفيد بأن الإعلان هو للشركات أو المحلات أو الجهات التي تعاني الكساد".

ويضيف العسلي،" هناك أسباب إضافية في عدم فاعلية نشاط الإعلان التجاري تعود إلى قلة خبرة الكوادر في هذا المجال، الذي يعتمد بصورة كلية على كوامن الإبداع والابتكار واللباقة في سبيل الإقناع وتعميم الفائدة".

ويتابع،" مع ذلك نستطيع القول أن ثقافة الإعلان تتقدم نحو الانتشار ولكن بصورة بطيئة، فهناك دليل تجاري في كل محافظة تقريباً، فضلا عن وجود شركات متخصصة تتبنى هذا العمل، وهناك واحدة في كربلاء هي شركة "كُن"، التي تُصدر صحيفة أسبوعية متخصصة في الإعلان التجاري، وتوزَّع مجاناً حيث يجد المواطن العديد من احتياجاته فيها".

ويقول محمد الكلابي، مصمم إعلانات،" فيما يخص مجال عملي فإن هناك برامج معتمدة عالمياً نضع من خلالها تصاميم الإعلانات التجارية بكافة أشكالها، ونحن على متابعة مستمرة لكل ما هو جديد في عالم التصميم بما يتلائم ومتطلبات السوق في العراق".

وعن سؤال يتعلق بكيفية التوفيق بين الأطر التي يتسم بها المجتمع المحافظ وبين متطلبات الانفتاح في استخدام المؤثرات الإعلانية المختلفة أجاب الكلابي بالقول،" فيما يخص الكيفية التي نخاطب بها المجتمع فإننا ننتهج طريقاً وسطاً للتوفيق بين ما يفرضه المحيط الاجتماعي وبين ضرورة الانفتاح التي تشترطها قوة بث الإعلان، رغم علمنا الأكيد بأن شريحة الشباب ترغب في تبيان عناصر الإعلان دون تغطية أو تقييد ما دامت المسألة عبارة عن عملية ترويج لعمل قانوني".

نقص الخبرة وتسييس الإعلام

ويتحدث الدكتور أحمد باهض، أستاذ الاقتصاد في جامعة كربلاء، حول معوقات تنمية سوق الإعلان التجاري قائلا،" المؤسسات الإعلامية العراقية حديثة النشئة وهي لاتمتلك إلا قدراً يسيراً من الخبرة، كما انها تحتاج الى المزيد من الوقت للإندماج والتواصل مع مؤسسات الإعلان التجاري في دول الجوار والعالم".

ويضيف باهض،" من ناحية اخرى نلاحظ ان أغلبية وسائل الإعلام مسيَّسة وذلك يؤثر بطبيعة الحال على الكفاءة والتأهيل، علماً بأن الاعلان التجاري هو أحدى القنوات المهمة في سبيل تحقيق العائدات المادية التي تصب لصالح تعزيز الدور الاعلامي مع ضرورة  توفر عناصر الاقناع وقوة التعبير.

ويتابع،" في الكثير من دول العالم تعدَّت مهمة الإعلان والترويج مرحلة الانتشار في الصحف والتلفزيون إلى منافذ ومواقع متخصصة على الانترنت مهمتها الاعلان والبيع والشراء وحتى خدمة التوصيل للمستهلك، لكننا للأسف ما نزال بحاجة الى تطوير سوق الإعلان التجاري من الصفر، أي من مرحلة إيجاد صحف ومجلات ومنشورات متخصصة في بلدنا، ونأمل أن يتم العمل على ذلك خلال السنوات القادمة".

تأثيرات مباشرة

فيما يرى الإعلامي والأديب الكربلائي علي حسين عبيد أن تأثير الإعلان التجاري دخل البيت العراقي بعد مرحلة التغيير التي أعقبت العام 2003، ويضرب مثالاً بالقول،" لاحظتُ تأثير الإعلانات على نمط الحياة العائلية من خلال تأثُّر أبنائي في اقتناء الحاجيات والسلع والكماليات التي يشترونها تبعاً لما يرونه في الإعلانات عبر محطات التلفزة وغيرها".

ويضيف عبيد،" غالباً ما أسمع من ابني أن أصحابه اشتروا هذه السلعة أو تلك بعد أن رأوها في إعلان تجاري وهو بدوره يطالب بها أيضاً، وهذا مؤشر كبير على انخراط الإعلانات بمختلف أشكالها في خدمة الذوق العام من خلال تقديم خيارات عديدة لأشياء نرغب باقتنائها، بما يتيح لنا المفاضلة في الاختيار".

ضعف الاقتصاد المحلي سبب آخر

بينما تقول المواطنة أم غدير،" لا نرى أي أثر فعال للإعلان التجاري في القنوات الفضائية العراقية حيث لا نجد سوى الإعلانات الحكومية المهتمة بالوضع الأمني، في حين أن الفضائيات العربية أصبحت مملّة لما تحتويه من مواد إعلانية كثيرة جداً تتخلل كافة المسلسلات والبرامج التي تطرحها".

وتضيف أم غدير،" أتمنى أن تزدهر الصناعات المحلية فهي التي ستستطيع تحريك سوق الإعلان التجاري، عندما تتزاحم الشركات والمعامل في طرح منتجاتها وتسعى إلى كسب أكبر قدر ممكن من الناس ستكون هناك حاجة ماسة للإعلان".

ويبدو أن أم غدير على دراية مناسبة فقد أضافت سبباً آخراً قد يكون محورياً على الأقل في الوقت الحاضر هو" قلّة الثقة بالمُنتجات المحلية، وارتفاع أسعارها بالمقارنة مع المنتجات المستوردة".

ويقول محمد الخفاجي، معلِّم،" قبل بضع سنوات لم نكن نعرف أهمية أو دور الإعلان التجاري، فقد كان العراق عبارة عن سجن كبير حطمته الحروب وبعدها الحصار الدولي، ولكن بعد الانفتاح على العالم أدركنا أن الإعلان من الممكن أن يزودنا بمعلومات تهمنا كمتسوقين باحثين عن الأفضل والأنسب من المستلزمات والحاجيات والسلع". مضيفاً،" أرجو أن تنتشر سوق الإعلان في محيطنا الاجتماعي فيجد المواطن ضالته دون بحث أو إجهاد خاصة وأن البلد مقبل على انفتاح اقتصادي كبير ومتنوع".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/آذار/2010 - 27/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م