عراق ما بعد 7 آذار: الحبر يغلب الدم

انعطافة حقيقية نحو الدولة المدنية وآمال بمستقبل مشرق

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: يشكك خبراء في احتمال أن تثبت الانتخابات العراقية التي تجري بعد سبعة أعوام على غزو العراق، صحة موقف الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، لكنهم يقرّون في الوقت نفسه بتقدم ملحوظ للديمقراطية في البلاد.

ويطرح تقرير لمجلة نيوزويك الأسبوعية بعنوان "النصر، أخيرا"، هذه الإشكالية ويبدأ بتصريح للرئيس الأمريكي السابق الذي أمر بإطاحة نظام صدام حسين حيث قال "الديمقراطية ستنتصر في العراق".

وأدلى بوش بتصريحه هذا في نوفمبر 2003 بعد أن تحول الانتصار السهل والسريع في العراق إلى جحيم للقوات الأمريكية في هذا البلد، ومعاناة اكبر للشعب العراقي الذي بات أسيرا وضحية لنزاع مروع.

وكتبت المجلة أن خطاب بوش حول الديمقراطية حمل أصداء سخرية مريرة.. وكذلك ظهوره قبل اشهر مفاخرا على متن حاملة طائرات أمام لافتة ضخمة تقول "المهمة اُنجزت".

وعلى الرغم من ذلك برز في العراق شيء يشبه الديمقراطية إلى حد بعيد، على ما أكدت المجلة عشية الانتخابات النيابية التي أجريت معتبرة إن العراق الجديد قد يمثل حقبة جديدة في تاريخ الشرق الأوسط البعيد كل البعد عن الديمقراطية.

ومن جانب آخر رصد تقرير صادر عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي اختلافات في آراء ومواقف الشيعة العراقيين من قضية التواجد الأمريكي في بلادهم الذي يعتبره مناهضو الولايات المتحدة "احتلالا"، مشيرا الى تباين وجهات نظرهم حيال الدولة الدينية الثيوقراطية على غرار النظام الإسلامي.

وقالت المحللة نورا بنساحل من منظمة «راند» لوكالة فرانس برس ان «الوضع في العراق اكثر تعقيدا مما يوحي به تقرير نيوزويك». وتابعت «لا نقاش في ان صدام حسين لما كان غادر السلطة وان النظام الديموقراطي لما كان انشئ عام 2003 لولا الاجتياح». «لكن قرارات الرئيس بوش حول قيادة الحرب، وخصوصا ما بعد الحرب، ادت الى تراجع العملية الديموقراطية التي كان يمكن ان تكون افضل».

وتابعت بنساحل «ان مجرد وجود حكومة فاعلة في البلاد تقر القوانين وتنفذ بعضها، مؤشر ايجابي جدا على طريق احلال الديموقراطية». واوضحت ان الوضع افضل بكثير مما كان يمكن توقعه قبل عامين، مشيرة في الوقت نفسه الى العناصر المجهولة الكثيرة والخطيرة في فترة ما بعد الانتخابات، كوضع المناطق الكردية وتوزيع عائدات النفط والعلاقة بين السلطة الفدرالية والاقاليم، الخ.

ولخص مايكل اوهانلن من مؤسسة بروكينغز في رسالة الكترونية لوكالة فرانس برس «لدي امل من اجل العراق، لكن ما زال ينبغي القيام بالكثير».

وذكر اوهانلن ان استحقاق الاحد يأتي بعد انتخابات اولى عام 2005، مشيرا الى ان «الانتخابات الثانية محورية لانها تثبت ترسخ الممارسات، بما في ذلك انتقال السلطة سلميا بين اكثريتين».

وختم الخبير بالقول «تقنياً، إن نيوزويك محقة لأن العراق ديمقراطية» مضيفا أن الصحيفة تتسرع قليلا في الاستنتاجات.

سيناريو الأقزام الأربعة يدفع العراق لمنعطف خطر

ونشرت صحيفة لوس انجلوس تايمز مقالا تحليلياً حول سيناريوهات الحكم في العراق بعد الانتخابات جاء فيه: منذ توليه السلطة في 2006، ناقض رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي كل التوقعات وبرهن أنه قائد جريء وبعيد النظر تمكن من تغيير صورته من شخص مجهول الى واحد من أكثر سياسيي العراق شعبية ومهارة.

لكن من الواضح أنه جعل معظم زعماء العراق الآخرين يبتعدون عنه لدرجة قد لا يتمكن فيها الاستمرار في منصبه بعد انتخابات يوم الأحد التي صوّتَ فيها العراقيون لانتخابات البرلمان الجديد الذي سيختار بدوره حكومة جديدة.

ولاشك أن هذه الانتخابات حاسمة، إذ سيتعين على أية حكومة ينبثق عنها تحديد مستقبل العراق الى ما بعد انسحاب الجنود الأمريكيين منه في 2011. بل وثمة احتمال لأن يسعى الجانب الأمريكي الى تأجيل الانسحاب إذا لم تكن العملية الانتخابية سليمة.

ويمكن القول أيضاً إن من المستحيل تقريباً التكهن بنتيجة الانتخابات التي لن تحددها على الأرجح أصوات الناخبين بل التحالفات التي سيتم إبرامها بعد فرز الأصوات.

وفي هذه المرحلة يمكن أن يواجه المالكي الفشل حتى لو نجحت قائمة مرشحيه بالفوز في البرلمان بمقاعد أكثر من غيرها.

ورغم أنه من غير الممكن الوثوق بعمليات استطلاع الآراء، تشير نتائجها الى أن انتخابات هذه السنة ستنتهي بما انتهت به انتخابات المحافظات العام الماضي التي كشفت أن المالكي هو السياسي الأكثر شعبية في العراق بفضل التأييد الذي حظي به بين الأغلبية الشيعية.

صحيح أن الكثيرين يعيدون الفضل إليه في توفير الأمن الذي حقق شيئاً من الطمأنينة وأعاد البلاد الى طبيعتها ولو جزئياً عقب أحداث العنف الطائفي بين السنّة والشيعة التي أثارتها انتخابات 2006، إلا أن التمزق السائد على الساحة السياسية في العراق الآن يجعل من الصعب جداً على أية قائمة انتخابية الفوز بالأغلبية.

فالكتلة الشيعية الموحدة، التي اكتسحت الجميع في الانتخابات الفائتة، انقسمت الآن الى معسكرين: تآلف دولة القانون بقيادة المالكي، الذي يحاول تصوير نفسه بأنه غير طائفي والتحالف الوطني العراقي الأكثر تديناً.

وهناك أيضاً الكتلة العراقية بقيادة العلماني الشيعي إياد علاوي، الذي كانت الولايات المتحدة قد اختارته لقيادة أول حكومة عراقية بعد الاحتلال، وهو قادر على الفوز بأصوات العلمانيين والعرب السنة، لكنه سيواجه منافسة شديدة من جانب «الوفاق العراقي» السني المتدين ومن تحالف «وحدة العراق»، الذي هو تآلف جديد يقوده وزير الداخلية الشيعي جواد البولاني وأحمد أبو ريشة زعيم سني من مجموعة الصحوة.

بل وحتى التحالف الكردي الرئيسي، الذي كان برز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة كصانع للملوك، يواجه الآن تحدياً من حزب كردي منشق هو حزب التغيير.

غير أن المسألة الوحيدة التي تجمع بين كل تلك المجموعات السياسية المتنافسة هي الرغبة في إزاحة المالكي عن منصب رئيس الحكومة، وفقاً لما يقوله موفق الربيعي - مستشار المالكي سابقاً لشؤون الأمن الوطني الذي يخوض الانتخابات الآن كمرشح في تحالف شيعي منافس. ويقول الربيعي: النزعة المناهضة للمالكي ستوحدنا جميعاً فهناك معارضة كثيرة وقوية للمالكي شخصياً.

غير أن مؤيدي المالكي يقولون إن الصفات والمزايا التي يتمتع بها هي التي أبعدت عنه السياسيين وأمنت له الشعبية. وفي هذا السياق، من المفيد الإشارة الى أن المالكي كان قد أمر الجيش العراقي بشن حملة على ميلشيات الشيعة في 2005 الأمر الذي عزز مكانته لدى الناس العاديين ودفع حركة الصدر القوية للنفور منه.

ويبدو أن خطاباته الوطنية العربية تجذب إليه الكثير من المواطنين العراقيين لكنها تزعج في نفس الوقت حلفاءه الأكراد.

يقول حيدر نزار وهو محلل سياسي يعمل في بلدة النجف: أظهر المالكي من خلال انفراده بالعمل دون استشارة شركائه في الائتلاف حزماً وقوة، وأمن القيادة التي يحتاجها بلد ممزق كالعراق. فمن الواضح أن كل شخص في هذا البلد يريد أن يتولى المسؤولية ويُبعد الآخرين عنها، ولقد فهم المالكي هذه اللعبة وبدأ باتخاذ القرارات بنفسه، وأعتقد أن غالبية الساسة العراقيين يفتقرون الى مزايا شخصية المالكي.

بيد أن منتقديه يقولون عكس ذلك. إذ يقارنه الزعماء الأكراد بصدام حسين الذي حكم نظامه السني العراقي بقبضة حديدية حتى أطاح به غزو أمريكا في 2003.

كما لايزال لدى السنّة شكوك عميقة بمؤهلات المالكي العلمانية، وهم يشيرون في هذا الصدد الى دور حكومته في اعتقال المئات من مواطني العراق السنّة.

يقول المرشح السنّي المستقل مثال الآلوسي: ما المالكي سوى دكتاتور صغير، هو يسعى لكي يكون دكتاتوراً كبيراً يفتقر الى القوة اللازمة.

وتؤكد الصحيفة، الحقيقة أن فشل المالكي في استقطاب شخصيات سنية أو كردية مهمة الى تحالفه ينذر بمدى الصعوبات التي سيواجهها في تشكيل حكومة تآلف جديدة بعد الانتخابات حول هذا، يقول كينيث بولاك - مدير مركز سابان في معهد بروكينفز بواشنطن: ثمة احتمال يمكن أن نطلق عليه اسم «سيناريو الأقزام الأربعة» ونعني به أن كل مجموعات التآلف الرئيسية وهي «دولة القانون، التحالف الشيعي، العراقية والتحالف الكردي» سوف تفوز بأعداد متساوية من المقاعد لتسقط بعد ذلك بمشاحنات طويلة حول من يتعين ان يتولى المسؤولية.

وتختم الصحيفة بالقول، لاشك أن مثل هذا السيناريو مثير للقلق لأن المفاوضات بين تلك الأحزاب يمكن أن تستمر أشهراً كما حدث في 2005 و2006 وتخلف بذلك فراغاً في السلطة مع استعداد الجزء الأكبر من الجنود الأمريكيين للرحيل من العراق.

العراقيون يعارضون السلطة الثيوقراطية وولاية الفقيه

ورصد تقرير صادر عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي اختلافات في آراء ومواقف الشيعة العراقيين من قضية التواجد الأمريكي في بلادهم الذي يعتبره مناهضو الولايات المتحدة " احتلالا "،مشيرا الى تباين وجهات نظرهم حيال الدولة الدينية الثيوقراطية على غرار النظام الإسلامي.

وشددت البروفيسورة راشيل شنلير التي اعدت التقرير على " ان شيعة العراق لديهم نظرات متشعبة حول الدور الملائم للدين في الحكومة وعلاقته بالسلطة " مشيرة الى ما سمته " مناطق معروفة بالانقسامات الداخلية في الأحزاب الشيعية حول طبيعة التعاون مع الولايات المتحدة " ولكنها برأيها " ثانوية في تأثيرها على خيارات الناخب الشيعي في الانتخابات ". بحسب صحيفة الوطن.

ووفقا للتقرير فان الشيعة العراقيين لديهم وجهات نظر متشعبة حول العلمانية ودور الدين في مرحلة ما بعد صدام " مؤكدا " ان الكثر منهم ينظرون الى العلمانية بعدم الثقة ويعدونها الصفة المميزة الرئيسية لنظام صدام الى درجة انهم يعتبرون العلمانية والبعثية مترادفين".

ويشير التقريرالى ان الكثيرين من الشيعة العراقيين هم مثل العلمانيين في نظراتهم السياسية والاجتماعية وقال" كما هي حال معظم البعثيين، فان هذه الفئة من الشيعة تعارض النموذج الإيراني في الحكم، اي السلطة الثيوقراطية " وهو ما يتضح " في عدم تأييد الاغلبية الشيعية في العراق لنظام ولاية الفقيه".

وترى شنلير ان قادة أحزاب الإسلام السياسي الشيعية في العراق عملوا لدمج الإسلام الشيعي في الحكومة والسلطة معتبرين ذلك طريقة فعالة لمنع البعث من العودة الى السلطة" وقالت " هم في الواقع يمارسون عملية تطبيع يومي في كل مناسبة دينية للشارع العراقي،بهدف ابعاد شبانه على وجه الخصوص عن ذكريات وممارسات سياسية سابقة من خلال دمجهم في ممارسات دينية - سياسية - اجتماعية تجعلهم يعيشون مناخات تميل الى الطقوسية الدينية التي تزحم ذاكرتهم بما يحقق الازاحة التي يرجونها كأحزاب دينية لها منهجها في اشاعة الفكر الشيعي بكل تفاصيله وتعميد الشخصية العراقية بقصصه وشعائره".

وبرأي شنلير فان اكثر المعارضين الخطرين للنفوذ الإيراني في العراق،يأتي من الأحزاب الشيعية الدينية ومن ضمنها المجلس الإسلامي الاعلى على الرغم من إيران كانت وفرت الملاذات والتمويل لمقاتليه وتدريبهم "معتبرة" ان الشيعة العرب لم يعاملوا بصورة عادلة خلال سنوات النفي في إيران اذ انكرت حقوقهم المشروعة وعاملتهم بامتهان ما جعلهم يتعلقون بلغتهم العربية والعودة للبلاد في اول فرصة".

تقول شنلير" ان اغلب الأحزاب الشيعية لا تثق بالدوافع الإيرانية في التدخل في الشؤون العراقية وتشكك بالمصالح الإيرانية في النجف وتصل حالة التذمر بين الكثيرين منهم الى مستوى لا يمكن رصده في بعض الاوساط السنية "متوقعة مزيدا" من الانقسام بين المجلس الاعلى والتيار الصدري لان كليهما يرغب بالهيمنة على التيار الثيوقراطي - الديني في البلاد، إلا أنهم يتحركون على قواعد انتخابية مختلفة". 

الانسحاب الأمريكي: موازنات حرجة قد تحول النصر إلى هزيمة

يستعد العراق للتعامل مع مصير إعادة بناء دولته الجديدة منذ عام2003، ومع اعتراف السفير الأميركي في بغداد كريستوفر هيل بالأخطاء التي حصلت نتيجة قرارات الحاكم المدني بول بريمر تراهن مراكز الابحاث الاميركية بكونها ماكنة صناعة الافكار للادارة الاميركية في البيت الابيض او الكونغرس على نتائج هذه الانتخابات ما بين بروز برلمان جديد ذي اغلبية علمانية وموالي للغرب او استعادة الاحزاب الاسلامية الشيعية موقعها في البرلمان الجديد وبقاء النفوذ الايراني في البلد الذي يراد له ان يشكل نموذجا مقابلا للاصولية الشيعية التي يمثلها مبدأ "ولاية الفقيه" الايراني المعزز في هذه المرحلة بالنفوذ النووي للقنبلة الايرانية التي تحذر منها واشنطن وتستعد لاتخاذ الكثير من القرارات تبدأ بالعقوبات وربما لا تنتهي بها .

ويتفق محللون استراتيجيون في واشنطن على ان نتائج الانتخابات المقبلة تؤثر على طبيعة الانسحاب المسؤول من العراق، ومتابعة "صحيفة الوطن" لأبرز الدراسات التي صدرت خلال الاسبوعين الماضيين من موقعين مهمين في صناعة الافكار الاميركية هما مجلس العلاقات الخارجية الذي يوصف بالحديقة الخلفية لوزارة الخارجية الاميركية ، ومركز الدراسات الاستراتجية والدولية في واشنطن المتعاقد مع البنتاغون في مراقبة وتحليل شؤون الحرب في العراق من قبل الباحث الاستراتيجي انتوني كروزدمان، الخبير بالشؤون العراقية .

وفي جلسة استماع اجراها مجلس العلاقات الخارجية لعدد من الباحثين حول تداعيات النتائج المتوقعة للانتخابات العراقية، تراهن الباحثة نير روزين، وهي زميل في جامعة نيويوك ومتخصصة في القانون والامن الدوليين على ان التوترات في العراق بسبب أعمال العنف الأخيرة لن تؤثر على طبيعة الانتخابات في السابع من مارس المقبل، ورجحت نجاح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالعودة لدورة برلمانية اخرى رئيسا للوزراء حسب الانطباعات التي حصلت عليها خلال زيارتها الاخيرة للعراق، وقالت" ينظر للمالكي على انه غير طائفي، ويسعى لإنشاء حكومة قوية تستثمر النفط العراقي ويستخدم عائداته لبناء العراق، بما يحقق له شعبية كبيرة".

لكنها استدركت بالقول" في حين تطمح واشنطن بوصول اياد علاوي رئيس الوزراء الاسبق لرئاسة الوزارة المقبلة، لكن هناك من لا يثق بعلاوي حتى في واشنطن كونه بعثيا سابقا، وقللت مكن الحديث عن كون عودة المالكي الى رئاسة الحكومة يمكن ان يزيد من النفوذ الايراني في العراق.

في المقابل، يحذر كل من ستيفن بيدل و روجر هيرتوغ وكلاهما زميل أقدم للسياسة الدفاعية في مجلس العلاقات الخارجية من احتمالات عودة العنف الشامل الى العراق، ويصفانه بـ " الكارثة الانسانية للعراقيين التي تشكل خطرا كبيرا على المصالح الامنية الغربية في الشرق الاوسط".

ويؤكدان ان الحروب الاهلية في الكثير من الاحيان تمتد لتورط الجيران وفي 142 من الحروب الاهلية التي جرت ما بين عامي 1944 و1999 ، شهدت 48 حربا اهلية منها تدخلا عسكريا من جانب القوات النظامية للدول المجاورة.

ويؤكدان ان الحرب الاهلية العراقية الان قد خمدت والواقع الامني اقل عنفا مما كان عليه عام 2007 ، لكنهما يختلفان مع الرأي القائل بنجاح عملية " تحرير العراق" وإمكانية الانسحاب بسبب الآليات الخاصة لمثل هذا الاعلان ما بعد فرز نتائج الانتخابات لوجود خطر جدي بانزلاق العراق الى حرب اهلية من جديد تكون عواقبها أسوأ بكثير من عواقب حرب عام 2007 مع عواقب اشد قسوة على المصالح الغربية في البلد.

ومع التحذير من هذه العواقب الا ان الباحثين يشيران الى ان هذه المخاطر ليست" يقينية" ولكن لا يمكن استبعادها في اعتبار ان العراق ما زال مشكلة " اميركية" تتطلب الحل واية نتائج للانتخابات خارج تصورات الحل المطلوب تعني انهياره بسهولة .

الاندبندنت: الانتخابات العراقية الحالية تكتسي أهمية حقيقية

وخصصت صحيفة الاندبندنت إحدى افتتاحياتها الرئيسية للانتخابات في العراق تحت عنوان العراق يخطو نحو مستقبل يتسم بالهشاشة وعدم اليقين: انتخابات نهاية الأسبوع الحالي تكتسي أهمية حقيقية بالنسبة إلى البلد.

تقول الصحيفة إن كل الانتخابات التي شهدها العراق منذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 امتدحها الأجانب على أنها نقطة تحول في تاريخ البلد لكن اتضح أن ذلك لم يكن سوى تفكير رغائبي. وتستدرك الصحيفة قائلة لكن الانتخابات الحالية تكتسي أهمية حقيقية بالنسبة إلى مستقبل العراق.

فوتيرة انسحاب القوات الأمريكية من العراق التي من المقرر أن تبدأ في الصيف المقبل ستعتمد على استقرار الحكومة العراقية التي ستتمخض عنها الانتخابات التشريعية. وقدرة الحكومة على تنظيم انتخابات في ظروف آمنة يعد اختبارا في حد ذاته على ضوء تعهد المتمردين بتعطيل العملية الانتخابية. وفي هذا الإطار، تعرض مركزان انتخابيان البارحة إلى هجمات انتحارية.

وتمضي الصحيفة قائلة إن ليس هناك شك في أن رئيس الوزراء، نوري المالكي، والتحالف الذي يقوده سيكون في مستوى التحدي الذي يطرحه رئيس الوزراء العراقي السابق، إياد علاوي وتوجهاته العلمانية.

وتواصل الاندبندت أن ذلك يعزى إلى استخدام المالكي لمقدرات الدولة في بناء قاعدته الخاصة به علما بأن نصف سكان العراق يعتمدون على الحكومة العراقية في الحصول على نصيبهم من الحصة التموينية كما أن الحكومة هي الجهة التي توفر بشكل أساسي فرص عمل أمام العاطلين عن العمل. ولم يتأخر المالكي في استغلال هذا النفوذ.

ولم يكتف المالكي بذلك لتوسيع قاعدة نفوذه بل عمد إلى تأييد حظر مشاركة بعض معارضي حكومته في الانتخابات التشريعية على أساس أنهم يحاولون إعادة إحياء حزب البعث المحظور. وقد ترافق ذلك مع ضجيج إعلامي لقي تشجيعا من الحكومة.

لكن الحقيقة أن أي حكومة منتخبة في بغداد ستهيمن على مقاليد الأمور أخذا في الاعتبار أن الشيعة والأكراد يشكلون 80 في المئة من السكان. وتمضي الصحيفة قائلة إن السنة لا يمتلكون الأعداد الكافية من السكان لحكم البلد بمفردهم.

المشهد السياسي الطائفي في العراق لا يعني عودة إلى تجدد العنف الطائفي إذ إن تجدد أعمال العنف غير وارد كما يبدو رغم استمرار حضور تنظيم القاعدة في البلد. وكذلك، فإن السنة لا يرغبون في عودة الحرب الأهلية بعد الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها عامي 2006 و 2007. كما أن المالكي تصدى لجيش المهدي قبل سنتين في مدينتي البصرة وبغداد.

وتختم الصحيفة قائلة إن أفضل أمل أمام أي جهة تشكل الحكومة المقبلة يتمثل في تطبيق إصلاحات جزئية تشمل نوعية الخدمات التي تقدمها الدولة وتمني عدم انهيار أسعار النفط في العالم.

السيستاني رسم نموذجا للعراق يختلف عن إيران

وفي نفس السياق التحليلي نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا جاء فيه: اعتبر المحلل الامريكي ستيفن لي مايرز رفض المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني تأييد أي من التحالفات الانتخابية في العراق التي تتنافس على اصوات الغالبية الشيعية وكذلك اصراره على رفض تحالف سياسي شيعي طائفي محض ودعوته الى انتخاب المرشحين مباشرة بدلاً من الاقتراع للوائح الحزبية السرية عودة عن الدور الذي كان لعبه في تشكيل الائتلاف الشيعي الموحد خلال انتخابات العام 2005 مشددا على ان رفضه استخدام هذه السلطة يعني «رسمه شكل العلاقة بين الدين والدولة في لحظة محورية في تاريخ العراق».

وقال مايرز ان السيستاني يأمل بموقفه هذا «ان يخلق نموذجا للعراق يختلف الى حد كبير عن حكم رجال الدين في ايران» موضحا ان مدرسة الفكر الشيعي «الأكثر هدوءا» في النجف وعلى رأسها السيستاني أصرت على عدم تأدية رجال الدين دورا مباشرا في الحكم، وعارض مؤيدوها النموذج الإيراني خوفا من أن تلطخ السياسة سلطة رجال الدين وهيبتهم.

ولا يخفي مايرز مخاوفه من احتمالات ان لايبقى هذا النهج بعد السيستاني الذي بلغ عمره 79 عاما ويعاني من مرض مستدركا «في حال بقاء هذه النهج فإن تأثيره على العراق سيكون كبيرا للغاية».

وينقل مايرز عن رجل الدين محمد حسن الحكيم الابن البكر لاية الله محمد سعيد الحكيم احد رجال الدين الشيعة الكبار الثلاثة الاخرين والناطق باسمهم قوله «لا تريد المرجعية ادارة العملية السياسية، بل تريد الارشاد». موضحا «ان الدعم الاول لقيام ائتلاف شيعي كان ضروريا لضمان حصول الشيعة على حقوقهم بعد عقود من الظلم في ظل صدام حسين، لكنه لم يعد كذلك الان: نمنح الناخب الفرصة كي يقرر ويحسم أمره ويكون مسؤولا عن قراره» مشددا على «ان المرجعية لا تستطيع ان تقود العملية السياسية على الدوام».

يستنتج مايرز ان انتقاد احد رجال الدين الشيعة الكبار لاعتماد وزارة التربية العراقية كتابا مدرسيا جديدا يصف الشعائر المختلفة في الاسلام السني والشيعي «دليلا مهما في ذاته عن رغبة المرجعية في خلق نوع من الجدار الفاصل بين الدين والسلطة». 

ماذا لو فازت أحزاب قريبة من إيران؟

ومن جانب آخر لا تخفي الإدارة الأمريكية عبر مسئولين كبار ومراكز بحوث مقربة من صناع القرار في واشنطن قلقها من احتمالات تدهور الأوضاع الأمنية بعد الانتخابات العامة في العراق وما سيتبعها من تعقيدات تشكيل الحكومة الجديدة التي سيكون طريق تشكيلها أكثر مشقة من الانتخابات حسب ما استنتجه تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية التي مقرها بروكسل.

ويواجه الرئيس اوباما الذي كان تعهد بسحب قوات بلاده القتالية في أغسطس المقبل تحديات جدية قد تجعله يتراجع عن جدولة الانسحاب وفق المواعيد المحددة في الاتفاقية الأمنية مع العراق على خلفية الصراعات السياسية الحالية بين القوى المتنازعة على السلطة وامتداداتها بعد الانتخابات وهو ما عبر عنه السفير الامريكي في بغداد كريستوفرهيل حينما قال: «إن انتخابات متنازع عليها قد تشعل مجددا نار الفتنة الطائفية وتثير فوضى سياسية» موضحا «ان الاختبار الحقيقي للنجاح لن يكون في تصرفات الرابحين فقط بل في رد فعل الخاسرين الذين عليهم ان يعرفوا ان عليهم مسؤولية أكبر من غيرهم» في اشارة الى ضرورةعدم اللجوء الى العنف في حال الهزيمة. بحسب صحيفة الوطن.

إلا أن أوساطا في الادارة لازالت تعتقد بأنه على الرغم من تردي العلاقات بين الجماعات السياسية والمكونات الاجتماعية خلال الاشهر الاخيرة، لازالت الأوضاع بعيدة عن الصدام المسلح المباشر لأن القيادات السياسية اختارت على الاقل الآن حل الخلافات فيما بينها عن طريق العملية السياسية بدلا من الرصاص والقنابل».

وقال الخبير في شؤون العراق في «مركز التقدم الامريكي» وهي مؤسسة بحثية برايان كاتوليس «لا يتوقع معظم مراقبي الوضع في العراق حدوث سيناريو كارثي مثل الذي شهدناه العام 2006».

وحتى الآن لا يعرف القرار الذي ستتخذه واشنطن في حال دخل الساسة العراقيون بعد الانتخابات في حلقة مفرغة من الجدالات السياسية التي ربما ستتواصل لشهور طويلة قبل توصلهم الى صفقة بتشكيل الحكومة وما سيفرزه ذلك من فراغ امني وفي السلطة تستغله القاعدة وغيرها من الجماعات المسلحة المرتبطة بأطراف خارجية وفي مقدمتها ايران لإثارة موجة من اعمال العنف والاقتتال الطائفي مثلما حصل بعد انتخابات العام 2005، وهو امر متوقع بشكل كبير لاسيما وان الميليشيات المسلحة لم يتم القضاء عليها بشكل كامل وهي ستظهر مجددا وقت الحاجة وبشكل اكثرعدوانية.

وتحرص ادارة أوباما على عدم الافصاح عن هوية الطرف الذي ترغب في ان يشكل الحكومة المقبلة وتكرر عبر تصريحات لمسؤولي الخارجية بأنها «لا تفضل اي جهة على اخرى في السباق الانتخابي» ولكن السفير هيل قال: «إن واشنطن ترغب بتشكيل حكومة تحظى بتمثيل كل اطياف الشعب» موضحا «ان الناخبين وحدهم سيحددون من يستحق هذا التمثيل».

ويخالف كاتوليس هيل في موقفه مشددا على «ان فوز التحالف الوطني ذي الأغلبية الشيعية والذي يضم احزابا لها صلات واسعة وروابط متينة مع ايران سيسبب مشكلة للولايات المتحدة».

وفي الواقع ان السفير خالف نفسه في حديث آخر مظهرا بشكل لا لبس فيه مخاوف واشنطن من فوز جماعة ايرن في الانتخابات، اذ هدد في ندوة عقدت في واشنطن الشهر الماضي الساسة العراقيين في سياق حديثه عن نفوذ ايران في العراق قائلا: «اذا عملتم معنا فسيكون العراق عضوا في المجتمع الدولي وستتمتعون بالاحترام الدولي اينما ذهبتم،وستكونون شريكا ستراتيجيا» واضاف «لدينا قوات في بلدكم ويمكننا ان نؤذيكم، وسيكون الطريق معكم مختلفا اذا ذهبتم مع ايران».

إذن ما تريده واشنطن هو حكومة صديقة مستقرة في العراق قادرة على ان تحل المشاكل الكبرى التي لاتزال تواجه البلاد وفي مقدمتها كركوك المتنازع عليها مع الاكراد وتوزيع الثروة النفطية بشكل متناسب على كل المناطق والجماعات عبر تشريع قانون النفط والغاز وتسوية مشكلة التعديلات الدستورية المستعصية على الحل وخلق التوازنات العرقية والمذهبية في المجتمع.

ومع ان ادارة اوباما مازالت ملتزمة بسحب القوات من العراق وهو ما تريده أيضا الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس إلا أن هذا سيظل أمرا غير مقدس وقابلا للتفسير حسب الظروف والمعطيات الجديدة التي ستحدث والتي يمكن أن تعطل بعض الجداول، وهو ما أقره قائد القوات الأمريكية في العراق اوديرنو بإعلانه عن وضع خطط طوارئ لإبطاء الانسحاب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/آذار/2010 - 22/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م