المال السياسي في العراق

حدث وتحليل

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الأرقام اصدق أنباء من تصريحات السياسيين في عراقنا الديمقراطي.. ما الذي تتحدث عنه الأرقام بجردة حساب أولية وغير نهائية ، فالسباق في منتصف المسافة حتى السابع من آذار والأرقام في تصاعد مستمر..

على ذمة احد أصحاب المطابع والذي يطبع صور الفنانين والفنانات والممثلين الأتراك والعرب، أن تكلفة طباعة الصورة المتوسطة الحجم والتي توضع على أعمدة الكهرباء تكلف (25000) دينار عراقي والصورة التي اكبر منها والتي تعلق على الجسور او البنايات تتراوح تكلفتها مابين ال (50000 – 60000 ) دينار عراقي، اما الصورة التي تكون بالحجم الكبير جدا والتي تغطي عددا من الطوابق في عمارة عالية فتبلغ مليون دينار عراقي..

كم سيحتاج المرشح الواحد من كل صورة وبهذه التكلفة للواحدة منها؟ هل نتحدث عن مائة مليون دينار عراقي بالحدود الدنيا لكل مرشح؟ وماذا عن بقية مصاريف الدعاية الانتخابية الاخرى؟ والتي ليس اقلها وعلى ذمة الاخبار الصحفية، ارتفاع أسعار اللحوم في السوق العراقية، ولا أتحدث عن لحوم الكفيل او غيرها من الماركات المدعومة، بل اللحوم العراقية الطازجة وخاصة لحوم الأغنام التي تقدم في وجبات الهبيط والدليمية.. وهما أكلتان عراقيتان ( ينامن على القلب) لكثرة شحومها ودسمها.. ثم من أين تأتي تلك الأموال؟

في لقائه مع قناة الشرقية يسأل المحاور ضيفه الدكتور إياد علاوي عن صحة الاتهامات الموجهة له باستلامه مبلغ 13 مليار دولار من إحدى الدول (الشقيقة) والحريصة على مستقبل العراق (المفخخ) فيجيب رئيس الوزراء العراقي الأسبق وهو بالمناسبة من طبقة ( التكنو...) وليملأ القاريء الفراغ بما يشاء.. يجيبه: ليس صحيحا ما يقال فمثل هذا المبلغ يحتاج إلى مكان بمساحة بغداد.. ونسي (الرمز الوطني) أن مثل هذا المبلغ واكبر منه ينتقل بضغطة زر ويوضع بالجيب الصغير لأي جاكيت رسمي يرتديه من خلال بطاقة الكريديت كارت او غيرها من تسميات أخرى..

ويضيف علاوي أن حملته الانتخابية تكلف ستة ملايين دولار وهي أتته من تبرعات العراقيين المعجبين بسياساته وقبلها نضاله في المعارضة العراقية.. وهو رقم متواضع جدا، لو صدقنا صفة التواضع في مثل هذه الأرقام والتي تتنافى مع ما ذكره بعض الباحثين عن أرقام تكلفتها انتخابات المجالس البلدية السابقة والتي قاربت ميزانية سوريا للعام 2000 والتي بلغت 13 مليار دولار بالتمام والكمال..

يصف المفكر الفرنسي موريس دفرجيه المال السياسي في العمليات الانتخابية بأنه (صورة كاريكاتيرية للواقع السياسي في النظام الرأسمالي حيث يصبح هذا المال في فترات الانتخابات قابلا للاستخدام سلاحا في المعركة كالوسائل العسكرية)، بمعنى القدرة على التأثير في النتائج الانتخابية.

والتاريخ عربيا كان أو إسلاميا ، شرقيا أو غربيا، يذكر لنا ان المال السياسي أحدث الكثير من الانعطافات في مسيرة المجتمعات والدول.. والامثلة كثيرة..

في كتابه المعنون (استخدام المال السياسي في العصر الأموي) يتعرّض الباحث مجيد خليل الأستاذ في جامعة أوربا الإسلامية بهولندا لإغراض استخدام المال السياسي مثل شراء المؤيدين أو الزعامات أو رؤساء القبائل، أو لتفتيت المعارضة. وكيفية مساهمة المال في حسم الصراع لصالح بني أمية ضد خصومهم مثل استخدام المال للاغتيال،(فقد أعطى معاوية مائة ألف درهم إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس، لأنها دست السم في طعام الحسن (ع) وكان قد وعدها كذبا أن يزوجها يزيد ابنه).

أو (كما استخدم المال للتأثير على مواقف البعض السياسية ، أو كسب موقف بواسطة الإغراء المالي فبعد موت مروان بن الحكم حصل تنازع على السلطة ثم أتفق على أن يكون الخليفة هو عبد الملك وبعد موته يخلفه عمرو بن سعيد بن العاص وكتبا كتابا وأشهدا أشراف أهل الشام عليه. ولكن عبد الملك كان يتحين الفرصة للغدر بعمرو.. فدخل عمرو على عبد الملك يوما، وقد استعد عبد الملك للغدر به، فأخذ وأضجع وذبح ولف في بساط، وأحس أصحاب عمرو بالمكيدة، وهم بالباب فنادوا صاحبهم فأخذ عبد الملك خمسمائة صرة في كل صرة ألفا درهم (المجموع مليون درهم)، وأمر أن تلقى من أعلى القصر على أصحاب عمرو بن سعيد فترك أصحابه الرأس ملقى وأخذوا المال وتفرقوا).

ويتناول الباحث المال السياسي والشعر، فقد عرض فيه توظيف الشعر في الصراع السياسي، حيث قدمت الدولة الهدايا والهبات إلى الشعراء مقابل تزلفهم إلى السلطة وتبرير شرعيتها أمام القوى المعارضة الأخرى، ويحفل المبحث بأسماء شعراء كثيرين وقفوا عند أبواب الخلفاء والولاة والأمراء فالأخطل شاعر البلاط الأموي ورغم مسيحيته، كان مدافعا عن حق الأمويين في السلطة، مبررا أهليتهم لها مضفيا حقا إلهيا على حكمهم. ورائيته وحدها تكفي نموذجا حيث قال مادحا عبد الملك بن مروان:

إلى إمريْ لا تعدينا نوافله

أظفره الله فليهنأ له الظفر

يغشى القناطر يبنيها ويهدمها

مسوم فوقه الرايات والقتر

ومن شعراء السلطة عدي بن الرقاع الذي مدح الوليد بن عبد الملك وكذلك مدحه حارث بن بدر الغداني، أو الحكم بن عبدل الذي مدح عبد الملك بن مروان، والأحوص الذي مدح الوليد بن عبد الملك وعبد العزيز بن مروان وعمر أبنه، ويزيد بن عبد الملك، هناك إشارة إلى الكثير من شعراء المدح والتكسب..

أوربيا وفي القرن التاسع عشر أصبح ممكنا شراء مقعد من الناخبين في الدوائر الانتخابية الفقيرة في انكلترا، كما اشتُريت بعض مقاعد مجلس الشيوخ أبان الجمهورية الثالثة والرابعة في فرنسا الديمقراطية، وغير ذلك من الأمثلة في عدد من الدول الأوربية الأخرى حيث غدا فيها المال السياسي أداة من أدوات الوصول والحصول على السلطة.

في العراق ومن خلال التجارب التي مر بها خلال هذه السنوات العجاف الماضية يتيح المال السياسي فرص شراء ضمائر وصحف وإذاعات وقنوات تلفزيونية فضائية وأرضية وحملات دعاية متنوعة بالإضافة إلى إمكانية شراء رجال سياسيين بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لا غرابة أن نجد بعض رجال السياسة يغيرون قبيل الانتخابات مواقعهم من موقع إلى آخر، من كتلة إلى أخرى، سعيا وراء الحصول على منصب برلماني أو وزاري أو دبلوماسي.

بهذا يتحول المال السياسي إلى سلاح سياسي، كما تتطور العلاقة من خلال ذلك بين بعض السياسيين الراكضين وراء السلطة إلى البحث عن مصادر المال السياسي – الانتخابي حتى لو كان هذا المصدر عربيا أو من دول الجوار أو من جهات أجنبية، تحاول جميعها أن ترفع إلى السلطة أناسا موضع ثقتهم وثقة مخططاتهم أكثر من ثقتهم بوطنيتهم. فالمبالغ الممنوحة ستعود مضاعفة الى تلك الجهات، عقودا ونفوذا وصفقات سياسية، وليذهب العراق والعراقيون الى الجحيم.. بصورة عامة فأن هناك شكلا واضحا من أشكال العلاقة بين حجم المال السياسي – الانتخابي وحجم المقاعد التي يحتجزها داخل السلطة.

الطبقة السياسية الجديدة في العراق لا تموّه او تخفي  في الوقت الحاضر قيمها الساعية وراء ربط المال السياسي بالانتخابات البرلمانية، بمعنى أنها تعلن للناس عن طريق الشاشات الفضائية التي تملكها والإذاعات المحلية والصحف ومواقع الانترنت أيضا أنها تعتز بالمال السياسي لأنه مصدر رئيسي من مصادر القوة السياسية.

ما هي مصادر المال السياسي في العراق في الوقت الحاضر وحتى مستقبل على الأقل يبدو بعيدا جدا..

يمكن تحديد خمسة مصادر رئيسية لهذا المال:

1- أموال الدول الإقليمية القادمة من خلف الحدود.

2- الاستفادة من الوضع الحكومي الذي يكون فيه المرشح بأشكال متعددة ( عقود – عمولات – مخصصات – نثريات سفر واقامة وحراسة ) الى اخر تلك الوجوه..

3- توظيف المباني الفقهية (الحيل الشرعية) لسرقة المال العام..

4- بناء واجهات اقتصادية او الاستيلاء على واجهات تعود الى رجالات النظام السابق..

5- الاستفادة من التعديلات التي اجريت على قانون الراتب للسياسيين العاملين في المناصب الحكومية المهمة.

وقد حذر مرشحون للبرلمان المقبل (وهو تحذير يراد منه ذر الرماد في العيون، او هو من قبيل إبعاد الشبهات عن القوائم التي ينتمي اليها المرشحون) من استخدام المال السياسي لتغيير نتائج الانتخابات تنفيذا لأجندات خارجية.

فـ علي الأديب المرشح عن ائتلاف دولة القانون يقول أن "العراق أصبح مسرحا لتدخل دور الجوار من خلال بذل الأموال لكتل سياسية وأفراد، من أجل تشتيت أصوات الناخبين لكي تنجح كتل معينة ليس لها رصيد في الواقع الاجتماعي العراقي" في الانتخابات.

وهي النغمة المتكررة الخالية من اللحن المفهوم (فلم يخبرنا احد عن تلك الكتل او الدول الداعمة)..

ويرفض المرشح طه درع السعدي استخدام المال السياسي لتغيير المعادلة في العراق لخدمة أجندات إقليمية، مشددا على أن "من مسؤولية الساسة العراقيين الحد من تلك التدخلات".

وذكر احد المواقع العراقية الخبرية ان الكتل والقوى السياسية حملة لشراء أصوات الناخبين في العديد من دول الجوار. ففي سوريا مثلا حيث يوجد اكبر عدد من المهجرين العراقيين فقد بدا التنافس حاميا بين العديد من الكتل والكيانات السياسية لضمان اكبر عدد من أصوات العراقيين هناك.

وطبقا للمعلومات التي حصلت عليها (الملف برس) فانه في الوقت الذي تبدو فيه كتلتا (العراقية) بزعامة اياد علاوي و (ائتلاف وحدة العراق) بزعامة جواد البولاني الأوفر حظا في كسب الأصوات فإن كتلا كبيرة جدا بدأت إتباع سياسة شراء الأصوات حيث بلغ سعر الصوت الواحد  200 دولار أميركي.  من يزيد؟

كل (انتخابات) والعراق بألف خير..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/آذار/2010 - 16/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م