شبكة النبأ: ثمة خياران لا ثالث لهما
أمام الناس فيما يتعلق بعلاقتهم بالحاكم، فأما أن تكون الدكتاتورية هي
طريقة الحكم فيسود الاستبداد ويتحكم الفرد الحاكم بمصائر الجميع، وأما
أن ينتخب الناس حكومتهم بأنفسهم وبهذا سوف تتحقق لهم حكومة منتخبة من
بينهم تدير شؤونهم بما يليق بكرامة الانسان وحقه في العيش الكريم.
هنا يتضح دور الناخب الهام في تحديد نوع الحكومة او نوع النظام
السياسي الذي سيتقلد دفة القيادة، ويبدو أيضا أن دور الناخب والمواطن
واضح ومهم في هذا المجال، بيد أن التلكؤ والتردد والخوف غالبا ما يقود
الى وصول الحكام الفرديين الى دفة الحكم، كما أن تخلي المواطن عن دوره
وخشيته وخوفه من عواقب المطالبة بحريته يقود الى الحكومات المستبدة،
وفي هذا المجال يقول المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله):
(أحياناً تكون الدكتاتورية بحجم كبير جداً فيخاف الإنسان أن يقابلها
… لكن يجب أن يعلم الإنسان إن الدكتاتورية مهما كانت كبيرة الحجم فإنها
-خُشُبٌ مُسَنَّدة- وألا ييأس من روح الله).
لهذا على الانسان أن يكافح من اجل الإسهام في تحقيق الحكومة
المنتخَبة، وهنا يكون الدور مضاعفا على الناس الأكثر وعيا من غيرهم
كالكتاب والمثقفين ورجال الدين وغيرهم، حيث يكون للإنسان الواعي دوره
الهام في توعية الاقل وعيا على اهمية الحفاظ على حرياتهم وأهمية
انتخابهم لمن يستطيع أن يحكم بينهم ويحكمهم بطريقة عادلة ووفق نظام
سياسي متطور ومتوازن في آن، حيث يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في
هذا المجال:
((تبدأ مسؤولية الكاتب في توجيه الرأي العام نحو الإسلامية الناصعة
ومنها رفض الإستبداد والأخذ بشورى المراجع).
ولعل الشورى وهي مبدأ إسلامي يؤكد سلامة الحكم وقدرته على خدمة
الانسان بالطريقة اللائقة، تعد من أهم المبادئ المساعدة على تحقيق
الحكومات القريبة من هموم الناس واحتياجاتهم المادية والمعنوية، كما أن
الشورى تعني تحقيق الخطط والاهداف المطلوبة بالتوافق والتشاور بعيدا عن
لغة التسلط والاستبداد، فالشورى كما يقول الامام الشيرازي (رحمه الله):
(الشورى تضمن صعود المؤهلين وأصحاب الكفاءات إلى مرافق الحكم
والإدارة مما يسبب تقدم البلاد والعباد).
ولعلنا لا نأتي بجديد حين نؤشر الجهد الفكري الكبير الذي بذله
الامام الشيرازي الراحل في مجال ترسيخ مبدأ الشورى والتنويه الدائم
بأهميته في تحقيق السياسة الصحيحة المتوازنة التي تهدف الى خدمة
المحكومين قبل الحكام، حيث يؤكد أحد الكتاب هذا المنحى للامام (رحمه
الله) حين يقول:
(ربما نادى الكثيرون لمبدأ الشورى وادعى الكثيرون بضرورة تطبيق هذا
المبدأ.ولكن لم يلتفت أحد بشكل جدي صادق لأهميته ولم يقترب حتى من
المناداة به بل ازداد البعض على ذلك إذ تمادى في معارضة المبدأ ومن
ينادي به ويبدو أن هنالك دوافع كثيرة لهذه المعارضة نحن الآن في غنى عن
ذكراها).
ويؤكد هذا الكاتب أيضا بأن الامام الشيرازي:
(ينادي بصراحة تامة ودون أي تردد بل يشدد على ضرورة تطبيق مبدأ
الشورى وجعله ركن من أركان الحكومة الإسلامية والفقهية والسياسية
والإجتماعية ولا يمكن تلخيص فكرة الشورى إلا في وصفها بأنها صرخة عالية
يصيح صداها -لا للإستبداد-).
ولعل جل ما يريد أن يحققه مبدأ الشورى هو درء خطر الحكومات المستبدة
وكف الاذى الصادر عنها حيال الفقراء والبسطاء والضعفاء من الناس، وبهذا
فهي الرديف الاقوى للحرية، وهي الاسلوب الأمثل في كبح جماح الذات
الفردية التي تنزع الى التضخم على حساب الآخرين لتنمو وتصبح ذاتا
دكتاتورية لا يهمها ولا يعنيها سوى مصالحها القائمة على غريزة التفرد
والتمجيد الأجوف، لذلك، أينما تكون الشورى ستكون الحرية والعكس صحيح،
حيث يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في هذا الصدد:
(لا مجال لمن ينكر الشورى والحرية إلا أن يقر بالبديل الآخر، وهو
الفوضى والإستبداد).
لذلك ينبغي أن يتنبّه الناس لاسيما من يحق لهم الانتخاب الى ضرورة
إسهامهم الفاعل في الوصول الى الحكومة التي تجعل من مبدأ الشورى اسلوبا
لحكمها وادارتها لشؤونهم لأن هذا الاسلوب يضمن مشاركة الجميع في صنع
القرارات وإن تم ذلك بإسلوب التمثيل النيابي وما شابه، ويرى الامام
الشيرازي (رحمه الله):
(إنه لا إشكال في أن كل نظام كان أقرب إلى طاعة الله، وأبعد عن
سيطرة الظالمين، وأنفع للمسلمين، فهو واجب لا يجوز التنازل منه إلى
نظام ليس كذلك، ولا شك أن نظام الشورى فيه هذه الخواص، إذ ليس في قبال
الشورى إلا الديكتاتورية).
وخلاصة القول يريد مبدأ الشورى أن يحجّم نزعات النفس الفردية في
مجالات الانظمة السياسية الحاكمة، ويعمل على حفظ مبدأ المشاركة للجميع،
كما تهدف الشورى الى كبح جماح الفرد الحاكم، وكبح الاستبداد أيا كان
نوعه أو مصدره، ولعلنا نتفق على أن هذا الهدف بحد ذاته هو جل ما تصبو
إليه الامم والشعوب المعاصرة. |