كلما اقتربنا من موعد السابع من آذار، كلما ازدادت الدعوات للناخب
للمشاركة اولا، ودقة التصويب (الاختيار) ثانيا. وكلما اقتربنا من ذلك
العرس الديمقراطي كلما احتدمت المنافسة وازدادت ادوات الدعاية تارة
والتسقيط لبرامج المرشحين الآخرين تارة اخرى، ولكن قليلا ما نجد من
يفكر ويخطط ويمأسس للمرحلة القادمة بخطى واثقة تخدم واقع الناخب
ومستقبل النائب واطار العلاقة بينهما.
في هذا السياق، نستذكر دعوة المركز العربي لتطوير حكم القانون
والنزاهة في احدى وثائقه الاساسية حول مباديء البرلمان الصالح والخاصة
بالقضايا التالية :
التمثيل والمشاركة، الاستقلالية، الاداء والنزاهة. والذي يتعلق
بحديثنا هو مبدأ التمثيل والمشاركة الذي يعني تحليله من حيث علاقة
النائب بالناخب، ثلاثة مستويات :
الاول : مدى تواصل النائب بشكل دوري مع الناخبين وحدود استمرارية
هذا التواصل.
الثاني : تواصل النائب واستشارته لهيئات المجتمع المدني والخبراء.
المستوى الثالث : يبحث مدى عقد جلسات استماع دورية، للمعنيين في
المجتمع المدني، وفي اللجان والجلسات العمومية في البرلمان.
ولو استعرضنا امثلة تبين المستوى العملي لهذه العلاقة، فان روسيا
الاتحادية اقرت عام 2005 قانونا ينظم المجلس الشعبي لروسيا الاتحادية
باعتباره وسيطا بين المجتمع والسلطة التشريعية يتولى مهمة تقييم
المبادرات التشريعية من منطلق ما تحققه من مصلحة عامة. وقريبا من هذه
التجربة، تتوفر في جنوب افريقيا منذ عام 2004 مؤسسة تعقد بشكل سنوي
لاهداف متشابهة، هي المؤتمر الشعبي، الذي يضم ممثلي قطاعات الشباب
والنساء والمعاقين والعمال، الذين يتداولون في نقاش عمومي تبثه وسائل
الاعلام مباشرة.
اما التجربة الفرنسية، فاذا كان المجتمع المدني لا يتمكن من
الناحية القانونية والشكلية التدخل في العمل التشريعي، فان هذا لا
يمنعه من فن ممارسة تأثير غير مباشر على مجمل الدينامية البرلمانية،
حيث غالبا ما يحرص البرلمانيون على معرفة آراء الخبراء والمعنين داخل
المجتمع المدني، تجاه اي مشروع قانون او ميزانية سنوية. وفي نفس
الاتجاه يمكن لمجلس النواب البلجيكي عقد جلسات للنقاش العمومي، قصد
معرفة آراء ممثلي المجتمع المدني والخبراء.
هذه التجارب سبقتنا بخمس او عشر سنوات وبعضها اكثر بكثير، لكننا لم
نسمع اي من مرشحينا يطرق هذا الموضوع بجدية او يتناوله بصورة عملية،
الا دعوة اطلقها المرشح جواد العطار عن محافظة كربلاء الذي حرص على
تناول هذا الموضوع في برنامجه الانتخابي طلبا لمأسسة التواصل المدني
البرلماني، من خلال فتح مكتب دائم في مركز مدينة كربلاء وانشاء مجلس
استشاري مكون من ممثلين للمجتمع الكربلائي من اهل الخبرة والمشورة
للرجوع اليهم قبل القطع مستقبلا في اي امر يتعلق بشؤون المحافظة في
حالة فوزه بالانتخابات التشريعية القادمة، ويقدم بناءا على ذلك ضمانات
عملية لاستمرار ذلك المجلس وديمومته وفعاليته.
بل ويذهب الى ابعد من ذلك حينما يدعو المرشحين الآخرين عن المحافظة
على اختلاف قوائمهم لذات الممارسة لان الهدف من وجهة نظره لا يتعلق
بقائمة او فرد بل بعموم المجتمع الكربلائي.
هذه الدعوة الاصلاحية التي تقف ورائها غاية الترجمة الحقيقية للوضع
بين النائب والناخب واستمرار تواصلها ومنع انقطاعها للسنوات الاربع
القادمة، تثبت ان مسؤولية الناخب يجب ان لا تنقطع حال وضع ورقة
الاقتراع في صندوق الانتخابات مثلما يقر بذلك النظام الديمقراطي، بل
يجب ان تتواصل وتستمر حتى يكون الناخب ظهيرا وسندا للنائب في مواقفه
وقراراته تجاه كافة القضايا التي تواجهه على مدى السنوات الاربع
القادمة. |