شبكة النبأ: في مدرسة بيوجلو أناضول
الدينية في اسطنبول صفَّت مصاحف على الأرفف ووُضعت على طاولة نُسخ
مترجمة إلى التركية من رواية "الكسوف" للكاتبة الأمريكية ستيفاني ماير
التي تتناول قصة حب خيالية بين مصاصي دماء.
ولن يجعلك أي شخص في المدرسة تعتقد أن هذا المزج بين التأثيرات
الإسلامية والغربية قد يمثل علاجا تعليميا معتدلا للإسلام الأصولي.
لكن خارج المدرسة يوجد اهتمام جديد بالمدارس من هذا النوع والتي
تنتمي لنظام يعرف في تركيا باسم نظام الأئمة والخطباء أو "إمام- خطيب".
ورأى البعض خاصة مسئولين من أفغانستان وباكستان أن النظام التركي قد
ينير الطريق أمام تعليم ديني للشباب في البلدين يكون أقل تشددا.
ويمكن فهم هذا الاهتمام لأن نظام إمام-خطيب التركي بعيد تماما عن
الصورة النمطية الموجودة لدى الغرب للمدرسة الدينية باعتبارها مؤسسة
تعلم التلاميذ القران بنظام الحفظ والتلقين.
وتأسس نظام إمام-خطيب أصلا لتعليم الموظفين الدينيين المسلمين في
العشرينات من القرن الماضي ويخصص المنهج الدراسي فيه نحو 40 في المئة
فقط من الدراسة للمواد الدينية مثل اللغة العربية والفقه الاسلامي
والبلاغة. وباقي المنهج يخصص للمواد العلمانية.
وتخرجت من هذه المدارس صفوة أعضاء حزب العدالة والتنمية ذي الجذور
الاسلامية والذي تولى السلطة في تركيا عام 2002. وتخرج رئيس الوزراء
التركي رجب طيب اردوغان الذي درس الاقتصاد فيما بعد من مدارس امام-خطيب
التي تخرج منها أيضا نحو ثلث نواب حزب العدالة والتنمية في البرلمان
التركي.
وعلى الرغم من ذلك يرى الاتراك أن من المفارقة اعتبار أن هذا النظام
الذي قمعه مطبقو العلمانية في الجيش التركي لنحو أكثر من عشر سنوات
يمكنه أن يدعم أي مزج في المؤسسات بين ما هو اسلامي وما هو علماني.
ويضع نظام للجامعات تمت مراجعته في أواخر التسعينات طلاب مدارس
امام-خطيب الساعين لدراسة المواد غير الدينية في الجامعات في مرتبة
أدنى. بحسب رويترز.
وقال ارين أوزجور وهو أستاذ أمريكي من أصل تركي في جامعة نيويورك
وتخرج من مدارس امام-خطيب "انه أمر مثير للاهتمام أن تصبح هذه المدارس
التي يدور حولها جدل في بلدنا أمثلة يحتذى بها في أماكن أخرى."
وفي مكتبه القريب من خليج القرن الذهبي عند مضيق البوسفور رأى حسين
كوركوت وهو طالب سابق في احدى مدارس امام-خطيب أن هذا النظام التعليمي
قد ينجح في الخارج فقط اذا حافظ على القيم الاسلامية لكنه رفض بشدة
فكرة أن يستخدم هذا النظام في حل مشاكل أمنية دولية.
وقال كوركوت وهو أستاذ في الاقتصاد "ننزعج من هذا الفهم بأن هذه
المدارس ستخرج مسلمين ناعمين يمكنهم التأقلم بسهولة مع احتياجات
ومتطلبات السلطات الدولية." ويعمل كوركوت الذي يصف نفسه بأنه نموذج
لخريجي هذه المدارس في جامعة كيركلارلي وهو المدير العام لرابطة خريجي
مدارس امام-خطيب.
وتأسست مدارس امام-خطيب لتدريب الائمة والخطباء وتحظى باهتمام أقل
من الاعلام في الغرب من المدارس الدولية المعتدلةالتي أسسها الخطيب
التركي المنفي فتح الله جولين. وهناك الكثير من المدارس على طراز جولين
في اسيا الوسطى وأخرى في منطقتي البلقان وأوروبا الغربية.
وزار وزير التعليم الافغاني فاروق وارداك الشهر الماضي احدى مدارس
امام-خطيب في أنقرة وقال ان هذا النظام قد يكون نموذجا للتعليم الديني
المعتدل في بلاده. وصرح سفير باكستان في تركيا بأن نظام امام-خطيب كان
موضوع نقاش على مستوى عال.
وقال وارداك "لا يجب أن يكون النظام التعليمي مجرد نظام تعليمي. يجب
أن يكون أداة لمحاربة التشدد." وأضاف أنه تأثر بالطريقة التي تمزج بها
مدارس امام-خطيب التعليم الديني بالمواد الاخرى.
وأضاف "نحتاج للتأكد من أن خريجي المدارس الدينية ... يملكون
المهارات والمواهب أيضا والمعرفة ليكونوا جزءا من المجتمع."
وربما يكون تغير أولويات السياسة الخارجية التركية قد عزز الاهتمام
الخارجي بالمدارس فأنقرة تسعى للعب دور أكبر بين الدول الاسلامية ومن
بينها سوريا وايران بالاضافة الى تدهور العلاقات مع اسرائيل حليفة
تركيا القديمة.
وترفع مدارس امام-خطيب صور مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية
التركية شأنها في ذلك شأن كل المدارس في البلاد. ويمكن للطلاب دراسة
نصوص حول هجرة النبي محمد الى المدينة في فصول توضع فيها صور لأتاتورك
وهو يلقي كلمة أمام شباب تركي.
وقال الاستاذ ام. حقان يافوز من مركز الشرق الاوسط التابع لجامعة
يوتاه "كان هناك توتر دائم بين العقيدة والبدعة في اطار الاسلام التركي.
"ونتيجة لهذا يوجد في الاسلام التركي هذه المؤسسات التي تقع خارج
نظام الاسلام التقليدي والتي تتمتع بتعددية وتسامح أكبر."
وكانت مدارس امام-خطيب التي تقدم مستوى مرتفعا من التعليم وبتكلفة
منخفضة تحظى بالشعبية بين الاسر التركية المحافظة في الماضي لكنها
استهدفت بعدما أطاح جنرالات كبار في الجيش التركي بأول حكومة يقودها
الاسلاميون في البلاد عام 1997 .
وبينما كانت نحو 600 مدرسة امام-خطيب في تركيا تقوم بتعليم نصف
مليون تلميذ في النصف الثاني من التسعينات صدر قرار بالغاء مدارس امام-خطيب
لتعليم التلاميذ في سن 11 و14 عاما وذلك بعد ما عرف بانقلاب ما بعد
الحداثة في تركيا.
وتلقى نظام مدارس امام-خطيب ضربة أخرى بسبب تغييرات في نظام القبول
بالجامعات والذي يقيس صلة المواد التي درسها الطالب بما يريد أن يدرسه
في الجامعة. ومعنى التغييرات التي تم ادخالها بعد 1997 أنه ما لم يختر
خريجو مدارس امام-خطيب أن يدرسوا الدين فانهم سيجدون فرصهم أقل من
خريجي المدارس التقليدية.
وتضاؤل فرص الحصول على تعليم أعلى قلّص من الإقبال على مدارس
إمام-خطيب. واليوم يتردد 120 ألف تلميذ على نحو 450 مدرسة من هذا النوع
في تركيا. ويعمل حزب العدالة والتنمية على إعادة هذه المدارس إلى سابق
عهدها لكنه لم ينجح حتى الآن في تغيير متطلبات القبول بالجامعات. |