- جزع
منها الجميع وسعى لدرء خطرها الجميع ولكن الحرب وقعت (أبراهام لنكولن
عن الحرب الأهلية الأمريكية ).
شبكة النبأ: تستفحل ثقافة الحرب
الأهلية عندما تضعف/ تضمر الدولة لصالح مكوناتها الفرعية، قومية أم
إقليمة أم جهة أم طائفة أم عشيرة.. وتغيب قيمة المواطنة التي تتطلب
المساواة أمام القانون، وتصبح القوة النافذة من مليشيات هي من يأخذ
الحق ويوقع العقوبة.
تستفحل عندما تسود العنصرية ويعتقد مكون من المكونات أنه بموروثه لا
بمكتسبه أعلى شأنا من الآخر أو يضطهد ويهمش لذات السبب.
في المجتمعات التي تتعرض لهزات عنيفة بعد عقود من القمع والتنكيل
تكون شهيتها مفتوحة على اتساعها للخراب والتدمير.. حتى لو تأخر إشباع
تلك الشهية تحت عناوين معينة هي إيديولوجية في غالبيتها ..
ويظهر من تطورات الحدث العراقي بعد استبعاد من استبعد بقرارات هيئة
المساءلة والعدالة إن الشهية مفتوحة لنفس الخراب والدمار من البعض
اتجاه البعض الآخر..
وهي شهية راكمتها احداث السنوات السبع الماضية اضافة الى عقود طويلة
منذ تاسيس الدولة العراقية مرورا بالانقلابات العسكرية وحتى حكم القرية
وابنها صدام طيلة ثلاثة عقود ونصف.
في مجتمعاتنا العربية والاسلامية حين تتصارع الايديولوجيات فان
الايديولوجية التي بيدها السلطة تلجأ الى أقسى انواع العنف والوحشية
للتنكيل بخصومها ، وهو مارايناه وعايشناه .. وقد وسمت تلك الوحشية
المجتمع العراقي بميسمها واصبحت ثنائية الاضطهاد – العنف عبر الاستئثار
بالحكم مقابل المضطهد – الضحية ..
وهي ثنائية بلورت امتياز هوية الطائفة السنية في الشق الاول وهوية
الطائفة الشيعية والقومية الكردية في شقه الثاني.
وقد عمل حزب البعث طيلة حكمه للعراق على تأطير رؤاه الايديولوجية
المتعلقة بالقومية العروبوية وفهمه للدين في اطار الواقع المعاش
للسياسة العملية اليومية للعراقيين بافلبية شيعية مقصية.. ولم يخل هذا
الواقع من الكثير من محطات الاصطدام الا انه كان اصطداما حافظ على
قناعه الايديولوجي السياسي ولم يرفع القناع عن ايديولوجية قومية او
دينية سافرة على المستوى الاجتماعي الا اللهم على مستوى النخب السياسية
والثقافية التي وجدت نفسها خارج البلاد في المنافي العديدة تتحدث عن
إقصاء عروبي ( للأكراد ) وطائفي ( للشيعة )..وهذه النخب سنراها بعد
العام 2003 تميل في معظمها الى استعارة ما كانت تحاربه بالأمس في
ممارساتها اليومية السياسية وان بشكل آخر..
لم تفلح تجربة السنوات السبع الماضية في إعادة صياغة الفكر السياسي
العراقي أو حتى تهذيب بعض مفرداته..
فهو فكر مشحون ومعبأ بكل ما من شانه أن يثير النعرات الطائفية
والمناطقية بعد بروز الهويات الفرعية في المجتمع العراقي.. والتي أدى
نزوعها الى تصعيد الصدام المكثف في بعض المفترقات الحادة الى اقتتال
طائفي بين اكبر مكونين (الشيعة والسنة) والتي عانى منها العراقيون
خلال العامين 2006 – 2007 وحصدت الكثير من الأرواح ، بقي الطرف الكردي
في معادلة العقد العراقية الثلاثة ( الشيعية – السنية – الكردية )
بمنأى عنها يراقب ويتفرج ويشارك أحيانا في تأجيجها لتمرير الكثير من
مطالبه غير المحقة..
تصريح رئيس القائمة العراقية إياد علاوي، وبعد قرارات هيئة المساءلة
والعدالة باستبعاد المرشحين أصحاب المرجعيات البعثية – ان سابقا او
تماهيا مع البعث في تصريحاتهم – والمحذرة من حرب اهلية تكشف عن عدد من
مستويات التفكير السياسي العراقي بشكله الراهن والمستقبلي بافقه
المنظور..
وقد أنتقد تحالف (العراقية) بشدة ما أسماه بـ "التحريف غير المقبول"
من جانب الناطق بإسم الحكومة العراقية علي الدباغ للتحذيرات التي
أطلقها زعيمه أياد علاوي من احتمالات إندلاع حرب أهلية في البلاد بسبب
إستبعاد مرشحين من المشاركة بالإنتخابات.
وقال المتحدث بإسم التحالف حيدر الملا، إن "ما أكد عليه علاوي ينطلق
من أهمية بناء دولة القانون والمؤسسات بعيداً عن أي مظهر من مظاهر
التسييس أو السعي من خلال ذلك لتحقيق أهداف ومكاسب تصل بالمنافسة
الانتخابية إلى حد الإقصاء والتهميش، وبالنتيجة فإن هذا مؤشر خطير
وبلاشك أنه ينذر بتداعيات خطيرة". وأضاف الملا "تحريف هذه التحذيرات من
جانب الدباغ ومحاولة إلصاق التهم بالمستبعدين أمر غير مقبول وربما هي
تمثل وجهة نظر شخصية، كما أعتدنا ذلك من الناطق باسم الحكومة".
وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ اعتبر تصريحات أياد
علاوي بشأن حدوث حرب أهلية في حال رفض هيئة المساءلة والعدالة (اجتثاث
البعث) لترشيحات بعض المرشحين، بـ "غير الموفقة والخطيرة" وقال إن "ربط
الحرب الأهلية بأشخاص قلائل لم يُسمح لهم الاشتراك بالانتخابات يعني
أنهم هم أنفسهم من يتسببون بهذه الحرب.
رئيس القائمة العراقية في تصريحاته ضمناً يريد أن يسحب من المنتصرين
في الانتخابات القادمة شرعية انتصارهم من خلال الإيحاء بان المنتصرين
انتصروا بطائفيتهم وليس وطنيتهم مما يمنح الأطراف المنهزمة وهي الأطراف
المقابلة طائفيا مبرر تغيير هذه النتائج عبر السلاح والتوسل بالعنف..
وهي ضمنا ايضا تريد القول بان المستبعدين لهم حصة من المناصب حتى لو لم
تفز قوائمهم في المحصلة النهائية، لان الخاسر يمكن ان يلجأ لجميع
الأساليب الممكنة حتى لو كان ذلك بهدم المببد على من فيه..وهي هنا
تجربة التداول السلمي للسلطة عبر الاقتراع المباشر للناخبين.. وهي
تجربة اسست _ رغم بعض السلبيات التي ترافقها – لقطوعات مهمة مع مرحلة
سابقة لا يرتضي ان يغادرها المستبعدون او من لديهم انتماءات سابقة الى
حزب البعث او فكره او حتى ثقافته الحياتية..
هذه التصريحات تتقاطع بحدة مع الشعارات التي ترفعها تلك القائمة او
قوائم المستبعدين والتي تصر على انها رافعة المشروع الوطني والداعمة
له.. وهي تذكر بما آلت إليه الكثير من تجارب التحرر الوطني في
مجتمعاتنا العربية ، التي عملت على الاستئثار بالسلطة ومارست الإقصاء
والتهميش بحق مكونات مجتمعاتها الأخرى..
المشروعات الوطنية وبعد هذه السنوات لا يمكن لها أن تمر عبر حرب
أهلية قد يفكر في إشعالها الخاسرون، لأنهم سيكونوا أول المحترقين
بنيرانها.. |